المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التوقيف الاحتياطي ضرورة قضائية



سلسبيل
06-30-2005, 02:46 PM
وسام سعادة

المتهم بريء حتى تثبت إدانته. عظيم جداً !!

لكن من قال ان المتهم ينبغي أن يظلّ حرّاً طليقاً في كل الأحوال حتى تثبت إدانته؟ ما لم يتمكن أي متهم من إثبات براءته بصورة جلية وفاصلة بما لا يرقى اليه الشك فينبغي وضعه في قيد التوقيف الاحتياطي ولا يمكن للتحقيق القضائي معه أن يكون عادلاً ولا فعالاً ما لم يوضع في قيد التوقيف الاحتياطي، أي ما لم تعطّل الامكانيات التي يمتلكها المتهم في ما لو كان مجرماً بالفعل، من أجل استكمال مسلسل جرائمه. لا يمكن أن يبقى المجرم حرّاً طليقاً يمعن في جريمته ويقتل الشهود أو القضاة حتى تثبت في النهاية براءته.

لم يوضع أحد ذو بال قيد التوقيف الاحتياطي في قضايا عوالي وحمادة والحريري وقصير وحاوي. وقد تكون المعارضة اللبنانية أو لجنة تقصي الحقائق قد ارتكبت خطأ فادحاً حينما طالبت بإقالة أو باستقالة بعض الرموز الأمنيين، لكنها استبعدت تماماً أي حديث عن التوقيف الاحتياطي لأي كان. باستثناء الشاعر زاهي وهبي لم يكن أحد عرضة للتوقيف في الآونة الأخيرة.

ثمة فارق كبير بين استجواب أحدهم وهو جالس وراء مكتبه يرتشف فنجان قهوة وبيده مسبحة وبين استجوابه وهو واقف أو مقرفص لمدة ساعات متواصلة، يتصبب عرقاً، ويمنع من الاتصال بأي كان لمدة قد تمتد لبضعة أسابيع، مع اللجوء الى وسائل الاستنطاق التي تشرّعها النظم والقوانين، فليس كل ضغط نفسي بتعذيب.

خرجت الجماهير في الرابع عشر من آذار تطالب بإقالة بعض من اختارتهم وسائل الاعلام انتقائياً، ولم يخرج أحد ليطالب أحداً باللجوء الى التوقيف الاحتياطي. كان ذلك نِعم الخطأ، ونتيجة من نتائج أسلوب تفجير الرئيس الحريري: حدس ما بعده حدس لجهة هوية القاتل، وجهل ما بعده جهل لجهة تقنية القتل وحيثياته العملية.

لم يوضع أحد قيد التوقيف الاحتياطي، وكانت النتيجة دوّامة أمنوية تخبطت فيها المعارضة وما عادت تعرف حقيقة من أين يستصدر القرار بالقتل. تقول المعارضة انه <<النظام الأمني>>، وهذا تعبير يخفي نوعاً مبتذلاً من تجهيل الفاعل، تماماً مثل القول بأنها <<الامبريالية العالمية>>. أن تتهم النظام الأمني فأنت تقيّد العملية ضد مجهول. مرّة يقولون ان فلاناً ابن فلان هو نبض النظام الأمني، ومرّة يقولون علتاناً ابن علتان. إنهم يتعاطون مع النظام الأمني كما لو كان حزورة يستكشفونها على نحو تجريبي.

بسبب من استبعاد مبدأ التوقيف الاحتياطي، أطلق سراح بعض الارهابيين في لبنان كي يقوموا بجرائم يعتاشون منها، وتراوحت هذه الجرائم بين تفجير معمل أو مسكن أو متجر وبين قتل صحافي أو سياسي، في استعادة ولو جزئية، أو طفيفة، لما حدث في العراق، بعدما أطلق صدام حسين قبل سقوط نظامه مجرمي حق عام وبلطجية.

رغم ذلك، لنا أن ننتظر بجدية ولهفة هذه المرّة نتائج لجنة التحقيق الدولية، لأن ما أقفل مؤسسياً من ضرب لمفاعيل التمديد وغير ذلك، مرشح لأن يجري التداول به على صعيد واسع في ضوء ما ستكشف عنه لجنة التحقيق الدولية. إلا أن الأشهر الفاصلة بين بدء التحقيق وختمه هي أشهر محفوفة بالمخاطر وبالرسائل المتبادلة، الموضعية منها والمجانية. أما الحكومة التي يجري تجهيزها حالياً فهي حكومة مرهونة بهذا التحقيق الدولي قبل كل شيء، وينبغي النظر في تركيبتها على هذا الأساس، واستشراف ما يمكن أن تبادر اليه فور إذاعة التقرير التحقيقي الدولي.