بركان
03-05-2019, 09:16 PM
https://ar.shafaqna.com/wp-content/uploads/2019/03/%DA%A9%D9%81%DB%B0.jpg
شفقنا- سلطت وكالة Bloomberg الأميركية الضوء عن المعاناة التي يعانيها بعض السعوديين جراء مواقفهم التي تغرد خارج سرب السلطة، والتي أودت ببعضهم إلى المعتقلات وعرضت البعض الآخر لانتقادات شديدة. وقالت المجلة الأمريكية، كانت الإعلامية السعودية منى أبو سليمان مسترخية في الفراش الشهر الماضي فبراير/شباط، عندما جاءتها رسالة على هاتفها مفادها أن مفتي السعودية قد توفي.
بعد التحقق من الرسالة التي بدا أنها تأتي من مصدر رسمي، شاركت مقدمة البرامج السابقة الرسالة على حسابها على تويتر الذي يتابعه 544 ألف شخص. كان ذلك سوء تقدير، دفع امرأة تحب بلدها إلى غيابات صراع قبيح حول معنى أن يكون المرء سعودياً في حقبة تشكل فيها المملكة العربية السعودية هوية جديدة تحت قيادة ولي عهدها الشاب الأمير محمد بن سلمان.
كان الخبر بشأن المفتي كاذباً. وحذفت منى أبو سليمان التغريدة واعتذرت في غضون دقائق، لكن بعد فوات الأوان، فقد حدث الضرر بالفعل. خلال عدة ليالٍ لم تذق فيها طعم النوم، شاهدت تغريدات واحدة تلو الأخرى على تويتر تصفها بأنها «حثالة» و»نجسة» –وهي تنحدر من المنطقة الغربية المتنوعة عرقياً- و»خائنة» ممولة من الخارج ويجب تجريدها من جنسيتها، بحسب المجلة الأمريكية. لم تتضمن الإساءات التي وجهت لمنى على وجه الخصوص الإساءة المعتادة في المملكة الإسلامية المحافظة، ألا وهي الوصف بالكفر.
فبغض النظر عن كل شي، هي إحدى النساء القلائل البارزات اللواتي ظهرن على شاشة التلفزيون بوجه مكشوف في أوقات كانت السعودية فيها أقل تساهلاً، وبهذا تحدت الإعلامية السعودية البالغة من العمر 45 عاماً الأعراف الاجتماعية المتحيزة للرجال التي يؤيدها رجال الدين المتشددون في المملكة. لكن هذا الأمر لم يكن مجرد سهو، فالمملكة العربية السعودية تجري تجديداً عنيفاً لهويتها صوب نزعة قومية، يحد من العقيدة الدينية الصارمة التي يجري ربطها في الخارج بالإرهاب،
ويشجع على تبجيل الحاكم الفعلي الأمير محمد بن سلمان أثناء سعيه لإجراء إصلاحات اقتصادية شاملة. وفي خضم الجهود المبذولة للحفاظ على الدعم في الداخل أثناء إعادة صياغة العقد بين الدولة والمواطن، أصبح الخونة، وليس الكفار، هم الأعداء الجدد.
مجتمع يعاني من ضغوط
بدا أن العديد من السعوديين الذين سارعوا بتوجيه الاتهامات بالخيانة قد استمدوها من الخطابات الرسمية للدولة السعودية. فالاتهامات بالخيانة تنتشر على الإنترنت، وتجدها مطبوعة في شكل تهديدات ورسائل مكتوبة بالأحرف الحمراء على الصفحات الأمامية للصحف السعودية. ويمكن استهداف أي شخص يُنظر إليه على أنه يعرض سمعة المملكة للتشويه، ويشمل ذلك حتى الكوميديين الذين يستهدفون المرح فقط للمرح وليس لشيء آخر، بحسب المجلة الأمريكية. وقال عبدالله الفوزان، عضو مجلس الشورى السعودي، في خطاب لاذع متلفز أذيع في وقت متأخر من العام الماضي: «إذا كان الشخص محايداً أو يقف مع العدو ضد هذا البلد، فمن حقنا أن نطلق عليه وصف خائن».
وبحسب المجلة الأمريكية، تكمن الخطورة في أن تحريض الناس على الإساءة لغيرهم من المواطنين تحت ستار الوطنية قد يمزق المجتمع، الذي يعاني بالفعل من ضغوط ناجمة عن التكاليف التي تفرضها إصلاحات الأمير محمد بن سلمان فيما يعرف باسم «رؤية 2030″، بالإضافة إلى عزوف المستثمرين والزوار الأجانب الذين يريد محمد بن سلمان جذبهم إلى المملكة. وقالت منى أثناء حديثها من داخل فيلتها بالرياض: «على الحكومة أن تتدخل بقوة كبيرة، وأن تتأكد من إيقاف هذه الحملات البغيضة التي تدمر نسيج المجتمع». فمخاطر الإساءة تشوه التغييرات التي تفخر بها منى.
مصيدة المعارضة
في الوقت الحالي، لا يسارع المسؤولون إلى سحق حالة الضغينة هذه، إذ يرى البعض عقلية «معنا أو ضدنا» ضرورية لتوجيه البلاد خلال عملية تحول البلاد الصعبة. وفي إطار خطته لحقبة ما بعد انتهاء النفط، ينهي الأمير محمد بن سلمان (33 عاماً) زمن المرافق الرخيصة والتسوق الخالي من الضرائب والوظائف الحكومية الوفيرة. كما أنه خفف من القيود الاجتماعية، حيث رفع الحظر عن دور السينما وقيادة السيارات. لكن في الوقت نفسه، ألقت السلطات السعودية القبض على عشرات المعارضين في حملة قمع سياسية. وبدأ أحد كبار مساعدي الأمير محمد بن سلمان، وهو سعود القحطاني،
بإذكاء اعتقاد أن السعودية مهددة من خصومها في الداخل والخارج في عام 2017. لجأ القحطاني، بعد إقالته من منصبه كمستشار إعلامي للأمير، إلى إطلاق هاشتاغ «القائمة السوداء» لمؤيدي قطر على مواقع التواصل الاجتماعي، لحث السعوديين على تسمية وفضح «المرتزقة» الذين أخذوا صف الجانب القطري في النزاع الخليجي بين قطر والسعودية. ولم يستجب القحطاني لرسالة هاتفية تطلب منه التعليق على ذلك، بحسب المجلة الأمريكية. تولت الصحف المحلية تلك المهمة في العام الماضي بعد اعتقال ناشطات حقوقيات بارزات بتهمة التعاون مع منظمات أجنبية غير محددة. ونشرت صحيفة الجزيرة السعودية أسماء وصور اثنتين من النساء على صفحتها الأولى تحت عنوان «خائنات عميلات». لقد كان هذا عملاً خلص العديدون إلى أنه من غير المحتمل أن يكون قد حدث دون موافقة ضمنية من المسؤولين. ولم يرد مركز التواصل الدولي السعودي على طلب للتعليق على ذلك.
مقتل خاشقجي
خسر القحطاني وظيفته في أكتوبر/تشرين الأول –وهو الآن يخضع للتحقيق لدوره المزعوم في قتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي- لكن عقلية الحصار التي عززها لاقت انتشاراً واسعاً. وبالنسبة للقوميين، فإن التأكيدات الخارجية بأن الأمير السعودي كان على علم بعملية قتل خاشقجي تمثل في الواقع مؤامرة لإلحاق الضرر بمصداقيته. داخل المملكة، كان هناك صدى للنزعات القومية التي صاحبت التغييرات السياسية الهائلة في الولايات المتحدة وأوروبا، إذ ظهرت شعارات مستوحاة من شعارات دونالد ترامب مثل «السعودية أولاً» و»السعودية العظيمة».
لكن ما يحدث أيضاً له نكهات محلية. إذ قالت إيمان الحسين، وهي زميلة زائرة سعودية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «جاءت النزعة القومية في وقت لم تكن فيه المملكة العربية السعودية تحاول الحد من الهوية الدينية داخل البلاد فحسب، بل كانت تتبع أيضاً سياسة خارجية أكثر حزماً». يقول الأمير محمد بن سلمان إنه يعتنق الاعتدال، وكبح جماح الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) التي كانت قوية في الماضي. كما أنه حشد السعوديين حول الحرب السعودية في اليمن،
باعتبارها جزءاً من صراعها بالوكالة مع إيران المنافسة، فضلاً عن النزاع مع قطر، بحسب المجلة الأمريكية. الفخر كان واضحاً، لا سيما بين أولئك الذين كانوا يأملون طويلاً في التغيير الاجتماعي، كما ازدهر بيع البضائع باستخدام شعار الوطنية. ففي أسواق طيبة بالرياض، حيث يطير دخان البخور على البائعين الذين يصنعون عصير الرمان، تبلغ تكلفة القمصان التي تحمل شعار «رؤية 2030» 25 ريالاً (6.7 دولار).
وفي الجوار، تباع دبابيس تحمل صورة الأمير محمد بـ50 ريالاً إلى جانب الشموع المعطرة. وقال الأمير طلال الفيصل، وهو رجل أعمال شاب يبلغ من العمر 38 عاماً من العائلة الملكية: «كان من المحظور في وقت من الأوقات الافتخار بأنك سعودي. عندما تذهب إلى أي مكان في العالم وتخرج من الطائرة في المطار، أول ما تراه هو «أحب فرنسا» أو باريس أو لندن. نحن فقط نلحق بالركب». وأضاف أن القوميين المتطرفين يمثلون أقلية «ولا ينبغي الخلط بينهم وبين الأغلبية الوطنية» الذين يحبون بلادهم ويريدون تحسينها.
تحول من أعلى إلى أسفل
لكن هذا التحول تصاحبه بعض الجوانب السيئة، والسعوديون يختلفون حول من يقع عليه اللوم. قال عبدالعزيز (25 عاماً)، الذي طلب حجب اسمه الأخير للتحدث بحرية، إنه شعر بأن هذه الحملة تدار من الأعلى. فمداهنة شخصيات سعودية معروفة للقحطاني مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره «مواطناً مخلصاً» قد شجعت مثل هذه الأفكار، بحسب المجلة الأمريكية. ويقول خالد العثمان، رئيس إحدى شركات التطوير العمراني المحلية، إن تأجيج النزعة القومية الاستبعادية في الوقت نفسه الذي ترغب فيه المملكة في بناء جسور مع العالم يمكن أن يدمر المجتمع ذاتياً.
وأضاف: «أنا مقتنع في الواقع أنه على المستوى الأعلى، فإن الملك وولي العهد لا يؤيدان ذلك، فهو ضد مصالحهم». أياً كان المسؤولون، فإنهم يغيرون سلوك المجتمع. إذ أُجبر الكوميديان ياسر بكر على الاعتذار علناً الشهر الماضي بعدما ظهر فيديو له يسخر من الشرطة الدينية. ووصمته حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه خائن، ودعت لإلقاء القبض عليه ومنعه من امتهان الكوميديا. وقال شاب آخر سعودي إنه ترك موقع تويتر، وهجر التجمعات العائلية لتجنب الأسئلة حول الولاء.
تهديدات بالقتل
تعرضت سفانة دحلان، محامية تبلغ من العمر 40 عاماً في جدة، لحملة تشويه العام الماضي بعد نشر مقطع فيديو مجتزأ لخطاب ألقته في عام 2013 حول التحديات التي تواجهها كونها امرأة سعودية. اُتهمت سفانة دحلان بـ»التشهير بالدولة»، بما في ذلك نشر صور لها في مؤتمر عُقد في قطر قبل سنوات من النزاع الدبلوماسي بين السعودية وقطر. وهددها غرباء بالقتل في مكالمات وردت إلى مكتبها: وكُتبت لافتات على سيارتها تنعتها بالخائنة التي تستحق الموت.
لكن قيامها بإبلاغ الشرطة عن هذه التهديدات لم يسفر عن أي تأثير يذكر. وطلبت سفانة، التي كانت على وشك إرسال أطفالها إلى الخارج، المساعدة من الأمير خالد الفيصل، حاكم منطقتها، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول. وبعد يوم واحد -في نفس اليوم الذي قُتل فيه خاشقجي- توقفت الإساءات. لا يزال الأمر محيراً بشأن من هو المسؤول هذه التهديدات، لكنها ممتنة لأن الأمر قد انتهى. لكن إحساسها بالأمن قد تحطم. وقالت سفانة دحلان: «الشعور بالأمان هو حالة ذهنية، وهذه الحالة لن تعود أبداً».
النهایة
www.ar.shafaqna.com/ انتها
شفقنا- سلطت وكالة Bloomberg الأميركية الضوء عن المعاناة التي يعانيها بعض السعوديين جراء مواقفهم التي تغرد خارج سرب السلطة، والتي أودت ببعضهم إلى المعتقلات وعرضت البعض الآخر لانتقادات شديدة. وقالت المجلة الأمريكية، كانت الإعلامية السعودية منى أبو سليمان مسترخية في الفراش الشهر الماضي فبراير/شباط، عندما جاءتها رسالة على هاتفها مفادها أن مفتي السعودية قد توفي.
بعد التحقق من الرسالة التي بدا أنها تأتي من مصدر رسمي، شاركت مقدمة البرامج السابقة الرسالة على حسابها على تويتر الذي يتابعه 544 ألف شخص. كان ذلك سوء تقدير، دفع امرأة تحب بلدها إلى غيابات صراع قبيح حول معنى أن يكون المرء سعودياً في حقبة تشكل فيها المملكة العربية السعودية هوية جديدة تحت قيادة ولي عهدها الشاب الأمير محمد بن سلمان.
كان الخبر بشأن المفتي كاذباً. وحذفت منى أبو سليمان التغريدة واعتذرت في غضون دقائق، لكن بعد فوات الأوان، فقد حدث الضرر بالفعل. خلال عدة ليالٍ لم تذق فيها طعم النوم، شاهدت تغريدات واحدة تلو الأخرى على تويتر تصفها بأنها «حثالة» و»نجسة» –وهي تنحدر من المنطقة الغربية المتنوعة عرقياً- و»خائنة» ممولة من الخارج ويجب تجريدها من جنسيتها، بحسب المجلة الأمريكية. لم تتضمن الإساءات التي وجهت لمنى على وجه الخصوص الإساءة المعتادة في المملكة الإسلامية المحافظة، ألا وهي الوصف بالكفر.
فبغض النظر عن كل شي، هي إحدى النساء القلائل البارزات اللواتي ظهرن على شاشة التلفزيون بوجه مكشوف في أوقات كانت السعودية فيها أقل تساهلاً، وبهذا تحدت الإعلامية السعودية البالغة من العمر 45 عاماً الأعراف الاجتماعية المتحيزة للرجال التي يؤيدها رجال الدين المتشددون في المملكة. لكن هذا الأمر لم يكن مجرد سهو، فالمملكة العربية السعودية تجري تجديداً عنيفاً لهويتها صوب نزعة قومية، يحد من العقيدة الدينية الصارمة التي يجري ربطها في الخارج بالإرهاب،
ويشجع على تبجيل الحاكم الفعلي الأمير محمد بن سلمان أثناء سعيه لإجراء إصلاحات اقتصادية شاملة. وفي خضم الجهود المبذولة للحفاظ على الدعم في الداخل أثناء إعادة صياغة العقد بين الدولة والمواطن، أصبح الخونة، وليس الكفار، هم الأعداء الجدد.
مجتمع يعاني من ضغوط
بدا أن العديد من السعوديين الذين سارعوا بتوجيه الاتهامات بالخيانة قد استمدوها من الخطابات الرسمية للدولة السعودية. فالاتهامات بالخيانة تنتشر على الإنترنت، وتجدها مطبوعة في شكل تهديدات ورسائل مكتوبة بالأحرف الحمراء على الصفحات الأمامية للصحف السعودية. ويمكن استهداف أي شخص يُنظر إليه على أنه يعرض سمعة المملكة للتشويه، ويشمل ذلك حتى الكوميديين الذين يستهدفون المرح فقط للمرح وليس لشيء آخر، بحسب المجلة الأمريكية. وقال عبدالله الفوزان، عضو مجلس الشورى السعودي، في خطاب لاذع متلفز أذيع في وقت متأخر من العام الماضي: «إذا كان الشخص محايداً أو يقف مع العدو ضد هذا البلد، فمن حقنا أن نطلق عليه وصف خائن».
وبحسب المجلة الأمريكية، تكمن الخطورة في أن تحريض الناس على الإساءة لغيرهم من المواطنين تحت ستار الوطنية قد يمزق المجتمع، الذي يعاني بالفعل من ضغوط ناجمة عن التكاليف التي تفرضها إصلاحات الأمير محمد بن سلمان فيما يعرف باسم «رؤية 2030″، بالإضافة إلى عزوف المستثمرين والزوار الأجانب الذين يريد محمد بن سلمان جذبهم إلى المملكة. وقالت منى أثناء حديثها من داخل فيلتها بالرياض: «على الحكومة أن تتدخل بقوة كبيرة، وأن تتأكد من إيقاف هذه الحملات البغيضة التي تدمر نسيج المجتمع». فمخاطر الإساءة تشوه التغييرات التي تفخر بها منى.
مصيدة المعارضة
في الوقت الحالي، لا يسارع المسؤولون إلى سحق حالة الضغينة هذه، إذ يرى البعض عقلية «معنا أو ضدنا» ضرورية لتوجيه البلاد خلال عملية تحول البلاد الصعبة. وفي إطار خطته لحقبة ما بعد انتهاء النفط، ينهي الأمير محمد بن سلمان (33 عاماً) زمن المرافق الرخيصة والتسوق الخالي من الضرائب والوظائف الحكومية الوفيرة. كما أنه خفف من القيود الاجتماعية، حيث رفع الحظر عن دور السينما وقيادة السيارات. لكن في الوقت نفسه، ألقت السلطات السعودية القبض على عشرات المعارضين في حملة قمع سياسية. وبدأ أحد كبار مساعدي الأمير محمد بن سلمان، وهو سعود القحطاني،
بإذكاء اعتقاد أن السعودية مهددة من خصومها في الداخل والخارج في عام 2017. لجأ القحطاني، بعد إقالته من منصبه كمستشار إعلامي للأمير، إلى إطلاق هاشتاغ «القائمة السوداء» لمؤيدي قطر على مواقع التواصل الاجتماعي، لحث السعوديين على تسمية وفضح «المرتزقة» الذين أخذوا صف الجانب القطري في النزاع الخليجي بين قطر والسعودية. ولم يستجب القحطاني لرسالة هاتفية تطلب منه التعليق على ذلك، بحسب المجلة الأمريكية. تولت الصحف المحلية تلك المهمة في العام الماضي بعد اعتقال ناشطات حقوقيات بارزات بتهمة التعاون مع منظمات أجنبية غير محددة. ونشرت صحيفة الجزيرة السعودية أسماء وصور اثنتين من النساء على صفحتها الأولى تحت عنوان «خائنات عميلات». لقد كان هذا عملاً خلص العديدون إلى أنه من غير المحتمل أن يكون قد حدث دون موافقة ضمنية من المسؤولين. ولم يرد مركز التواصل الدولي السعودي على طلب للتعليق على ذلك.
مقتل خاشقجي
خسر القحطاني وظيفته في أكتوبر/تشرين الأول –وهو الآن يخضع للتحقيق لدوره المزعوم في قتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي- لكن عقلية الحصار التي عززها لاقت انتشاراً واسعاً. وبالنسبة للقوميين، فإن التأكيدات الخارجية بأن الأمير السعودي كان على علم بعملية قتل خاشقجي تمثل في الواقع مؤامرة لإلحاق الضرر بمصداقيته. داخل المملكة، كان هناك صدى للنزعات القومية التي صاحبت التغييرات السياسية الهائلة في الولايات المتحدة وأوروبا، إذ ظهرت شعارات مستوحاة من شعارات دونالد ترامب مثل «السعودية أولاً» و»السعودية العظيمة».
لكن ما يحدث أيضاً له نكهات محلية. إذ قالت إيمان الحسين، وهي زميلة زائرة سعودية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «جاءت النزعة القومية في وقت لم تكن فيه المملكة العربية السعودية تحاول الحد من الهوية الدينية داخل البلاد فحسب، بل كانت تتبع أيضاً سياسة خارجية أكثر حزماً». يقول الأمير محمد بن سلمان إنه يعتنق الاعتدال، وكبح جماح الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) التي كانت قوية في الماضي. كما أنه حشد السعوديين حول الحرب السعودية في اليمن،
باعتبارها جزءاً من صراعها بالوكالة مع إيران المنافسة، فضلاً عن النزاع مع قطر، بحسب المجلة الأمريكية. الفخر كان واضحاً، لا سيما بين أولئك الذين كانوا يأملون طويلاً في التغيير الاجتماعي، كما ازدهر بيع البضائع باستخدام شعار الوطنية. ففي أسواق طيبة بالرياض، حيث يطير دخان البخور على البائعين الذين يصنعون عصير الرمان، تبلغ تكلفة القمصان التي تحمل شعار «رؤية 2030» 25 ريالاً (6.7 دولار).
وفي الجوار، تباع دبابيس تحمل صورة الأمير محمد بـ50 ريالاً إلى جانب الشموع المعطرة. وقال الأمير طلال الفيصل، وهو رجل أعمال شاب يبلغ من العمر 38 عاماً من العائلة الملكية: «كان من المحظور في وقت من الأوقات الافتخار بأنك سعودي. عندما تذهب إلى أي مكان في العالم وتخرج من الطائرة في المطار، أول ما تراه هو «أحب فرنسا» أو باريس أو لندن. نحن فقط نلحق بالركب». وأضاف أن القوميين المتطرفين يمثلون أقلية «ولا ينبغي الخلط بينهم وبين الأغلبية الوطنية» الذين يحبون بلادهم ويريدون تحسينها.
تحول من أعلى إلى أسفل
لكن هذا التحول تصاحبه بعض الجوانب السيئة، والسعوديون يختلفون حول من يقع عليه اللوم. قال عبدالعزيز (25 عاماً)، الذي طلب حجب اسمه الأخير للتحدث بحرية، إنه شعر بأن هذه الحملة تدار من الأعلى. فمداهنة شخصيات سعودية معروفة للقحطاني مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي باعتباره «مواطناً مخلصاً» قد شجعت مثل هذه الأفكار، بحسب المجلة الأمريكية. ويقول خالد العثمان، رئيس إحدى شركات التطوير العمراني المحلية، إن تأجيج النزعة القومية الاستبعادية في الوقت نفسه الذي ترغب فيه المملكة في بناء جسور مع العالم يمكن أن يدمر المجتمع ذاتياً.
وأضاف: «أنا مقتنع في الواقع أنه على المستوى الأعلى، فإن الملك وولي العهد لا يؤيدان ذلك، فهو ضد مصالحهم». أياً كان المسؤولون، فإنهم يغيرون سلوك المجتمع. إذ أُجبر الكوميديان ياسر بكر على الاعتذار علناً الشهر الماضي بعدما ظهر فيديو له يسخر من الشرطة الدينية. ووصمته حملة على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه خائن، ودعت لإلقاء القبض عليه ومنعه من امتهان الكوميديا. وقال شاب آخر سعودي إنه ترك موقع تويتر، وهجر التجمعات العائلية لتجنب الأسئلة حول الولاء.
تهديدات بالقتل
تعرضت سفانة دحلان، محامية تبلغ من العمر 40 عاماً في جدة، لحملة تشويه العام الماضي بعد نشر مقطع فيديو مجتزأ لخطاب ألقته في عام 2013 حول التحديات التي تواجهها كونها امرأة سعودية. اُتهمت سفانة دحلان بـ»التشهير بالدولة»، بما في ذلك نشر صور لها في مؤتمر عُقد في قطر قبل سنوات من النزاع الدبلوماسي بين السعودية وقطر. وهددها غرباء بالقتل في مكالمات وردت إلى مكتبها: وكُتبت لافتات على سيارتها تنعتها بالخائنة التي تستحق الموت.
لكن قيامها بإبلاغ الشرطة عن هذه التهديدات لم يسفر عن أي تأثير يذكر. وطلبت سفانة، التي كانت على وشك إرسال أطفالها إلى الخارج، المساعدة من الأمير خالد الفيصل، حاكم منطقتها، في الأول من أكتوبر/تشرين الأول. وبعد يوم واحد -في نفس اليوم الذي قُتل فيه خاشقجي- توقفت الإساءات. لا يزال الأمر محيراً بشأن من هو المسؤول هذه التهديدات، لكنها ممتنة لأن الأمر قد انتهى. لكن إحساسها بالأمن قد تحطم. وقالت سفانة دحلان: «الشعور بالأمان هو حالة ذهنية، وهذه الحالة لن تعود أبداً».
النهایة
www.ar.shafaqna.com/ انتها