المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تحضير الارواح عند رجال الرئيس



زوربا
05-19-2019, 08:38 AM
https://alqabas.com/wp-content/uploads/2019/05/2-113-780x405.jpg

عرّافون ودجّالون أطاحوا «كل رجال الرئيس»

«القبس» تفتح الملف الشائك: أسرار وغوامض تلاعبت بالعقول والآمال (10)

محرر القبس الإلكتروني 18 مايو، 2019

القاهرة – علاء طه – تطورت حياتنا.. نعم، وكشف العلم عن غوامض طالما اعتقدنا بتأثيرها السحري، لكن يبقى الإنسان، وربما بسبب التطور نفسه وما يسببه من قلق واضطراب مغريا للنفس باستكشاف المجهول، بقراءة الغد ومعرفة الطالع، بالخوف من العين الحاسدة وما رصدته الأيام لمستقبلنا. انتشرت مواقع المنجمين وقارئي الطالع وصانعي الرُقى «الشرعية»، ومازال جمهور كبير يقع تحت تأثير الخرافة والوهم.

من قلب العالم المملوء بالصخب تردد جمهور كبير على محضّري الأرواح ومخرجي الجن من الأبدان. والقبس ترصد، عبر حلقات خاصة، رحلة الوهم والحقيقة، وحكايات خلطت الواقع بالأساطير، تستطلع تجارب الناس وآراء المتخصصين، وتضع يدها على عالم الحلم الأبدي بالسيطرة على سر الأسرار: الروح الإنسانية.

تنام الخرافات في فراش البسطاء، وتسكن مدن الفقراء، ولم لا، فأحاديث السحر والشعوذة والمعجزات المزعومة تُرطب عنهم أوجاع الواقع الأليم، ما بين المرض والجوع، وتضخ في حياتهم آمالًا قد لا تتحقق في عيش كريم، وتتحول بالنهاية الى نوع من المخدر للأوجاع والآلام والإحباطات، ومضاد حيوي لخفض منسوب اليأس العام من الحاضر..

لكن عندما يدخل العرافون والمشايخ والدجالون بقراءة الكف والفنجان ونبوءات الودع وتحضير الأرواح إلى مخادع وقصور ومكاتب واجتماعات الزعماء والرؤساء والمسؤولين الكبار ورجال البرلمان، تتحول السياسة إلى نوع من المقامرة والمغامرة التي تأتي، عاجلًا أم آجلًا، بالنكبات والهزائم السياسية الكبرى.. وهذا حدث كثيرًا في الحياة السياسية المصرية في لحظات فارقة شكلت كبوات، وأثارت السخرية والفاجعة.

تحضير الأرواح في مايو 1971 فاجأ الكاتب الصحافي الكبير الراحل محمد حسنين هيكل قراء جريدة الأهرام والمصريين والعالم العربي بمقال فاجع ومدوٍّ بعنوان «تحضير الأرواح»، مشيرًا فيه إلى وقائع قيام كبار رجال الدولة بتحضير الأرواح من العالم الآخر في جلسات مغلقة سرية، لمناقشتها في أمور السياسة، واستعانتهم بأستاذ جامعي في الفيزياء وعميد كلية العلوم وقتئذ، كوسيط روحاني..

كانوا يسألون روح جمال عبدالناصر وقادة عسكريين راحلين عن إجابات تتعلق بالوضع السياسي والعسكري وكيفية مواجهة إسرائيل، وكيفية التعامل مع الرئيس المصري الجديد محمد انور السادات الذي دخل في صراع مكتوم معهم. تسجيلات فضائحية في التفاصيل، اجتمع الفريق محمد فوزي، وزير الحربية الأسبق، واللواء شعراوي جمعة، وزير الداخلية الأسبق، وسامي شرف، سكرتير الرئيس عبدالناصر وقرروا يوم 20 أبريل 1971 أن يذهبوا لإقامة جلسة «تحضير أرواح» لاستشارة الجنّ في مستقبلهم السياسي.. وعلم الرئيس الراحل محمد أنور السادات بذلك فقام بالتنصت من خلال أجهزة مخابراته المعاونة على تلك الجلسة، وسجلت بالكامل، وتكرر الأمر في العام نفسه يوم 4 مايو وسجلت أيضًا.. وأرسل السادات هذه التسجيلات في منتصف الليل مع ابنته إلى محمد حسنين هيكل حتى ينشر نصها لإدانة رجال عبدالناصر في جريدة الأهرام، لكن هيكل تردد في نشرها، وذهب إلى المفكر الكبير والروائي توفيق الحكيم لاستشارته.

ويروي هيكل تفاصيل ما جرى بقوله: أعطيت توفيق الحكيم جلستين من جلسات تحضير الأرواح منقولة بالحرف على الورق كما نطقت بها أصوات أصحابها على أشرطة التسجيل المغناطيسية، وقرأها توفيق الحكيم ثم قال لي «لو أنني كتبت مثل هذا في رواية لاتهمني الناس بأنني شربت نهر الجنون حتى آخر قطرة»، ثم شرد وعاد يقول «إنني مع النشر.. إن أسبابك للنشر أقوى من أسبابك في الامتناع عنه»..

وهنا قرر هيكل نشرها في مقاله الشهير «تحضير أرواح»، الذي كان بمنزلة فضيحة سياسية كبيرة، لم تكد تخبو حتى قام السادات بثورة التصحيح وتخلص من كل رجال عهد عبدالناصر. غباء سياسي أما الدجال الذي ذهبوا اليه،، فكان يعمل أستاذًا جامعيًا، وقد أوحى إليهم بأن يتقدموا باستقالاتهم بهدف عمل فراغ دستوري ليضعوا السادات في مأزق يضطر بعده إلى الرضوخ لهم، وقد فعلوا ذلك بالفعل في 15 مايو، لكن العراف لم ينفعهم.. فالسادات مثلما استطاع أن يخترق الجلسة بوضع أجهزة التنصت في حضرة «ملك الجان» يبدو أنه جند العراف نفسه، لينصحهم بتقديم استقالاتهم التي كان في انتظارها فقبلها على الفور وأصدر قرارًا باعتقالهم وبرر ذلك بعبارته الشهيرة «دول المفروض يتحاكموا بتهمة الغباء السياسي».

وفي كتابه «الطريق إلى رمضان» لمحمد حسنين هيكل، الصادر في عام 1975، عقب حرب أكتوبر، أرخ هيكل للواقعة مشيرًا إلى أن جماعة علي صبري كانت تعقد جلسات خاصة لتحضير روح الرئيس جمال عبدالناصر ليسألوه عن صراعهم مع الرئيس السادات. بيت آمن السادات نفسه كان بارعا في قراءة الكف، وكانت إحدى وسائله في التقرب إلى عبدالناصر ودخول قلبه في سهرات العشاء التي كانت تقام في منزله وبحضور زوجته جيهان السادات.. وعبدالناصر نفسه كان يلجأ إلى تحضير الأرواح، وفق ما ذكر حلمي سلام، ونشرت بمجلة المصور، في مارس 2009، على لسانه: أن منزل عبدالحكيم عامر كان المكان الذي تتم فيه جلسات تحضير الأرواح باعتبار أن بيت عبدالحكيم كان مؤمناً من رقابة القلم السياسي بسبب صلة القرابة التي تربطه بحيدر باشا.

ألعاب سحرية وتحدث محمد حسنين هيكل، عن الجلسات التي كان يحضرها عبدالناصر بوجود الكثير من الشخصيات، من بينها الشيخ محمد لبيب، الذي كان معروفا بإتقانه بعض الألعاب السحرية، مثل إخفاء الأشياء عن عيون الحضور ثم إحضارها أمامهم كأوراق الكوتشينة والمتعلقات الشخصية.. وقد روى البعض أنه كان يضع الكوب في جيب أحد الحضور ويستخرجه من جيب آخر، ويلقي بورق الكوتشينة إلى السقف ليلصقه به ثم يستدعيه ورقة ورقة.

عبدالحكيم وذكر الدكتور مراد غالب في مذكراته أثناء عمله سفيرا لمصر في موسكو، زيارة عبدالحكيم عامر له لحضور العرض العسكري في 7 نوفمبر 1966، قائلًا «اصطحبت المشير عامر إلى منزلي، وجلسنا أمام المدفأة، لأن الجو كان قارس البرودة- 13 تحت الصفر- جرّنا الحديث إلى شتى الموضوعات، ولا أدري كيف وصل حديثنا إلى الذين يقرأون الطالع، ثم قال عبدالحكيم عامر: سأحكي لكم قصتي مع البخت (الحظ).. لقد تصادف أن التقيت في الإسكندرية وأنا برتبة ملازم أول مع امرأة تقرأ البخت، وقالت لي إنك سوف تحكم هذا البلد، لكنك ستهوي على الأرض، وأنت في هذا الموقع العالي، وقد تفارق الحياة عندئذ.

واستطرد المشير قائلا: كيف أقع على الأرض.. إن شقيق عبدالناصر متزوج ابنتي، وأنا نائب الرئيس، وقائد عام القوات المسلحة.. وعلق هو على القصة بأنها هراء، وأنه يحكيها لأنها قصة عجيبة! ولم يكن غريبًا في ظل هذه الأجواء المشحونة بالخرافة أنه بعد هزيمة 67 انشغلت مصر على مدى أسابيع بمعجزة ظهور العذراء، التي ركزت عليها جميع الصحف، وتم تفسيرها في ذلك الوقت بأنها بشارة لتحرير سيناء، وانتقد المفكر السوري الشهير صادق جلال العظم هذه الظاهر الغيبية في كتابه «نقد الفكر الديني» الذي صودر فور صدوره، كما منع هو شخصياً من دخول مصر لسنوات طويلة.

خرافات الوحدة جلسات تحضير الأرواح لأكبر رجال عصر عبدالناصر وأكثرهم نفوذًا، لم تكن الأولى ولا الأخيرة، فقد سبقتها وقائع ولحقتها كوارث.. وسجلتها كتب ومذكرات موثقة، حيث يروي رياض المالكي في كتابه «ذكريات على درب الكفاح والهزيمة»، الصادر عن مطبعة الثبات بدمشق عام 1972، أن عددا من الوزراء السوريين في دولة الوحدة، (الوحدة التي جمعت بين مصر وسوريا في الفترة من 1958 إلى 1961)، كانوا يقومون بتحضير الأروح، وأن فاخر الكيالي أحد الوزراء قال «إننا نعمل في القاهرة مع بعض الوزراء المركزيين على عقد جلسات تحضير الأرواح، وإن هذه مسألة علمية لا شك فى جديتها، والسلطات العليا في القاهرة يهتمون بها ويمارسونها، وهي تساعدهم على حل عقد كثيرة في شؤون السياسة والحكم!».

للمزيد https://alqabas.com/669752/