الأمازيغي
07-02-2005, 02:32 PM
السلام عليكم
يقول سماحة الشيخ عبد الباقي الجزائري حفظه الله في كتابه قراة في سلوك الصحابة ما يلي :
يولد الواحد منّا في بلد لم يختره ومن عشيرة لم يخترها ، ويجد أمامه ثقافة جاهزة ينصهر فيها ويتلقّى من المعارف ما شاء الله أن يتلقى قلّ أم كثر ، ثم ينضج فكره ويصبح صاحب رأي وموقف . ثم يأتي عليه يوم يلاحظ فيه تناقضات كثيرة بين ما يؤمن به وما يمارسه ، وهنا تبدأ المعركة الداخلية بينه وبين ضميره . معركة داخل الإنسان بينه وبين نفسه . معركة بين الاستجابة للحق واتباع الهوى . معركة بين السمو الروحي والهبوط الحيواني ، وبعبارة قرآنية معركة السرائر . ماذا يقول الإنسان في سريرته حينما يلاحظ تناقضا في دينه ؟ وهنا يفترق الناس .
منهم من يريد العافية والمحافظة على وضعيته الاجتماعية فلا يرى نفسه مكلّفا بشيء ، انطلاقا من مبدإ ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) ! وهذا الصّنف من الناس ليس لديه احترام لنفسه ، لأنّ أهونَ شيء عنده دينهُ . فهو إذا أراد أن يأكل تخيّر أفضل الأطعمة ، وإذا أراد أن يلبس تخيّر أفضلَ الألبسة ، وإذا أراد الزواج فلا تسأل عن الخبر ، حتى إذا تعلّق الأمر بالّدين تساهل وتسامح وغضّ الطرْف واعتبر كلَّ شيء صحيحا ومنَّى نفسه الأماني .
و منهم من يكون قد تقدّم في تديّنه بحيث يُستمع إليه إذا تكلّم ويُستشار ويُستفتى وقد يترقّى اجتماعيا بسبب تديّنه ، حتى إذا تشابهت الأمور كان أهمّ شيء عنده ألا يفقد منصبه الديني ووضعيته الاجتماعية فيجنّد نفسه للدفاع عن ذلك ، ويتخلّف عمّا عاهد عليه الله من الصّدق والإخلاص ، فيغتنمها منه الشيطان ويصيب منه المقتل ، فيفتح له باب الإفتاء ويحيطه بالشُّبهات ويُعتّم عليه ويطلعه على أقوال شيوخ السّوء ممّن ساءت نيته وخَبُثت سريرته فخذله الله تعالى ووكَله إلى نفسه . وهذا الصّنف يصدق عليه قوله تعالى : ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) [الأعراف 176] .
ومنهم من يبقى حائرا متردّدا لا يدري ما يفعل ، إذ لا هو مقتنع بما هو عليه ولا هو مطّلع على بديل ، فيخشى على نفسه الضّلال ، خصوصا إذا كان دينُه من قلبِه بمكان .
ومنهم من هو في غنى عن الوضعية الاجتماعية والمنصب ، ومع ذلك لأسباب يعلمها الله تغلِب عليه الشقوة ويُؤثر الباطل على الحقّ ، ويصبح من دعاته المتفانين . . .
ومنهم الذين يستمعون القول فيتّبعون احسنه…
ومنهم…
ثمّ ماذا لو ساءل المرء نفسه كأن يقول مثلا : لو أنّني خُلقت في محيط بوذيّ أو هندوسيّ ، هل أعرف من نفسي ما يطمئنني إلى أنّي أكون بسهولة من المهتدين ؟
ولو أنني ولدت في وسط يهودي أو مسيحي ، أتراني كنت أعتنق الإسلام لأوّل ما يتبين لي الحقّ ؟
أتراني أكون مستعدّا لفراق الأهل والعشيرة والتّقاليد والرسوم… ؟
مثل هذه الأسئلة تمثل المحكّ الذي يكشف عن خفايا النّفوس وخباياها ، ولذلك ترى كثيرا من النّاس يفرّون من طرحها ، لأنّها أشبه ما تكون بالمرآة ، تعكس الشيء نفسه لا أقلّ ولا أكثر ، والإنسان يعرف من ذاته الدّفاع عن النّفس الأمّارة ، ويتمحّل في التّأويل والتّلفيق ، ويريد أن يقول إنه دائما على صواب ولكنّ الآخرين لا يفهمونه ، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا .
نعم ، لو أنني خلقت بوذيّا أكنت أقبل على الإسلام لأول ما يتبيّن لي الأمر ؟
إنّها نعمة لا تعدلها نعمة أنّي ولدت في مجتمع مسلم من أبوين مسلمين ، فقد كُفيت مؤونة البحث والحيرة ، ودخلت سن التّكليف غير ملوّث بالشرك . وما أكثر أطفال العالم الذين لم يحظوا بهذه النّعمة ، ولم يزدهم آباؤهم وأمّهاتهم إلا بعدا من الطريق ، إلا أن تدركهم العناية الإلهيّة . وقد أوتيت هذه النّعمة من غير استحقاق فهل أنا في مستوى الشكر ؟
إنها أسئلة صعبة وأجوبتها أصعب ! فإنْ قال المتسائل نعم أنا في مستوى الشكر كان مزكّياً لنفسه مخالفا لقوله تعالى : ((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)). وإن قال لا كان شاهدا على نفسه بكفران النّعمة . والسّكوت أسلُم لكنه لا يحلّ المشكلة .
ومن هذا القبيل أيضا أن يقول مثلا : لو أنني كنت في مكة زمنَ البعثة النّبوية الشّريفة ، مع من كنت أمضي ؟ مع رسول الله . والأبرار ، أم مع أبي جهل والوليد بن المغيرة و. . ؟
صحيح أن ذلك من الغيب ، ولكن ، هناك أمور يستشفّ من ورائها موقف الإنسان لا تكهّنا ورجما بالغيب بل بناءً على مؤهّلات واقعيّة اختياريّة ، وهل نعجب عند سماع قوله تعالى : ((وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) ؟ هؤلاء رأوا العذاب الذي لا طاقة للبشر بوصفه ، لكنّهم لأوّل لحظة يتمكّنون من الاختيار يختارون متابعة الهوى ، فكيف نعجب ممن يتّبع هواه ولم ير العذاب ؟
إنّ موقفَ الإنسان الواقعيَّ يكشف عن موقفه الافتراضيّ ، بمعنى أنه من خلال مواقفه يستطيع أن يتصوّر بصورة تقريبيّة موقفه من رسول الله . لو وُلد في زمانه . فما عليه إلا أن يَعرض سلوكه المعنويَّ على توجيهاتِ وإرشاداتِ وأوامرِ النبي. ويتبيّن من خلال ذلك في أي صفّ يكون ، معه أم عليه ؟
نعم ، السّلوك المعنويّ لا العبادات التي أفُرغت من محتواها فأضحت من المكمّلات الشكليّة !
يقول سماحة الشيخ عبد الباقي الجزائري حفظه الله في كتابه قراة في سلوك الصحابة ما يلي :
يولد الواحد منّا في بلد لم يختره ومن عشيرة لم يخترها ، ويجد أمامه ثقافة جاهزة ينصهر فيها ويتلقّى من المعارف ما شاء الله أن يتلقى قلّ أم كثر ، ثم ينضج فكره ويصبح صاحب رأي وموقف . ثم يأتي عليه يوم يلاحظ فيه تناقضات كثيرة بين ما يؤمن به وما يمارسه ، وهنا تبدأ المعركة الداخلية بينه وبين ضميره . معركة داخل الإنسان بينه وبين نفسه . معركة بين الاستجابة للحق واتباع الهوى . معركة بين السمو الروحي والهبوط الحيواني ، وبعبارة قرآنية معركة السرائر . ماذا يقول الإنسان في سريرته حينما يلاحظ تناقضا في دينه ؟ وهنا يفترق الناس .
منهم من يريد العافية والمحافظة على وضعيته الاجتماعية فلا يرى نفسه مكلّفا بشيء ، انطلاقا من مبدإ ((لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)) ! وهذا الصّنف من الناس ليس لديه احترام لنفسه ، لأنّ أهونَ شيء عنده دينهُ . فهو إذا أراد أن يأكل تخيّر أفضل الأطعمة ، وإذا أراد أن يلبس تخيّر أفضلَ الألبسة ، وإذا أراد الزواج فلا تسأل عن الخبر ، حتى إذا تعلّق الأمر بالّدين تساهل وتسامح وغضّ الطرْف واعتبر كلَّ شيء صحيحا ومنَّى نفسه الأماني .
و منهم من يكون قد تقدّم في تديّنه بحيث يُستمع إليه إذا تكلّم ويُستشار ويُستفتى وقد يترقّى اجتماعيا بسبب تديّنه ، حتى إذا تشابهت الأمور كان أهمّ شيء عنده ألا يفقد منصبه الديني ووضعيته الاجتماعية فيجنّد نفسه للدفاع عن ذلك ، ويتخلّف عمّا عاهد عليه الله من الصّدق والإخلاص ، فيغتنمها منه الشيطان ويصيب منه المقتل ، فيفتح له باب الإفتاء ويحيطه بالشُّبهات ويُعتّم عليه ويطلعه على أقوال شيوخ السّوء ممّن ساءت نيته وخَبُثت سريرته فخذله الله تعالى ووكَله إلى نفسه . وهذا الصّنف يصدق عليه قوله تعالى : ((وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) [الأعراف 176] .
ومنهم من يبقى حائرا متردّدا لا يدري ما يفعل ، إذ لا هو مقتنع بما هو عليه ولا هو مطّلع على بديل ، فيخشى على نفسه الضّلال ، خصوصا إذا كان دينُه من قلبِه بمكان .
ومنهم من هو في غنى عن الوضعية الاجتماعية والمنصب ، ومع ذلك لأسباب يعلمها الله تغلِب عليه الشقوة ويُؤثر الباطل على الحقّ ، ويصبح من دعاته المتفانين . . .
ومنهم الذين يستمعون القول فيتّبعون احسنه…
ومنهم…
ثمّ ماذا لو ساءل المرء نفسه كأن يقول مثلا : لو أنّني خُلقت في محيط بوذيّ أو هندوسيّ ، هل أعرف من نفسي ما يطمئنني إلى أنّي أكون بسهولة من المهتدين ؟
ولو أنني ولدت في وسط يهودي أو مسيحي ، أتراني كنت أعتنق الإسلام لأوّل ما يتبين لي الحقّ ؟
أتراني أكون مستعدّا لفراق الأهل والعشيرة والتّقاليد والرسوم… ؟
مثل هذه الأسئلة تمثل المحكّ الذي يكشف عن خفايا النّفوس وخباياها ، ولذلك ترى كثيرا من النّاس يفرّون من طرحها ، لأنّها أشبه ما تكون بالمرآة ، تعكس الشيء نفسه لا أقلّ ولا أكثر ، والإنسان يعرف من ذاته الدّفاع عن النّفس الأمّارة ، ويتمحّل في التّأويل والتّلفيق ، ويريد أن يقول إنه دائما على صواب ولكنّ الآخرين لا يفهمونه ، وكان الإنسان أكثر شيء جدلا .
نعم ، لو أنني خلقت بوذيّا أكنت أقبل على الإسلام لأول ما يتبيّن لي الأمر ؟
إنّها نعمة لا تعدلها نعمة أنّي ولدت في مجتمع مسلم من أبوين مسلمين ، فقد كُفيت مؤونة البحث والحيرة ، ودخلت سن التّكليف غير ملوّث بالشرك . وما أكثر أطفال العالم الذين لم يحظوا بهذه النّعمة ، ولم يزدهم آباؤهم وأمّهاتهم إلا بعدا من الطريق ، إلا أن تدركهم العناية الإلهيّة . وقد أوتيت هذه النّعمة من غير استحقاق فهل أنا في مستوى الشكر ؟
إنها أسئلة صعبة وأجوبتها أصعب ! فإنْ قال المتسائل نعم أنا في مستوى الشكر كان مزكّياً لنفسه مخالفا لقوله تعالى : ((فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى)). وإن قال لا كان شاهدا على نفسه بكفران النّعمة . والسّكوت أسلُم لكنه لا يحلّ المشكلة .
ومن هذا القبيل أيضا أن يقول مثلا : لو أنني كنت في مكة زمنَ البعثة النّبوية الشّريفة ، مع من كنت أمضي ؟ مع رسول الله . والأبرار ، أم مع أبي جهل والوليد بن المغيرة و. . ؟
صحيح أن ذلك من الغيب ، ولكن ، هناك أمور يستشفّ من ورائها موقف الإنسان لا تكهّنا ورجما بالغيب بل بناءً على مؤهّلات واقعيّة اختياريّة ، وهل نعجب عند سماع قوله تعالى : ((وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ)) ؟ هؤلاء رأوا العذاب الذي لا طاقة للبشر بوصفه ، لكنّهم لأوّل لحظة يتمكّنون من الاختيار يختارون متابعة الهوى ، فكيف نعجب ممن يتّبع هواه ولم ير العذاب ؟
إنّ موقفَ الإنسان الواقعيَّ يكشف عن موقفه الافتراضيّ ، بمعنى أنه من خلال مواقفه يستطيع أن يتصوّر بصورة تقريبيّة موقفه من رسول الله . لو وُلد في زمانه . فما عليه إلا أن يَعرض سلوكه المعنويَّ على توجيهاتِ وإرشاداتِ وأوامرِ النبي. ويتبيّن من خلال ذلك في أي صفّ يكون ، معه أم عليه ؟
نعم ، السّلوك المعنويّ لا العبادات التي أفُرغت من محتواها فأضحت من المكمّلات الشكليّة !