سمير
06-18-2005, 12:41 PM
عدنان حسين
عندما كنت اتابع ـ عبر فضائية «العراقية» ـ رئيس الحكومة العراقية الانتقالية السيد ابراهيم الاشيقر (الجعفري) وهو يقدم برنامج حكومته الى الجمعية الوطنية (البرلمان الانتقالي) في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، احتشدت في ذهني ذكريات ايام الروزخونية. وهؤلاء هم رجال دين شيعة من درجة ثالثة او رابعة، وربما ادنى، ينتشرون في المدن والقرى، في ايام شهر محرم خصوصا، لرواية قصص واقعة الطف التي استشهد فيها الامام الحسين بن علي ومعظم اهله واصحابه. ومقابل هذه «الخدمة» يقبض الروزخونية اجورهم المجزية نقدا، اضافة الى ما يتلقونه من عطايا عينية ذات قيمة.
وأكثر ما يميز خطب الروزخونية التي يلقونها من فوق المنابر انها انشائية ذات لغة عاطفية ومعلومات لا تخلو من المبالغة، استثارة لجمهور المستمعين واستدرارا لدموعهم حزنا على الامام الحسين وآل بيته وجلدا للذات ايضا، فالروزخونية لا يترددون في لوم اهل العراق عن خذلانهم الحسين (هل كان الامر كذلك حقا؟.. هذا موضوع آخر).
السيد الاشيقر، وهو ايضا روزخون ولكن من دون عمامة وجبّة ويصر على التمسك باسمه الحركي الطائفي (الجعفري)، قدّم برنامجا حكوميا طغت عليه اللغة الانشائية العمومية، وهذا ما لاحظه العديد من اعضاء الجمعية الوطنية الذين ناقشوا البرنامج الاسبوع الماضي واظهروا معايبه ونواقصه الكثيرة، بعضها خطير للغاية لانه يتجاوز على قانون ادارة الدولة (الدستور المؤقت) الذي تستمد حكومة الاشيقر (الجعفري) منه شرعيتها، ويتجاوز ـ بل يتنكر ـ ايضا على اتفاق الشراكة الحكومية بين «الائتلاف العراقي الموحد» الشيعي ذي الاغلبية غير الحاسمة في الجمعية الوطنية والتحالف الكردستاني الذي يشكل الكتلة الرئيسية الثانية في البرلمان.
برنامج أي حكومة يعكس شخصيتها. لكن البرنامج الذي قدمه السيد الاشيقر (الجعفري) انما عكس شخصيته هو، فمناقشات الجمعية الوطنية اظهرت ان رئيس الحكومة لم يعرض البرنامج على اعضاء حكومته، او ربما عرضه على بعضهم، وهم من خاصته وشركائه في «الائتلاف» الشيعي، فيما حجبه عن الشركاء الاخرين، وخصوصا وزراء التحالف الكردستاني.
هل هذا غريب على شخص مثل السيد الاشيقر (الجعفري)؟.. لا أظن. فالسيد الاشيقر غير معروف عنه انه رجل سياسة ديمقراطي، اذ لم نسمع انه عقد مؤتمرا عاما لحزبه «الدعوة الاسلامية» لانتخابه وسائر اعضاء القيادة. ومعروف عنه انه لا يطيق الديمقراطية ويتحسس كثيرا من الفيدرالية الى درجة انه اهمل في برنامج الحكومة معالجة قضية الفيدرالية وكركوك، وهما قضيتان أساسيتان تواجهان حكومته والعراق الجديد. وكان مكتبه قد حذف من القسم القانوني للوزراء الجملة التي تلزم بالعمل على تحقيق الفيدرالية. وتوج هذا كله بمقاطعة مراسم تنصيب السيد مسعود بارزاني رئيسا لاقليم كردستان.
واذا ما استعدنا الى الذاكرة ان حزب الدعوة الذي كان الحزب الاسلامي الاول في العراق تشرذم تحت قيادته وتراجعت شعبيته كثيرا، يتبدى لنا السيد الاشيقر (الجعفري) باعتباره ليس رجل دولة، او في الاقل هو ليس برجل الدولة الذي يحتاجه العراق في ظروفه المصيرية الصعبة الراهنة. انه روزخون من الطراز الاول قذفت به الظروف في طريق السياسة. وربما كان افضل للعراق ولـ«الائتلاف» الشيعي ان يكرس نفسه لرواية قصص واقعة الطف في ايام محرم.
a.hussein@asharqalawsat.com
عندما كنت اتابع ـ عبر فضائية «العراقية» ـ رئيس الحكومة العراقية الانتقالية السيد ابراهيم الاشيقر (الجعفري) وهو يقدم برنامج حكومته الى الجمعية الوطنية (البرلمان الانتقالي) في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، احتشدت في ذهني ذكريات ايام الروزخونية. وهؤلاء هم رجال دين شيعة من درجة ثالثة او رابعة، وربما ادنى، ينتشرون في المدن والقرى، في ايام شهر محرم خصوصا، لرواية قصص واقعة الطف التي استشهد فيها الامام الحسين بن علي ومعظم اهله واصحابه. ومقابل هذه «الخدمة» يقبض الروزخونية اجورهم المجزية نقدا، اضافة الى ما يتلقونه من عطايا عينية ذات قيمة.
وأكثر ما يميز خطب الروزخونية التي يلقونها من فوق المنابر انها انشائية ذات لغة عاطفية ومعلومات لا تخلو من المبالغة، استثارة لجمهور المستمعين واستدرارا لدموعهم حزنا على الامام الحسين وآل بيته وجلدا للذات ايضا، فالروزخونية لا يترددون في لوم اهل العراق عن خذلانهم الحسين (هل كان الامر كذلك حقا؟.. هذا موضوع آخر).
السيد الاشيقر، وهو ايضا روزخون ولكن من دون عمامة وجبّة ويصر على التمسك باسمه الحركي الطائفي (الجعفري)، قدّم برنامجا حكوميا طغت عليه اللغة الانشائية العمومية، وهذا ما لاحظه العديد من اعضاء الجمعية الوطنية الذين ناقشوا البرنامج الاسبوع الماضي واظهروا معايبه ونواقصه الكثيرة، بعضها خطير للغاية لانه يتجاوز على قانون ادارة الدولة (الدستور المؤقت) الذي تستمد حكومة الاشيقر (الجعفري) منه شرعيتها، ويتجاوز ـ بل يتنكر ـ ايضا على اتفاق الشراكة الحكومية بين «الائتلاف العراقي الموحد» الشيعي ذي الاغلبية غير الحاسمة في الجمعية الوطنية والتحالف الكردستاني الذي يشكل الكتلة الرئيسية الثانية في البرلمان.
برنامج أي حكومة يعكس شخصيتها. لكن البرنامج الذي قدمه السيد الاشيقر (الجعفري) انما عكس شخصيته هو، فمناقشات الجمعية الوطنية اظهرت ان رئيس الحكومة لم يعرض البرنامج على اعضاء حكومته، او ربما عرضه على بعضهم، وهم من خاصته وشركائه في «الائتلاف» الشيعي، فيما حجبه عن الشركاء الاخرين، وخصوصا وزراء التحالف الكردستاني.
هل هذا غريب على شخص مثل السيد الاشيقر (الجعفري)؟.. لا أظن. فالسيد الاشيقر غير معروف عنه انه رجل سياسة ديمقراطي، اذ لم نسمع انه عقد مؤتمرا عاما لحزبه «الدعوة الاسلامية» لانتخابه وسائر اعضاء القيادة. ومعروف عنه انه لا يطيق الديمقراطية ويتحسس كثيرا من الفيدرالية الى درجة انه اهمل في برنامج الحكومة معالجة قضية الفيدرالية وكركوك، وهما قضيتان أساسيتان تواجهان حكومته والعراق الجديد. وكان مكتبه قد حذف من القسم القانوني للوزراء الجملة التي تلزم بالعمل على تحقيق الفيدرالية. وتوج هذا كله بمقاطعة مراسم تنصيب السيد مسعود بارزاني رئيسا لاقليم كردستان.
واذا ما استعدنا الى الذاكرة ان حزب الدعوة الذي كان الحزب الاسلامي الاول في العراق تشرذم تحت قيادته وتراجعت شعبيته كثيرا، يتبدى لنا السيد الاشيقر (الجعفري) باعتباره ليس رجل دولة، او في الاقل هو ليس برجل الدولة الذي يحتاجه العراق في ظروفه المصيرية الصعبة الراهنة. انه روزخون من الطراز الاول قذفت به الظروف في طريق السياسة. وربما كان افضل للعراق ولـ«الائتلاف» الشيعي ان يكرس نفسه لرواية قصص واقعة الطف في ايام محرم.
a.hussein@asharqalawsat.com