yasmeen
06-17-2005, 01:42 AM
«صدام الحضارات» كتاب لا يكف بن لادن عن قراءته
إبراهيم الخطيب
أكدت تفجيرات مدريد والرياض ونيويورك والدار البيضاء، وتفكيك الخلايا المسؤولة عنها هنا وهناك، ان هذه الحوادث لم تكن جرائم معزولة، وان العالم يواجه فعلا تهديدا ارهابيا غير محصور في الزمان ولا في المكان، ولمواجهة هذا التهديد لا بد من القيام بتحليل مناسب لتجلياته واسبابه، وذلك ما سعى اليه الناشط السياسي الاسباني غوستاودي اريستيغي، وهو نائب برلماني عن الحزب الشعبي المعارض ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الاسباني، في كتابه «اصولية ضد الاسلام». وتتجلى الاسس التي قام عليها هذا الكتاب في اعتماده على مفهومين اثنين:
المفهوم الاول يؤكد انه لفهم الارهاب الجهادي، الذي يسمى خطأ اسلامياً، لا بد من الانطلاق في الايديولوجيا التي تدعمه، اي من الاصولية الراديكالية. فيما يؤكد المفهوم الثاني انه لا يجب باي حال من الاحوال الخلط بين الاصولية وبين الاسلام، الذي يعتبر احد اعظم الديانات الانسانية. في هذا الصدد لا يشاطر المؤلف الرأي القائل بان الارهاب الجهادي يشكل تعبيرا لا مفر منه عن الصراع بين الاسلام والغرب، كما لا يستلطف اطروحة «هانتنغتن» المتصلة بنفس التحليل حيث يؤكد، بصورة ساخرة، ان الكتاب الذي لا يكف بن لادن، عن قراءته هو «صدام الحضارات» لان محتواه يدعم ادعاءاته، خلافا لذلك يبدو اريستيغي مؤيدا لحوار الحضارات الذي يسهل مأمورية التعايش والتعاون بين كل البلدان التي تتهددها الاصولية الراديكالية والارهاب الجهادي الذي يشكل المسلمون المعتدلون اعداءه الحقيقيين الى درجة نعتهم بافظع النعوت كالردة والكفر.
بيد ان تقدير اريستيغي، لقيم الاسلام السمحة، لا يحول بينه وبين نقد التأويلات الملائكية القائلة بان العالم يواجه ارهابا دوليا لا هوية له، ولا صلة له بالاصولية، كما لا يميل الى اعتبار ذلك مجرد رد من طرف الجماهير العربية على عسف حكامها المتسلطين او على الامبريالية الغربية التي يعتقد طيف من اطياف اليسار الاوروبي انها المسؤول الاول عن كل الشرور. إن المؤلف يعتقد ان الارهاب الجهادي يقوم على قاعدة ايديولوجية هي الاصولية الراديكالية التي يرى فيها تهديدا للديمقراطية والحرية لا يقل عن تهديد النازية والفاشية والستالينية في ازمنة اخرى، وفي نفس الوقت يلح على انه يجب قبول ادعاءات الاصوليين الراديكاليين بكونهم يجسدون الاسلام الصحيح. ذلك ان العودة المفترضة الى الاصول، التي يتذرع بها الاصوليون، انما تشكل في واقع الامر تلاعبا سياسيا بالخطاب القرآني، ما دامت الاخلاق والقيم الاسلامية لا تحبذ الانتحار ولا ارتكاب المجازر في حق المدنيين من دون تمييز.
لكن الاشكال يتجلى في ان بعض العناصر التي تعتمدها الرعاية الاصولية، وبخاصة مفهوم فقدان الثقة في الغرب، تعتبر مقبولة من طرف قسم هام من الرأي العام الاسلامي. من هنا يواجه الغرب حالة سوء فهم لا يمكن التعاطي معها الا انطلاقا من الحوار، وذلك تلافيا للسقوط في فخ الارهاب الجهادي الذي لا يهدد الغرب فقط، وانما الغالبية العظمى من المسلمين الذين يعدي، بواسطة العنف الاعمى، فرض دكتاتورية اسلامية عليهم مناقضة تماما لتقاليد الشورى.
يقودنا ما سبق الى تناول احد اهم فصول كتاب «اصولية ضد الاسلام» ونعني الفصل الذي يعالج اسباب واعذار الاصولية الراديكالية، وبالتالي الارهاب الذي يعتمد اطروحاتها. يعتقد بعض الناس انه عندما يتم الحديث عن الاسباب فمعنى ذلك الحديث عن المبررات، وبهذا الاعتبار يصير بامكانهم التأكيد على ان الارهاب لا أسباب له. واذا فهمنا ان السبب يعني تأثير ظاهرة في اخرى، فسيكون من الصادم لنا اليوم الا يكون للارهاب مسببات. تفاديا لهذا الفخ الدلالي، عمد اريستيغي الى الحديث عن «الاسباب والاعذار» الاصولية، وهو ما يدل دلالة واضحة على ان المؤلف لا يتغيا تبرير اي شيء، انما يروم فقط فهم: لماذا تكون الاصولية جذابة في نظر بعض المسلمين؟ مع وضعه في الاعتبار وقائع ملموسة، مثل الصعوبات التي تواجهها العديد من البلدان الاسلامية في الوقت الراهن، وكذا الافكار الخاطئة المتصلة بمؤامرة الغرب المزعومة على الاسلام منذ الحروب الصليبية والى اليوم.
* ما هي اذن هذه الاسباب والاعذار؟
ـ لا يتوخى اريستيغي صوغ نظرية حول جذور الاصولية، لكنه، بالمقابل، لم يتردد في الادلاء ببعض الافكار الهامة، تبرز في مقدمتها مشاعر الحنين والشعور بالغبن المنتشرة انتشارا واسعا في البلدان العربية، والتي تندب اضمحلال الحضارة الاسلامية التي عرفت اشعاعا باهرا في الماضي، ناسبة اياه الى العدوان الغربي (الذي بدأ منذ استعادة المسيحيين الاندلس) وليس الى اخطاء ذاتية. ان المؤلف لا يتردد في الاعتراف بالاساس التاريخي لهذه المشاعر: فمعاهدة (سايس ـ بيكو) التي اقتسم فيها الانجليز والفرنسيون سرا اراضي الشرق الاوسط سنة 1916، بموازاة دعوتهم الشعوب العربية للدفاع عن استقلالهم ضد الحكم التركي، دلت على وقاحة استعمارية لا نظير لها، من جهة اخرى، ساهمت ازمات مثل الازمة العربية ـ الاسرائيلية التي تتواصل منذ اكثر من نصف قرن او التدخل الغربي في العراق في اظهار الصورة السلبية للغرب الملموس وعلى ارض الواقع. لكن جاذبية الاصولية تعتمد ايضا على عوامل داخلية، مثل فشل مختلف الانظمة العربية في ارضاء طموحات مواطنيها، وهي العوامل التي تجد صداها لدى الشبان المسلمين المقيمين في اوروبا، او المزدادين بها، والذين يواجهون مصاعب الاندماج في المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها.
لا يشكل كل ذلك سوي السياق المناسب الذي يدفع الاقليات المسلمة المهمشة الى الانصات لداعي العنف باعتباره عقابا إليها يجب ان يحيق بالضالين والكفار هنا وهناك، وخاصة في اسبانيا التي يعتقدون انها ارتكبت خطيئة الكفر عندما قامت بطرد المسلمين من اراضيها في القرن الخامس عشر الميلادي. ان هذا الاعتقاد، حسب المؤلف، لا يزال شائعا لدى العرب والمسلمين، وهو يعبر عن رفض عميق للتاريخانية المترتبة عن غطرسة الغرب. لكن الخطر يتجسد عندما تتحول مشاعر الناس البسطاء الى اسلحة دعائية في يد منظري الجهاد الارهابي: ألم ينادي بن لادن، في احدى خطبه، بتلافي فقدان فلسطين مثلما فقدت الاندلس من قبل؟
سيبدو هذا التحليل غريبا لدى العديد من القراء الذين يتوجه اليهم الكتاب، والذين تعودا تأويل كل شيء اعتمادا على معطيات اجتماعية واقتصادية، وبالتالي يترددون في قبول اهمية المخيال الديني، رغم اهميته الجوهرية في التاريخ الانساني. لكن واقع وجود اصوليين راديكاليين في اوروبا، منظمين على شكل خلايا مستعدة للضرب في اي مكان، رغم تعاطف الاوروبيين مع القضية الفلسطينية ومعارضتهم للحرب على العراق، يؤكد ضرورة التعمق في ظاهرة الاصولية الراديكالية، وعدم الاكتفاء بالتأويلات الملقاة على قارعة الطريق. ان هذا هو ما يفسر ظهور كتب عديدة في اسبانيا تتحدى الفكر الجاهز، وتروم مقاربة الظاهرة في شتى ابعادها.
* أصولية ضد الإسلام
* المؤلف: غوستاودي اريستيغي
إبراهيم الخطيب
أكدت تفجيرات مدريد والرياض ونيويورك والدار البيضاء، وتفكيك الخلايا المسؤولة عنها هنا وهناك، ان هذه الحوادث لم تكن جرائم معزولة، وان العالم يواجه فعلا تهديدا ارهابيا غير محصور في الزمان ولا في المكان، ولمواجهة هذا التهديد لا بد من القيام بتحليل مناسب لتجلياته واسبابه، وذلك ما سعى اليه الناشط السياسي الاسباني غوستاودي اريستيغي، وهو نائب برلماني عن الحزب الشعبي المعارض ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الاسباني، في كتابه «اصولية ضد الاسلام». وتتجلى الاسس التي قام عليها هذا الكتاب في اعتماده على مفهومين اثنين:
المفهوم الاول يؤكد انه لفهم الارهاب الجهادي، الذي يسمى خطأ اسلامياً، لا بد من الانطلاق في الايديولوجيا التي تدعمه، اي من الاصولية الراديكالية. فيما يؤكد المفهوم الثاني انه لا يجب باي حال من الاحوال الخلط بين الاصولية وبين الاسلام، الذي يعتبر احد اعظم الديانات الانسانية. في هذا الصدد لا يشاطر المؤلف الرأي القائل بان الارهاب الجهادي يشكل تعبيرا لا مفر منه عن الصراع بين الاسلام والغرب، كما لا يستلطف اطروحة «هانتنغتن» المتصلة بنفس التحليل حيث يؤكد، بصورة ساخرة، ان الكتاب الذي لا يكف بن لادن، عن قراءته هو «صدام الحضارات» لان محتواه يدعم ادعاءاته، خلافا لذلك يبدو اريستيغي مؤيدا لحوار الحضارات الذي يسهل مأمورية التعايش والتعاون بين كل البلدان التي تتهددها الاصولية الراديكالية والارهاب الجهادي الذي يشكل المسلمون المعتدلون اعداءه الحقيقيين الى درجة نعتهم بافظع النعوت كالردة والكفر.
بيد ان تقدير اريستيغي، لقيم الاسلام السمحة، لا يحول بينه وبين نقد التأويلات الملائكية القائلة بان العالم يواجه ارهابا دوليا لا هوية له، ولا صلة له بالاصولية، كما لا يميل الى اعتبار ذلك مجرد رد من طرف الجماهير العربية على عسف حكامها المتسلطين او على الامبريالية الغربية التي يعتقد طيف من اطياف اليسار الاوروبي انها المسؤول الاول عن كل الشرور. إن المؤلف يعتقد ان الارهاب الجهادي يقوم على قاعدة ايديولوجية هي الاصولية الراديكالية التي يرى فيها تهديدا للديمقراطية والحرية لا يقل عن تهديد النازية والفاشية والستالينية في ازمنة اخرى، وفي نفس الوقت يلح على انه يجب قبول ادعاءات الاصوليين الراديكاليين بكونهم يجسدون الاسلام الصحيح. ذلك ان العودة المفترضة الى الاصول، التي يتذرع بها الاصوليون، انما تشكل في واقع الامر تلاعبا سياسيا بالخطاب القرآني، ما دامت الاخلاق والقيم الاسلامية لا تحبذ الانتحار ولا ارتكاب المجازر في حق المدنيين من دون تمييز.
لكن الاشكال يتجلى في ان بعض العناصر التي تعتمدها الرعاية الاصولية، وبخاصة مفهوم فقدان الثقة في الغرب، تعتبر مقبولة من طرف قسم هام من الرأي العام الاسلامي. من هنا يواجه الغرب حالة سوء فهم لا يمكن التعاطي معها الا انطلاقا من الحوار، وذلك تلافيا للسقوط في فخ الارهاب الجهادي الذي لا يهدد الغرب فقط، وانما الغالبية العظمى من المسلمين الذين يعدي، بواسطة العنف الاعمى، فرض دكتاتورية اسلامية عليهم مناقضة تماما لتقاليد الشورى.
يقودنا ما سبق الى تناول احد اهم فصول كتاب «اصولية ضد الاسلام» ونعني الفصل الذي يعالج اسباب واعذار الاصولية الراديكالية، وبالتالي الارهاب الذي يعتمد اطروحاتها. يعتقد بعض الناس انه عندما يتم الحديث عن الاسباب فمعنى ذلك الحديث عن المبررات، وبهذا الاعتبار يصير بامكانهم التأكيد على ان الارهاب لا أسباب له. واذا فهمنا ان السبب يعني تأثير ظاهرة في اخرى، فسيكون من الصادم لنا اليوم الا يكون للارهاب مسببات. تفاديا لهذا الفخ الدلالي، عمد اريستيغي الى الحديث عن «الاسباب والاعذار» الاصولية، وهو ما يدل دلالة واضحة على ان المؤلف لا يتغيا تبرير اي شيء، انما يروم فقط فهم: لماذا تكون الاصولية جذابة في نظر بعض المسلمين؟ مع وضعه في الاعتبار وقائع ملموسة، مثل الصعوبات التي تواجهها العديد من البلدان الاسلامية في الوقت الراهن، وكذا الافكار الخاطئة المتصلة بمؤامرة الغرب المزعومة على الاسلام منذ الحروب الصليبية والى اليوم.
* ما هي اذن هذه الاسباب والاعذار؟
ـ لا يتوخى اريستيغي صوغ نظرية حول جذور الاصولية، لكنه، بالمقابل، لم يتردد في الادلاء ببعض الافكار الهامة، تبرز في مقدمتها مشاعر الحنين والشعور بالغبن المنتشرة انتشارا واسعا في البلدان العربية، والتي تندب اضمحلال الحضارة الاسلامية التي عرفت اشعاعا باهرا في الماضي، ناسبة اياه الى العدوان الغربي (الذي بدأ منذ استعادة المسيحيين الاندلس) وليس الى اخطاء ذاتية. ان المؤلف لا يتردد في الاعتراف بالاساس التاريخي لهذه المشاعر: فمعاهدة (سايس ـ بيكو) التي اقتسم فيها الانجليز والفرنسيون سرا اراضي الشرق الاوسط سنة 1916، بموازاة دعوتهم الشعوب العربية للدفاع عن استقلالهم ضد الحكم التركي، دلت على وقاحة استعمارية لا نظير لها، من جهة اخرى، ساهمت ازمات مثل الازمة العربية ـ الاسرائيلية التي تتواصل منذ اكثر من نصف قرن او التدخل الغربي في العراق في اظهار الصورة السلبية للغرب الملموس وعلى ارض الواقع. لكن جاذبية الاصولية تعتمد ايضا على عوامل داخلية، مثل فشل مختلف الانظمة العربية في ارضاء طموحات مواطنيها، وهي العوامل التي تجد صداها لدى الشبان المسلمين المقيمين في اوروبا، او المزدادين بها، والذين يواجهون مصاعب الاندماج في المجتمعات التي يعيشون بين ظهرانيها.
لا يشكل كل ذلك سوي السياق المناسب الذي يدفع الاقليات المسلمة المهمشة الى الانصات لداعي العنف باعتباره عقابا إليها يجب ان يحيق بالضالين والكفار هنا وهناك، وخاصة في اسبانيا التي يعتقدون انها ارتكبت خطيئة الكفر عندما قامت بطرد المسلمين من اراضيها في القرن الخامس عشر الميلادي. ان هذا الاعتقاد، حسب المؤلف، لا يزال شائعا لدى العرب والمسلمين، وهو يعبر عن رفض عميق للتاريخانية المترتبة عن غطرسة الغرب. لكن الخطر يتجسد عندما تتحول مشاعر الناس البسطاء الى اسلحة دعائية في يد منظري الجهاد الارهابي: ألم ينادي بن لادن، في احدى خطبه، بتلافي فقدان فلسطين مثلما فقدت الاندلس من قبل؟
سيبدو هذا التحليل غريبا لدى العديد من القراء الذين يتوجه اليهم الكتاب، والذين تعودا تأويل كل شيء اعتمادا على معطيات اجتماعية واقتصادية، وبالتالي يترددون في قبول اهمية المخيال الديني، رغم اهميته الجوهرية في التاريخ الانساني. لكن واقع وجود اصوليين راديكاليين في اوروبا، منظمين على شكل خلايا مستعدة للضرب في اي مكان، رغم تعاطف الاوروبيين مع القضية الفلسطينية ومعارضتهم للحرب على العراق، يؤكد ضرورة التعمق في ظاهرة الاصولية الراديكالية، وعدم الاكتفاء بالتأويلات الملقاة على قارعة الطريق. ان هذا هو ما يفسر ظهور كتب عديدة في اسبانيا تتحدى الفكر الجاهز، وتروم مقاربة الظاهرة في شتى ابعادها.
* أصولية ضد الإسلام
* المؤلف: غوستاودي اريستيغي