مطيع
09-11-2018, 04:23 PM
سبتمبر 7, 2018
http://www.mirataljazeera.org/wp-content/uploads/2018/09/71e2956e-f070-46ba-8d99-6094faaec971_16x9_600x338-600x330.jpg
تحليلات محمد قستي - مرآة الجزيره
بدأ عصر الإنهيار السعودي. هذا ليس مبالغة، ولا تفكير حالم. شهدت الفترة منذ ١٩٩٠ الى ٢٠١٧، عصر (الإنحدار السعودي)، وقد بدأ بشكل قليل غير محسوس، لم يتم ملاحظته إلا في المنعطفات الحادّة. لكن الانحدار تسارع بشكل كبير، ليشهد الان انهياراً سعودياً شبه شامل، للدولة بأجهزتها وسياساتها ورجالها. كان القلق حين استلم الملك سلمان الحكم قبل نحو أربع سنوات، من انهيار الدولة عظيما. وكانت النخبة النجدية قد شعرت بـ (قرب أجل) الدولة التي يحكمونها كأقلية منذ تأسيسها. كان هناك خياران: الإصلاح أو الإنهيار.
وتشاء الصدف ان هذا كان عنوان دراسة للاكاديمي الإصلاحي متروك الفالح عشية تفجيرات سبتمبر ٢٠٠١ وتداعياتها. ولمّا كان الإصلاح متعذّراً بسبب النزعة الأبوية والاستبدادية للنظام، وبسبب توازنات القوى داخل العائلة المالكة، وبسبب انتشار الفساد في كل مرافق الدولة ومؤسساتها، وبسبب استبعاد الإصلاح السياسي بالذات الذي هو مفتاح لكل الإصلاحات الأخرى..
لما كان هذا متعذّراً، حذّر كثيرون من انهيار الدولة. لكن، مع مجيء سلمان للحكم، اتخذ سياسات راديكالية داخلية وخارجية. فحسم الحكم داخل العائلة المالكة، وقيّد المؤسسة الدينية، وأطلق حروباً سياسية وعسكرية خارجية، وحملات اعتقال داخلية واسعة رافقتها اعدامات لم تشهد من حيث العدد مثيلا لها في تاريخ الدولة منذ قامت.. كل هذه الخطوات جعلت المحللين يستنتجون ان الملك سلمان يقوم بعملية خلاصية لإنقاذ (الدولة النجدية).
ومن هنا كان الإصطفاف ـ منقطع النظير ـ للنخبة النجدية، وراء جهاز الحكم، خوفاً من تذرّر سلطتها، وأملاً في إعادة هيبة الدولة ومكانتها، وإصلاح ما يمكن إصلاحه فيها، مع غض النظر عن الأخطاء في معركة اعتبروها وجودية. مثّل الملك سلمان، وابنه محمد، الأمل النجدي، في (إعادة السيطرة) على الدولة، وإبعاد شبح الإنهيار عنها.
لهذا كان التصفيق حاداً، والتأييد غير مشروط، رغم الهنّات هنا وهناك. فكل الخطوات التي قام بها الملك ـ بما فيها الإطاحة بمحمد بن نايف ـ غرضها، كما قال سلمان نفسه للمشايخ، انقاذ الدولة من الإنهيار. أو كما قال مقربون من ابن سلمان وهو نفسه، ان البلاد تواجه أزمة انهيار مالي (إفلاس). كل الخطوات التي اتخذت في سبيل إعادة الحياة لدولة سعودية معطوبة، كانت (سريعة ـ راديكالية) وكأنها تسابق الزمن، الى حد أن بعضهم اعتبر حكم سلمان تدشيناً (للدولة السعودية الرابعة).
من رحم هذه الصورة، تبيّن ان (عملية انقاذ الدولة السعودية) من مصيرها المحتوم يتطلب (التخفّف) من عبء الأيديولوجيا الوهابية، كما يتطلب سيطرة فردية على القرار واحتكاره، وتصفية ما تبقى من مراكز القوى. كما تطلبت عملية انقاذ الدولة المسعودة: إعادة هيكلة الاقتصاد، بل تغييره بشكل شامل: من اقتصاد ريعي، الى اقتصاد ضرائبي؛ كما تطلب ان يطلق ابن سلمان شعار مكافحة الفساد، لم يسفر الا عن (تشليح) ونهب علني لأموال رجال الأعمال. كانت هناك رؤية اطلقها محمد بن سلمان، لإنقاذ دولة آل سعود. لكنها لم تشمل على أيّ اصلاح سياسي، وإنْ تضمنت بعض القرارات الاجتماعية الإيجابية، لكنها قليلة لا تغير من واقع الخطر على الدولة نفسها.
سلمان وابنه، كما بقية آل سعود الماضين والحاليين، لا يؤمنون بالإصلاح السياسي؛ بل بعصا القمع. وقد نجحا في إخماد الأنفاس وفق تصور يقول بأن الإصلاح السياسي (المتضمن حدودا دنيا مثل انتخاب مجلس الشورى وشيء من حرية التعبير وحرية الصحافة) يعجّل بانهيار الدولة، وليس انقاذها. شهدنا في عهد سلمان القصير ـ حتى الآن ـ هجوماً عنيفاً على كل المستويات الداخلية والخارجية، وفي كل الميادين الاقتصادية والمالية والاستثمارية والاجتماعية والعسكرية والأمنية. انها حرب على كل الجبهات، وفي كل الميادين والحقول، وعلى كل الدول المترددة او المنافسة او العدوة، وعلى كل الأحزاب، وكل الطبقات الاجتماعية الداخلية.
هذه المعارك الكثيرة يقودها الملك وابنه لوحدهما. ليقنعا الشعب بأن المملكة تغيّرت، وأن عهد التراخي قد ذهب دون رجعة، وأنها تكتسح الميادين العلمية والتنموية لعيش افضل، وأن العهد عهد حزم وعزم وظفرات، وأن البلاد ستستعيد مكانتها الخارجية، وتعيد مسك وسائل القوة المحلية، وأن لا تراجع ولا تهاون ولا توقّف، ولا تردد في هذه المسيرة السلمانية المظفّرة. وعليه، فقد أصبحت السعودية الجديدة دولة عظمى، او هي (سعودية عظمى) كما يحلو للمؤيدين الترويج لها، وليس دولة تنهار او تترنّح بفعل الاستبداد والفساد والفشل الذي ضرب أطنابه واستوطن فيها! أربع سنوات حتى الآن مرّت على التجربة السلمانية. وهي تجربة مؤلمة فاشلة، زادت الوضع سوءً.
هي تجربة لا تؤسس لنهضة علمية او تنموية، كما يحكي الواقع. وهي تجربة فاشلة على الصعيد الخارجي، حيث لم تنجح إلا في زيادة الأعداء، ومضاعفة الخسائر، وفوقها سوء السمعة. وهي تجربة اثبتت فشلها العسكري، كما في اليمن، وليس فقط في الميدان السياسي (قطر/ سوريا/ العراق/ لبنان/ ايران). وهي تجربة لم تعالج أياً من مواطن الضعف والخطر للدولة، لا على مستوى شرعية النظام، ولا على مستوى وحدة صف الحكم، ولا على مستوى إيجاد بديل لأيديولوجيا الدولة، ولا على مستوى النهوض التعليمي، او تحسين مستوى الخدمات، او مكافحة البطالة، او مواجهة الفساد وغيرها. هي تجربة مرّة بحق. يمكن القول ان اخفاقاتها ـ الواضحة الآن ـ قد حوّلت (انحدار الدولة) الى مستنقع (انهيارها). ما تغيّر هو الحاكم. وأما النهج، فحتى لو تغيّر في بعض مفاصله،
فإنه انتهى الى فشل ذريع، كما الرؤية ٢٠٣٠ نفسها. لا أُفق امام محمد بن سلمان وأبيه الا الخسائر والهزائم، في كل ميدان اقتحمه (بكتائب تويتر المنتصرة)! اليأس من تحقيق نصر (غير السيطرة على الحكم) يزيد من حالة التوتر لسلمان وابنه، فيعوض عنه بالمزيد من القمع، الى حد الدعوة الى اعدام نساء، وليس فقط اعتقال العديد منهن، في عمل غير مسبوق تاريخياً. الشدّة والعنف وفتح الجبهات بلا إدراك لم تؤدّ الى نصر سعودي واحد، وهي تشهد خسائر متوالية.
مكمن الفشل السعودي في العهد السلماني يعود الى أمرين أساسيين: الأول ـ ان سلمان وابنه حازا سلطة لم يحزها ملك من قبل، اللهم الا الملك المؤسس. السلطة المطلقة، جاءت على انقاض مراكز القوى المدمّرة: (ابن نايف، ومتعب بن عبدالله وزير الحرس، والمؤسسة الدينية، والنخب الإصلاحية المتناثرة التي أودعت السجون). نعم.. احتكار القوة ساعد على تسريع القرارات في ظرف سياسي صعب، لكنها لم تكن قرارات حكيمة، ولا من استلم الحكم استطاع إيفاء المناصب التي يتولاها (عسكرية وسياسية وأمنية ورياضية واجتماعية ومالية واقتصادية ونفطية).. حقها.
ليس هناك أدنى تنوع في صناعة القرار السعودي. ولا يوجد أي هامش لآراء مختلفة حتى لمجرد عرضها، ولا عقلية ابن سلمان وابنه تقبل برأي مستشاريه، فالإسم مستشار، والواقع (طبّال)! الثاني ـ لم يحدث في تاريخ السعودية، ان حاز شخص مثل محمد بن سلمان سلطة بدون خبرة في العمل الحكومي، او تدرج في العمل ليصل الى ما وصل اليه. فالشاب الأرعن كان مجرد خريج جامعة (ربما لم يحضر درساً فيها) على المرتبة السادسة، وفجأة اصبح وزير دفاع، ومسؤول كل الوزارات التي تعنى بالشؤون الاقتصادية والتنموية والخدمية، وما هي الا اشهر إلا واصبح الرجل الثالث في الدولة، وبعد ذلك بعام اصبح ولياً للعهد، بيده كل سلطات أبيه الذي يقوم بتسديده من وراء المشهد! فماذا يمكن لشاب عرفت عنه الرعونة، وبقليل من الخبرة، أن يفعل بسلطة ضخمة غير مسبوقة وفي كل الميادين؟! سيكون دوره دور الطفل العابث حين تقدم له كومة من أوراق النقد، لا يفقه معناها ولا يفهم ماذا يفعل بها. الغريب ان جون فيلبي، مستشار ابن سعود ـ جد محمد بن سلمان ـ وصف ذلك الجد في آخر أيامه، حين بدأت ثروة النفط بالتدفق، بأنه وجده كالطفل يعبث بكومة من النقد.
ومادام المطبلون يقولون عن ابن سلمان بأنه يشبه جده في الملامح والعزيمة والعبقرية، فهو يقدم نموذجاً أسوأ، بل لا يقارن بجده الذي أسس دولة. الآن.. وصلت المملكة النجدية الى طريقها المسدود، ولا أفق لنجاح أمامها بشكل شبه شامل، وفي معظم الميادين تقريباً. لا أحد ينتظر عبقرية عسكرية تحقق نصراً في اليمن تحت قيادة وزير الدفاع محمد بن سلمان! ولا احد يتوقع معجزة اقتصادية يقترفها وفق رؤيته العمياء!
ولا أحد يتوقع اصلاحاً سياسيا في أدنى تعبيراته، ونحن نرى الاعدامات، والقتل تحت التعذيب (كما حدث مؤخراً للشيخ سليمان الدويش)، كما ونرى موجة الاعتقالات مستمرة. ولا أحد فيما نظن يعتقد بأن مستواه المعيشي سيتحسن في وقت قريب، بل الجميع شدّ الحزام، وسيشدّ اكثر فأكثر، ودونما أمل حتى بتطوير الخدمات الأولية التعليمية والصحية وغيرها. المملكة السعودية غير صالحة للسكنى، ومؤشرات الأمم المتحدة تتحدث عن تصاعد أعداد اللاجئين السعوديين بأضعاف مضاعفة!
واذا كان قد تمّ تأمين الوضع المالي وخرجت الدولة من دائرة الخطر ولو مؤقتاً، فذلك ليس بفضل مكافحة الفساد، ولا بارتفاع أسعار النفط النسبي، ولا بسبب ترشيد الانفاق، بقدر ما كان بسبب زيادة الضرائب، التي تم تحميل المواطنين عبئها. المملكة تخسر ما تبقى لها من نفوذ خارجي، تحاول معالجته بالمزيد من المعارك السياسية والعسكرية.. ولعل آخرها الكويت التي لم تستبعد هجوماً سعودياً عسكريا عليها ـ كما في تقرير من الديوان الأميري! فتحت الرياض معركة مع ماليزيا عن بُعد. والآن مع تركيا وايران، وغداً مع باكستان عمران خان، وستليها أندونيسيا، فعن أي زعامة إسلامية للسعودية يزعم الزاعمون؟
وعن أي زعامة خليجية لها وهي تواجه قطر وسلطنة عمان والكويت؟ وعن أي زعامة عربية وهي غير قادرة على فرضها حتى على لبنان او الأردن، فضلاً عن غيرهما؟
السعودية المعزولة البائسة لا تنتظر ثورة شعبية. هي بعيدة عن ذلك. والسبب ان آل سعود قد قتلوا البدائل السياسية وهي أجنّة في الرحم، ما يجعل الفوضى وعدم الاستقرار هي المستقبل. الهزائم الخارجية سياسية وعسكرية، والفشل الاقتصادي الداخلي، والصراع مع كل التيارات مشفوعاً بالعنف الأعمى، بدأت ارتداداتها في الظهور. الزمن سيعلّم (الأرعن) ابن سلمان، أن طريقه خاطئ، لأن من الصعب على الرعناء التراجع سريعاً عن الأخطاء. وصعب عليهم ابصار الطريق المسدود قبل الاصطدام به.
حتى بعد الإصطدام يظن الأرعن انه يستطيع ان يشق طريقه عبر تحطيم ما يعترضه. الأمل بإيقاف انحدار الدولة السعودية على يد سلمان وابنه، تحوّل الى انتكاسة باتجاه الإنهيار العظيم!
مرآة الجزيرة
http://www.mirataljazeera.org/24262/%d9%88%d8%af%d8%ae%d9%84%d9%86%d8%a7-%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d9%87%d9%8a%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a/
http://www.mirataljazeera.org/wp-content/uploads/2018/09/71e2956e-f070-46ba-8d99-6094faaec971_16x9_600x338-600x330.jpg
تحليلات محمد قستي - مرآة الجزيره
بدأ عصر الإنهيار السعودي. هذا ليس مبالغة، ولا تفكير حالم. شهدت الفترة منذ ١٩٩٠ الى ٢٠١٧، عصر (الإنحدار السعودي)، وقد بدأ بشكل قليل غير محسوس، لم يتم ملاحظته إلا في المنعطفات الحادّة. لكن الانحدار تسارع بشكل كبير، ليشهد الان انهياراً سعودياً شبه شامل، للدولة بأجهزتها وسياساتها ورجالها. كان القلق حين استلم الملك سلمان الحكم قبل نحو أربع سنوات، من انهيار الدولة عظيما. وكانت النخبة النجدية قد شعرت بـ (قرب أجل) الدولة التي يحكمونها كأقلية منذ تأسيسها. كان هناك خياران: الإصلاح أو الإنهيار.
وتشاء الصدف ان هذا كان عنوان دراسة للاكاديمي الإصلاحي متروك الفالح عشية تفجيرات سبتمبر ٢٠٠١ وتداعياتها. ولمّا كان الإصلاح متعذّراً بسبب النزعة الأبوية والاستبدادية للنظام، وبسبب توازنات القوى داخل العائلة المالكة، وبسبب انتشار الفساد في كل مرافق الدولة ومؤسساتها، وبسبب استبعاد الإصلاح السياسي بالذات الذي هو مفتاح لكل الإصلاحات الأخرى..
لما كان هذا متعذّراً، حذّر كثيرون من انهيار الدولة. لكن، مع مجيء سلمان للحكم، اتخذ سياسات راديكالية داخلية وخارجية. فحسم الحكم داخل العائلة المالكة، وقيّد المؤسسة الدينية، وأطلق حروباً سياسية وعسكرية خارجية، وحملات اعتقال داخلية واسعة رافقتها اعدامات لم تشهد من حيث العدد مثيلا لها في تاريخ الدولة منذ قامت.. كل هذه الخطوات جعلت المحللين يستنتجون ان الملك سلمان يقوم بعملية خلاصية لإنقاذ (الدولة النجدية).
ومن هنا كان الإصطفاف ـ منقطع النظير ـ للنخبة النجدية، وراء جهاز الحكم، خوفاً من تذرّر سلطتها، وأملاً في إعادة هيبة الدولة ومكانتها، وإصلاح ما يمكن إصلاحه فيها، مع غض النظر عن الأخطاء في معركة اعتبروها وجودية. مثّل الملك سلمان، وابنه محمد، الأمل النجدي، في (إعادة السيطرة) على الدولة، وإبعاد شبح الإنهيار عنها.
لهذا كان التصفيق حاداً، والتأييد غير مشروط، رغم الهنّات هنا وهناك. فكل الخطوات التي قام بها الملك ـ بما فيها الإطاحة بمحمد بن نايف ـ غرضها، كما قال سلمان نفسه للمشايخ، انقاذ الدولة من الإنهيار. أو كما قال مقربون من ابن سلمان وهو نفسه، ان البلاد تواجه أزمة انهيار مالي (إفلاس). كل الخطوات التي اتخذت في سبيل إعادة الحياة لدولة سعودية معطوبة، كانت (سريعة ـ راديكالية) وكأنها تسابق الزمن، الى حد أن بعضهم اعتبر حكم سلمان تدشيناً (للدولة السعودية الرابعة).
من رحم هذه الصورة، تبيّن ان (عملية انقاذ الدولة السعودية) من مصيرها المحتوم يتطلب (التخفّف) من عبء الأيديولوجيا الوهابية، كما يتطلب سيطرة فردية على القرار واحتكاره، وتصفية ما تبقى من مراكز القوى. كما تطلبت عملية انقاذ الدولة المسعودة: إعادة هيكلة الاقتصاد، بل تغييره بشكل شامل: من اقتصاد ريعي، الى اقتصاد ضرائبي؛ كما تطلب ان يطلق ابن سلمان شعار مكافحة الفساد، لم يسفر الا عن (تشليح) ونهب علني لأموال رجال الأعمال. كانت هناك رؤية اطلقها محمد بن سلمان، لإنقاذ دولة آل سعود. لكنها لم تشمل على أيّ اصلاح سياسي، وإنْ تضمنت بعض القرارات الاجتماعية الإيجابية، لكنها قليلة لا تغير من واقع الخطر على الدولة نفسها.
سلمان وابنه، كما بقية آل سعود الماضين والحاليين، لا يؤمنون بالإصلاح السياسي؛ بل بعصا القمع. وقد نجحا في إخماد الأنفاس وفق تصور يقول بأن الإصلاح السياسي (المتضمن حدودا دنيا مثل انتخاب مجلس الشورى وشيء من حرية التعبير وحرية الصحافة) يعجّل بانهيار الدولة، وليس انقاذها. شهدنا في عهد سلمان القصير ـ حتى الآن ـ هجوماً عنيفاً على كل المستويات الداخلية والخارجية، وفي كل الميادين الاقتصادية والمالية والاستثمارية والاجتماعية والعسكرية والأمنية. انها حرب على كل الجبهات، وفي كل الميادين والحقول، وعلى كل الدول المترددة او المنافسة او العدوة، وعلى كل الأحزاب، وكل الطبقات الاجتماعية الداخلية.
هذه المعارك الكثيرة يقودها الملك وابنه لوحدهما. ليقنعا الشعب بأن المملكة تغيّرت، وأن عهد التراخي قد ذهب دون رجعة، وأنها تكتسح الميادين العلمية والتنموية لعيش افضل، وأن العهد عهد حزم وعزم وظفرات، وأن البلاد ستستعيد مكانتها الخارجية، وتعيد مسك وسائل القوة المحلية، وأن لا تراجع ولا تهاون ولا توقّف، ولا تردد في هذه المسيرة السلمانية المظفّرة. وعليه، فقد أصبحت السعودية الجديدة دولة عظمى، او هي (سعودية عظمى) كما يحلو للمؤيدين الترويج لها، وليس دولة تنهار او تترنّح بفعل الاستبداد والفساد والفشل الذي ضرب أطنابه واستوطن فيها! أربع سنوات حتى الآن مرّت على التجربة السلمانية. وهي تجربة مؤلمة فاشلة، زادت الوضع سوءً.
هي تجربة لا تؤسس لنهضة علمية او تنموية، كما يحكي الواقع. وهي تجربة فاشلة على الصعيد الخارجي، حيث لم تنجح إلا في زيادة الأعداء، ومضاعفة الخسائر، وفوقها سوء السمعة. وهي تجربة اثبتت فشلها العسكري، كما في اليمن، وليس فقط في الميدان السياسي (قطر/ سوريا/ العراق/ لبنان/ ايران). وهي تجربة لم تعالج أياً من مواطن الضعف والخطر للدولة، لا على مستوى شرعية النظام، ولا على مستوى وحدة صف الحكم، ولا على مستوى إيجاد بديل لأيديولوجيا الدولة، ولا على مستوى النهوض التعليمي، او تحسين مستوى الخدمات، او مكافحة البطالة، او مواجهة الفساد وغيرها. هي تجربة مرّة بحق. يمكن القول ان اخفاقاتها ـ الواضحة الآن ـ قد حوّلت (انحدار الدولة) الى مستنقع (انهيارها). ما تغيّر هو الحاكم. وأما النهج، فحتى لو تغيّر في بعض مفاصله،
فإنه انتهى الى فشل ذريع، كما الرؤية ٢٠٣٠ نفسها. لا أُفق امام محمد بن سلمان وأبيه الا الخسائر والهزائم، في كل ميدان اقتحمه (بكتائب تويتر المنتصرة)! اليأس من تحقيق نصر (غير السيطرة على الحكم) يزيد من حالة التوتر لسلمان وابنه، فيعوض عنه بالمزيد من القمع، الى حد الدعوة الى اعدام نساء، وليس فقط اعتقال العديد منهن، في عمل غير مسبوق تاريخياً. الشدّة والعنف وفتح الجبهات بلا إدراك لم تؤدّ الى نصر سعودي واحد، وهي تشهد خسائر متوالية.
مكمن الفشل السعودي في العهد السلماني يعود الى أمرين أساسيين: الأول ـ ان سلمان وابنه حازا سلطة لم يحزها ملك من قبل، اللهم الا الملك المؤسس. السلطة المطلقة، جاءت على انقاض مراكز القوى المدمّرة: (ابن نايف، ومتعب بن عبدالله وزير الحرس، والمؤسسة الدينية، والنخب الإصلاحية المتناثرة التي أودعت السجون). نعم.. احتكار القوة ساعد على تسريع القرارات في ظرف سياسي صعب، لكنها لم تكن قرارات حكيمة، ولا من استلم الحكم استطاع إيفاء المناصب التي يتولاها (عسكرية وسياسية وأمنية ورياضية واجتماعية ومالية واقتصادية ونفطية).. حقها.
ليس هناك أدنى تنوع في صناعة القرار السعودي. ولا يوجد أي هامش لآراء مختلفة حتى لمجرد عرضها، ولا عقلية ابن سلمان وابنه تقبل برأي مستشاريه، فالإسم مستشار، والواقع (طبّال)! الثاني ـ لم يحدث في تاريخ السعودية، ان حاز شخص مثل محمد بن سلمان سلطة بدون خبرة في العمل الحكومي، او تدرج في العمل ليصل الى ما وصل اليه. فالشاب الأرعن كان مجرد خريج جامعة (ربما لم يحضر درساً فيها) على المرتبة السادسة، وفجأة اصبح وزير دفاع، ومسؤول كل الوزارات التي تعنى بالشؤون الاقتصادية والتنموية والخدمية، وما هي الا اشهر إلا واصبح الرجل الثالث في الدولة، وبعد ذلك بعام اصبح ولياً للعهد، بيده كل سلطات أبيه الذي يقوم بتسديده من وراء المشهد! فماذا يمكن لشاب عرفت عنه الرعونة، وبقليل من الخبرة، أن يفعل بسلطة ضخمة غير مسبوقة وفي كل الميادين؟! سيكون دوره دور الطفل العابث حين تقدم له كومة من أوراق النقد، لا يفقه معناها ولا يفهم ماذا يفعل بها. الغريب ان جون فيلبي، مستشار ابن سعود ـ جد محمد بن سلمان ـ وصف ذلك الجد في آخر أيامه، حين بدأت ثروة النفط بالتدفق، بأنه وجده كالطفل يعبث بكومة من النقد.
ومادام المطبلون يقولون عن ابن سلمان بأنه يشبه جده في الملامح والعزيمة والعبقرية، فهو يقدم نموذجاً أسوأ، بل لا يقارن بجده الذي أسس دولة. الآن.. وصلت المملكة النجدية الى طريقها المسدود، ولا أفق لنجاح أمامها بشكل شبه شامل، وفي معظم الميادين تقريباً. لا أحد ينتظر عبقرية عسكرية تحقق نصراً في اليمن تحت قيادة وزير الدفاع محمد بن سلمان! ولا احد يتوقع معجزة اقتصادية يقترفها وفق رؤيته العمياء!
ولا أحد يتوقع اصلاحاً سياسيا في أدنى تعبيراته، ونحن نرى الاعدامات، والقتل تحت التعذيب (كما حدث مؤخراً للشيخ سليمان الدويش)، كما ونرى موجة الاعتقالات مستمرة. ولا أحد فيما نظن يعتقد بأن مستواه المعيشي سيتحسن في وقت قريب، بل الجميع شدّ الحزام، وسيشدّ اكثر فأكثر، ودونما أمل حتى بتطوير الخدمات الأولية التعليمية والصحية وغيرها. المملكة السعودية غير صالحة للسكنى، ومؤشرات الأمم المتحدة تتحدث عن تصاعد أعداد اللاجئين السعوديين بأضعاف مضاعفة!
واذا كان قد تمّ تأمين الوضع المالي وخرجت الدولة من دائرة الخطر ولو مؤقتاً، فذلك ليس بفضل مكافحة الفساد، ولا بارتفاع أسعار النفط النسبي، ولا بسبب ترشيد الانفاق، بقدر ما كان بسبب زيادة الضرائب، التي تم تحميل المواطنين عبئها. المملكة تخسر ما تبقى لها من نفوذ خارجي، تحاول معالجته بالمزيد من المعارك السياسية والعسكرية.. ولعل آخرها الكويت التي لم تستبعد هجوماً سعودياً عسكريا عليها ـ كما في تقرير من الديوان الأميري! فتحت الرياض معركة مع ماليزيا عن بُعد. والآن مع تركيا وايران، وغداً مع باكستان عمران خان، وستليها أندونيسيا، فعن أي زعامة إسلامية للسعودية يزعم الزاعمون؟
وعن أي زعامة خليجية لها وهي تواجه قطر وسلطنة عمان والكويت؟ وعن أي زعامة عربية وهي غير قادرة على فرضها حتى على لبنان او الأردن، فضلاً عن غيرهما؟
السعودية المعزولة البائسة لا تنتظر ثورة شعبية. هي بعيدة عن ذلك. والسبب ان آل سعود قد قتلوا البدائل السياسية وهي أجنّة في الرحم، ما يجعل الفوضى وعدم الاستقرار هي المستقبل. الهزائم الخارجية سياسية وعسكرية، والفشل الاقتصادي الداخلي، والصراع مع كل التيارات مشفوعاً بالعنف الأعمى، بدأت ارتداداتها في الظهور. الزمن سيعلّم (الأرعن) ابن سلمان، أن طريقه خاطئ، لأن من الصعب على الرعناء التراجع سريعاً عن الأخطاء. وصعب عليهم ابصار الطريق المسدود قبل الاصطدام به.
حتى بعد الإصطدام يظن الأرعن انه يستطيع ان يشق طريقه عبر تحطيم ما يعترضه. الأمل بإيقاف انحدار الدولة السعودية على يد سلمان وابنه، تحوّل الى انتكاسة باتجاه الإنهيار العظيم!
مرآة الجزيرة
http://www.mirataljazeera.org/24262/%d9%88%d8%af%d8%ae%d9%84%d9%86%d8%a7-%d8%b9%d8%b5%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d9%87%d9%8a%d8%a7%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a/