المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ماض افريقي طويل من القيادات المتعثرة



زوربا
06-26-2005, 11:59 PM
لانس غبيريه - كونكورد تايمز الليبيرية


المشكلة في نيجيريا، كما قال الكاتب تشينوا أشيبيه ذات مرة، هي ببساطة «فشل في القيادة». كان ذلك في بداية الثمانينات. وعلى رغم أن البلد كان يعاني اعاقة جسيمة في ذلك الوقت، الا انها لم تبلغ به حد الشلل التام. والافصاح عن ذلك كان خجولاً في الماضي كما في يومنا هذا.

في مؤتمر حول الديموقراطية والقيادة نظمه المركز الثقافي البريطاني في أبوجا, افتتح نائب الرئيس الكلام. كان الرئيس أوبانساجو أعلن أن المناطق الريفية (وهي غالبية البلاد) لا تعاني فقراً وجوعاً وحرماناً, وقال ان هذه الآفات نتيجة المدنية. وامتلأت الصحافة المحلية بعناوين منددة بالتصريح الغبي. وفي المؤتمر, لم يذكر نائب الرئيس، ابو بكر اتيبو، شيئاً من هذا القبيل بل تحدث عن «الامة العظيمة» و»الانجازات الكبيرة» في مجال الديموقراطية ومحاربة الفساد في نيجيريا. لم يكن التعليق ظريفاً. وبدا الكلام عن العظمة والعدالة والشفافية أمراً بديهياً.

ولكن, في سفري براً بين أكرا وغانا ولاغوس قبل الطيران الى أبوجا، لم أر شيئاً من تلك الشعارات. وكل ما صادفني كان الفراغ والمنازل المهجورة التي لا يتوقعها المرء في بلد غني بالنفط. ومرة أخرى أستعين بأتشيبي الذي كتب: «المشكلة الاساسية في هذا البلد هي انعدام التواصل مع الفقراء والمعدمين». وتلخص هذه الكلمات أزمة القيادة في افريقيا كلها. فالقول ان غالبية الدول الافريقية فشلت على المستوى الاجتماعي, جدير بالتكرار لأنه العامل المهمَل في المناقشات حول قابلية استمرارية الدول الافريقية.

ومنذ انتقالي الى غانا وأنا اسأل أصدقائي الغانيين لماذا لا يريد أحد التشبه بكوامي نكروما، مؤسس الأمة الذي صار أيقونة شعبية, ويذكره السياسيون في خطاباتهم كلما ارادوا الظهور بمظهر الوطنية؟ ولماذا، على رغم كل ذلك، فشل حزب التجمع الشعبي الذي أسسه نكروما وقاد غانا الى الاستقلال، فلم يحصل على غير 10 بالمئة من اصوات الناخبين منذ اربع سنوات؟(...) أن الحركة السياسية التي قادها نكروما تعتمد، في شكل واسع، على الطبقة الوسطى والمثقفين والمفكرين الذين لهم طموحات كبيرة في اعادة افريقيا للأفارقة, ورفع شأن الرجل الاسود.

ولا شك في أن هذه أهداف سامية، الا انه ارتكب كثيراً من الاخطاء وهو يحاول بلوغها. أي ان نكروما ترك ارثاً معقداً. ففيما يُشهد له بأنه ارسى بنية تحتية متينة جعلت غانا تتخطى هزات اقتصادية عديدة, الا أنه أودى بالبلاد الى الإفلاس، وأوقع كثرة من السكان في الفقر. وعندما أطيح في انقلاب نقلت الصحف البريطانية احتفالات الناس في أكرا. وقد يكون لوكالة الاستخبارات الاميركية، «سي آي ايه»، دور في التشجيع على الانقلاب، لكن الانقلاب لقي ترحيباً شعبياً واسعاً. ومن العبث اغفال ارتياح الغانيين بعد الاطاحة بنكروما، واعتباره غسل دماغ.

والفقراء والمهمشون، على قول المؤرخ باسيل دايفدسون، لا يقاتلون من أجل الافكار وانما لتحسين ظروف عيشهم. وأفضل من أدرك هذه الحقيقة واستغلها في افريقيا ما بعد الاستعمار, هو رئيس ساحل العاج، فيليكس هوفويث – بوانييه، وهو زعيم آخر ترك خلفه ارثاً معقداً. وفي أثناء تجوالي في ساحل العاج لم يسعني الا حمل الرجل على محمل الجد. فهو بنى البلد من لا شيء، عندما سلم الفرنسيون السلطة في 1960, وحوله في الثمانينات الى قطب اقتصادي في غرب أفريقيا. وجرى تقاسم الثروات، فانشئت بنية تحتية جيدة في المنطقة, وشقت الطرقات، وشيدت المدارس، مُدت المياه الجارية والكـــهرباء الى القرى.

ولكن تقاعس الرئيس غباغبو، وزمرة من يسمون «القوى الجديدة»، قضى على هذه الانجازات. وربما كان بوانييه يتحمل بعض المسؤولية, ولكنه أعطى بلاده طبقة وسطى متنامية وازدهاراً ريفياً, أي بنى بلداً قابلاً للعيش. وقد شددت على هاتين الشخصيتين لانهما تجسدان أسلوباً في الحكم. فيمكن أن نناقش زعيم غينيا سيكو توري، وزعيم تانزانيا جوليوس نيريري، كمفكرين وقائدين، الا أنه يمكن وضعهما في خانة نكروما سياسياً. وحاول رئيس توغو الراحل، ناسينغبي اياديما، تقليد بوانييه, ولكن جهده راح سدى. فبلاده هي بين الافقر والاكثر فساداً.

واستبدلت الوجوه التاريخية في الحقبة ما بعد الاستعمار بالمحظيين الذين اثبتوا فشلهم الذريع. ويحضرني هنا بيدييه، في ساحل العاج, ثم شخصيات مضحكة مبكية. والا كيف يمكن تعليل حكم شخص مثل غباغبو, أو مغامر ليبيريا، تشارلز تايلور، أو حتى رئيس غامبيا، ياياه جاممي، الذي يقدم نفسه الآن على أنه الزعيم الافريقي العظيم؟ لكن الصورة ليست على هذه القتامة, اذا ما نظرنا جهة ثامبو مبيكي، في جنوب أفريقيا, الذي عمل ليل نهار لضمان سيادة بلاده التي نالها بعد انتهاء نظام الفصل العنصري. وحمل مبيكي ثقيل, لكنه يحمله بشجاعة. فلننحن أمامه!


كونكورد تايمز الليبيرية، 16/ 6/ 2005

زوربا
06-27-2005, 12:08 AM
إلغاء الديون لا يحلّ مشكلات أفريقيا كلها


لوبسرفاتور بالغا البوركانيبية (بوركينا فاسو)

وجد بوب غيلدوف، نجم الروك الايرلندي والشخصية الرمزية التي تمثل على مكافحة الفقر في أفريقيا العبارة المناسبة: «يستيقظ غداً 280 مليون أفريقي من دون ان يدينوا لي أو لكم بسنتيم واحد من حمل الدين الذي ينيخ على بلدانهم منذ وقت طويل». وذلك أن وزراء مالية الدول السبع الأكثر ثراء، الى روسيا (G8)، أعلنوا، في اجتماع تمهيدي لقمة غلين إيغلز (سكوتلندا) المقرر انعقادها من 6 الى 8 تموز (يوليو) المقبل، قرارهم الإلغاء الفوري لـ 100 في المئة من الدين المتعدد الأطراف لثماني عشرة دولة فقيرة، باهظة المديونية تجاه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك التنمية الأفريقي. ويبلغ الدين هذا 20 بليون دولار، وهو رقم كبير.

وفي الإثني عشر الى ثمانية عشر شهراً الآتية، تستفيد 9 بلدان أخرى من مبادرة مماثلة في شأن مبلغ قدره 11 بليون دولار. وبعدها يستفيد 11 بلداً جديداً من (الغاء) مبلغ قدره 4 بلايين دولار. إذاً من اليوم الى سنة ونصف، يشمل هذا الاجراء التاريخي 38 بلداً، ويتناول مبلغاً اجمالياً قدره 55 بليون دولار، 44 منها مستحقة للبنك الدولي، و6 لصندوق النقد الدولي، و5 لبنك التنمية الافريقي. وتقتضي المحافظة على موارد عمل المؤسسات الثلاث هذه أن يستبدل كل دولار ألغي. ويشير التقرير الى أن الدول الغنية ستعوّض خسارة الاعفاءات، وتعهدت، تالياً، دفع ما يتوجب علينا.

وابتداء، يحمل هذا الاجراء الفاعل انجازاً لرئيس الوزراء البريطاني طوني بلير. وقد لزمه، لهذه الغاية، أن يقصد البيت الأبيض ليأتي على آخر تحفظات العم سام. والى هذا، يأتي هذا الاتفاق بعد زهاء شهر على تولي بول وولفوفيتز رئاسة البنك الدولي. وكان تعيينه أثار الاضطراب في صفوف الناس جميعاً. وعلى رغم تطمينات «ولفي» المتكررة، وهو أخذ على عاتقه الكفاح في سبيل التنمية والقضاء على الفقر في العالم، لم يغب عن ذهن أحد أن الرجل الثاني في البنتاغون الأميركي هو أحد صقور إدارة بوش، ومن مناصري أحادية القوة الضاربة الرائجة في واشنطن. وهو من مؤيدي الحرب على العراق. فلا ريب أن تحوّل رجل هذا شأنه الى فاعل خير، أمر يصعب تصديقه.

واستهلال الولايات المتحدة ولاية أحد مواليها بهذا السخاء، وهي ربما فهمت أخيراً أن الفقر هو الآخر سلاح دمار شامل، إنما أرادت منه أن تبعث رسالة واضحة لشركائها وللبلدان الفقيرة. ومن جهة أخرى، وُقع اتفاق لندن، قبل 48 ساعة فقط من بداية جولة بول وولفوفيتز الأفريقية التي تشمل نيجيريا وبوركينا فاسو وجنوب أفريقيا، الى رواندا. وابتداء السيد وولفوفيتز إقامته في بوركينا فاسو بزيارة «بوبوديو لاسو» و»سوفيتكس» على وجه التخصيص (وهي أول شركة قطنية في البلد)، قبل الوصول الى أوغادوغو، هو في ذاته دليل ساطع: فذلك يتيح له أن يلمس لمس اليد المفاعيل السلبية للمساعدات التي تهبها البلدان الغنية، وفي مقدمها الولايات المتحدة، الى مزارعي القطن فيها، وتهديد هذه المساعدات بقاء عائلات في بوركينا فاسو على قيد الحياة. فالذهب الأبيض مصدر رزق حوالى 2.5 مليون من مواطنينا(...).

ومن ناحية أخرى، إذا كان أقوياء هذا العالم قبلوا محو لوحة (الديون) فإنهم لم يلتزموا في المقابل أي التزام يتعلق بمضاعفة المساعدة العامة للتنمية من 50 الى 100 بليون دولار سنوياً. والمعزوفة الأميركية في هذا الصدد معروفة ومكررة: «إنها تجارة، وليست مساعدات».

(...) ويبقى أن المال الذي كان مخصصاً لخطة الدين يجب أن يستعمل في أغراض أخرى. وبما أن العشرة ملايين بوركينابي لا يستطيعون المجيء والاصطفاف في ساحة الوطن، ليأخذ واحدهم حصته من الغلة (وهذه قد تكون الطريقة المضمونة فعلاً للارتواء من المنّ والسلوى غير المتوقعين)، فمن الأجدى أن نأمل في صرف هذا المال الى دعم الخدمات الاجتماعية الأساسية، كالتربية والصحة، والمساهمة في مكافحة الفقر. أما بعد، فإن الغاء هذه الديون، وهي كان أمل تسديدها ضئيلاً أصلاً، خالٍ من أي معنى.


لوبسرفاتور بالغا البوركانيبية (بوركينا فاسو)، 18/6/2005