المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رفسنجاني من نوع آخر؟ ...... فاخر السلطان



مجاهدون
06-23-2005, 08:52 AM
العديد من الايرانيين الذي قاطعوا الانتخابات الرئاسية في دورتها الاولى والتي جرت يوم الجمعة الماضي، وعازمون على مقاطعتها في هذه الجمعة، استندوا في مقاطعتهم تلك إلى أسباب عديدة، كان على رأسها ذلك الذي يقول بأن المرشح الأبرز حظا للفوز بمنصب الرئاسة، وهو راهنا هاشمي رفسنجاني، مهما يكن قويا في إدارته لشؤون الحكم وقادرا على حلحلة الأمور الداخلية والخارجية وضالعا في فنون السياسة والمناورة، فإنه سوف لن يستطيع تغيير الوضع القائم وتحويله إلى الأحسن في ظل التركيبة السياسية والعقائدية والدستورية لنظام الجمهورية الاسلامية التي تجعل السلطة محتكرة بيد مرشد الثورة و الهيئات القوية غير المنتخبة التابعة له ولأنصاره من المحافظين وتضع مفاصل القضايا وحلولها تحت سيطرتهم، وبعد أن خابت آمالهم في تحقيق الإصلاح المنتظر تحت حكم الرئيس السابق محمد خاتمي. لذا يتساءل هؤلاء عن مدى إمكانية ظهور رفسنجاني "من نوع آخر" باستطاعته مواجهة أمور تقف حجر عثرة أمام أحلام الإصلاح والتغيير في ايران.. أو بعبارة أخرى رفسنجاني "إصلاحي" قادر على إحداث تغيير.

وكان قد نقل عن هذه الشخصية البراغماتية، التي تعتبر ثاني أقوى شخصية في الجمهورية الاسلامية، هذه الأيام في خطاب وجهه للشباب أنه يقول: لست رفسنجاني الذي كنتم قد عرفتموه منذ قيام الثورة وحتى الانتخابات الرئاسية الاخيرة. لقد علمتني الاحداث والتطورات التي شاهدتها في السنوات الاخيرة انني لا بد ان أغير خطابي وأسلوب عملي ومنهج تفكيري.
ويضيف: كنت براغماتيا واليوم اصبحت اصلاحيا براغماتيا، وبانتخابي، أنتم ايها الشباب والنساء، قد تختارون مسيرة الاصلاحات من جديد، ولكن خلافا لخاتمي، فانني لن ارفع يدي للاستسلام امام الولي الفقيه (مرشد الثورة آية الله خامنئي) والمحافظين، وبيني وبين نائب امام الزمان (المرشد) خمسين عاما من الصداقة والزمالة، انني اعطيته، مفتاح بيت الولاية، وألبسته رداء القيادة بعد وفاة الامام الخميني، لهذا فانه يعرف جيدا بأنني لن أكون موظفا بمكتبه بل شريكا في الحكم.

ويؤكد المحلل السياسي الايراني في صحيفة الشرق الاوسط علي نوري زادة أن رفسنجاني لا ينظر الى العالم باعتباره أسود أو أبيض، بل دائما ينظر الى الساحة الرمادية. ومما يروى عنه انه قال ذات يوم لعدد من زواره من الايرانيين المغتربين الذين اشتكوا من قلة مراكز الترفيه في ايران، لا تطلبوا مني فتح الكباريهات حاليا، غير انه لو اقتضى الامر، فانني سأقيمها.

ويضيف نوري زادة بأنه "ما من شك بأن الملايين ممن لم يصوتوا يوم الجمعة الماضي تلبية لدعوة المقاطعة التي اطلقتها المعارضة، والملايين ممن صوتوا للمرشحين الاصلاحيين سيدلون يوم الجمعة المقبل بأصواتهم للشيخ الرئيس ليس بسبب حبهم له، بل كما يقول المثل ليس حبا لمعاوية بل بغضا لعلي او لمحمود احمدي نجاد. وأشعر ان رفسنجاني الذي حصلت خلال فترة رئاسته، جرائم خطيرة بحق المعارضة سقط خلالها عدد من ابرز قادة المعارضة والكتاب والمثقفين البارزين، كما ان الفساد قد انتشر في عهده بشكل لا مثيل له، يرغب هذه المرة في ان يجعل السنوات الاخيرة من حياته السياسية، سنوات قد يذكرها التاريخ بايجاب، انه جاء الى الحكم على ظهر الثورة، ويبدو لي، انه يريد اليوم ان يخرج من دائرة الحكم ويحمل معه نكبات ومشاكل الثورة. وقد قال لي أحد الصحافيين القريبين من رفسنجاني ان الشيخ ينظر الى الامور حاليا من منظار متهم، قد اعطاه القاضي فرصة اخيرة كي يقوم بتصحيح اخطائه، وان يصبح نزيها ومطهرا قبل انتقاله الى العالم الباقي".

ومما لا شك فيه أن غالبية كبيرة من الإصلاحيين الذين شاركوا في الانتخابات، وهم بالمناسبة يشكلون الشريحة السياسية الأكبر في إيران، عازمون على المضي قدما في العملية الانتخابية في دورتها الثانية بغية ضمان وصول ما أسموه بـ"السيء" ،أي رفسنجاني، إلى كرسي الرئاسة لا "الأسوأ"، أي محمود أحمدي نجاد الذي يعتبر من صقور المتشددين، رغم أنهم رفعوا الشعار الانتخابي التالي خلال الدورة الاولى "انا وانت وحدنا قادرون على ازاحة هاشمي".

ورغم أن المعارضَين البارزَين، هاشم آغاجري الذي أدخل السجن بسبب آرائه حول نظام "التقليد" الديني، وشيرين عبادي الناشطة الحقوقية التي حازت جائزة نوبل للسلام، أعلنا انهما لن يشاركا في العملية الانتخابية، إلا أن الصحافي اوميد ميماريان الذي سجن لفترة اخيرا، أكد ان اشخاصا غيرهما سيقاطعون ايضا "لافساح المجال امام انتخاب احمدي نجاد ويأملون حينها ان الشعب سينضم اليهم لتشكيل معارضة حقيقية ازاء نشوء ادارة من لون واحد".
لكن احد الناشطين في فريق المرشح الاصلاحي الخاسر مصطفى معين, عيسى سحرخيز, يرى ان "بعض الذين قاطعوا ويسمعون الآن صدى خطوات الفاشية (الخط المتشدد لنجاد) تقترب من ابوابهم, قد يدعمون رفسنجاني".

ويقول سحرخيز ان على رفسنجاني, مقابل الحصول على دعم الاصلاحيين, اعطاء ضمانات حول "الحرية السياسية والثقافية وحقوق الانسان والديموقراطية".
وبالطبع يعتبر تحقيق هذا المطلب أحد المؤشرات الدالة على إمكانية ظهور رفسنجاني "من نوع آخر" في الرئاسة. غير أن أكثر ما طالب به هذا "البراغماتي" في هذا الصدد هو دعوته الناخبين أن "يمنعوا التطرف.. من خلال مشاركتهم الكبيرة في الدورة الثانية".
وقد جاءت هذه الدعوة بعد ان فكر رفسنجاني بالانسحاب من الانتخابات "احتجاجا على التدخل غير الشرعي لبعض الاجهزة" في الدورة الاولى و التي كانت ترمي الى "توجيه الاقتراع".

لكن المراقبين يعتبرون أن الحديث عن "التدخلات" هو تصعيد في اللهجة من قبل رفسنجاني لاستقطاب الخائفين على الحريات المكتسبة خلال عهد الرئيس خاتمي.
لذلك يبدو أن الفريق الذي يدعو إلى مقاطعة الانتخابات لا يثق باللغة "الإصلاحية" التي يتحدث عنها رفسنجاني هذه الأيام حيث يعتبرونها لغة انتخابية لا تمت لواقع الرجل وماضيه بأية صلة. كما يرى هذا الفريق أنه بسبب احتكار السلطة بيد مرشد الثورة والهيئات القوية غير المنتخبة التابعة له ولأنصاره من المحافظين (مثل مجلس صيانة الدستور والقضاء) فإنه لا أمل في الحديث عن التغيير إلا من خلال كسر هذا الاحتكار. وإذا ما مضى رفسنجاني (الرئيس) في تنفيذ خططه "الإصلاحية" بحيث تتصادم مع رؤى المرشد والمحافظين فإن الغلبة لا محالة ستكون في غير صالح رفسنجاني ووعود الاصلاح والتغيير.

ويؤكد أكثر من مراقب بأن من أبرز العراقيل التي عطلت مسيرة خاتمي "الإصلاحية" هي ان نظام "ولاية الفقيه" يعطي لتلك الهيئات غير المنتخبة صلاحيات تفوق تلك التي تتمتع بها الهيئات المنتخبة (الرئاسة ومجلس الشورى والحكومة). وأن أي خلاف او تعارض في وجهات النظر لابد أن تحسمه الهيئات غير المنتخبة بغض النظر عن التغيير الذي يطرأ على الرأي العام والجمهور الانتخابي. وتستند هذه الهيئات على أدوات قوية ومؤثرة مثل (الحرس الثوري أو الباسداران، والميليشيات أو البسيج، ومجموعة من المؤسسات السياسية والمالية).
وباستمرار هذه الازدواجية التي منعت خاتمي في ولايتيه المتعاقبتين من الاستجابة لتطلعات الناخبين الذين كانوا يتوقون الى انفتاح داخلي وانفراج خارجي، فإن الفريق الذي يدعو لمقاطعة الانتخابات لا يرى بارقة أمل في تغيير هذا الوضع وتلك الازدواجية إلا من خلال تغيير التركيبة الدستورية المستندة إلى أساس عقائدي.

لكن المراقبين يعتقدون بوجود توجس كبير لدى المرشد والمحافظين والمؤسسات الملتفة حولهم من الدور الذي سيلعبه رفسنجاني بعد وصوله لسدة الرئاسة، وكيف سيواجهون تطلعاته "الإصلاحية" الجديدة التي من شأنها أن تدق ناقوس الخطر وتجعلهم يحذرون من أي خطوة تغييرية يقدم عليها. فتاريخ رفسنجاني وموقعه في الثورة الإسلامية وقربه من مرشدها الراحل آية الله الخميني، جعلته يشكل قطباً داخليا قوياً لا يستهان به داخل مؤسسات الحكم. فهو، بعد انتهاء ولايتين رئاسيتين سابقتين، انتقل الى ترؤس احدى الهيئات الاساسية (تشخيص مصلحة النظام) التي جرى اختراعها على مقياسه. لذلك يأتي اقتراع الجمعة ليعزز موقعاً اساسياً في النظام، وتالياً قدرة على التحرك اوسع بكثير من تلك التي كانت لدى خاتمي.

ويؤكد المراقبون أنه مع الانفتاح الاقتصادي وتوسيع دائرة الخصخصة والاقتراب اكثر فأكثر من اقتصاد السوق، وهي من المسائل التي تُحسب لرفسنجاني، عندما كان في الرئاسة، تأتي دعواته الى انهاء العداء مع الولايات المتحدة واقامة علاقات طبيعية معها تتمة منطقية لمسعاه الاقتصادي من جهة ولقناعته ان ايران لن تتمكن من تحقيق انطلاقتها الكاملة من تطبيع مع واشنطن.

وحسب المراقبين فإن التطورات الداخلية الايرانية والتطورات الاقليمية تدفع في اتجاه رئاسة قوية لرفسنجاني، الامر الذي تعتبره المؤسسة الدينية يتضمن احتمالات اضعافها عندما يحين وقت اي مواجهة بينهما. لكن رغم هذا التوقع إلا أن مقاطعي الانتخابات لا يعولون على قوة رفسنجاني بل على تغيير الدستور.

f_ssultann@kwtanweer.com