على
06-17-2005, 02:22 PM
رضا الأعرجي
صديقي العزيز
ترددت كثيرا في الكتابة إليك، وتساءلت مرات ومرات عن جدوى الدخول في سجال عقيم لن يفضي إلى نتيجة.
أما التردد فمرده المفردات المعلبة التي توردها دائما في كتاباتك، ولأن من الصعب إقناع شخص متعصب مثلك بالحجة، فمأساة المتعصبين في كل مكان أنهم يغرقون في يقينيات جاهزة ويتبنونها ويدافعون عنها وقد يموتون من أجلها قبل أن يكتشفوا بطلانها وحجم الزيف الذي يلفها، ومن أولى هذه اليقينيات لديك وصم كل من يخالف الرأي أو الموقف بأنه عميل أمريكي وربما جاسوس من الموساد الإسرائيلي، إن لم يكن صفويا أو انبطاحيا.
وأما عن جدوى السجال، فلأننا من مدرستين فكريتين مختلفتين. فأنت من مدرسة رموزها طغاة ومستبدون وعسكريون انشغلوا في حبك المؤامرات بهدف القفز على كراسي الحكم بدعاوى الحفاظ على نقاء الدم العربي الأزرق من الشعوبية التي لها معناها الخاص في وطن مازالت تظلله سقيفة بني ساعدة، وأنا من مدرسة تؤمن أن الإنسان أيا كان جنسه أو لونه قيمة عليا، وان حقوقه مصانة بقوة الأفكار التي ناضل من أجلها رواد التنوير والنهضة، وكما ترى فان الفرق شاسع بين مدرسة منغلقة على عقد التاريخ والماضي ومدرسة تحترم العقل وتمتح من كل الآفاق.
لكنني، على كل حال، لا أصادر حقك في تقدير من تعتبرهم رموزا، كما أرجو أن لا تصادر حقي في اعتبار المستقبل هو الرمز الإنساني في عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.
وأسارع للقول أن الطائفية هي بعض مشكلاتنا الكثيرة المستعصية، وللأسف فأننا نعيش حالة من خداع الذات الجماعي، ونعتقد واهمين أننا لسنا طائفيين لكننا نعجز على أن نبرهن على صحة هذا الاعتقاد، ذلك أن الطائفية مرض لا يحس المصاب به بأية أعراض مثله مثل قصر القامة، إلا أنه مثل قصر القامة أيضا حقيقة تلازم صاحبها من الولادة وحتى الموت. ومهما حاول الطائفي أن يتستر على طائفيته فأنه، لا شعوريا، يفصح عنها.
لاحظ يا صديقي أننا خرجنا من العراق لنفس الأسباب، ولكنك محظوظ جدا كما لو كنت قد فزت برحلة سياحية، فبمجرد وصولك إلى الأردن تلقفك حزب معارض ثم هيأ لك السبيل لتقيم في عاصمة العالم، لندن، وتعيش في بحبوبة من الراحة والنعيم ما كان لك أن تعيشها حتى في الأحلام، لكنك تخليت عن هذا الحزب بعدما اكتشفت أن هدفه ليس إسقاط النظام وإنما إسقاط عهد بكامله وتدشين عهد جديد، في حين كنت تطمح فقط إلى أن يحل مكان صدام التكريتي صدام تكريتي آخر، وتبقى قواعد اللعبة كما هي: عائلة تحكم وتوزع المغانم على الأقارب والأحباب والموالين، أما حقوق الشعب فهي كما تقضي بذلك أعراف القبائل القومية، حق الطاعة وحق الصبر وحق الدفن في مقابر جماعية جديدة.
لقد دأبت، يا صديقي العزيز، منذ سقوط صنم الطاغية على الكتابة في صحف إذا كان يجهل مصدر أو مصادر تمويلها فإنها معروفة بتوجهاتها الطائفية والعنصرية، كما تعودت أن تأتي بأخبار وإشاعات مضللة على أنها معلومات دقيقة لا يرقى إليها الشك، وحتى لا أستطرد كثيرا، أقول أن كلينا عملا في حقل الإعلام، ونعرف جيدا أن هذا الحقل هو في الواقع مزرعة كبرى للدجل والأكاذيب، وقد جعل منه هتلر يوما ما قادرا على رؤية الجنة كجحيم والجحيم جنة، حيث يمكنه أيضا تصوير التعاسة تحت نظام مثل النظام الصدامي على أنها السعادة المطلقة، وبالتالي لا شأن للمكائن الإعلامية بالبحث عن الحقيقة.
ودونك فضائيات تدعي الرصانة والحياد لكنها بقليل من التمحيص ستجدها مسخرة لخدمة أنظمة هالها انهيار أشرس نظام قمعي في التاريخ كحفنة من الرمال لذا فهي تحاول الاحتماء بالرعاع أو ما يطلق عليهم مجازا الجماهير لدعم "شرعيتها" المتخيلة، أو للتشويش على ما أنجزه العراقيون خلال العامين الماضيين رغم ضآلته مقارنة بالتطلعات، حيث تزين جرائم الصداميين والسلفيين المرتزقة، وتلمع صورهم الدموية القبيحة لعرقلة مشروع النهوض من دمار الحروب وخراب الدكتاتورية.
والمفارقة، يا صديقي العزيز، انك تدعو إلى طرد الأمريكيين في وقت تبشرنا فيه بوجود حوار بينهم وبين من تدعوها بـ "المقاومة الشريفة"، فمن أصدق، دعوتك إلى طردهم أم تبشيرك بالحوار معهم؟
وكما تعلم، فإنني لست ممن ركب دبابة أمريكية، رغم أن لينين لم يخجل من ركوب قطار ألماني، ولا صفقت للقوات الأمريكية، ومع ذلك أدرك تماما أن الاحتلال مؤلم غير أن البدائل أسوأ، ففي حال خرج الأمريكيون سيعود شياطين البعث، وستنتفض دول الجوار، وقد أبعدت بمزيد من الإهانات، للتشفي والانتقام، وسيواجه العراقيون جميعا استحقاق حرب أهلية مازالت مؤجلة بالحكمة، وعندها ستتكوم الجثث في الشوارع من كل الطوائف والأديان.
وبالمناسبة، هل أنت مقتنع حقا بحكاية "المقاومة الشريفة" التي تقتل على الهوية، وتذبح الشيوخ والأطفال والنساء من أهلنا كل يوم، وتحطم ما تبقى من بيوتهم وتخرب منشآتهم المخربة أصلا؟
الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ 1967، والإسكندرونة تحت الاحتلال التركي منذ قرن تقريبا، فأين المقاومة السورية الشريفة؟
والضفة الغربية صارت جزء من الأراضي الإسرائيلية بما فيها القدس، فأين المقاومة الأردنية الشريفة؟
وقد مضى على احتلال أسبانيا لمدينتي سبته ومليلية أكثر من 400 عام، فأين المقاومة المغربية الشريفة؟
بمقدور كل واحد منا أن يضرب الأمثلة على المقاومة التي يريدها، وقد تأتيني بمثال الجزائر، لكنني أؤكد لك أن استقلال تونس الذي تم بالمقاومة السلمية كان أقل كلفة من استقلال بلد بني على أسطورة المليون شهيد، وان سيناء استرجعت بهذا الطريق، وعلى هذا الطريق تسلك الإمارات في سياستها لتحرير جزرها الثلاث من الاحتلال الإيراني. وهل ننسى مثال الهند؟ فلماذا خيار مقاومة مسلحة حصدت من أرواح العراقيين بما لا يقاس من الأمريكيين الذين تدعي أستهدفهم؟ وما هو الحد الفاصل، إذن، بين هذا النوع من المقاومة والإرهاب المنظم؟
لست بارعا، يا صديقي العزيز، في التستر على طائفيتك، وأصارحك القول أن خط قلمك سار بالخطأ، فلا أنت ولا أي واحد منا يستطيع الادعاء بنقاوة اعتقاده الروحاني أو العرقي، بل أن مثل هذا الادعاء يجر صاحبه اليوم إلى المحاكم الدولية الخاصة بمجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، والدعوة للعودة إلى سياسة الإخضاع التي مورست منذ قيام الدولة العراقية ليست سوى دعوة فاشية، وقد قبرت إلى الأبد بوضع الأغلال بيدي وقدمي صدام حسين، ولن تتكرر مطلقا حتى يشهد الجحيم يوما شديد البرودة، عدا أنها دعوة مفتوحة للفواجع.
صديقي العزيز
أخاطبك مخلصا، وأطلب منك أن تتعفف عن نصيبك من الأموال التي تغدقها حكومات لا تتمنى الخير للعراق ولا تهنأ إلا بتحوله إلى أنقاض، وأن تعود إلى وطنيتك بدل هذا الارتداد المؤسف إلى طائفيتك ولا أقول طائفتك، وأن تسخر قلمك لصيانة وحدة العراق بدل أن تسخرك صحف الطائفيين العنصريين لتفتيتها، وثق أنني سأكون معك في خندق واحد حتى رحيل آخر جندي أمريكي.
مع أطيب التحية
صديقي العزيز
ترددت كثيرا في الكتابة إليك، وتساءلت مرات ومرات عن جدوى الدخول في سجال عقيم لن يفضي إلى نتيجة.
أما التردد فمرده المفردات المعلبة التي توردها دائما في كتاباتك، ولأن من الصعب إقناع شخص متعصب مثلك بالحجة، فمأساة المتعصبين في كل مكان أنهم يغرقون في يقينيات جاهزة ويتبنونها ويدافعون عنها وقد يموتون من أجلها قبل أن يكتشفوا بطلانها وحجم الزيف الذي يلفها، ومن أولى هذه اليقينيات لديك وصم كل من يخالف الرأي أو الموقف بأنه عميل أمريكي وربما جاسوس من الموساد الإسرائيلي، إن لم يكن صفويا أو انبطاحيا.
وأما عن جدوى السجال، فلأننا من مدرستين فكريتين مختلفتين. فأنت من مدرسة رموزها طغاة ومستبدون وعسكريون انشغلوا في حبك المؤامرات بهدف القفز على كراسي الحكم بدعاوى الحفاظ على نقاء الدم العربي الأزرق من الشعوبية التي لها معناها الخاص في وطن مازالت تظلله سقيفة بني ساعدة، وأنا من مدرسة تؤمن أن الإنسان أيا كان جنسه أو لونه قيمة عليا، وان حقوقه مصانة بقوة الأفكار التي ناضل من أجلها رواد التنوير والنهضة، وكما ترى فان الفرق شاسع بين مدرسة منغلقة على عقد التاريخ والماضي ومدرسة تحترم العقل وتمتح من كل الآفاق.
لكنني، على كل حال، لا أصادر حقك في تقدير من تعتبرهم رموزا، كما أرجو أن لا تصادر حقي في اعتبار المستقبل هو الرمز الإنساني في عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات.
وأسارع للقول أن الطائفية هي بعض مشكلاتنا الكثيرة المستعصية، وللأسف فأننا نعيش حالة من خداع الذات الجماعي، ونعتقد واهمين أننا لسنا طائفيين لكننا نعجز على أن نبرهن على صحة هذا الاعتقاد، ذلك أن الطائفية مرض لا يحس المصاب به بأية أعراض مثله مثل قصر القامة، إلا أنه مثل قصر القامة أيضا حقيقة تلازم صاحبها من الولادة وحتى الموت. ومهما حاول الطائفي أن يتستر على طائفيته فأنه، لا شعوريا، يفصح عنها.
لاحظ يا صديقي أننا خرجنا من العراق لنفس الأسباب، ولكنك محظوظ جدا كما لو كنت قد فزت برحلة سياحية، فبمجرد وصولك إلى الأردن تلقفك حزب معارض ثم هيأ لك السبيل لتقيم في عاصمة العالم، لندن، وتعيش في بحبوبة من الراحة والنعيم ما كان لك أن تعيشها حتى في الأحلام، لكنك تخليت عن هذا الحزب بعدما اكتشفت أن هدفه ليس إسقاط النظام وإنما إسقاط عهد بكامله وتدشين عهد جديد، في حين كنت تطمح فقط إلى أن يحل مكان صدام التكريتي صدام تكريتي آخر، وتبقى قواعد اللعبة كما هي: عائلة تحكم وتوزع المغانم على الأقارب والأحباب والموالين، أما حقوق الشعب فهي كما تقضي بذلك أعراف القبائل القومية، حق الطاعة وحق الصبر وحق الدفن في مقابر جماعية جديدة.
لقد دأبت، يا صديقي العزيز، منذ سقوط صنم الطاغية على الكتابة في صحف إذا كان يجهل مصدر أو مصادر تمويلها فإنها معروفة بتوجهاتها الطائفية والعنصرية، كما تعودت أن تأتي بأخبار وإشاعات مضللة على أنها معلومات دقيقة لا يرقى إليها الشك، وحتى لا أستطرد كثيرا، أقول أن كلينا عملا في حقل الإعلام، ونعرف جيدا أن هذا الحقل هو في الواقع مزرعة كبرى للدجل والأكاذيب، وقد جعل منه هتلر يوما ما قادرا على رؤية الجنة كجحيم والجحيم جنة، حيث يمكنه أيضا تصوير التعاسة تحت نظام مثل النظام الصدامي على أنها السعادة المطلقة، وبالتالي لا شأن للمكائن الإعلامية بالبحث عن الحقيقة.
ودونك فضائيات تدعي الرصانة والحياد لكنها بقليل من التمحيص ستجدها مسخرة لخدمة أنظمة هالها انهيار أشرس نظام قمعي في التاريخ كحفنة من الرمال لذا فهي تحاول الاحتماء بالرعاع أو ما يطلق عليهم مجازا الجماهير لدعم "شرعيتها" المتخيلة، أو للتشويش على ما أنجزه العراقيون خلال العامين الماضيين رغم ضآلته مقارنة بالتطلعات، حيث تزين جرائم الصداميين والسلفيين المرتزقة، وتلمع صورهم الدموية القبيحة لعرقلة مشروع النهوض من دمار الحروب وخراب الدكتاتورية.
والمفارقة، يا صديقي العزيز، انك تدعو إلى طرد الأمريكيين في وقت تبشرنا فيه بوجود حوار بينهم وبين من تدعوها بـ "المقاومة الشريفة"، فمن أصدق، دعوتك إلى طردهم أم تبشيرك بالحوار معهم؟
وكما تعلم، فإنني لست ممن ركب دبابة أمريكية، رغم أن لينين لم يخجل من ركوب قطار ألماني، ولا صفقت للقوات الأمريكية، ومع ذلك أدرك تماما أن الاحتلال مؤلم غير أن البدائل أسوأ، ففي حال خرج الأمريكيون سيعود شياطين البعث، وستنتفض دول الجوار، وقد أبعدت بمزيد من الإهانات، للتشفي والانتقام، وسيواجه العراقيون جميعا استحقاق حرب أهلية مازالت مؤجلة بالحكمة، وعندها ستتكوم الجثث في الشوارع من كل الطوائف والأديان.
وبالمناسبة، هل أنت مقتنع حقا بحكاية "المقاومة الشريفة" التي تقتل على الهوية، وتذبح الشيوخ والأطفال والنساء من أهلنا كل يوم، وتحطم ما تبقى من بيوتهم وتخرب منشآتهم المخربة أصلا؟
الجولان تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ 1967، والإسكندرونة تحت الاحتلال التركي منذ قرن تقريبا، فأين المقاومة السورية الشريفة؟
والضفة الغربية صارت جزء من الأراضي الإسرائيلية بما فيها القدس، فأين المقاومة الأردنية الشريفة؟
وقد مضى على احتلال أسبانيا لمدينتي سبته ومليلية أكثر من 400 عام، فأين المقاومة المغربية الشريفة؟
بمقدور كل واحد منا أن يضرب الأمثلة على المقاومة التي يريدها، وقد تأتيني بمثال الجزائر، لكنني أؤكد لك أن استقلال تونس الذي تم بالمقاومة السلمية كان أقل كلفة من استقلال بلد بني على أسطورة المليون شهيد، وان سيناء استرجعت بهذا الطريق، وعلى هذا الطريق تسلك الإمارات في سياستها لتحرير جزرها الثلاث من الاحتلال الإيراني. وهل ننسى مثال الهند؟ فلماذا خيار مقاومة مسلحة حصدت من أرواح العراقيين بما لا يقاس من الأمريكيين الذين تدعي أستهدفهم؟ وما هو الحد الفاصل، إذن، بين هذا النوع من المقاومة والإرهاب المنظم؟
لست بارعا، يا صديقي العزيز، في التستر على طائفيتك، وأصارحك القول أن خط قلمك سار بالخطأ، فلا أنت ولا أي واحد منا يستطيع الادعاء بنقاوة اعتقاده الروحاني أو العرقي، بل أن مثل هذا الادعاء يجر صاحبه اليوم إلى المحاكم الدولية الخاصة بمجرمي الحرب ومرتكبي الجرائم ضد الإنسانية، والدعوة للعودة إلى سياسة الإخضاع التي مورست منذ قيام الدولة العراقية ليست سوى دعوة فاشية، وقد قبرت إلى الأبد بوضع الأغلال بيدي وقدمي صدام حسين، ولن تتكرر مطلقا حتى يشهد الجحيم يوما شديد البرودة، عدا أنها دعوة مفتوحة للفواجع.
صديقي العزيز
أخاطبك مخلصا، وأطلب منك أن تتعفف عن نصيبك من الأموال التي تغدقها حكومات لا تتمنى الخير للعراق ولا تهنأ إلا بتحوله إلى أنقاض، وأن تعود إلى وطنيتك بدل هذا الارتداد المؤسف إلى طائفيتك ولا أقول طائفتك، وأن تسخر قلمك لصيانة وحدة العراق بدل أن تسخرك صحف الطائفيين العنصريين لتفتيتها، وثق أنني سأكون معك في خندق واحد حتى رحيل آخر جندي أمريكي.
مع أطيب التحية