المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فوز نجاد : هزيمة التيار «الالتقاطي»!



فاتن
07-01-2005, 03:41 PM
أمير طاهري

قد يتطلب الأمر بعض الوقت قبل أن يجري استيعاب الصدمة التي سببها انتخاب محمود احمدي نجاد رئيسا سادسا للجمهورية الإسلامية. ولكن شيئا واحدا أصبح واضحا، وهو أن الانتخابات تؤشر لبداية أول تحول كبير في توازن السلطة داخل النظام الخميني منذ عام 1981. فعلى النقيض من ادعاءات مهدي كروبي ورفسنجاني، رجلي الدين اللذين هزما أمام نجاد في جولتي الانتخابات، فإن هذه الانتخابات لم تعد أكثر خداعا من أية انتخابات في الجمهورية الإيرانية منذ قيامها قبل ما يزيد على ربع قرن.

وأبلغ محمد رضا، شقيق خاتمي، الصحافيين بأنه كان مفاجأة أن شخصا «مجهولا» مثل أحمدي نجاد تمكن من الحصول على 18 مليون صوت. ولكن محمد رضا ينسى أنه قبل ثماني سنوات حصل شقيقه، الذي كان «مجهولا» أيضا في ذلك الوقت، على 20 مليون صوت.

وفي إطار المعايير التي حددها النظام الخميني فإن انتخاب أحمدي نجاد مشروع، إن لم يكن أكثر مشروعية، من الانتخابات التي جعلت رفسنجاني وخاتمي رئيسين لولايتين.

وليس أحمدي نجاد «مجهولا» كما هو شأن رفسنجاني وخاتمي. فقد تولى الرئيس المنتخب أخيرا مناصب رسمية عديدة خلال ما يزيد على عقدين من الزمن. فقد خدم كضابط في الحرس الثوري كمبعوث خاص لـ «المرشد الأعلى» في عدد من المهمات السياسية الحساسة الداخلية والخارجية. كما عمل نائبا لمحافظ، ومحافظا لفترة ست سنوات. وفي ثلاث مناسبات حصل على لقب «محافظ العام» من جانب نظرائه. وكرئيس لبلدية طهران خلال العامين الماضيين أظهر قدرة إدارية أكبر حتى من رفسنجاني أو خاتمي.

وحاول خاتمي ورفسنجاني تصوير نجاد كشخص أخرق غير متعلم. ولا شيء من ذلك صحيح. فالحقيقة أن نجاد هو الرئيس الأكثر تعليما في الجمهورية الخمينية حتى الآن. فرفسنجاني لم يكن لديه تعليم رسمي بينما حصل خاتمي على البكالوريوس في العلوم الدينية من جامعة أصفهان. غير أن أحمدي نجاد دخل جامعة العلوم والصناعة، وهي واحدة من أرفع مؤسسات التعليم العالي في إيران، وانتهى الى الحصول على شهادة الدكتوراه في الهندسة. وأصبح هذا الشخص «غير المتعلم» أستاذا في المعهد الذي تخرج منه وألف عددا من الكتب الدراسية العلمية.

كما أن نجاد هو أول رئيس للجمهورية الإسلامية ذي خلفية عسكرية. وقاتل في حرب الثماني سنوات ضد العراق، ومارس التدريس في كلية الموظفين التابعة للحرس الثوري لفترة سنوات.

وهناك حقيقتان هامتان أخريان تميزان نجاد.

الأولى هو أنه أول رئيس للجمهورية الإسلامية يأتي من عائلة ريفية فقيرة ولا يرتبط برجل دين. وكابن لحداد فانه «الابن الأصيل للشعب»، البعيد عن الأرستقراطيات المختلفة للنسب والمال والدين.

والثانية، وهي الأكثر أهمية، أن نجاد إسلامي نقي صريح. وفي ذلك الأمر يقف في قطب معاكس لرفسنجاني وخاتمي، الرجلين المشوشين، اللذين لم يفلحا قط في تقرير ما كانا يعتقدان به حقا. فأحمدي نجاد يصف نفسه باعتداد كـ«أصولي»، بينما تعامل رفسنجاني وخاتمي مع المصطلح كشيء مهين، وحاولا تسويق نفسيهما كـ «معتدلين»، وهو مصطلح لا معنى له في نظام استبدادي.

ويمثل انتصار احمدي نجاد هزيمة التيار السياسي والفلسفي الذي كان حاضرا في الحركة الخمينية منذ البداية. ويمثل هذا التيار الذي يعرف بـ «الالتقاطي» رجال الدين والمثقفين الذين ينظرون الى الإسلام، باعتباره أداة لتحقيق السلطة أكثر منه نموذجا للمجتمع.

وكان مهدي بازركان، أول رئيس وزراء في عهد الخميني، «التقاطيا» كما كان حال أبو الحسن بني صدر، أول رئيس في عهد الخميني، فيما كان رفسنجاني وخاتمي «التقاطيين» أيضا وإن يكن كل بطريقته الخاصة.

ولكن ماذا تعني كلمة «التقاطية»؟

تحت ظل حكم الشاه كان يعني هذا المصطلح استغلال الدين لتعبئة جماهير الفقراء والأميين ضد النظام الحاكم.

كان من الواضح انه لن يكون بوسع قوة سياسية عادية إطاحة الشاه، طالما ظل مسيطرا على الجيش وعائدات النفط. القوة الوحيدة الموازية والموازنة لقوة الشاه كانت جماهير الفقراء، إلا انه لا يمكن تعبئة الجماهير باسم الآيديولوجيات الغربية مثل القومية أو الاشتراكية أو الشيوعية، ذلك أن السبيل الوحيد لتعبئة هؤلاء كان باسم الإسلام. لذا فحتى أعضاء الجماعات الملحدة، مثل حزب توده الشيوعي وفدائيي الشعب والمجموعات الإسلامية الماركسية، مثل مجاهدي خلق، وأنصار مصدق، بدأوا يلتحون ويحملون المسابح وتركوا لبس ربطة العنق، بل باتوا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد وأصبحوا من المخلصين للخميني.

حاولت فروع متعددة من «الالتقاطية» حصر الإسلام في جانب ديكوري يشيدون من ورائه نظمهم «المثالية»، ويتضمن جزء من تاريخ ربع القرن الماضي حربا بين الخمينية والالتقاطية بمختلف أشكالها، بما في ذلك آخر شكل لها كما مثله الرئيس السابق محمد خاتمي.

يبدو أن الالتقاطية اقتنعت سرا بأن المجتمع الإسلامي المثالي إما غير موجود أصلا أو أنه من المستحيل بناؤه في عالم ظلت الأفكار والتجارب الغربية تشكل ملامحه على مدى عدة سنوات. لذا، فإن الإسلام يجب الاحتفاظ به فقط بوصفه الواجهة الآيديولوجية التي شيد من ورائها مجتمع غربي، الى حد بعيد مجرد من بعض الحريات الفردية.

يعتقد الالتقاطيون انه فيما يجب أن يعيشوا وأطفالهم حياة غربية الى حد كبير، ينبغي على الجماهير الاستمرار في حياة الفقر والجهل باسم الدين. الالتقاطيون يرسلون أبناءهم للدراسة في أوروبا أو أميركا لكنهم يصرون على إرسال أطفال جماهير الفقراء والأميين الى المدارس الدينية وحمايتهم من «الفساد الغربي». ربما يستغرب البعض إزاء عدد طلاب كبار القوم، بمن في ذلك رفسنجاني، الذين أرسلوا للدراسة في الغرب.

كثيرا ما يحلق الالتقاطي أو يشذب لحيته وفقا لشكل له صلة بالتصاميم والتقليعات السائدة في هذا الجانب، وفي نفس الوقت لا ترتدي نساء هؤلاء الحجاب أو غطاء الرأس، بيد أن نساء غالبية جماهير الفقراء يطلب منهن أن يبقين مخلصات للشادور والحجاب.

وبصورة عامة يفتقر الالتقاطي الى الجرأة والشجاعة في ما يتعلق بقناعاته. فعندما يواجه أحدهم بالعالم المعاصر، الذي لا يمكن أن نقول انه إسلامي، يعاني من عقدة نقص، فيحاول التحايل على ذلك بإضفاء بعد إسلامي للأفكار والمناهج الغربية، فتجدهم يتحدثون، على سبيل المثال، عن «الديمقراطية الإسلامية» و«الفيزياء الإسلامية».

يحضر الالتقاطي منتدى دافوس بسويسرا ويحاول الظهور بمظهر الشخص «الحديث»، مثله مثل أي سياسي غربي أو مسؤول في قطاع الأعمال. يحب الالتقاطي أيضا السفر حول العالم والتحدث حول هيغل ونيتشه لإثبات انه على الرغم من لحيته متفقه في الفلسفة الغربية.

يمثل أحمدي نجاد التيار الأصولي. ولا يعاني من عقدة نقص تجاه الغرب، كما أنه على قناعة قوية بأن الإسلام وحده هو القادر على توفير خطة تفصيلية للمجتمع المثالي.

قال احمدي نجاد إنه لا يمكن أن يتساوى الرجال والنساء، رغم أنه لا يعني بذلك حرمان النساء من الحقوق أو احترامهن. فالرجل لا يتخفى وراء لافتات مثل «الديمقراطية الإسلامية»، بل يقول إن الإسلام الذي يعكس المثالية والكمال، لا يتماشى مع الديمقراطية التي لا تتسم بصفة المثالية والكمال.

ادعى رفسنجاني وخاتمي أن احمدي نجاد يريد تأسيس حكم على غرار حكم طالبان في إيران. ويمكن القول في هذا السياق إنه لا شيء بعيد عن الحقيقة. أحمدي نجاد ليس الملا محمد عمر، وأفغانستان ليست إيران. العامل المشترك بين الاثنين يتلخص في اعتقاد كل منهما في إمكانية إيجاد طريقة غير غربية لتنظيم المجتمع. الملا عمر أقام نموذجه، ونجاد، إذا منح الفرصة، سيحاول إيجاد نموذجه.

ويبقى القول إن انتخاب نجاد يأتي كمؤشر إيجابي لكل الجهات المعنية بإيران إذا ساهم في توضيح الوضع بصورة عامة. فقد أعلن النظام، في إطار سعيه لتفادي مواجهة محتومة بين الإسلاموية والديمقراطية، من خلال وضع أحمدي نجاد في الرئاسة، عن نيته مواجهة العالم الحديث «الفاسد تماما» الخاضع للهيمنة الغربية.

فلننتظر لنرى الطرف الكاسب.