المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : "دون كيشوت" أكان نصير المظلومين أم أضحوكة موهوماً?!



fadel
07-02-2005, 12:27 AM
قراءات لكتاب وباحثين في الرواية الاسبانية الأشهر

400 عام على سر فانتش

دمشق ¯ احمد الخليل

لا تزال رواية »دون كيشوت« تثير شهية الباحثين والكتاب لتقديم قراءات متنوعة لرواية الكاتب الأسباني سرفانتس "1547 ¯ 1616" المشهورة والتي لا تزال تمتلك حتى الآن قدرة كبيرة على التأثير, من هنا كان لها تلك الجاذبية ليشغف بها الكتاب والقراء ومحاكاتها بصيغ متعددة وقراءتها وتحليلها من قبل النقاد والكتاب في مختلف العصور.
وكانت رواية »دون كيشوت« ترجمت للعربية ترجمات عدة كما صدر اخيراً كتاب بعنوان »دون كيشوت ¯ مقالات مختارة, عن وزارة الثقافة السورية حرره وجمعه محمد كامل الخطيب.

من هو ?
هو "الفونسو كيخانو كيكسادا" النبيل الذي شارف على الخمسين من عمره, كان يقضي معظم وقته في قراءة كتب الفروسية بلذة تجعله ينسى الخروج للصيد وإدارة أمواله.. وهذا ما أدى لأن تستبد به فكرة غريبة وهي أن يكون فارسا جوالاً..

ويعتقد الكاتب الراحل "ممدوح عدوان" أن "سرفانتس" بدأ عمله ليسخر من دون كيشوت ويستشهد بعناوين الفصول ليؤكد ذلك, وحسب عدوان إن كتاب سرفانتس يتضمن وجهة نظر الكاتب بأدب الفروسية الذي كان سائداً في أيامه حيث المبالغة والكذب "المؤرخون الذين يكذبون يستحقون الحرق مثل مزيفي النقود" ولا يقف انتقاد "سرفانتس" في كتابه على أدب الفروسية بل يتعداه إلى نواحي الحياة الأخرى, ويستشهد عدوان هنا ب¯"عبد الرحمن البدوي" الذي قال: "هاجم سرفانتس الناس جميعا بسخرية لاذعة وتهكم قاتل.."

ويرى "فاشر مان" أن الكتاب هجاء للفرسان وكما هجت السينما أبطال الكاوبوي كذلك فان سرفانتس هجا أبطال عصره.. ويرى الكاتب أن شخصيتي دون كيشوت و"سانشو" تتناقضان في الجزء الثاني من الكتاب مع الجزء الأول حيث أن هاجس سرفانتس في الجزء الثاني هو الرد على "ابياندا" الذي ألف قصة أخرى بعنوان دون كيشوت, من خلال بطل قصته نفسه كما أن سرفانتس كان يخشى من سطوة كتاب آخرين بعد موته على البطل الذي ابتكره,

فأكد في نهاية الرواية أنه عندما لفظ دون كيشوت أنفاسه الأخيرة طلب القسيس من الموثق أن يعطيه شهادة بأن "الفونسو كيخانو" الملقب بالطيب والمعروف عند العامة باسم دون كيشوت دي لامانتشا قد فارق الحياة ومات ميتة طبيعية وهذه الشهادة سيستفيد منها ضد كل مؤلف آخر غير "سيدي حامد بن الآيل", يدعي زوراً بعثه ومتابعة تاريخ أعماله حتى اللانهاية"
ويشبه عدوان أسلوب سرفانتس بالكتابة بتكنيك كتابة المسلسلات التلفزيونية التشويقي مضافا إليه الحس السينمائي, ومن جهة ثانية يعمد المؤلف إلى حيلة الإيحاء أي انه ليس إلا ناقلا ومترجما القصة من كاتب عربي اسمه سيدي حامد بن الأيل المؤرخ العربي. وأسلوبه يذكر بأسلوب القص في الأدب العربي القديم قال الراوي "يا سادة يا كرام أو حدثنا عيسى بن هشام".. وقصد الكاتب من هذا الأسلوب هو التأكيد بأنه لا يحكي قصة من الخيال إنما قصة حقيقية وأبطاله حقيقيون.

نحن دون كيشوت
هناك رأي يقول أن الأكثر شهرة هو المجهول أكثر, وهذا يعني أن المشهور جدا تطغى الصورة التقليدية المشهورة عنه, فلا يعرف بعدها شيء عن خصوصياته وللعبارة معنى آخر أكثر دقة وأهمية هو أن المشهور جدا يتناقل الناس عنه شهرته وأسطورته ولكنهم لا يقرؤونه قراءة حقيقية إذا كان كاتبا ولا يرون لوحاته إذا كان رساما ولا يسمعون موسيقاه إذا كان موسيقيا وبالتالي لا يعرفونه معرفة حقيقية وعلى هذا الأساس يمكن القول بثقة إن بين من يتحدثون عن شكسبير والمتنبي ونجيب محفوظ.. نسبة قليلة ممن قرؤوا أعمال هؤلاء قراءة فعلية أو رأوا لوحات الرسامين.. وان نسبة كبيرة من الناس تكتفي بترديد المعلومات الشائعة عن هؤلاء.

ويرى ممدوح عدوان انه من غير الضروري الوقوف عند الصورة التي كتبها سرفانتس فهناك فرق كبير بين دون كيشوت الذي كتبه سرفانتس لكي يسخر منه وبين دون كيشوت الذي صار ملكنا وحملناه في مخيلتنا وأخضعناه لتصوراتنا وصرنا أحرارا في إعادة صياغته فلكل منا دون كيشوته الخاص سواء قرأ الرواية أم لا, فهو أي دون كيشوت موجود في كل مكان وموجود بيننا.

كما أن شخصيتي دون كيشوت وسانشو فرضتا نفسيهما أيضا على الذائقة النقدية, وأيضا تم استيحاؤهما في الكثير من الأعمال التلفزيونية والمسرحية والكرتونية.

كيف يرى نفسه
هل دون كيشوت هو الخارج لنصرة المظلومين كما يجب أن يرى نفسه? أم هو الذي تعبأ بالأوهام فصار أضحوكة? أم انه حسب عبد الرحمن البدوي تجسد للمثال وللقيم المجردة وهو الجانب المثالي من الوجود الذي يصرعه الجانب الواقعي انه روح الإنسان, أما رفيقه سانشو فيمثل بدن الإنسان? أم هو الحالم بالمستحيل..

ويعتقد الكاتب محمد بنيس أن دون كيشوت ينفعنا اليوم في استرجاع صورة, هؤلاء المثقفين الذين كانوا في عز مراهقتهم يقرؤون عن عالم وعن قيم, ثم في لحظة عثروا على أنفسهم وهم يحاربون من أجل تجسيد ما قرأوا ..كل واحد من هؤلاء دون كيشوت معاصر, القراءة أفسدت العقول,فتحت النوافذ, بنت الجسور والقراءة وضعت إلى جانب كل قارئ فرسا وسيفا ودرعا وسانشو مهذبا لبيبا وهؤلاء الذين غلبوا ثقتهم على ذكائهم هم الذين علينا أن نفهم اليوم ما الذي وقع لهم ..زمننا يسخر مما نقرأ ومن رد فعلنا على ما كنا نقرأ.

ويعقد الكاتب الروسي ايفان تورغنييف مقارنة مدهشة بين هاملت ودون كيشوت ويعتبر أن الناس أحد شخصين إما هاملت أو دون كيشوت والطريف أن الجزء الأول من دون كيشوت وتراجيديا شكسبير هاملت صدرا في العام نفسه.. و"إن هاملت, حسب تورغنيف, ماكر وظالم وشكاك وأناني بينما دون كيشوت هو الشريف الصدوق والغيري الذي يحاول تنقية العالم من الشرور والخسة " إن هاملت ودون كيشوت يموتان ميتة تراجيدية رغم اختلاف النهايتين فكلمات هاملت الأخيرة رائعة فهو يأمر غوراتسيا بعد أن يهدأ بالحياة ويعطي صوته لصالح فورتينبراس الشاب ولكن هاملت لا ينظر إلى الأمام ويقول "الباقي ..صمت" ويصمت إلى الأبد, بينما موت دون كيشوت يبعث في النفس الحنان والرقة وفي هذه اللحظة تصبح الأهمية العظيمة لهذه الشخصية في متناول الجميع, وحين يحاول حامل سلاحه التخفيف عنه و يقول له إنهم سيذهبون عما قريب في رحلاتهم الفروسية,يجيب دون كيشوت المحتضر:كلا لقد انتهى ذلك إلى الأبد وإنني أسألك الصفح, فلم أعد دون كيشوت لقد عدت ألفنسوا الطيب كما كانوا يلقبونني يوما ما.