مرتاح
06-22-2005, 06:47 AM
رشيد الخيُّون
قبل التاسع من ابريل (نيسان) 2003، آخر يوم في حياة سلطة البعث والتمييز القومي والطائفي بالعراق، لم يخطر على بال أحد أنه سيكون رئيس الجمهورية «الكردي» جلال الطالباني، ورئيس الوزراء «الشيعي» إبراهيم الجعفري. وأن يستقبل الرئيس الطالباني غريمه السابق مسعود البارزاني رئيساً لإقليم كردستان العراق...
يرى البعض في التمكين الشيعي والكردي تأجيجا للمسألة الطائفية والعرقية بالعراق. وأنه جاء على حساب أصل تاريخي من أُصول السياسة العراقية، التي توجت بما هو غير معلن، لكنه معمول به، وهو أن السلطة العليا من شأن السُنَّة العرب.
ولم ينظر رئيس الوزراء الأسبق نوري سعيد في مقولته المشهورة بين العراقيين «دار السيد مأمونة» إلى الخلل في تركيبة السلطة من الناحية القومية والطائفية، ومَنْ يدقق فيها يجد الغرور دافعاً في إطلاقها، وكم كانت تحاكي ما كتبه الخليفة العباسي المستعصم بالله إلى هولاكو، وهو يتوعد باجتياح بغداد. قال: «بناء هذا البيت محكم للغاية وسيبقى إلى يوم القيامة»، كما ذكر صاحب كتاب جامع التواريخ. لكن لا الخليفة ولا رئيس الوزراء فعلا شيئاً لحماية بغداد، مما صار عليها بعد سقوط العرش العباسي (1258م) وما تقدم عليها بعد سقوط الحكم الملكي (1958).
تسببت الممارسة الطائفية الملموسة في الشارع العراقي بالالتفاف حول المرجعية الدينية، بل وإلى اعتبارها دولة داخل دولة. كذلك كان القهر القومي وراء الالتفاف والإجماع الكردي حول القيادات الكردية. فكلا المسألتين كانتا وراء ضعف الشعور بالهوية الوطنية، وما أن تحققت حرية التعبير حتى عبر السواد الأعظم من الكُرد والشيعة عن حقوق لا يمكن التنازل عنها، وإن جاءت على تقسيم العراق.
كانت رسالة آية الله السيد محسن الحكيم (ت 1970)، التي أبلغها لرئيس الوزراء الأسبق طاهر يحيى، إشارة واضحة إلى أن الطائفية نزلت إلى الشارع. حيث قال: «إن من واجب الحكومة أن تنظر مختلف أبناء الشعب بنظرة واحدة، دون تمييز أو تفريق بين قومياتهم ومذاهبهم، حتى يشعر الجميع بأنهم يعيشون في ظل حكومة تسهر على مصالحهم، وتحفظ لهم كرامتهم. ويؤسفني أن أرى فجوة بين الشعب والحكومة. إن المفهوم السائد في الدولة، في هذه الأيام (الستينيات)، بأن معاملات عبد القادر (اسم يتداول بين السُنَّة) تنفذ، ومعاملات عبد الحسين (اسم محتكر للشيعة) تؤخر وتُترك. كما أن هناك نعرات بلدية ضيقة مثل هذا عاني (نسبة إلى مدينة عانة غرب العراق)، وهذا تكريتي وهذا كوفي».كما ذكر ذلك الصغير في كتابه «أساطين المرجعية العليا». لم يطالب الحكيم في هذه الرسالة بإلغاء السلطة السُنَّية. ولم يطالب بمركز السلطة العليا. بل طالب بتعديل الحال، الذي يساعد على استقرار الدولة نفسها، ومن دون انتزاع احتكار السلطة.
كان الغبن والظلم وراء التقارب الشيعي الكردي، رغم الاختلاف في المذهب والقومية. فالكُرد هم سُنَّة شافعية، ويتميز عنهم الكرد الفيليون بأنهم من الشيعة. بينما الشيعة في الجنوب والوسط هم من العشائر العربية، ومن الأُسر العربية القديمة بالعراق. وحصل أن انقسم العديد من تلك العشائر إلى سُنَّة وشيعة، ولم تنقطع الصلات بين الطرفين، ذلك لقوة الهاجس العشائري. وبطبيعة الحال لم تسمح الظروف السابقة على انقلاب تموز 1968 من مشاركة كردية شيعية ضد الأنظمة العراقية، فالاضطهاد لم يصل إلى حد التهجير والتصفية الجسدية الجماعية في الطرفين. يضاف إلى ذلك لم ينتظم الشيعة في أحزاب ومنظمات مؤهلة للتنسيق مع القوى المعارضة الأخرى مثل الأحزاب الكردية، مثلما حدث في العهد السابق.
لكن لا يغفل بعض المحطات في تاريخ العلاقة بين الجانبين، فقد عد الكثيرون نزول آية الله محسن الحكيم، عند زيارته بغداد، في دار الحاج سلمان عباس الكردي، دون غيره من الأتباع، أنه كان «تعبيراً عن دعم المرجعية العليا للقضية الكردية». ويُنقل أن الحكيم حرم الحرب على الكُرد. ومعلوم أن أكثر الجنود المقاتلين في شمال العراق هم من جنوب العراق ووسطه. ولذا قد ينطوي التحريم على أمرين: الوقوف مع شريحة عراقية تُشارك الشيعة في الغبن السياسي، وحفظ دماء أبناء الشيعة، فان أكثر الجثامين القادمة من الشمال في الحروب هي لجنود شيعة. حتى شاعت في جنوب العراق أهزوجة شعبية تقول: «طركاعة ألفت برزان بيس بأهل العمارة». أي بلوى يبلى بها مصطفى البارزاني (والد مسعود البارزاني) لأنه أكثر القتل في أهل العمارة، وهي حاضرة من حواضر جنوب العراق ذات الغلبة الشيعية.
أصبحت كردستان العراق بعد آذار 1991 وحتى التاسع من نيسان 2003 ملاذاً آمناً لكل أطياف المعارضة العراقية، بغض النظر عن توافقها التام، وخصوصاً حول القضية الكردية. أفتتحت حسينية باسم حسينية الحكيم بالسليمانية، على الرغم من عدم وجود شيعة هناك، إلا الطارئ على المنطقة. وأصبحت قرارات المعارضة، مثلما هي الحكومة اليوم، مناصفة بين كُرد وشيعة. لكن لم يخف هذا الانسجام ووحدة المصير الخلافات بين علمانية الكرد وإسلامية الأحزاب الشيعية، وهي ظاهرة اليوم حول الدستور. وكذلك لم يخف اختلافهم حول مفهوم الفدرالية، وقبول الأحزاب الشيعية فيها على مضض. وما يتعلق بقضية كركوك. فللشيعة التركمان من المنضوين تحت راية قائمة الائتلاف هواجسهم القومية تجاه إصرار الكُرد في اعتبارها ضمن الدائر الكردستاني الجغرافي.
بخلاف ذلك، فقد تجاوز الكُرد فتاوى الفقه الشيعي القاضية بكراهة الزواج من أبناء جنسهم، وأخذوا يتبادلونها مُزحة. وقد أطلقها شيخ الطائفة الطوسي (ت 460هـ) بالقول: «لا تنكحوا من الأكراد أحداً فإنهم جنس من الجن كشف الله عنهم الغطاء» (تهذيب الأحكام). وظلت متداولة في الرسائل الفقهية حتى وردت في «مستمسك العروة الوثقى» لآية الله الحكيم: كراهة تزويج الأكراد.
وبطبيعة الحال للفقهاء مقاصدهم، وأكثر فتاواهم كانت أجوبة على طالبي فتوى. لكن العبرة أنه ما أكثر الشيعيات المتزوجات من الكرد، وبالمقابل ما أكثر الكرديات المتزوجات من الشيعة. وأبلغ من هذا نجاح عقد الزواج السياسي بين الشيعة والكُرد ودوامه في المعارضة وفي السلطة.
قبل التاسع من ابريل (نيسان) 2003، آخر يوم في حياة سلطة البعث والتمييز القومي والطائفي بالعراق، لم يخطر على بال أحد أنه سيكون رئيس الجمهورية «الكردي» جلال الطالباني، ورئيس الوزراء «الشيعي» إبراهيم الجعفري. وأن يستقبل الرئيس الطالباني غريمه السابق مسعود البارزاني رئيساً لإقليم كردستان العراق...
يرى البعض في التمكين الشيعي والكردي تأجيجا للمسألة الطائفية والعرقية بالعراق. وأنه جاء على حساب أصل تاريخي من أُصول السياسة العراقية، التي توجت بما هو غير معلن، لكنه معمول به، وهو أن السلطة العليا من شأن السُنَّة العرب.
ولم ينظر رئيس الوزراء الأسبق نوري سعيد في مقولته المشهورة بين العراقيين «دار السيد مأمونة» إلى الخلل في تركيبة السلطة من الناحية القومية والطائفية، ومَنْ يدقق فيها يجد الغرور دافعاً في إطلاقها، وكم كانت تحاكي ما كتبه الخليفة العباسي المستعصم بالله إلى هولاكو، وهو يتوعد باجتياح بغداد. قال: «بناء هذا البيت محكم للغاية وسيبقى إلى يوم القيامة»، كما ذكر صاحب كتاب جامع التواريخ. لكن لا الخليفة ولا رئيس الوزراء فعلا شيئاً لحماية بغداد، مما صار عليها بعد سقوط العرش العباسي (1258م) وما تقدم عليها بعد سقوط الحكم الملكي (1958).
تسببت الممارسة الطائفية الملموسة في الشارع العراقي بالالتفاف حول المرجعية الدينية، بل وإلى اعتبارها دولة داخل دولة. كذلك كان القهر القومي وراء الالتفاف والإجماع الكردي حول القيادات الكردية. فكلا المسألتين كانتا وراء ضعف الشعور بالهوية الوطنية، وما أن تحققت حرية التعبير حتى عبر السواد الأعظم من الكُرد والشيعة عن حقوق لا يمكن التنازل عنها، وإن جاءت على تقسيم العراق.
كانت رسالة آية الله السيد محسن الحكيم (ت 1970)، التي أبلغها لرئيس الوزراء الأسبق طاهر يحيى، إشارة واضحة إلى أن الطائفية نزلت إلى الشارع. حيث قال: «إن من واجب الحكومة أن تنظر مختلف أبناء الشعب بنظرة واحدة، دون تمييز أو تفريق بين قومياتهم ومذاهبهم، حتى يشعر الجميع بأنهم يعيشون في ظل حكومة تسهر على مصالحهم، وتحفظ لهم كرامتهم. ويؤسفني أن أرى فجوة بين الشعب والحكومة. إن المفهوم السائد في الدولة، في هذه الأيام (الستينيات)، بأن معاملات عبد القادر (اسم يتداول بين السُنَّة) تنفذ، ومعاملات عبد الحسين (اسم محتكر للشيعة) تؤخر وتُترك. كما أن هناك نعرات بلدية ضيقة مثل هذا عاني (نسبة إلى مدينة عانة غرب العراق)، وهذا تكريتي وهذا كوفي».كما ذكر ذلك الصغير في كتابه «أساطين المرجعية العليا». لم يطالب الحكيم في هذه الرسالة بإلغاء السلطة السُنَّية. ولم يطالب بمركز السلطة العليا. بل طالب بتعديل الحال، الذي يساعد على استقرار الدولة نفسها، ومن دون انتزاع احتكار السلطة.
كان الغبن والظلم وراء التقارب الشيعي الكردي، رغم الاختلاف في المذهب والقومية. فالكُرد هم سُنَّة شافعية، ويتميز عنهم الكرد الفيليون بأنهم من الشيعة. بينما الشيعة في الجنوب والوسط هم من العشائر العربية، ومن الأُسر العربية القديمة بالعراق. وحصل أن انقسم العديد من تلك العشائر إلى سُنَّة وشيعة، ولم تنقطع الصلات بين الطرفين، ذلك لقوة الهاجس العشائري. وبطبيعة الحال لم تسمح الظروف السابقة على انقلاب تموز 1968 من مشاركة كردية شيعية ضد الأنظمة العراقية، فالاضطهاد لم يصل إلى حد التهجير والتصفية الجسدية الجماعية في الطرفين. يضاف إلى ذلك لم ينتظم الشيعة في أحزاب ومنظمات مؤهلة للتنسيق مع القوى المعارضة الأخرى مثل الأحزاب الكردية، مثلما حدث في العهد السابق.
لكن لا يغفل بعض المحطات في تاريخ العلاقة بين الجانبين، فقد عد الكثيرون نزول آية الله محسن الحكيم، عند زيارته بغداد، في دار الحاج سلمان عباس الكردي، دون غيره من الأتباع، أنه كان «تعبيراً عن دعم المرجعية العليا للقضية الكردية». ويُنقل أن الحكيم حرم الحرب على الكُرد. ومعلوم أن أكثر الجنود المقاتلين في شمال العراق هم من جنوب العراق ووسطه. ولذا قد ينطوي التحريم على أمرين: الوقوف مع شريحة عراقية تُشارك الشيعة في الغبن السياسي، وحفظ دماء أبناء الشيعة، فان أكثر الجثامين القادمة من الشمال في الحروب هي لجنود شيعة. حتى شاعت في جنوب العراق أهزوجة شعبية تقول: «طركاعة ألفت برزان بيس بأهل العمارة». أي بلوى يبلى بها مصطفى البارزاني (والد مسعود البارزاني) لأنه أكثر القتل في أهل العمارة، وهي حاضرة من حواضر جنوب العراق ذات الغلبة الشيعية.
أصبحت كردستان العراق بعد آذار 1991 وحتى التاسع من نيسان 2003 ملاذاً آمناً لكل أطياف المعارضة العراقية، بغض النظر عن توافقها التام، وخصوصاً حول القضية الكردية. أفتتحت حسينية باسم حسينية الحكيم بالسليمانية، على الرغم من عدم وجود شيعة هناك، إلا الطارئ على المنطقة. وأصبحت قرارات المعارضة، مثلما هي الحكومة اليوم، مناصفة بين كُرد وشيعة. لكن لم يخف هذا الانسجام ووحدة المصير الخلافات بين علمانية الكرد وإسلامية الأحزاب الشيعية، وهي ظاهرة اليوم حول الدستور. وكذلك لم يخف اختلافهم حول مفهوم الفدرالية، وقبول الأحزاب الشيعية فيها على مضض. وما يتعلق بقضية كركوك. فللشيعة التركمان من المنضوين تحت راية قائمة الائتلاف هواجسهم القومية تجاه إصرار الكُرد في اعتبارها ضمن الدائر الكردستاني الجغرافي.
بخلاف ذلك، فقد تجاوز الكُرد فتاوى الفقه الشيعي القاضية بكراهة الزواج من أبناء جنسهم، وأخذوا يتبادلونها مُزحة. وقد أطلقها شيخ الطائفة الطوسي (ت 460هـ) بالقول: «لا تنكحوا من الأكراد أحداً فإنهم جنس من الجن كشف الله عنهم الغطاء» (تهذيب الأحكام). وظلت متداولة في الرسائل الفقهية حتى وردت في «مستمسك العروة الوثقى» لآية الله الحكيم: كراهة تزويج الأكراد.
وبطبيعة الحال للفقهاء مقاصدهم، وأكثر فتاواهم كانت أجوبة على طالبي فتوى. لكن العبرة أنه ما أكثر الشيعيات المتزوجات من الكرد، وبالمقابل ما أكثر الكرديات المتزوجات من الشيعة. وأبلغ من هذا نجاح عقد الزواج السياسي بين الشيعة والكُرد ودوامه في المعارضة وفي السلطة.