سياسى
06-29-2005, 05:20 PM
علاء اللامي
كاتب عراقي مقيم في جنيف
توفر الشهادة المكتوبة التي قدمها الشيخ عصام طاهر البرقاوي المعروف باسم <<أبو محمد المقدسي>> وهو الذي تتلمذ على يديه المتشدد الأردني أبو مصعب الزرقاوي، مناسبة مفيدة ونادرة لتسليط الضوء على الفكر الذي يتبناه هذا الأخير مقارنة بفكر شيخه.
وردت هذه الشهادة في كتاب <<الزرقاوي: الجيل الثاني للقاعدة>> للكاتب فؤاد حسن الذي نشر على حلقات في يومية <<القدس العربي>> اللندنية. وقبل أن نلخص وجهات نظر البرقاوي لا بأس من ذكر مفاجأة أخرى أدلى بها أحد زملاء الزرقاوي في العمل المسلح والسجن وهو محمد أبو المنتصر في الكتاب ذاته مفادها أن الزرقاوي كان يعارض العمليات التي شرعت حركة <<حماس>> بالقيام بها والتي اصطلح على تسميتها <<القنابل البشرية>>. فبعد أن استفتى الزرقاوي شيخه البرقاوي عن تلك العلميات أفتاه البرقاوي بأنها انتحار.
والانتحار حرام قطعا، وقد دافع الزرقاوي عن هذه الفتوى طويلا ولكنه عدَّل رأيه في ما بعد كما يروي أبو المنتصر ليكون جوابه على جواز أو حرمة عمليات حماس هو <<لعم>> التي يشرحها أبو المنتصر بالقول <<هي ليست لا وليست نعم>>. نلاحظ من خلال هذه الشهادة التدرج في تبني الفكر المتشدد والتكفيري الذي بلغ ذروته في رسالة الزرقاوي التي تبيح قتل من أسماهم <<المتمترسين مع العدو>> حتى لو كانوا أبرياء واعتبارهم شهداء إن قتلوا مع الأعداء على أساس مقولة <<دفع المفسدة الأكبر>> بمفسدة أصغر. والمعنى: أن قتل المدنيين الأبرياء أو بعبارات الإسلاميين <<قتل المسلم معصوم الدم>> يعتبر مفسدة ولكنها مفسدة جائزة إذا كان القصد منها دفع مفسدة أكبر هي <<الاحتلال الكافر>>، وهذا منطق متهافت وتكفيري ولا يحترم الدم البشري والروح الإنسانية التي كرمها القرآن في الآية التي تقول <<ولقد كرمنا بني آدم...>>، وعبارة <<بني آدم>> عامة وشاملة وغير مخصوصة بالمسلم أو حتى الموحد. سنقدم الدليل الآن على أن شيخ ومعلم الزرقاوي ذاته يرفض رفضا قاطعا مقولة الزرقاوي المبيحة لدماء الأبرياء لدفع المفسدة الأكبر.
تحت عنوان <<مناصرة ومناصحة: آمال وآلام>> كتب البرقاوي نصا مؤرخا في شهر أيلول من السنة الماضية. ونفهم من النص أن الشيخ يعتبر نفسه بمثابة المناصر والناصح للزرقاوي بل إنه يقول بأنه لم يفاجأ حين اتخذ الزرقاوي اسم <<جماعة التوحيد والجهاد>> (مضاهاة والتصاقا) بموقعه على الانترنت الذي يحمل الاسم ذاته ولكنه، مع ذلك، لا يخفي قلقه بل امتعاضه الضمني من أمور كثيرة لن نتوقف عندها جميعا لضيق المقام، بل سنقدم بعض الأفكار التي ستعيننا على معرفة موقع الزرقاوي مما يسمى <<الفكر الجهادي الحركي>> مفترضين مقدما أنه أبعد ما يكون عن هذا الفكر حتى في أشد صوره تشددا وإفراطا، وأبعد كثيرا حتى عما يقدمه شيخه ومعلمه ذاته أي البرقاوي:
يفرق البرقاوي بين <<دار الكفر الأصلية>> أي بلدان غير المسلمين وجمهور أهلها <<كفار>> ومثالها بلدان أوروبا الغربية وغيرها، وبين <<دار الكفر الاصطلاحية الحادثة>>، وهي التي يكون جمهور أهلها من المنتسبين إلى الإسلام ومثالها اليوم العراق وأفغانستان، ويطالب تلميذه الزرقاوي بوجوب مراعاة الفروق بين الدارين.
ففي <<دار الكفر الاصطلاحية>> يقول الشيخ البرقاوي ينبغي أن تكون دماء وأعراض وأموال المسلمين وغير المسلمين حتى ولو كانوا عصاة أو فجارا معصومة، وإن الخطأ وسفك دماء المعصومين ورطة من الورطات الكبرى. ويختم بالقول (وقد درَسنا ودرَّسنا في أبواب الاعتقاد أن استباحة دماء المسلمين خطر عظيم والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك قطرات من دم مسلم واحد).
وحين نضع هذا الكلام بإزاء الكلام والممارسات والعمليات الدموية التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء العراقيين والمنسوبة إلى الزرقاوي ومنظمته أو تلك التي تبنتها المنظمة وافتخرت وفاخرت بها، سنجد أن الزرقاوي في الخندق المناقض تماما لشيخه والخارج صراحة على تعاليمه. إنه لا يختلف معه في الفروع بل في الجواهر والأصول. ومع أن البرقاوي قال كلامه قبل تسعة أشهر تقريبا من الآن ولكنه كلام ليس قديما أو خارج السياق، فقد حدثت عمليات تفجير إجرامية آنذاك، ولا بد ان البرقاوي قد علم بها ويمكننا تلمس ذلك من قلقه الشخصي البيِّن. صحيح إنه يطري ويمتدح الزرقاوي ولكنه يكرر أن على هذا الأخير (التشدد في التحرز من سفك دماء المسلمين ولو كانوا فجارا أو عصاة..). أكثر من هذا وذاك إن الشيخ البرقاوي يستعمل شهادته المكتوبة كقناة لتوصيل معلومات وتعليمات ونَواهٍ إلى تلميذه ومن معه فهو يعتبر بعض الممارسات والأساليب مدانة و>>تشوه الجهاد>>، ومن ذلك يذكر الشيخ بعض الممارسات سنقتبسها بشكل شبه حرفي:
إنه يرفض عمليات الخطف والقتل بدعوى العمل عند الكفار أعمالا لا تصل إلى درجة المناصرة على الكفر أو المظاهرة على المسلمين.
ووضع العبوات الناسفة في الطرقات، وقذف قذائف الهاون ونحوها في الشوارع والأسواق.
وقتل نساء وأطفال الأعداء لأن لهم عصمة الإسلام إن كانوا مسلمين أو عصمة الأنوثة والطفولة إن كانوا غير ذلك.
استهداف غير المقاتلين من أبناء الشعب ولو كانوا كفارا أو من النصارى.
استهداف الكنائس وأماكن العبادة.
استهداف عموم الشيعة وحرف المعركة عن المحتل وأذنابه وصرفها إلى مساجد الشيعة ونحوهم. ويلخص البرقاوي كلامه خير تلخيص بالقول (إن إعلان الحرب على هذه الطوائف المحسوبة على الإسلام والمسلمين في ظل احتلال صليبي مجرم لا يفرق بين سني وشيعي ليس من السياسة الشرعية في شيء).
إن العبارة الأخيرة التي تقول <<ليس من السياسة الشرعية في شيء>> تعني في لغة الإسلاميين أنها ليست مشروعة فقهيا أو انها مرفوضة شرعا ودينا. ويمكن القول إن أقوى حكم يمكن أن يطلق على الفعل السياسي والعسكري هو القول بأنه <<ليس من السياسة الشرعية في شيء>> فهو قول يُخرج الفاعل من دائرة الشرع الديني ويُلقي به في دائرة الاجتهاد الشخصي الخاطئ تماما والمبيح لدماء المعصومين وتلك جريمة كبرى في عرف الإسلاميين، متشددين وغير متشددين!
لقد تنوعت الآراء بين العراقيين أنفسهم حول ظاهرة الزرقاوي إلى درجة التنافر التام، وبلغت أن بعض الأطراف تنفي وجود شخص كهذا وبهذا الاسم والصفات في العراق وتزعم أنه مجرد شبح أو شخصية وهمية (تصريحات آية الله محمد الحسني البغدادي مثلا)؛ شخصية اخترعتها المخابرات الأميركية لتلقي عليها الجرائم التي ترتكبها هي. جل ما يمكن قوله وقد بيّنا التناقض الجوهري بين فكر الزرقاوي وفكر شيخه عصام البرقاوي، والخلاف الفقهي والسياسي بينهما يسمح للمراقب بالنظر إلى احتمال الاختراق والتوظيف غير المباشر كوجهة نظر جعلتها شهادة البرقاوي قابلة للنقاش والأخذ بجدية.
كاتب عراقي مقيم في جنيف
توفر الشهادة المكتوبة التي قدمها الشيخ عصام طاهر البرقاوي المعروف باسم <<أبو محمد المقدسي>> وهو الذي تتلمذ على يديه المتشدد الأردني أبو مصعب الزرقاوي، مناسبة مفيدة ونادرة لتسليط الضوء على الفكر الذي يتبناه هذا الأخير مقارنة بفكر شيخه.
وردت هذه الشهادة في كتاب <<الزرقاوي: الجيل الثاني للقاعدة>> للكاتب فؤاد حسن الذي نشر على حلقات في يومية <<القدس العربي>> اللندنية. وقبل أن نلخص وجهات نظر البرقاوي لا بأس من ذكر مفاجأة أخرى أدلى بها أحد زملاء الزرقاوي في العمل المسلح والسجن وهو محمد أبو المنتصر في الكتاب ذاته مفادها أن الزرقاوي كان يعارض العمليات التي شرعت حركة <<حماس>> بالقيام بها والتي اصطلح على تسميتها <<القنابل البشرية>>. فبعد أن استفتى الزرقاوي شيخه البرقاوي عن تلك العلميات أفتاه البرقاوي بأنها انتحار.
والانتحار حرام قطعا، وقد دافع الزرقاوي عن هذه الفتوى طويلا ولكنه عدَّل رأيه في ما بعد كما يروي أبو المنتصر ليكون جوابه على جواز أو حرمة عمليات حماس هو <<لعم>> التي يشرحها أبو المنتصر بالقول <<هي ليست لا وليست نعم>>. نلاحظ من خلال هذه الشهادة التدرج في تبني الفكر المتشدد والتكفيري الذي بلغ ذروته في رسالة الزرقاوي التي تبيح قتل من أسماهم <<المتمترسين مع العدو>> حتى لو كانوا أبرياء واعتبارهم شهداء إن قتلوا مع الأعداء على أساس مقولة <<دفع المفسدة الأكبر>> بمفسدة أصغر. والمعنى: أن قتل المدنيين الأبرياء أو بعبارات الإسلاميين <<قتل المسلم معصوم الدم>> يعتبر مفسدة ولكنها مفسدة جائزة إذا كان القصد منها دفع مفسدة أكبر هي <<الاحتلال الكافر>>، وهذا منطق متهافت وتكفيري ولا يحترم الدم البشري والروح الإنسانية التي كرمها القرآن في الآية التي تقول <<ولقد كرمنا بني آدم...>>، وعبارة <<بني آدم>> عامة وشاملة وغير مخصوصة بالمسلم أو حتى الموحد. سنقدم الدليل الآن على أن شيخ ومعلم الزرقاوي ذاته يرفض رفضا قاطعا مقولة الزرقاوي المبيحة لدماء الأبرياء لدفع المفسدة الأكبر.
تحت عنوان <<مناصرة ومناصحة: آمال وآلام>> كتب البرقاوي نصا مؤرخا في شهر أيلول من السنة الماضية. ونفهم من النص أن الشيخ يعتبر نفسه بمثابة المناصر والناصح للزرقاوي بل إنه يقول بأنه لم يفاجأ حين اتخذ الزرقاوي اسم <<جماعة التوحيد والجهاد>> (مضاهاة والتصاقا) بموقعه على الانترنت الذي يحمل الاسم ذاته ولكنه، مع ذلك، لا يخفي قلقه بل امتعاضه الضمني من أمور كثيرة لن نتوقف عندها جميعا لضيق المقام، بل سنقدم بعض الأفكار التي ستعيننا على معرفة موقع الزرقاوي مما يسمى <<الفكر الجهادي الحركي>> مفترضين مقدما أنه أبعد ما يكون عن هذا الفكر حتى في أشد صوره تشددا وإفراطا، وأبعد كثيرا حتى عما يقدمه شيخه ومعلمه ذاته أي البرقاوي:
يفرق البرقاوي بين <<دار الكفر الأصلية>> أي بلدان غير المسلمين وجمهور أهلها <<كفار>> ومثالها بلدان أوروبا الغربية وغيرها، وبين <<دار الكفر الاصطلاحية الحادثة>>، وهي التي يكون جمهور أهلها من المنتسبين إلى الإسلام ومثالها اليوم العراق وأفغانستان، ويطالب تلميذه الزرقاوي بوجوب مراعاة الفروق بين الدارين.
ففي <<دار الكفر الاصطلاحية>> يقول الشيخ البرقاوي ينبغي أن تكون دماء وأعراض وأموال المسلمين وغير المسلمين حتى ولو كانوا عصاة أو فجارا معصومة، وإن الخطأ وسفك دماء المعصومين ورطة من الورطات الكبرى. ويختم بالقول (وقد درَسنا ودرَّسنا في أبواب الاعتقاد أن استباحة دماء المسلمين خطر عظيم والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك قطرات من دم مسلم واحد).
وحين نضع هذا الكلام بإزاء الكلام والممارسات والعمليات الدموية التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء العراقيين والمنسوبة إلى الزرقاوي ومنظمته أو تلك التي تبنتها المنظمة وافتخرت وفاخرت بها، سنجد أن الزرقاوي في الخندق المناقض تماما لشيخه والخارج صراحة على تعاليمه. إنه لا يختلف معه في الفروع بل في الجواهر والأصول. ومع أن البرقاوي قال كلامه قبل تسعة أشهر تقريبا من الآن ولكنه كلام ليس قديما أو خارج السياق، فقد حدثت عمليات تفجير إجرامية آنذاك، ولا بد ان البرقاوي قد علم بها ويمكننا تلمس ذلك من قلقه الشخصي البيِّن. صحيح إنه يطري ويمتدح الزرقاوي ولكنه يكرر أن على هذا الأخير (التشدد في التحرز من سفك دماء المسلمين ولو كانوا فجارا أو عصاة..). أكثر من هذا وذاك إن الشيخ البرقاوي يستعمل شهادته المكتوبة كقناة لتوصيل معلومات وتعليمات ونَواهٍ إلى تلميذه ومن معه فهو يعتبر بعض الممارسات والأساليب مدانة و>>تشوه الجهاد>>، ومن ذلك يذكر الشيخ بعض الممارسات سنقتبسها بشكل شبه حرفي:
إنه يرفض عمليات الخطف والقتل بدعوى العمل عند الكفار أعمالا لا تصل إلى درجة المناصرة على الكفر أو المظاهرة على المسلمين.
ووضع العبوات الناسفة في الطرقات، وقذف قذائف الهاون ونحوها في الشوارع والأسواق.
وقتل نساء وأطفال الأعداء لأن لهم عصمة الإسلام إن كانوا مسلمين أو عصمة الأنوثة والطفولة إن كانوا غير ذلك.
استهداف غير المقاتلين من أبناء الشعب ولو كانوا كفارا أو من النصارى.
استهداف الكنائس وأماكن العبادة.
استهداف عموم الشيعة وحرف المعركة عن المحتل وأذنابه وصرفها إلى مساجد الشيعة ونحوهم. ويلخص البرقاوي كلامه خير تلخيص بالقول (إن إعلان الحرب على هذه الطوائف المحسوبة على الإسلام والمسلمين في ظل احتلال صليبي مجرم لا يفرق بين سني وشيعي ليس من السياسة الشرعية في شيء).
إن العبارة الأخيرة التي تقول <<ليس من السياسة الشرعية في شيء>> تعني في لغة الإسلاميين أنها ليست مشروعة فقهيا أو انها مرفوضة شرعا ودينا. ويمكن القول إن أقوى حكم يمكن أن يطلق على الفعل السياسي والعسكري هو القول بأنه <<ليس من السياسة الشرعية في شيء>> فهو قول يُخرج الفاعل من دائرة الشرع الديني ويُلقي به في دائرة الاجتهاد الشخصي الخاطئ تماما والمبيح لدماء المعصومين وتلك جريمة كبرى في عرف الإسلاميين، متشددين وغير متشددين!
لقد تنوعت الآراء بين العراقيين أنفسهم حول ظاهرة الزرقاوي إلى درجة التنافر التام، وبلغت أن بعض الأطراف تنفي وجود شخص كهذا وبهذا الاسم والصفات في العراق وتزعم أنه مجرد شبح أو شخصية وهمية (تصريحات آية الله محمد الحسني البغدادي مثلا)؛ شخصية اخترعتها المخابرات الأميركية لتلقي عليها الجرائم التي ترتكبها هي. جل ما يمكن قوله وقد بيّنا التناقض الجوهري بين فكر الزرقاوي وفكر شيخه عصام البرقاوي، والخلاف الفقهي والسياسي بينهما يسمح للمراقب بالنظر إلى احتمال الاختراق والتوظيف غير المباشر كوجهة نظر جعلتها شهادة البرقاوي قابلة للنقاش والأخذ بجدية.