الباب العالي
10-07-2018, 11:33 PM
https://alqabas.com/wp-content/uploads/2018/05/%D8%AF.-%D8%AD%D8%A7%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF66.jpg
لماذا لم يتسبَّب انهيار الريال الإيراني في اضطرابات؟
د. حامد الحمود - القبس
يبقى هناك أمل بأن يفاجئنا الشعب الإيراني بأن يخرج داعيا للتغيير، ليس من أجل الخبز، إنما من أجل الحرية
6 أكتوبر، 2018
لا شك أن المراقبين للوضع السياسي والاقتصادي مصابون بالدهشة، ليس لتدهور الريال الإيراني، وإنما لعدم وجود ردود أفعال شعبية على مستوى الشارع الإيراني. فقد فَقَدَ الريال الإيراني حوالي 90 في المئة من قيمته مقابل الدولار خلال الأشهر الستة الأخيرة، وهي الفترة التي أعلن فيها الرئيس ترامب عن تراجع الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي مع إيران، فارضا عقوبات اقتصادية جديدة. فقد تدهور سعر الريال إلى 100 ألف، ثم 140 ألفا ثم وصل إلى 170 ألف ريال مقابل الدولار. هذا من دون أن نسمع أو نرى أي تحرك احتجاجا على هذا التدهور الذي قضى على مدخرات الإيرانيين. لكن بالطبع ستتلاشى الدهشة إذا عرفنا أن كل هذه الانهيارات في العملة لم تزد في معدل الأسعار إلا 16 في المئة. فكيف يحصل هذا في بلد يستورد حوالي 50 في المئة من حاجته الغذائية، ونسبة أكبر من احتياجاته الصناعية؟ لماذا لم ترتفع الأسعار بسبب تدهور سعر الريال؟
يناقش هذا الموضوع جافيد أصفهاني – الأستاذ في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا – في بحث نشره في دورية «شؤون خارجية» في 2018/09/25، والذي يشرح فيه أن التدهور في سعر صرف الريال لم يؤثر بنفس النسبة على الإنسان العادي، وذلك لان البنك المركزي يوفر الدولار إلى المواطنين والتجار بثلاثة أسعار مختلفة. فالدولة ما زالت توفر الدولار لأغلب التعاملات التجارية بسعر صرف ثابت يبلغ 42 ألف ريال للدولار. وفي معاملات تجارية أخرى، توفره بسعر 90 ألف ريال للدولار. أما ما يتم تعامله في البازار وسوق الصرف الحرة، فإجماليه لا يتعدى أكثر من 3 في المئة من حجم سوق صرف الريال للدولار.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن هناك 50 مليون إيراني يستلمون إعانة نقدية بمقدار مئة دولار شهريا لكل عائلة مكونة من أربعة أفراد. إضافة إلى مساعدات أخرى لأكثر من ثمانية ملايين مواطن من هيئات خيرية حكومية. لذا فإنه على الرغم من هذا التدهور في سعر الصرف للريال، ووفقا للبنك الدولي، فإن معدل الفقر في إيران يقل عن 10 في المئة، وهو الأفضل منذ عدة عقود. فإيران دولة نفطية تستطيع دعم مستورداتها من الغذاء والمواد الاستهلاكية الأخرى. فعندما يحصل هذا التدهور في صرف العملة في دول غير نفطية مثل تركيا أو الأرجنتين، فإن التدهور ينتقل إلى ارتفاع كبير في معدل الأسعار، وهذا لم يحصل في إيران لتوافر العملة الصعبة للبنك المركزي الإيراني.
العامل الآخر الذي يميز البنوك الإيرانية عن البنوك في تركيا والأرجنتين، أن التزامات أو الديون على البنوك الإيرانية هي بالعملة المحلية، مما يعني أن تدهور الريال يؤدي إلى خفض مديونيتها الحقيقية، بينما على البنوك في تركيا التزامات دولية بالعملة الصعبة. لذا فإن هناك نوعا من الاستقرار الاقتصادي في إيران. ومن الصعب التنبؤ بمدى استمراره. فالنشوة بحدوث انفتاح اقتصادي بعد توقيع الاتفاق النووي تلاشت بعد أن أغلقت كثير من الشركات الأوروبية مكاتبها في إيران تلافيا للحظر الأميركي. كما أن القطاع الزراعي الذي يشغل حوالي 23 في المئة من القوى العاملة يعاني من قلة الاستثمار وشح المياه.
لذا فإنه من يتوقع تحركات شعبية في إيران بسبب تدهور سعر صرف الريال، عليه أن يعيد حساباته. ومن يتوقع أن تغير إيران استراتيجيتها نحو المنطقة العربية، وأن تراجع تدخلاتها في العراق وسوريا واليمن، سيصاب بخيبة أمل. فيبدو أن النظام غير مرهق بعد، وليس مضطرا لتغيير نفسه. والمشكلة هي أنه لا توجد استراتيجية عربية واحدة للتعامل مع هذا النظام. إنما توجد استراتيجية لتوسيع نفوذ إيران في المنطقة.
ويبقى هناك أمل بأن يفاجئنا الشعب الإيراني بأن يخرج داعيا للتغيير، ليس من أجل الخبز، إنما من أجل الحرية.
د. حامد الحمود
Hamed.alajlan@gmail.com
@hamedalajlan
https://alqabas.com/589225/
لماذا لم يتسبَّب انهيار الريال الإيراني في اضطرابات؟
د. حامد الحمود - القبس
يبقى هناك أمل بأن يفاجئنا الشعب الإيراني بأن يخرج داعيا للتغيير، ليس من أجل الخبز، إنما من أجل الحرية
6 أكتوبر، 2018
لا شك أن المراقبين للوضع السياسي والاقتصادي مصابون بالدهشة، ليس لتدهور الريال الإيراني، وإنما لعدم وجود ردود أفعال شعبية على مستوى الشارع الإيراني. فقد فَقَدَ الريال الإيراني حوالي 90 في المئة من قيمته مقابل الدولار خلال الأشهر الستة الأخيرة، وهي الفترة التي أعلن فيها الرئيس ترامب عن تراجع الولايات المتحدة عن الاتفاق النووي مع إيران، فارضا عقوبات اقتصادية جديدة. فقد تدهور سعر الريال إلى 100 ألف، ثم 140 ألفا ثم وصل إلى 170 ألف ريال مقابل الدولار. هذا من دون أن نسمع أو نرى أي تحرك احتجاجا على هذا التدهور الذي قضى على مدخرات الإيرانيين. لكن بالطبع ستتلاشى الدهشة إذا عرفنا أن كل هذه الانهيارات في العملة لم تزد في معدل الأسعار إلا 16 في المئة. فكيف يحصل هذا في بلد يستورد حوالي 50 في المئة من حاجته الغذائية، ونسبة أكبر من احتياجاته الصناعية؟ لماذا لم ترتفع الأسعار بسبب تدهور سعر الريال؟
يناقش هذا الموضوع جافيد أصفهاني – الأستاذ في جامعة فرجينيا للتكنولوجيا – في بحث نشره في دورية «شؤون خارجية» في 2018/09/25، والذي يشرح فيه أن التدهور في سعر صرف الريال لم يؤثر بنفس النسبة على الإنسان العادي، وذلك لان البنك المركزي يوفر الدولار إلى المواطنين والتجار بثلاثة أسعار مختلفة. فالدولة ما زالت توفر الدولار لأغلب التعاملات التجارية بسعر صرف ثابت يبلغ 42 ألف ريال للدولار. وفي معاملات تجارية أخرى، توفره بسعر 90 ألف ريال للدولار. أما ما يتم تعامله في البازار وسوق الصرف الحرة، فإجماليه لا يتعدى أكثر من 3 في المئة من حجم سوق صرف الريال للدولار.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن هناك 50 مليون إيراني يستلمون إعانة نقدية بمقدار مئة دولار شهريا لكل عائلة مكونة من أربعة أفراد. إضافة إلى مساعدات أخرى لأكثر من ثمانية ملايين مواطن من هيئات خيرية حكومية. لذا فإنه على الرغم من هذا التدهور في سعر الصرف للريال، ووفقا للبنك الدولي، فإن معدل الفقر في إيران يقل عن 10 في المئة، وهو الأفضل منذ عدة عقود. فإيران دولة نفطية تستطيع دعم مستورداتها من الغذاء والمواد الاستهلاكية الأخرى. فعندما يحصل هذا التدهور في صرف العملة في دول غير نفطية مثل تركيا أو الأرجنتين، فإن التدهور ينتقل إلى ارتفاع كبير في معدل الأسعار، وهذا لم يحصل في إيران لتوافر العملة الصعبة للبنك المركزي الإيراني.
العامل الآخر الذي يميز البنوك الإيرانية عن البنوك في تركيا والأرجنتين، أن التزامات أو الديون على البنوك الإيرانية هي بالعملة المحلية، مما يعني أن تدهور الريال يؤدي إلى خفض مديونيتها الحقيقية، بينما على البنوك في تركيا التزامات دولية بالعملة الصعبة. لذا فإن هناك نوعا من الاستقرار الاقتصادي في إيران. ومن الصعب التنبؤ بمدى استمراره. فالنشوة بحدوث انفتاح اقتصادي بعد توقيع الاتفاق النووي تلاشت بعد أن أغلقت كثير من الشركات الأوروبية مكاتبها في إيران تلافيا للحظر الأميركي. كما أن القطاع الزراعي الذي يشغل حوالي 23 في المئة من القوى العاملة يعاني من قلة الاستثمار وشح المياه.
لذا فإنه من يتوقع تحركات شعبية في إيران بسبب تدهور سعر صرف الريال، عليه أن يعيد حساباته. ومن يتوقع أن تغير إيران استراتيجيتها نحو المنطقة العربية، وأن تراجع تدخلاتها في العراق وسوريا واليمن، سيصاب بخيبة أمل. فيبدو أن النظام غير مرهق بعد، وليس مضطرا لتغيير نفسه. والمشكلة هي أنه لا توجد استراتيجية عربية واحدة للتعامل مع هذا النظام. إنما توجد استراتيجية لتوسيع نفوذ إيران في المنطقة.
ويبقى هناك أمل بأن يفاجئنا الشعب الإيراني بأن يخرج داعيا للتغيير، ليس من أجل الخبز، إنما من أجل الحرية.
د. حامد الحمود
Hamed.alajlan@gmail.com
@hamedalajlan
https://alqabas.com/589225/