جمال
06-18-2005, 01:13 PM
حمل شروين معه ثلاثة ملايين دولار ثم أرسلت له عشرة ملايين دولار أخرى بعد ان استقر في افغانستان، وعندما انتهت مهمته بعد اربعين يوماً، خلفه مسؤول آخر يدعى «جورج» اشرف على بقية المهمة وصرف باقي المبلغ.
حمل شروين الثلاثة ملايين دولار في ثلاثة صناديق كرتون، وضع في كل منها مائة حزمة تضم كل واحدة مائة ورقة من فئة مائة دولار. كانت كل الدولارات مستعملة، وبدون ارقام مسلسلة. ووقع على تسلمها من المكتب المالي التابع لقسم محاربة الارهاب في «سي. آي. ايه».
قال له رئيسه حينها انه سيتوجه الى افغانستان مع ستة آخرين، وسيكونون «اول اميركيين يدخلون افغانستان لاسقاط حكومة طالبان، وتدمير تنظيم «القاعدة». هدفكم هو إقناع التحالف الشمالي ليتحالف معنا».
لم تكن تلك أول مرة ترسل فيها وكالة «سي. آي. ايه» شروين الى افغانستان، اذ كانت قد ارسلته خلال الثمانينات للتنسيق مع المجاهدين ضد الاحتلال الروسي، ثم خلال التسعينات، للتحالف مع التحالف الشمالي بقيادة احمد شاه مسعود للقبض على اسامة بن لادن. ويشار الى ان مسعود كان قد قتل قبل يومين من هجمات سبتمبر على ايدي عناصر من «القاعدة».
بعد ثلاثة ايام على هجمات سبتمبر، استدعى كوفر بلاك، مدير قسم محاربة الارهاب في «سي. آي. ايه»، شروين، وامره بالسفر الى افغانستان، للتمهيد لاسقاط نظام طالبان وتدمير القاعدة. لم يرسله وحيدا متخفيا، وانما مع سته آخرين في طائرة هليكوبتر تقلع من طشقند، عاصمة اوزبكستان، وتهبط في وادي بنشير في شمال افغانستان الخاضع لسيطرة التحالف الشمالي.
ويقول شروين انه ليلة سفره بكت زوجته لفراقه، لكنه ذكرها بصور تدمير مبنى التجارة العالمي في نيويورك وقال لها: «نريد ان نضرب الذين فعلوا ذلك بأميركا». وتذكر في تلك الليلة وهو يكتب وصيته مبلغ الثلاثة ملايين دولار التي سيحملها معه الى افغانستان.
توجه الفريق في طائرة عسكرية الى قاعدة عسكرية اميركية في المانيا. وبعد ان وصل الفريق الى مطار طشقند طلب المسؤولون هناك هناك تفتيش الامتعة (وصناديق الدولارات) لأن اعضاء الفرقة وصلوا بدون تأشيرات دخول. لكن السفارة الأميركية في طشقند تدخلت وحلت المشكلة. وقال شروين انهم وضعوا صناديق الدولارات في السفارة الاميركية في طشقند، عندما قضوا ثلاثة ليال في فندق شيراتون هناك. ولانه كان يشعر بالضيق لوجود الدولارات في الصناديق، توجه شروين الى سوق طشقند واشترى حقيبة ملابس سوداء كبيرة، وضع فيها ملايين الدولارات، ووجد ان ذلك يقلل التساؤلات والشبهات.
وفي اليوم التالي اخذ من الحقيبة اول مبلغ، خمسين الف دولار، وقدمه الى احد قادة التحالف الشمالي في طشقند. لم يذكر اسمه، لكنه كان يعرفه منذ عشرين سنة تقريبا، عندما كانت الاستخبارات الاميركية تتعاون مع المجاهدين الافغان.
ومن طشقند سافرت الطائرة الى دوشنبه، عاصمة تاجيكستان، ومنها عبرت حدود افغانستان حتى وصلت سهل بنشير ظهر يوم 25 سبتمبر.
المهندس عارف
* قضى اعضاء الفرقة اربعين يوما في مدينة باراك، في سهل بنشير، حيث جهز التحالف الشمالي منزلا شعبيا لهم. وعندما عرف الافغان ان شروين هو قائد الفرقة، سموه «آغا جنرال» (السيد الجنرال)، وأعطوه اكبر غرفة في المنزل، وحرص هو شخصياً على وضع حقيبة الدولارات تحت سريره.
كان المهندس عارف، مسؤول استخبارات التحالف الشمالي، ثاني شخص يتسلم أموالا، نصف مليون دولار، وذلك بعد عشاء ارز ودجاج في المنزل. ويقول شروين « قررنا ان نعطيه مبلغا كبيرا، لنكسبه، وليحترمنا، ويهتم بنا». وقال شروين انه كان يعرف من تجاربه السابقة ان القادة الافغان «لا يأخذون المال مباشرة، من يد الى يد، ويفضلون الا نحسب الدولارات امامهم». ولهذا كان يضع الدولارات في كيس، ويسلمها الى الشخص قبل ان يودعه مباشرة، على ان يبلغه عن قيمة المبلغ. وقال شروين للمهندس عارف: «هذه خمسمائة الف دولار، اول دفعة، لاستعمال استخباراتكم، وسنعطيكم اكثر في المستقبل». فأخذ عارف الكيس من دون ان ينظر اليه وسلمه الى احد مساعديه.
الجنرال فهيم
* ثم جاء دور الجنرال فهيم، قائد التحالف الشمالي، الذي زار المنزل. وبعد عشاء ارز ودجاج ايضا، وضع شروين كيسا كبيرا على مائدة في وسط الحجرة، وقال له: «هذه مليون دولار لتستعدوا بها للحرب». وابلغه انه اعطى نصف مليون دولار الى المهندس عارف. ويقول شروين انه تعمد الاشارة الى ما قدمه الى عارف، مدير الاستخبارات، لأنه شعر بوجود مراكز قوى، ومنافسات على السلطة، وسط قادة التحالف، ولأنه اراد، منذ البداية، ان يكون واضحا مع كل الأطراف.
في البداية ترك الجنرال فهيم كيس المليون دولار على المائدة حتى اعتقد شروين ان الرجل رفض المبلغ، لكن الجنرال فهيم اخذ الكيس في آخر لحظة، ووجده ثقيلا، وسلمه الى احد مساعديه. شعر المساعد، ايضا، بأن الكيس ثقيل، فقال له شروين ضاحكا: «نعم، مليون دولار ثقيلة، انها اثقل مما تعتقد».
سياف أخذ أموالا ووعد بالمساعدة في اعتقال الظواهري
* ثم جاء دور البروفيسور عبد رب الرسول سياف، الذي كان حليفا لأسامة بن لادن خلال سنوات الجهاد ضد الروس، ثم اشترك في حكم افغانستان قبل ان يختلف مع طالبان ويتحالف مع التحالف الشمالي. وفي المنزل، وبعد عشاء ارز ودجاج ايضا، حاول شروين اقناع سياف بأن يدل الاميركيين على مكان بن لادن، لأنه كان اقرب قادة التحالف الشمالي اليه. لم يقدم سياف وعداً بذلك، لكنه قال انه سيساعد في القبض على ايمن الظواهري. وعندما حان وقت الوداع، أعطاه شروين كيسا فيه مائة الف دولار. أمسك سياف بالكيس ونظر اليه في حيرة، ثم اعطاه الى احد مساعديه، وقال: «هذه اول مرة اتسلم فيها مالا مباشرة». وهز رأسه في حيرة، وابتسم ابتسامة باهتة، وكأن الاميركيين خدعوه. لكن شروين قال انه ابتسم ابتسامة عريضة بعد ان خرج سياف من المنزل.
مبالغ غير محددة لكرزاي وعبد الله
* قابل شروين، ايضا، حميد كرزاي، الذي اصبح لاحقاً وحتى الآن رئيساً للبلاد، والدكتور عبد الله عبد الله، وزير خارجيته. لم يحدد شروين عدد الدولارات التي اعطاها للاثنين، لكنه تنبأ بأنهما سيكونان على رأس المتنافسين على حكم افغانستان بعد السقوط المرتقب لنظام طالبان. وأحس بأن عبد الله وعارف يخططان، بعد اسقاط طالبان، لعزل رئيسهما الجنرال فهيم، ولهذا ساعدهما اكثر من غيرهما.
دفع شروين، خلال الاسابيع القليلة الاولى، نصف مليون دولار اخرى للمهندس عارف للاستعداد للحرب، ودفع له ربع مليون لمساعدة السكان في المنطقة، ولنقل بعضهم الى اماكن بعيدة من المواقع التي حددت للحرب. ودفع لآخرين، ودفع لبناء مطار صغير، ولم تبق معه سوى مائة الف دولار، فاضطر لطلب مبالغ اخرى من رئاسة وكالة «سي. آي. ايه».
وبالفعل وصله يوم 16 اكتوبر (تشرين الأول) 2001، مبلغ 10 ملايين دولار موضوعة في أربعة صناديق ضخمة.
مفاوضات مع طالبان
* ومرة أخرى توجه الى منزل المهندس عارف، وبعد عشاء ارز ودجاج، قال عارف انه يجرى اتصالات مع حكومة طالبان، عن طريق قريب له يعمل في استخبارات طالبان في كابل. وقال عارف ان قريبه طلب أربعة ملايين دولار. لكن شروين لم يقتنع، وقال انه لن يدفع اي شيء الا بعد الحصول على ضمانات. وقال شروين: «غريب ان تكون العلاقات العائلية اقوى من العداء بين طالبان والتحالف الشمالي». فرد عليه المهندس عارف: «لا تستغرب ان يخون شخص حكومته للحصول على مكاسب مادية. كلنا نفعل ذلك».
لكن، لاحقاً، قدم شروين نصف مليون دولار تقريباً الى المهندس عارف ليصرفها على الاستخبارات و«ليشتري بها ولاء شخصيات هامة في طالبان».
الاختلاف مع الحلفاء
* وبعد ان دفع لكل قادة التحالف تقريبا، قال لهم شروين ان الخطوة التالية هي وصول قوات خاصة اميركية (كوماندوز) الى المنطقة. لكن المهندس عارف زاره مرة، وسأله بعد مقدمة طويلة، عن عدد افراد الكوماندوز. وعندما ابلغه ان الدفعة الأولى ستكون مكونة من 12 جنديا، طلب في خجل ان يكون العدد اثنان وان يكونا بملابس مدنية لأن «اصدقاءنا وحلفاءنا قالوا انهم ضد ارسال قوات اميركية، وإنهم قادرون على اسقاط طالبان بدعم اميركي، لكن بدون جنود اميركيين». واضاف ان الجنرال فهيم، قائد التحالف، وافق على ذلك، وقال ان التحالف الشمالي ظل يحارب لعشرين سنة، ولم يحتج الى جندي اجنبي.
غضب شروين، ولم يدفع له مبلغا جديدا كان جهزه له، وقال له انه تنكر لاتفاق سابق، وانه كان يجب ان يعرف ان الأميركيين مقبلون، وان الرئيس جورج بوش سيغضب اذا سمع ذلك، وان السياسة الاميركية لا تحددها مجموعة في وادي بنشير، سواء مجموعة اعداء او مجموعة حلفاء.
خرج المهندس عارف بعد ان قال انه سيشاور رئيسه الجنرال فهيم. وفهم الافغان التحذير الاميركي. وتأكد شروين ان الخطة الاميركية ستنفذ، وان فرق الكوماندوز ستصل قريبا.
كانت الخطة هي ان يهبط كوماندوز «ألفا» في مزار شريف لمساعدة الجنرال دوستم، ويهبط كوماندوز «ايكو» في الجنوب لمساعدة حميد كرزاي، ويهبط كوماندوز «برافو» في مزار شريف لمساعدة الجنرال عطا.
وللتخطيط لذلك عقد شروين سلسلة اجتماعات في منزله مع هؤلاء ومع غيرهم. وحاول التوسط بين الجنرال دوستم والجنرال عطا، المسؤولين عن مزار الشريف، حتى لا يظلا مختلفين عندما تصل فرق الكوماندوز الأميركية. وأرسل ربع مليون دولار الى كل واحد منهما.
وحاول ايضا، اقناع التحالف الشمالي بالتعاون مع قادة شيعة آخرين مقربين من ايران. لكن المهندس عارف قال ان «التحالف الشمالي يستطيع، بمساعدتكم، اسقاط طالبان، ولا داعي للتحالف مع غيرنا». فغضب شروين مرة اخرى، وقال: «ان الحكومة الاميركية لن تسمح للتحالف الشمالي ان يملي عليها رغبته. الرئيس بوش يريد تشكيل تحالف يجمع كل الافغان، ولا يريد الاعتماد عليكم فقط». ومرة اخرى فهم عارف، وغادر المنزل مهزوما.
سقوط كابل
* ويوم 19 أكتوبر 2001 بدأت فرق الكوماندوز الأميركية تهبط في مناطق حددت مسبقا، ثم بدأ الطيران الاميركي يسقط اسلحة في اماكن تجمع الحلفاء الافغان، وبدأ الكوماندوز يرشدون الطائرات الأميركية الى اماكن طالبان لقصفها. واستمر القصف حتى سقطت كابل يوم 14 نوفمبر (تشرين الثاني).
لكن شروين كان حينها قد غادر افغانستان، وسلم مهمته الى شخص آخر يدعى جورج، ووقع معه على أوراق تسليم ثمانية ملايين دولار كانت قد تبقت في الصناديق. ويتذكر شروين الملايين التي أنفقها في افغانستان قائلاً: «لن نستطيع شراء ولاء الأفغان، لكن نستطيع استئجارهم» مؤقتاً. ويؤكد ان ملايين الدولارات التي صرفها في افغانستان لم تذهب هباء، لأنها ساعدت في اسقاط حكومة طالبان وتدمير تنظيم «القاعدة».
حمل شروين الثلاثة ملايين دولار في ثلاثة صناديق كرتون، وضع في كل منها مائة حزمة تضم كل واحدة مائة ورقة من فئة مائة دولار. كانت كل الدولارات مستعملة، وبدون ارقام مسلسلة. ووقع على تسلمها من المكتب المالي التابع لقسم محاربة الارهاب في «سي. آي. ايه».
قال له رئيسه حينها انه سيتوجه الى افغانستان مع ستة آخرين، وسيكونون «اول اميركيين يدخلون افغانستان لاسقاط حكومة طالبان، وتدمير تنظيم «القاعدة». هدفكم هو إقناع التحالف الشمالي ليتحالف معنا».
لم تكن تلك أول مرة ترسل فيها وكالة «سي. آي. ايه» شروين الى افغانستان، اذ كانت قد ارسلته خلال الثمانينات للتنسيق مع المجاهدين ضد الاحتلال الروسي، ثم خلال التسعينات، للتحالف مع التحالف الشمالي بقيادة احمد شاه مسعود للقبض على اسامة بن لادن. ويشار الى ان مسعود كان قد قتل قبل يومين من هجمات سبتمبر على ايدي عناصر من «القاعدة».
بعد ثلاثة ايام على هجمات سبتمبر، استدعى كوفر بلاك، مدير قسم محاربة الارهاب في «سي. آي. ايه»، شروين، وامره بالسفر الى افغانستان، للتمهيد لاسقاط نظام طالبان وتدمير القاعدة. لم يرسله وحيدا متخفيا، وانما مع سته آخرين في طائرة هليكوبتر تقلع من طشقند، عاصمة اوزبكستان، وتهبط في وادي بنشير في شمال افغانستان الخاضع لسيطرة التحالف الشمالي.
ويقول شروين انه ليلة سفره بكت زوجته لفراقه، لكنه ذكرها بصور تدمير مبنى التجارة العالمي في نيويورك وقال لها: «نريد ان نضرب الذين فعلوا ذلك بأميركا». وتذكر في تلك الليلة وهو يكتب وصيته مبلغ الثلاثة ملايين دولار التي سيحملها معه الى افغانستان.
توجه الفريق في طائرة عسكرية الى قاعدة عسكرية اميركية في المانيا. وبعد ان وصل الفريق الى مطار طشقند طلب المسؤولون هناك هناك تفتيش الامتعة (وصناديق الدولارات) لأن اعضاء الفرقة وصلوا بدون تأشيرات دخول. لكن السفارة الأميركية في طشقند تدخلت وحلت المشكلة. وقال شروين انهم وضعوا صناديق الدولارات في السفارة الاميركية في طشقند، عندما قضوا ثلاثة ليال في فندق شيراتون هناك. ولانه كان يشعر بالضيق لوجود الدولارات في الصناديق، توجه شروين الى سوق طشقند واشترى حقيبة ملابس سوداء كبيرة، وضع فيها ملايين الدولارات، ووجد ان ذلك يقلل التساؤلات والشبهات.
وفي اليوم التالي اخذ من الحقيبة اول مبلغ، خمسين الف دولار، وقدمه الى احد قادة التحالف الشمالي في طشقند. لم يذكر اسمه، لكنه كان يعرفه منذ عشرين سنة تقريبا، عندما كانت الاستخبارات الاميركية تتعاون مع المجاهدين الافغان.
ومن طشقند سافرت الطائرة الى دوشنبه، عاصمة تاجيكستان، ومنها عبرت حدود افغانستان حتى وصلت سهل بنشير ظهر يوم 25 سبتمبر.
المهندس عارف
* قضى اعضاء الفرقة اربعين يوما في مدينة باراك، في سهل بنشير، حيث جهز التحالف الشمالي منزلا شعبيا لهم. وعندما عرف الافغان ان شروين هو قائد الفرقة، سموه «آغا جنرال» (السيد الجنرال)، وأعطوه اكبر غرفة في المنزل، وحرص هو شخصياً على وضع حقيبة الدولارات تحت سريره.
كان المهندس عارف، مسؤول استخبارات التحالف الشمالي، ثاني شخص يتسلم أموالا، نصف مليون دولار، وذلك بعد عشاء ارز ودجاج في المنزل. ويقول شروين « قررنا ان نعطيه مبلغا كبيرا، لنكسبه، وليحترمنا، ويهتم بنا». وقال شروين انه كان يعرف من تجاربه السابقة ان القادة الافغان «لا يأخذون المال مباشرة، من يد الى يد، ويفضلون الا نحسب الدولارات امامهم». ولهذا كان يضع الدولارات في كيس، ويسلمها الى الشخص قبل ان يودعه مباشرة، على ان يبلغه عن قيمة المبلغ. وقال شروين للمهندس عارف: «هذه خمسمائة الف دولار، اول دفعة، لاستعمال استخباراتكم، وسنعطيكم اكثر في المستقبل». فأخذ عارف الكيس من دون ان ينظر اليه وسلمه الى احد مساعديه.
الجنرال فهيم
* ثم جاء دور الجنرال فهيم، قائد التحالف الشمالي، الذي زار المنزل. وبعد عشاء ارز ودجاج ايضا، وضع شروين كيسا كبيرا على مائدة في وسط الحجرة، وقال له: «هذه مليون دولار لتستعدوا بها للحرب». وابلغه انه اعطى نصف مليون دولار الى المهندس عارف. ويقول شروين انه تعمد الاشارة الى ما قدمه الى عارف، مدير الاستخبارات، لأنه شعر بوجود مراكز قوى، ومنافسات على السلطة، وسط قادة التحالف، ولأنه اراد، منذ البداية، ان يكون واضحا مع كل الأطراف.
في البداية ترك الجنرال فهيم كيس المليون دولار على المائدة حتى اعتقد شروين ان الرجل رفض المبلغ، لكن الجنرال فهيم اخذ الكيس في آخر لحظة، ووجده ثقيلا، وسلمه الى احد مساعديه. شعر المساعد، ايضا، بأن الكيس ثقيل، فقال له شروين ضاحكا: «نعم، مليون دولار ثقيلة، انها اثقل مما تعتقد».
سياف أخذ أموالا ووعد بالمساعدة في اعتقال الظواهري
* ثم جاء دور البروفيسور عبد رب الرسول سياف، الذي كان حليفا لأسامة بن لادن خلال سنوات الجهاد ضد الروس، ثم اشترك في حكم افغانستان قبل ان يختلف مع طالبان ويتحالف مع التحالف الشمالي. وفي المنزل، وبعد عشاء ارز ودجاج ايضا، حاول شروين اقناع سياف بأن يدل الاميركيين على مكان بن لادن، لأنه كان اقرب قادة التحالف الشمالي اليه. لم يقدم سياف وعداً بذلك، لكنه قال انه سيساعد في القبض على ايمن الظواهري. وعندما حان وقت الوداع، أعطاه شروين كيسا فيه مائة الف دولار. أمسك سياف بالكيس ونظر اليه في حيرة، ثم اعطاه الى احد مساعديه، وقال: «هذه اول مرة اتسلم فيها مالا مباشرة». وهز رأسه في حيرة، وابتسم ابتسامة باهتة، وكأن الاميركيين خدعوه. لكن شروين قال انه ابتسم ابتسامة عريضة بعد ان خرج سياف من المنزل.
مبالغ غير محددة لكرزاي وعبد الله
* قابل شروين، ايضا، حميد كرزاي، الذي اصبح لاحقاً وحتى الآن رئيساً للبلاد، والدكتور عبد الله عبد الله، وزير خارجيته. لم يحدد شروين عدد الدولارات التي اعطاها للاثنين، لكنه تنبأ بأنهما سيكونان على رأس المتنافسين على حكم افغانستان بعد السقوط المرتقب لنظام طالبان. وأحس بأن عبد الله وعارف يخططان، بعد اسقاط طالبان، لعزل رئيسهما الجنرال فهيم، ولهذا ساعدهما اكثر من غيرهما.
دفع شروين، خلال الاسابيع القليلة الاولى، نصف مليون دولار اخرى للمهندس عارف للاستعداد للحرب، ودفع له ربع مليون لمساعدة السكان في المنطقة، ولنقل بعضهم الى اماكن بعيدة من المواقع التي حددت للحرب. ودفع لآخرين، ودفع لبناء مطار صغير، ولم تبق معه سوى مائة الف دولار، فاضطر لطلب مبالغ اخرى من رئاسة وكالة «سي. آي. ايه».
وبالفعل وصله يوم 16 اكتوبر (تشرين الأول) 2001، مبلغ 10 ملايين دولار موضوعة في أربعة صناديق ضخمة.
مفاوضات مع طالبان
* ومرة أخرى توجه الى منزل المهندس عارف، وبعد عشاء ارز ودجاج، قال عارف انه يجرى اتصالات مع حكومة طالبان، عن طريق قريب له يعمل في استخبارات طالبان في كابل. وقال عارف ان قريبه طلب أربعة ملايين دولار. لكن شروين لم يقتنع، وقال انه لن يدفع اي شيء الا بعد الحصول على ضمانات. وقال شروين: «غريب ان تكون العلاقات العائلية اقوى من العداء بين طالبان والتحالف الشمالي». فرد عليه المهندس عارف: «لا تستغرب ان يخون شخص حكومته للحصول على مكاسب مادية. كلنا نفعل ذلك».
لكن، لاحقاً، قدم شروين نصف مليون دولار تقريباً الى المهندس عارف ليصرفها على الاستخبارات و«ليشتري بها ولاء شخصيات هامة في طالبان».
الاختلاف مع الحلفاء
* وبعد ان دفع لكل قادة التحالف تقريبا، قال لهم شروين ان الخطوة التالية هي وصول قوات خاصة اميركية (كوماندوز) الى المنطقة. لكن المهندس عارف زاره مرة، وسأله بعد مقدمة طويلة، عن عدد افراد الكوماندوز. وعندما ابلغه ان الدفعة الأولى ستكون مكونة من 12 جنديا، طلب في خجل ان يكون العدد اثنان وان يكونا بملابس مدنية لأن «اصدقاءنا وحلفاءنا قالوا انهم ضد ارسال قوات اميركية، وإنهم قادرون على اسقاط طالبان بدعم اميركي، لكن بدون جنود اميركيين». واضاف ان الجنرال فهيم، قائد التحالف، وافق على ذلك، وقال ان التحالف الشمالي ظل يحارب لعشرين سنة، ولم يحتج الى جندي اجنبي.
غضب شروين، ولم يدفع له مبلغا جديدا كان جهزه له، وقال له انه تنكر لاتفاق سابق، وانه كان يجب ان يعرف ان الأميركيين مقبلون، وان الرئيس جورج بوش سيغضب اذا سمع ذلك، وان السياسة الاميركية لا تحددها مجموعة في وادي بنشير، سواء مجموعة اعداء او مجموعة حلفاء.
خرج المهندس عارف بعد ان قال انه سيشاور رئيسه الجنرال فهيم. وفهم الافغان التحذير الاميركي. وتأكد شروين ان الخطة الاميركية ستنفذ، وان فرق الكوماندوز ستصل قريبا.
كانت الخطة هي ان يهبط كوماندوز «ألفا» في مزار شريف لمساعدة الجنرال دوستم، ويهبط كوماندوز «ايكو» في الجنوب لمساعدة حميد كرزاي، ويهبط كوماندوز «برافو» في مزار شريف لمساعدة الجنرال عطا.
وللتخطيط لذلك عقد شروين سلسلة اجتماعات في منزله مع هؤلاء ومع غيرهم. وحاول التوسط بين الجنرال دوستم والجنرال عطا، المسؤولين عن مزار الشريف، حتى لا يظلا مختلفين عندما تصل فرق الكوماندوز الأميركية. وأرسل ربع مليون دولار الى كل واحد منهما.
وحاول ايضا، اقناع التحالف الشمالي بالتعاون مع قادة شيعة آخرين مقربين من ايران. لكن المهندس عارف قال ان «التحالف الشمالي يستطيع، بمساعدتكم، اسقاط طالبان، ولا داعي للتحالف مع غيرنا». فغضب شروين مرة اخرى، وقال: «ان الحكومة الاميركية لن تسمح للتحالف الشمالي ان يملي عليها رغبته. الرئيس بوش يريد تشكيل تحالف يجمع كل الافغان، ولا يريد الاعتماد عليكم فقط». ومرة اخرى فهم عارف، وغادر المنزل مهزوما.
سقوط كابل
* ويوم 19 أكتوبر 2001 بدأت فرق الكوماندوز الأميركية تهبط في مناطق حددت مسبقا، ثم بدأ الطيران الاميركي يسقط اسلحة في اماكن تجمع الحلفاء الافغان، وبدأ الكوماندوز يرشدون الطائرات الأميركية الى اماكن طالبان لقصفها. واستمر القصف حتى سقطت كابل يوم 14 نوفمبر (تشرين الثاني).
لكن شروين كان حينها قد غادر افغانستان، وسلم مهمته الى شخص آخر يدعى جورج، ووقع معه على أوراق تسليم ثمانية ملايين دولار كانت قد تبقت في الصناديق. ويتذكر شروين الملايين التي أنفقها في افغانستان قائلاً: «لن نستطيع شراء ولاء الأفغان، لكن نستطيع استئجارهم» مؤقتاً. ويؤكد ان ملايين الدولارات التي صرفها في افغانستان لم تذهب هباء، لأنها ساعدت في اسقاط حكومة طالبان وتدمير تنظيم «القاعدة».