المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجمهور عاوز كده



سمير
06-18-2005, 12:57 PM
بدرية البشر

تقول القصة إن الأمير خاير بك حاكم مكة عام 917هـ 1510م، وبينما كان عائدا إلى بيته بعد الصلاة، شاهد جمعا انتحوا جانبا من المسجد الحرام مستغرقين في احتساء كؤوس الشراب، فسأل عنهم فأجيب بأنهم يشربون القهوة التي جلبت حبوبها من اليمن والتي انتشر تناولها في مكة المكرمة، في أماكن يرتادها الرجال والنساء أحيانا، فأمر خاير بك بجمع كبار فقهاء مكة، وبعد أن شرح لهم تكرر اجتماع الناس في أماكن شرب القهوة مع ضرب العود والدف أحيانا، أفتوا بأن حب البن حكمه حكم باقي النباتات، أما اجتماع الناس على شرب القهوة فإنه حرام وعلى هذا يجب أن يحرم شربها.

لم يكتف خاير بك بهذا، بل جمع شهادات أخرى لأطباء وأناس عاديين، شهدوا بأن القهوة مفسدة للبدن المعتدل وأن شربها يجر للمعصية وإلى تغير الحواس والتباس العقل. وبعد أن استوجب خاير بك من الفقهاء شروط حرمة القهوة، أمر بأن ينادي المنادي في شوارع مكة بأن شرب القهوة محرم شرع، ولهذا وجب إغلاق كل محال بيع القهوة وإحراق حبوب البن كافة في مخازن التجار في مكة المكرمة، إلا أن أهالي مكة لم ينصاعوا تماما لقرار الفقهاء واستمروا في شربها في بيوتهم، اعتمادا على رأي مفتي مكة، الذي وقف وحده ضد هذا القرار.

غير أن خاير بك قبض على احد شاربي القهوة فعاقبه وجرسه ودار به على ظهر حمار ليكون عبرة لمن اعتبر. ولم يكتف فقهاء مكة بذلك، بل أرسلوا إلى القاهرة سؤالا استنكاريا بغرض أن تؤدي الإجابة عنه إلى تقوية موقفهم، واستخدمت عبارات مثل «يتم تعاطي القهوة في المسجد الحرام في كؤوس، وان كثيرها يؤدي للسكر، وان الأطباء شهدوا بأنها مفسدة للبدن»!

غير أن السلطان الغوري أبدى دهشته مما يحدث في مكة، فقد كان شرب القهوة في القاهرة مباحا بشهادة الفقهاء والأطباء أيضا، الأمر الذي دفعه لمخاطبة خاير بك بضرورة التراجع عن قرار تحريم شرب القهوة، مع الاستمرار في سياسة منع الفوضى الناجمة عن رواد المقاهي.

بعد أن قرأت القطعة وجدت أن القراء يحتاجون لتنشيط مهاراتهم الطلابية القديمة بسؤالين، خاصة الذين يحملون كل يوم ترامس القهوة ويشربونها في المسجد الحرام، لكنهم سيعترضون على مقالتي بالقول، ما فهمنا شيئا، السؤال الأول: هل سيكتب المؤرخون عنا بعد تسعمائة عام، قصة مشابهة يتعجب لها العقل كما فعلنا مع قصة خاير بك والقهوة؟ كأن يكتب عنا أننا لا ندرس اللغة الإنجليزية للصفوف الأولى في الألفية الثالثة، كما نمنع قيادة المرأة للسيارة مثلا؟! سؤالي الثاني هو: هل من الديمقراطية أن يوافق الأغلبية على شرب القهوة لأن «الجمهور عاوز كده»؟

badreiah@asharqalawsat.com