المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إيران وحكم رجال الدين



سمير
06-18-2005, 12:47 PM
عبد الرحمن الراشد

لا ادري ان كان احد من علماء السياسة تنبأ قبل عام 1979 أن تلعب ايران دور المؤثر الفكري والسياسي على الساحة العربية. هذه الدولة الجانبية جغرافيا، والمنعزلة بلغتها الفارسية، والغائبة بحكم انفصالها التاريخي، ما كان نفوذها قط في الحسبان ، إلا ان تأثيراتها في ثلاثين سنة مضت مست كثيرا من اوجه التفكير العربي. ولعل صور رجال الدين يقررون كل السياسات، ويديرون معظم الحكومة من الشرطة، والجيش، وبيت المال، ومرابع الرأي والخبر، هي التي فتحت تماما شهية المسيسين المتدينين، ولم يعد كافيا، في نظرهم، وزارة في حكومة، او ادارة دينية، او دار للفتوى، او مركز اسلامي. صار الطموح الى كل الحكم مشروعا استلهموه من تجربة «الجمهورية الاسلامية». الاسلاميون العرب لم يكملوا قراءة تجربة دولة رجال الدين في ايران، التي لم يتبق من تدينها سوى مظهر العمائم المنتشرة في كل مرافق الحكم.

لا تزال معظمها تدار من قبل خريجي الحوزات الدينية، لا خريجي الجامعات المتخصصين، او اهل الخبرة من موظفي الحكومة، بما في ذلك المواقع المدنية والتقنية، لا التشريعية والسياسية وحسب. المعممون يديرون الكثير من الوزارات، والقوات العسكرية، والاستخبارات، والبلدية، وحتى الشؤون الذرية. فحجة الاسلام حسن روحاني، صاحب التخصص الفقهي، لم يشتغل منذ ان التحق بالدولة بشأن الفتوى، بل ولي في البداية شؤون التلفزيون، ولاحقا كلف بإدارة الملف النووي!

بطبيعة الحال يعتمد الوزراء المعممون على اهل الاختصاص لفهم واتخاذ القرار، انما هم من يقرر أخيرا. وأحيانا يكون الوزراء قريبين من الاختصاص، مثل وزير النفط بيجان زنقانة، الذي تخرج مهندسا كهربائيا لكن ابرز مؤهلاته للوزارة اشتغاله بالثقافة الثورية الاسلامية.

وتجربة الحكم الديني الايراني لا تزيد نجاحا عن اي دولة عربية مدنية، ففيها ينتشر ايضا الفساد والمحسوبية والقرارات الكارثية. أي ان الدولة الدينية لا تختلف كثيرا عن غيرها بما في ذلك كثرة انحناءات خطوطها السياسية حسب فقه المصلحة، كأي حكومة براغماتية تقرر ما يحقق لها الامان، وليس بالضرورة ما يطابق توجهاتها الفكرية.

وكان اول صدام عرفته الدولة يوم خرق رجال الدين الاعراف الدبلوماسية ، وسمحوا باقتحام السفارة الاميركية واحتجاز موظفيها اربعمائة يوم. عندها استقال اول رئيس وزراء اسلامي مهدي بازر محتجا على قيادته، ثم تبعه اول رئيس اسلامي، ابو الحسن بني صدر، الذي هرب في جنح الظلام أيضا محتجا على ايديولوجية التطبيق. لكن مع الوقت لانت اسلامية الدولة، بل اصبحت اكثر تحررا وليبرالية من غيرها، ولم تبق منها سوى العمائم تستمتع بمعظم المناصب. فهي ناد لرجال الدين، مثل أي جمعية او عصبية أخرى تدافع عن مصالح المنتسبين لها. ولا يشابه التجربة الايرانية سوى الكنيسة الاوروبية في القرون الوسطى التي كانت سلطتها شبه كاملة. اما في زمن الخلافة الاسلامية ، فقد كان هناك دائما شأن ديني فيه من ينوب عن الامام في الفتوى والقضاء وإمامة المساجد، وشأن يختص بتقديم الخدمات المعيشية يولى للمعروف بأهليته، ومنح ذات مرة يهودي وزارة المالية.

alrashed@asharqalawsat.com