ياولداه
08-14-2019, 11:59 PM
http://media.alwasatnews.com/data/2015/4845/images/b016f9dbc63f2dc0.jpg
عبدالله بشارة
14 أغسطس 2019
إيران.. في المنظور العالمي
منذ أكثر من أسبوعين، خرج السفير الإيراني في الكويت بمقابلة طويلة، شرح فيها مواقف إيران، وأبرز ما في تلك المقابلة دعوته دول مجلس التعاون إلى الاستهداء بالنهج الكويتي في الحياد - كما سماها - ويكرر الدعوة الإيرانية المعروفة لدول الخليج الى الدخول في مباحثات مع إيران، للاتفاق على نظام أمني يؤمن الاستقرار في المنطقة،
وتذكرت القاعدة التي وضعها قادة دول مجلس التعاون لصيانة التفاهم الاقليمي مع إيران، فمنذ قيام المجلس عام 1981، لم تضعف الدعوة الخليجية لإيران للتفاهم المستند إلى ضوابط، أقرها القانون الدولي، وجسدها ميثاق الأمم المتحدة، وترجمت في ورقة من عشرة مبادئ قدمت للقيادة الإيرانية، وبالأخص عام 1984، وسط التوتر الحاد الذي فجرّه تعرض الزوارق الكويتية لحاملات النفط الكويتية، ولأهمية الحوار مع إيران من المنظور الخليجي، كلف القادة سمو الشيخ صباح الأحمد، وكان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في الكويت، والسيد راشد بن عبدالله وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، بحمل الوثيقة والسفر إلى إيران،
ولم يتعمق الجانب الإيراني في دراسته لوثيقة المجلس، وإنما وضع شرطاً كمدخل للحوار تمثل في الطلب بإبعاد الوجود العسكري الأجنبي عن مياه الخليج، في التعبير عن انعدام الجدية، وتجاهل البعد الدولي والمصالح العالمية في الخليج، وفي تجاهل أيضاً لواقع الخليج الذي يصدر %40 من احتياجات العالم من الطاقة، وما يمثله من مكانة استراتيجية، يساهم العالم في استقرارها والحفاظ عليها، ومن دون ذلك يضطرب الاقتصاد العالمي وتدب الفوضى وينحسر الأمن ويتلاشى السلام.
لم يتبدل الموقف الإيراني، فما زالت القيادة الإيرانية تنادي بسحب القوى العالمية من الخليج، متصورة أن الخليج بحيرة محلية مثل بحيرة فكتوريا في أوغندا، بينما هي واحة تصدر النفط السلعة النادرة التي في غيابها يتيه العقل العالمي.
في عام 1984، وفي استمرار التعرض لناقلات النفط الكويتية، قدمت دول مجلس التعاون شكوى جماعية إلى مجلس الأمن، وذهب سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، والوزير القطري الشيخ أحمد بن سيف آل ثاني، وكنت ضمن الوفد إلى نيويورك، وتناول مجلس الأمن الشكوى بجدية إدراكاً لخطورة الوضع، وتبنى المجلس بالاجماع القرار رقم 552، بتاريخ 1 يونيو 1984، وحدد بشكل لا يقبل الجدل عالمية مضيق هرمز كممر مائي دولي، تعبيراً عن مصالح الأسرة العالمية، وتجسيداً لموقفها. لم تكن الشكوى من أجل إدانة إيران، وإنما لاستخراج قرار من الأسرة العالمية في حكم نهائي عن عالمية منطقة الخليج.
نتألم لواقع إيران ولشعبها الذي يعاني من عقوبات مفروضة عليه منذ أكثر من عقدين، واتسعت في عهد الرئيس ترامب، فلا يحصد الشعب الإيراني من سياسة المواجهة سوى آلام المقاطعة وسوء المعيشة والاختناق من العزلة، وضعف مصداقية القيادة التي تكابر وتتحدى، ولا تحترم قواعد حسن السلوك في العلاقات الخارجية، وتحتار بين قسوة المتطرفين وضعف المعتدلين.
لا توجد دولة في هذا العالم تعتقد بأن لها حقاً سماوياً في التدخل في شؤون الآخرين بحجة إنصاف المستضعفين، ولا يوجد مكان في القانون الدولي يبيح التدخل لإنقاذ المظلومين، ولا قاعدة في النظام العالمي الجديد تبرر حق التحريض وإضعاف دول الجوار، ولا منطق في الحوار بين الدول يتيح لطرف التحصن بتفسيرات دينية غامضة، لا تتناسب مع المفاهيم التي تلتزم بها الدول، والواقع أن وجود إيران خارج خريطة النظام السياسي العالمي هو سبب المشاكل القائمة، ليس بين دول الخليج وإيران، وإنما بين إيران والأسرة العالمية، فبالرغم من انضمامها لاتفاقية حظر الأسلحة النووية، فإنها خرجت من هذا الالتزام بعد الثورة ببناء موقع سري لتجارب نووية استطاعت الولايات المتحدة كشف أسراره في عام 2002.
وبسبب هذه المخالفات جرت المفاوضات السرية الأميركية - الإيرانية في مسقط، والتي توجت بالاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الخمس زائد واحداً، الذي وقع عام 2013، وتخلى عنه الرئيس ترامب. والمشكلة بين إيران وبين دول المنطقة أن دول الخليج لها سيادة ومواطنة وحدود وهوية ومجتمع مدني، ولها تراث تعتز به، وكبرياء سياسي تؤكده شرعية تاريخية عمرها قرون، ولها مفاهيم عصرية في العلاقات بين الدول، وتلتزم بالقانون الدولي، وتخضع لحسابات النظام السياسي العالمي، لها سلطة داخلية تنظم معيشة مواطنيها، لكن إيران الثورية لا تستطيع أن تتعايش مع هذه المواصفات، لأن الدافع في المخزون الفكري الاستراتيجي الإيراني يصدر من اعتبارات وتفسيرات فقهية غريبة على قواعد العمل العالمية، ومن هذا الواقع المؤلم يتحفظ معظم أعضاء الأسرة العالمية على تقبل الأطروحات الإيرانية، فلا تستريح لتفسيراتها وتتابع سلوكياتها فتلتزم بالحذر أكثر من المعتاد.
وسيظل التوتر قائماً في المنطقة طالما استمرت إيران في مسارها الحالي بعيداً عن الالتزام بالضوابط التي تخضع لها الدول الأخرى، لأنها تتحرك وفق إرادة قوى غامضة تؤمن بها القيادة الإيرانية. ليس لنا اعتراض لو مارست سلطات إيران صلاحياتها ضمن حدودها المعترف بها، بدلا من تصديرها إلى الخارج، ومن هذا التناقض في الفلسفات يخرج التوتر وتكبر المشاكل وتتباعد الشعوب. في 24 فبراير 1986، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 582، أدان فيه كلاً من إيران والعراق لانتهاك القانون الدولي، واستخدام الأسلحة الكيماوية من قبل العراق، مع الدعوة الى وقف الهجمات على النقل البحري. في ضوء هذا السجل المخالف للقوانين، فالحل يبقى بيد السلطة في إيران لانضمامها إلى قواعد التعامل بين أعضاء الأسرة العالمية، والتخلي عن تصورات تضر الجميع، بما فيها إيران.
عبدالله بشارة
للمزيد: https://alqabas.com/article/5698736-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A
عبدالله بشارة
14 أغسطس 2019
إيران.. في المنظور العالمي
منذ أكثر من أسبوعين، خرج السفير الإيراني في الكويت بمقابلة طويلة، شرح فيها مواقف إيران، وأبرز ما في تلك المقابلة دعوته دول مجلس التعاون إلى الاستهداء بالنهج الكويتي في الحياد - كما سماها - ويكرر الدعوة الإيرانية المعروفة لدول الخليج الى الدخول في مباحثات مع إيران، للاتفاق على نظام أمني يؤمن الاستقرار في المنطقة،
وتذكرت القاعدة التي وضعها قادة دول مجلس التعاون لصيانة التفاهم الاقليمي مع إيران، فمنذ قيام المجلس عام 1981، لم تضعف الدعوة الخليجية لإيران للتفاهم المستند إلى ضوابط، أقرها القانون الدولي، وجسدها ميثاق الأمم المتحدة، وترجمت في ورقة من عشرة مبادئ قدمت للقيادة الإيرانية، وبالأخص عام 1984، وسط التوتر الحاد الذي فجرّه تعرض الزوارق الكويتية لحاملات النفط الكويتية، ولأهمية الحوار مع إيران من المنظور الخليجي، كلف القادة سمو الشيخ صباح الأحمد، وكان نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في الكويت، والسيد راشد بن عبدالله وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، بحمل الوثيقة والسفر إلى إيران،
ولم يتعمق الجانب الإيراني في دراسته لوثيقة المجلس، وإنما وضع شرطاً كمدخل للحوار تمثل في الطلب بإبعاد الوجود العسكري الأجنبي عن مياه الخليج، في التعبير عن انعدام الجدية، وتجاهل البعد الدولي والمصالح العالمية في الخليج، وفي تجاهل أيضاً لواقع الخليج الذي يصدر %40 من احتياجات العالم من الطاقة، وما يمثله من مكانة استراتيجية، يساهم العالم في استقرارها والحفاظ عليها، ومن دون ذلك يضطرب الاقتصاد العالمي وتدب الفوضى وينحسر الأمن ويتلاشى السلام.
لم يتبدل الموقف الإيراني، فما زالت القيادة الإيرانية تنادي بسحب القوى العالمية من الخليج، متصورة أن الخليج بحيرة محلية مثل بحيرة فكتوريا في أوغندا، بينما هي واحة تصدر النفط السلعة النادرة التي في غيابها يتيه العقل العالمي.
في عام 1984، وفي استمرار التعرض لناقلات النفط الكويتية، قدمت دول مجلس التعاون شكوى جماعية إلى مجلس الأمن، وذهب سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد، والوزير القطري الشيخ أحمد بن سيف آل ثاني، وكنت ضمن الوفد إلى نيويورك، وتناول مجلس الأمن الشكوى بجدية إدراكاً لخطورة الوضع، وتبنى المجلس بالاجماع القرار رقم 552، بتاريخ 1 يونيو 1984، وحدد بشكل لا يقبل الجدل عالمية مضيق هرمز كممر مائي دولي، تعبيراً عن مصالح الأسرة العالمية، وتجسيداً لموقفها. لم تكن الشكوى من أجل إدانة إيران، وإنما لاستخراج قرار من الأسرة العالمية في حكم نهائي عن عالمية منطقة الخليج.
نتألم لواقع إيران ولشعبها الذي يعاني من عقوبات مفروضة عليه منذ أكثر من عقدين، واتسعت في عهد الرئيس ترامب، فلا يحصد الشعب الإيراني من سياسة المواجهة سوى آلام المقاطعة وسوء المعيشة والاختناق من العزلة، وضعف مصداقية القيادة التي تكابر وتتحدى، ولا تحترم قواعد حسن السلوك في العلاقات الخارجية، وتحتار بين قسوة المتطرفين وضعف المعتدلين.
لا توجد دولة في هذا العالم تعتقد بأن لها حقاً سماوياً في التدخل في شؤون الآخرين بحجة إنصاف المستضعفين، ولا يوجد مكان في القانون الدولي يبيح التدخل لإنقاذ المظلومين، ولا قاعدة في النظام العالمي الجديد تبرر حق التحريض وإضعاف دول الجوار، ولا منطق في الحوار بين الدول يتيح لطرف التحصن بتفسيرات دينية غامضة، لا تتناسب مع المفاهيم التي تلتزم بها الدول، والواقع أن وجود إيران خارج خريطة النظام السياسي العالمي هو سبب المشاكل القائمة، ليس بين دول الخليج وإيران، وإنما بين إيران والأسرة العالمية، فبالرغم من انضمامها لاتفاقية حظر الأسلحة النووية، فإنها خرجت من هذا الالتزام بعد الثورة ببناء موقع سري لتجارب نووية استطاعت الولايات المتحدة كشف أسراره في عام 2002.
وبسبب هذه المخالفات جرت المفاوضات السرية الأميركية - الإيرانية في مسقط، والتي توجت بالاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الخمس زائد واحداً، الذي وقع عام 2013، وتخلى عنه الرئيس ترامب. والمشكلة بين إيران وبين دول المنطقة أن دول الخليج لها سيادة ومواطنة وحدود وهوية ومجتمع مدني، ولها تراث تعتز به، وكبرياء سياسي تؤكده شرعية تاريخية عمرها قرون، ولها مفاهيم عصرية في العلاقات بين الدول، وتلتزم بالقانون الدولي، وتخضع لحسابات النظام السياسي العالمي، لها سلطة داخلية تنظم معيشة مواطنيها، لكن إيران الثورية لا تستطيع أن تتعايش مع هذه المواصفات، لأن الدافع في المخزون الفكري الاستراتيجي الإيراني يصدر من اعتبارات وتفسيرات فقهية غريبة على قواعد العمل العالمية، ومن هذا الواقع المؤلم يتحفظ معظم أعضاء الأسرة العالمية على تقبل الأطروحات الإيرانية، فلا تستريح لتفسيراتها وتتابع سلوكياتها فتلتزم بالحذر أكثر من المعتاد.
وسيظل التوتر قائماً في المنطقة طالما استمرت إيران في مسارها الحالي بعيداً عن الالتزام بالضوابط التي تخضع لها الدول الأخرى، لأنها تتحرك وفق إرادة قوى غامضة تؤمن بها القيادة الإيرانية. ليس لنا اعتراض لو مارست سلطات إيران صلاحياتها ضمن حدودها المعترف بها، بدلا من تصديرها إلى الخارج، ومن هذا التناقض في الفلسفات يخرج التوتر وتكبر المشاكل وتتباعد الشعوب. في 24 فبراير 1986، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 582، أدان فيه كلاً من إيران والعراق لانتهاك القانون الدولي، واستخدام الأسلحة الكيماوية من قبل العراق، مع الدعوة الى وقف الهجمات على النقل البحري. في ضوء هذا السجل المخالف للقوانين، فالحل يبقى بيد السلطة في إيران لانضمامها إلى قواعد التعامل بين أعضاء الأسرة العالمية، والتخلي عن تصورات تضر الجميع، بما فيها إيران.
عبدالله بشارة
للمزيد: https://alqabas.com/article/5698736-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A