سلسبيل
03-06-2019, 11:50 AM
https://www.elkhabar.com/media/uploads/images/2019-03-0520:38:57.043875-05.jpg
5 مارس 2019 - محمد سيدمو
خضع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أخيرا، إلى فكرة تنظيم مرحلة انتقالية تُرتّب خروجه من الحكم، وذلك تحت ضغط الحراك الشعبي غير المسبوق الرافض للعهدة الخامسة. لكن هذه الخطوة "الجريئة" في ظاهرها، تبدو في الواقع مُتجاوزة لأنها جاءت في الوقت بدل الضائع، بعد ما أبداه الجزائريون من تصميم ضد استمرار الرئيس تحت أي ظرف.
لأول مرة منذ وصوله للحكم، بدا الرئيس بوتفليقة في حالة ضعف سياسي شديد، مثلما أظهرته الكلمات المنتقاة بعناية شديدة في الرسالة الموجهة باسمه بعد إيداع ترشحه بالوكالة، إذ ليس من عادته أن يتحدث بنبرة الاستعطاف التي بدا أنها سابقة في تاريخ تعامله مع الجزائريين، تماما مثلما بدا غريبا ابتعاده عن أسلوب التخويف والحديث عن تربص الخارج بالجزائر، حتى أنه عمد في النهاية إلى توجيه التحية إلى "حضارية" الحراك السلمي رغم أنه خرج يمنعه من الترشح للرئاسيات، وهو ما يعني، كما يُسرّ بذلك أنصاره، استيعاب حقيقة وجود رفض شعبي لاستمراره في الحكم، ما أدى به إلى هذه الاعترافات التي تدين فترة حكمه ثم أعقبها بالتنازلات التي تطعن كبرياءه كرئيس اجتهد في أن لا يكون 3 أرباع رئيس لما وصل إلى الحكم، وهو اليوم يطلب فقط السماح له بتنظيم "نهايته السياسية" بنفسه بعد أن أدرك أن استمراره لعهدة خامسة كاملة يعد أمرا مستحيلا.
توظيف النوايا الحسنة في قراءة رسالة ترشح الرئيس بوتفليقة الثانية، يمكن أن يوصل إلى هذه الخلاصة التي تفيد بأن الرئيس يريد أن يرحل ولكن بطريقة منظمة لا تضع البلاد في حالة الفراغ الذي يؤدي بها إلى المجهول. فالرئيس في رسالته كشف بأنه سينظم انتخابات رئاسية مسبقة، بعد الندوة الوطنية التي يعتزم تنظيمها بعد فوزه بالرئاسيات الجارية، والتي سينجر عنها إصلاحات عميقة، أبرزها ذلك المطلب الذي ظلت المعارضة تنادي به لسنوات، وهو الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات. بالإضافة إلى إجراء تعديل عميق للدستور، يُستفتى عليه الشعب، وهو ما ظل بوتفليقة يتهرب منه في كل التعديلات التي أجراها (2002-2008-2016). وبذلك بدا أن الرئيس يقترب في طرحه، من فكرة تأجيل الانتخابات التي سبق وطرحها رئيس حمس عبد الرزاق مقري، عندما دعا إلى تأخير موعد الرئاسيات لسنة مقابل إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة، تشرف عليها حكومة وحدة وطنية. ذلك أن الرئاسيات الجارية، وفق منطق بوتفليقة، ستكون شكلية فقط لترتيب الخروج، بينما الرئاسيات الحقيقية ستكون بعد نهاية الندوة الوطنية (ربما في غضون سنة)، بقواعد لعبة جديدة كلية، بعد إخراج الإدارة نهائيا من تنظيم العملية الانتخابية.
ولأن السياسة لا تُدار بالنوايا الحسنة، وإنما بموازين القوى الآنية، سيبقى ما ذكره الرئيس بوتفليقة مجرد وعود انتخابية فقط، لا يوجد في الواقع أي ضمانات تؤكدها. وما يزيد من هواجس المشككين، هو أن الرئيس بوتفليقة سبق له في 2011 أن تقدم بوعود لإصلاحات عميقة مع هبوب الرياح العربية، لكن تلك الوعود بقيت حبرا على ورق لسنوات طويلة، ثم جرى الالتفاف عليها في القوانين الصادرة، والتي تعد أسوأ من سابقاتها بالنسبة للمعارضة، خاصة تلك المتعلقة بحرية إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية التي لا تزال العديد منها محرومة من الاعتماد، ناهيك عن وعود إصلاح الحقل الإعلامي وترقية حرية التعبير، إذ ازداد التضييق بعد 2014 بشهادة التقارير الدولية إلى مستويات غير مسبوقة. والأخطر من كل ذلك، أن الرئيس بوتفليقة في ماي 2012، وهو آخر خطاب جماهيري له، كان قد ذكر بصريح العبارة "جيلي طاب جنانو" و"عاش من عرف قدره"، وساد بذلك انطباع قوي بأن الرئيس لا يريد المواصلة ويريد حقا تسليم المشعل إلى أجيال ما بعد الثورة التحريرية، إلا أن العكس تماما ما وقع، بعد أن ترشح وهو في ظروف صحية شبيهة باليوم، مُفاجئا حتى أقرب مقربيه، مثل رئيس المجلس الدستوري الراحل، مراد مدلسي، الذي صرّح على قناة فرنسية بأن "استمرار الرئيس لعهدة رابعة هو مجرد نكتة".
وفي وقت كان ينتظر أن تكون العهدة الرابعة التي قبلها الجزائريون على مضض، رغم أنها لم تكن منطقية بفعل غياب الرئيس الفاضح عن تدبير الشأن العام، كان ينتظر أن تكون عهدة انتقالية تسمح بمخرج مشرف للرئيس بعد القيام بإصلاحات هيكلية تنظم خروجه من الحكم، سارت هذه العهدة عكس طبيعة الأشياء، بتقوية صلاحيات بوتفليقة في تعديل دستوري، أنتج دستورا "رئاسيويا" بامتياز، يضع كل القرارات في يد الرجل الذي بدأ من خلال الصور القليلة يظهر بأنه يزداد مرضا. وتجاهل الرئيس ومحيطه، في كل ذلك، دعوات المعارضة الملحة، التي تم عرضها في عدة مبادرات، مثل "الانتقال الديمقراطي" في مازافران أو "الإجماع الوطني" للأفافاس، والتي كانت تدعو للبدء في ترتيب عملية الانتقال من تلك اللحظة، بعد استشراف وصول الجزائر إلى أعتاب أزمة اقتصادية وسياسية خانقة بعد سنوات، وهو ما يحصل اليوم من خلال هذا الحراك الشعبي الذي تجاوز الجميع.
لأجل كل هذه التجارب التي عاشها الجزائريون مع فترة حكم بوتفليقة، سيكون من الصعب ابتلاع فكرة أن الرئيس يريد فعلا "تغيير النظام" كما جاء في رسالته. وسيكون من السهل، على أي مشكك، أن يعرض هذه الأمثلة التي تدعم قناعته، بأن المراد حاليا من خلال هذه التعهدات، هو إخماد فتيل الغضب الشعبي ومحاصرته، من أجل تمرير العهدة الخامسة، ثم التصرف بعد ذلك، وفق فقه ومنطق الفترة المقبلة، ما دام لا أحد بإمكانه ضمان بقاء هذه التعبئة الشاملة في شكلها في الأشهر المقبلة التي تلي الرئاسيات. وعلى فرض أن الرئيس صادق في توجهاته نظرا لسنه وحالته المرضية التي لا تتيح له الاستمرار أكثر حتى لو أراد،
سيبقى التشكيك قائما في مخرجات هذه الندوة الوطنية التي سينبني عليها تعديل الدستور والرئاسيات المسبقة، ذلك أنها ستكون مُعومة بالأحزاب التي تصف نفسها بالكبيرة ولكنها أصبحت في حكم الملفوظة شعبيا، وكذلك المنظمات الجماهيرية المنخرطة في أجندة السلطة، ما يهدد بإصلاحات مشوهة يحاول من خلالها أنصار الرئيس فرض منطقهم عكس الإرادة الشعبية لإدامة بقائهم في الحكم، في حين كانت رسالة الجزائريين واضحة في ضرورة تغيير النظام بكل رموزه ومؤسساته.
لذلك، سيكون الرهان كبيرا على هذا الحراك في أن يبقى يقظا ويُسميّ قياداته التي يثق فيها، حتى يكون الطرف الأساس في مفاوضة السلطة على الإصلاحات العميقة الحقيقية، باعتباره صانع هذه اللحظة التاريخية التي يجب ألا تسرق منه بأي حال من الأحوال.
https://www.elkhabar.com/press/article/151442/%D9%88%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%81%D9%84%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D9%8A%D9%83%D8%B0%D8%A8%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE/
5 مارس 2019 - محمد سيدمو
خضع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، أخيرا، إلى فكرة تنظيم مرحلة انتقالية تُرتّب خروجه من الحكم، وذلك تحت ضغط الحراك الشعبي غير المسبوق الرافض للعهدة الخامسة. لكن هذه الخطوة "الجريئة" في ظاهرها، تبدو في الواقع مُتجاوزة لأنها جاءت في الوقت بدل الضائع، بعد ما أبداه الجزائريون من تصميم ضد استمرار الرئيس تحت أي ظرف.
لأول مرة منذ وصوله للحكم، بدا الرئيس بوتفليقة في حالة ضعف سياسي شديد، مثلما أظهرته الكلمات المنتقاة بعناية شديدة في الرسالة الموجهة باسمه بعد إيداع ترشحه بالوكالة، إذ ليس من عادته أن يتحدث بنبرة الاستعطاف التي بدا أنها سابقة في تاريخ تعامله مع الجزائريين، تماما مثلما بدا غريبا ابتعاده عن أسلوب التخويف والحديث عن تربص الخارج بالجزائر، حتى أنه عمد في النهاية إلى توجيه التحية إلى "حضارية" الحراك السلمي رغم أنه خرج يمنعه من الترشح للرئاسيات، وهو ما يعني، كما يُسرّ بذلك أنصاره، استيعاب حقيقة وجود رفض شعبي لاستمراره في الحكم، ما أدى به إلى هذه الاعترافات التي تدين فترة حكمه ثم أعقبها بالتنازلات التي تطعن كبرياءه كرئيس اجتهد في أن لا يكون 3 أرباع رئيس لما وصل إلى الحكم، وهو اليوم يطلب فقط السماح له بتنظيم "نهايته السياسية" بنفسه بعد أن أدرك أن استمراره لعهدة خامسة كاملة يعد أمرا مستحيلا.
توظيف النوايا الحسنة في قراءة رسالة ترشح الرئيس بوتفليقة الثانية، يمكن أن يوصل إلى هذه الخلاصة التي تفيد بأن الرئيس يريد أن يرحل ولكن بطريقة منظمة لا تضع البلاد في حالة الفراغ الذي يؤدي بها إلى المجهول. فالرئيس في رسالته كشف بأنه سينظم انتخابات رئاسية مسبقة، بعد الندوة الوطنية التي يعتزم تنظيمها بعد فوزه بالرئاسيات الجارية، والتي سينجر عنها إصلاحات عميقة، أبرزها ذلك المطلب الذي ظلت المعارضة تنادي به لسنوات، وهو الهيئة المستقلة لتنظيم الانتخابات. بالإضافة إلى إجراء تعديل عميق للدستور، يُستفتى عليه الشعب، وهو ما ظل بوتفليقة يتهرب منه في كل التعديلات التي أجراها (2002-2008-2016). وبذلك بدا أن الرئيس يقترب في طرحه، من فكرة تأجيل الانتخابات التي سبق وطرحها رئيس حمس عبد الرزاق مقري، عندما دعا إلى تأخير موعد الرئاسيات لسنة مقابل إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة، تشرف عليها حكومة وحدة وطنية. ذلك أن الرئاسيات الجارية، وفق منطق بوتفليقة، ستكون شكلية فقط لترتيب الخروج، بينما الرئاسيات الحقيقية ستكون بعد نهاية الندوة الوطنية (ربما في غضون سنة)، بقواعد لعبة جديدة كلية، بعد إخراج الإدارة نهائيا من تنظيم العملية الانتخابية.
ولأن السياسة لا تُدار بالنوايا الحسنة، وإنما بموازين القوى الآنية، سيبقى ما ذكره الرئيس بوتفليقة مجرد وعود انتخابية فقط، لا يوجد في الواقع أي ضمانات تؤكدها. وما يزيد من هواجس المشككين، هو أن الرئيس بوتفليقة سبق له في 2011 أن تقدم بوعود لإصلاحات عميقة مع هبوب الرياح العربية، لكن تلك الوعود بقيت حبرا على ورق لسنوات طويلة، ثم جرى الالتفاف عليها في القوانين الصادرة، والتي تعد أسوأ من سابقاتها بالنسبة للمعارضة، خاصة تلك المتعلقة بحرية إنشاء الجمعيات والأحزاب السياسية التي لا تزال العديد منها محرومة من الاعتماد، ناهيك عن وعود إصلاح الحقل الإعلامي وترقية حرية التعبير، إذ ازداد التضييق بعد 2014 بشهادة التقارير الدولية إلى مستويات غير مسبوقة. والأخطر من كل ذلك، أن الرئيس بوتفليقة في ماي 2012، وهو آخر خطاب جماهيري له، كان قد ذكر بصريح العبارة "جيلي طاب جنانو" و"عاش من عرف قدره"، وساد بذلك انطباع قوي بأن الرئيس لا يريد المواصلة ويريد حقا تسليم المشعل إلى أجيال ما بعد الثورة التحريرية، إلا أن العكس تماما ما وقع، بعد أن ترشح وهو في ظروف صحية شبيهة باليوم، مُفاجئا حتى أقرب مقربيه، مثل رئيس المجلس الدستوري الراحل، مراد مدلسي، الذي صرّح على قناة فرنسية بأن "استمرار الرئيس لعهدة رابعة هو مجرد نكتة".
وفي وقت كان ينتظر أن تكون العهدة الرابعة التي قبلها الجزائريون على مضض، رغم أنها لم تكن منطقية بفعل غياب الرئيس الفاضح عن تدبير الشأن العام، كان ينتظر أن تكون عهدة انتقالية تسمح بمخرج مشرف للرئيس بعد القيام بإصلاحات هيكلية تنظم خروجه من الحكم، سارت هذه العهدة عكس طبيعة الأشياء، بتقوية صلاحيات بوتفليقة في تعديل دستوري، أنتج دستورا "رئاسيويا" بامتياز، يضع كل القرارات في يد الرجل الذي بدأ من خلال الصور القليلة يظهر بأنه يزداد مرضا. وتجاهل الرئيس ومحيطه، في كل ذلك، دعوات المعارضة الملحة، التي تم عرضها في عدة مبادرات، مثل "الانتقال الديمقراطي" في مازافران أو "الإجماع الوطني" للأفافاس، والتي كانت تدعو للبدء في ترتيب عملية الانتقال من تلك اللحظة، بعد استشراف وصول الجزائر إلى أعتاب أزمة اقتصادية وسياسية خانقة بعد سنوات، وهو ما يحصل اليوم من خلال هذا الحراك الشعبي الذي تجاوز الجميع.
لأجل كل هذه التجارب التي عاشها الجزائريون مع فترة حكم بوتفليقة، سيكون من الصعب ابتلاع فكرة أن الرئيس يريد فعلا "تغيير النظام" كما جاء في رسالته. وسيكون من السهل، على أي مشكك، أن يعرض هذه الأمثلة التي تدعم قناعته، بأن المراد حاليا من خلال هذه التعهدات، هو إخماد فتيل الغضب الشعبي ومحاصرته، من أجل تمرير العهدة الخامسة، ثم التصرف بعد ذلك، وفق فقه ومنطق الفترة المقبلة، ما دام لا أحد بإمكانه ضمان بقاء هذه التعبئة الشاملة في شكلها في الأشهر المقبلة التي تلي الرئاسيات. وعلى فرض أن الرئيس صادق في توجهاته نظرا لسنه وحالته المرضية التي لا تتيح له الاستمرار أكثر حتى لو أراد،
سيبقى التشكيك قائما في مخرجات هذه الندوة الوطنية التي سينبني عليها تعديل الدستور والرئاسيات المسبقة، ذلك أنها ستكون مُعومة بالأحزاب التي تصف نفسها بالكبيرة ولكنها أصبحت في حكم الملفوظة شعبيا، وكذلك المنظمات الجماهيرية المنخرطة في أجندة السلطة، ما يهدد بإصلاحات مشوهة يحاول من خلالها أنصار الرئيس فرض منطقهم عكس الإرادة الشعبية لإدامة بقائهم في الحكم، في حين كانت رسالة الجزائريين واضحة في ضرورة تغيير النظام بكل رموزه ومؤسساته.
لذلك، سيكون الرهان كبيرا على هذا الحراك في أن يبقى يقظا ويُسميّ قياداته التي يثق فيها، حتى يكون الطرف الأساس في مفاوضة السلطة على الإصلاحات العميقة الحقيقية، باعتباره صانع هذه اللحظة التاريخية التي يجب ألا تسرق منه بأي حال من الأحوال.
https://www.elkhabar.com/press/article/151442/%D9%88%D8%B9%D9%88%D8%AF-%D8%A8%D9%88%D8%AA%D9%81%D9%84%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D9%8A%D9%83%D8%B0%D8%A8%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE/