فصيح
09-06-2018, 11:07 PM
د. حمد الأنصاري - الراي
04 سبتمبر 2018
http://www.alraimedia.com/media/58e89cc5-e7ca-470f-9a18-cd59f3dd0ba9/hoKvMg/Photos/Y-2018/M-09/D-04/d87aaa82-1721-4a98-be5a-89142defbbce/20180903155900598.jpg
قبل عامين -وتحديداً في ديسمبر 2016- اعتمد المشاركون في الدورة 20 لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية قرار اختيار الكويت كعاصمة للثقافة العربية للعام 2022، أي أن الكويت بعد أربعة أعوام من الآن ستكون عاصمة الثقافة العربية، ويبدو لي أن حكومتنا الرشيدة تستعد لهذا الحدث المميز بشكل استثنائي «كالعادة»، من خلال منعها للعديد من الكتب التي سبق أن أجازتها وتم تداولها خلال العقود الماضية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها منع الكتب في الكويت، بل يكاد لا يخلو معرض الكتاب في الكويت سنوياً من الوقفات الاحتجاجية الرافضة لمنع الكتب، هذا المنع الذي لا أجد له أي مبرر منطقي في ظل التطور التكنولوجي الهائل وسهولة الوصول للمعلومة عبر فضاء الانترنت، لم يعد يقتصر على الكتب الحديثة، بل أصبح يضم كتباً كانت متداولة سابقاً من دون أي مشاكل، فأنا لا أتحدث عن كتب حرمتنا الرقابة المسبقة منها، كرواية «فئران أمي حصة» للكاتب الكويتي المبدع سعود السنعوسي؛ التي لو كان الأمر بيدي لأدرجتها في مناهج وزارة التربية كمقرر إلزامي يحذر الأجيال المقبلة من خطورة التعصب الطائفي، لكنني أعتقد أن الأمر تعدى مرحلة التعسف في الرقابة المسبقة ليصل لمرحلة منع كتب وروايات سبق إجازتها من الاعلام، وتم تداولها في المكتبات على مدى عشرات السنين؛ كرواية «مئة عام من العزلة» وكتاب «نهج البلاغة».
المحزن في الأمر أن الكويت التي عرفت بريادتها في المجال الثقافي على مستوى المنطقة أصبحت اليوم طاردة للثقافة والمثقفين، في وقت نجد فيه الدول المحيطة تتجه نحو مزيد من الانفتاح، فالكويت احتضنت العديد من المثقفين العرب في فترة النهضة، فكانت صحفنا ومحطاتنا الاذاعية والتلفزيونية هي المتنفس لتلك الشخصيات الثقافية والفنية والسياسية كالشاعر العراقي أحمد مطر ورسام الكاريكاتور الشهيد ناجي العلي والعديد من الشخصيات الثقافية، أما اليوم نجد الكويت تمنع دخول المفكرين والمثقفين، الأحياء منهم والأموات، حيث طالب معالي وزير الاعلام الحالي عندما كان نائباً قبل أربعة أعوام بمنع كتب الشاعر جلال الدين الرومي المتوفى في العام 1273م من الدخول للكويت، فلنا أن نتخيل وضع الكويت الثقافي في ظل عقلية حكومتنا الرشيدة.
إن الثقافة والفنون والآداب تعتبر من المقومات الأساسية للمجتمعات بل ويعتبر تطورها مؤشراً على تطور المجتمع، وقد أكد الدستور على أهمية العلوم والآداب والفنون في المادة 14 حيث نص على رعاية الدولة لها وتشجيعها، إلا أن ما يحدث اليوم هو استمرار لنهج السلطة في التعدي على الدستور وعلى الحريات التي كفلها، بل أكاد أجزم أن ما يحدث هو جزء من مخطط مدروس الهدف منه تغييب وعي المجتمع واشغاله بتوافه الأمور وتحويله إلى مجتمع استهلاكي غير منتج، ففي الوقت الذي تمنع فيه الحكومة الكتب الفلسفية والفكرية من دخول الكويت، كما تمنع دخول بعض المفكرين والمثقفين، نجدها تروج للثقافة الاستهلاكية وتغييب وعي الناس من خلال إلهائهم بآخر صرعات الموضة والماركات العالمية.
إن ما يحدث اليوم من منع للكتب أو تضييق على المثقفين قد تعدى مرحلة التعسف في الرقابة ووصل لمرحلة الحجر على العقول والحريات، وهي بالتأكيد ردة وتراجع مخيفان سينعكسان سلباً على المجتمع، وعلى الحكومة أن تستوعب أن منعها للكتب في زمن الانترنت ليس إلا نكتة سمجة تجعل منها أضحوكة أمام العالم، كما يجب عليها أن تعي بأن هذه العقلية التي تريد منع جلال الدين الرومي من دخول الكويت لن تتمكن من جعل الكويت عاصمة الثقافة العربية، بل ربما عاصمة المنع بامتياز!
dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari
04 سبتمبر 2018
http://www.alraimedia.com/media/58e89cc5-e7ca-470f-9a18-cd59f3dd0ba9/hoKvMg/Photos/Y-2018/M-09/D-04/d87aaa82-1721-4a98-be5a-89142defbbce/20180903155900598.jpg
قبل عامين -وتحديداً في ديسمبر 2016- اعتمد المشاركون في الدورة 20 لمؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية قرار اختيار الكويت كعاصمة للثقافة العربية للعام 2022، أي أن الكويت بعد أربعة أعوام من الآن ستكون عاصمة الثقافة العربية، ويبدو لي أن حكومتنا الرشيدة تستعد لهذا الحدث المميز بشكل استثنائي «كالعادة»، من خلال منعها للعديد من الكتب التي سبق أن أجازتها وتم تداولها خلال العقود الماضية.
ليست هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها منع الكتب في الكويت، بل يكاد لا يخلو معرض الكتاب في الكويت سنوياً من الوقفات الاحتجاجية الرافضة لمنع الكتب، هذا المنع الذي لا أجد له أي مبرر منطقي في ظل التطور التكنولوجي الهائل وسهولة الوصول للمعلومة عبر فضاء الانترنت، لم يعد يقتصر على الكتب الحديثة، بل أصبح يضم كتباً كانت متداولة سابقاً من دون أي مشاكل، فأنا لا أتحدث عن كتب حرمتنا الرقابة المسبقة منها، كرواية «فئران أمي حصة» للكاتب الكويتي المبدع سعود السنعوسي؛ التي لو كان الأمر بيدي لأدرجتها في مناهج وزارة التربية كمقرر إلزامي يحذر الأجيال المقبلة من خطورة التعصب الطائفي، لكنني أعتقد أن الأمر تعدى مرحلة التعسف في الرقابة المسبقة ليصل لمرحلة منع كتب وروايات سبق إجازتها من الاعلام، وتم تداولها في المكتبات على مدى عشرات السنين؛ كرواية «مئة عام من العزلة» وكتاب «نهج البلاغة».
المحزن في الأمر أن الكويت التي عرفت بريادتها في المجال الثقافي على مستوى المنطقة أصبحت اليوم طاردة للثقافة والمثقفين، في وقت نجد فيه الدول المحيطة تتجه نحو مزيد من الانفتاح، فالكويت احتضنت العديد من المثقفين العرب في فترة النهضة، فكانت صحفنا ومحطاتنا الاذاعية والتلفزيونية هي المتنفس لتلك الشخصيات الثقافية والفنية والسياسية كالشاعر العراقي أحمد مطر ورسام الكاريكاتور الشهيد ناجي العلي والعديد من الشخصيات الثقافية، أما اليوم نجد الكويت تمنع دخول المفكرين والمثقفين، الأحياء منهم والأموات، حيث طالب معالي وزير الاعلام الحالي عندما كان نائباً قبل أربعة أعوام بمنع كتب الشاعر جلال الدين الرومي المتوفى في العام 1273م من الدخول للكويت، فلنا أن نتخيل وضع الكويت الثقافي في ظل عقلية حكومتنا الرشيدة.
إن الثقافة والفنون والآداب تعتبر من المقومات الأساسية للمجتمعات بل ويعتبر تطورها مؤشراً على تطور المجتمع، وقد أكد الدستور على أهمية العلوم والآداب والفنون في المادة 14 حيث نص على رعاية الدولة لها وتشجيعها، إلا أن ما يحدث اليوم هو استمرار لنهج السلطة في التعدي على الدستور وعلى الحريات التي كفلها، بل أكاد أجزم أن ما يحدث هو جزء من مخطط مدروس الهدف منه تغييب وعي المجتمع واشغاله بتوافه الأمور وتحويله إلى مجتمع استهلاكي غير منتج، ففي الوقت الذي تمنع فيه الحكومة الكتب الفلسفية والفكرية من دخول الكويت، كما تمنع دخول بعض المفكرين والمثقفين، نجدها تروج للثقافة الاستهلاكية وتغييب وعي الناس من خلال إلهائهم بآخر صرعات الموضة والماركات العالمية.
إن ما يحدث اليوم من منع للكتب أو تضييق على المثقفين قد تعدى مرحلة التعسف في الرقابة ووصل لمرحلة الحجر على العقول والحريات، وهي بالتأكيد ردة وتراجع مخيفان سينعكسان سلباً على المجتمع، وعلى الحكومة أن تستوعب أن منعها للكتب في زمن الانترنت ليس إلا نكتة سمجة تجعل منها أضحوكة أمام العالم، كما يجب عليها أن تعي بأن هذه العقلية التي تريد منع جلال الدين الرومي من دخول الكويت لن تتمكن من جعل الكويت عاصمة الثقافة العربية، بل ربما عاصمة المنع بامتياز!
dr.hamad.alansari@gmail.com
twitter: @h_alansari