صاحب اللواء
08-26-2018, 11:53 PM
لسنا وحدنا في التفكير عن حقبة المستقبل، أوروبا مشغولة بما يريد الرئيس الأميركي ترامب منها في الانضمام إلى تجمّع المقاطعين، مع ما يستدعي ذلك من تشريعات أوروبية، لا سيما في مجال التجارة والتحويلات والنقد، مع السعي للتضييق على أنفاس إيران المالية والنقدية لتحويلها من بلد معاكس إلى بلد متعايش وتلقينها فنون الدبلوماسية المسالمة
https://alqabas.com/wp-content/uploads/2017/10/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A966.jpg
أثقال الكويت القادمة
عبدالله بشارة - القبس
26 أغسطس، 2018
مع نهاية العيد السعيد، وزوال الصيف وكسله وتجولاته والبدء في استئناف حياة السياسة وتحريك الاقتصاد والتوسع الثقافي والنظر جديا في ترجمة الأحلام إلى دنيا الواقع، تجد الكويت، الدولة المدنية الهادئة في تسامحها والصابرة على ثقل تحولاتها، أمام بوابة جديدة غير مألوفة ماضياً وثقيلة حاضراً، وضرورية مستقبلاً، وكل ذلك يستدعي تسخير الطاقات وتجهيز المؤازرات السياسية والنيابية وتعبئة الجهود مع تحكيم كل عناصر التعقّل وحوارات المنطق.
في أول بوابة من بوابات العبور إلى المستقبل المريح سنواجه معارك الولايات المتحدة مع إيران، وهي المقاطعات والعقوبات، فإذا قبلنا العقوبات فستتبعها المقاطعات في جوانب مالية ومواجهات سياسية وعتابات دبلوماسية، فلن نفلت، نحن أهل الخليج من الالتحاق بالائتلاف الواسع الذي يتشكل للضغط على إيران لتتحوّل إلى دولة مدنية عادية، تتخلّى عن أحلام التغيير في البنية السياسية والاجتماعية والتاريخية لدول الخليج، وتتوقّف عن أوهام النفوذ والسيطرة في تشييد مواقع تابعة في العراق ولبنان وسوريا، واليمن.
ونهج العقوبات المقترح يتعاظم مع مرور الزمن ومع مدى تجاوب إيران، ففي بداية أغسطس، كانت الموجة الأولى وهي مبسطة قابلة للاحتواء، لكن موجة نوفمبر المقبلة تحمل أثقال المقاطعة النفطية، والمالية والتحويلات النقدية، وانتهاء التعامل الايراني بالدولار، مع حظر على التحوّلات ومنابعها في بداية مارس 2019، حيث ختام خريطة المقاطعة.
كل ذلك يتم وحالة الترابط الخليجي لا تسر ولا أمل في الأفق، وتطايرت مواقع القوة التي شيدها مجلس التعاون وتضاءلت قامته، فلم يستوعب أهل الدار إلحاح الضرورة على سلامة المجلس، وتأتي الظروف، وكل منا في طريق، ولا مجال لوحدة المواقف التي تؤمن قوة تفاوضية خليجية قد تنفع في صد قسوة الافتراق، فكل منا سينظر إلى ما لديه من آليات تتواجد في صندوق الدبلوماسية، مع أن المنتظر أن يأتي القرار من خارج الصندوق المألوف.
فالحالة المقبلة قد تمسّ البنوك الكويتية والخليجية وتحويلاتها بما في ذلك المعتاد من مدخرات الجالية الايرانية وتجار الكويت والخليج والمؤسسات التجارية التي يملكونها، مع منع تداول الدولار في التعامل مع إيران.. هذه لائحة من قائمة التوقّعات الخشنة.
كنت خلال الصيف في لندن أتحدث مع المهتمين بالشأن الكويتي عن زيارة سمو الأمير إلى الصين وحصيلتها في التحاق الاستثمار الصيني في مشروع الجزر وطريق الحرير المقبل مع التركيز على النوعية المطلوبة من التشريعات الكويتية للانسجام مع المستجدات الحياتية التي ترافق المشروعات المشتركة الضخمة التي تستحضر جاليات فنية متخصصة ثقافتها مختلفة، عاشت في نموذج مغاير من التشريعات مع أسئلة عن الهمة الكويتية لتقبل المستحدثات التي لم تألفها حياة الكويت، والمستدعية لمتطلبات مغايرة لا بد من اعتبارها عند مرور التشريع ــــ فلم يعد كافياً التحصن بالمتوارث في هوية الحياة المتوقعة في مشروع الحرير ــــ ولا بمنطق يجوز ولا يجوز، وإنما وفق مبدأ المرونة المتسامحة والتعايش مع موجات التبدلات العالمية، وأبسط مثال مواصلة منع الكتب على قاعدة التفسيرات الضيقة للشريعة.
قد ننجح في تأمين أهدافنا، لكن ذلك لن يمر إذا تعاملنا وفق نهج الاسترخاء المعروف في مشهد يدعو للحسم، وفي بيئة ستتعرض لتبادلية الاتهامات والتراشق بالعنف اللفظي مع اللجوء إلى تعبئة تجمعات دينية وعقائدية، كل ذلك لخنق المطلوب.
والواقع أن هذا المشهد لن ينحصر في الكويت، وإنما سيتسلل إلى المجتمع السعودي والدول الأخرى في الخليج، وسيجرها إلى حوارات وإلى اجتهادات قد تتفتق عن شرائح مجتمعية، تحمل مشروع التجديد والتطوير في مواكبة لما يعيشه عالم اليوم.
نحن على أبواب الخروج من فصل نحتمي فيه بضوابط المتوارث إلى مكان آخر يتحدث مع كوكب آخر، بلهجة مغايرة وبذهنية أكثر اتساعاً ونفسية أقوى انطلاقاً، لكن نجاحنا مشروط بقرار من فكر مستنير، واعٍ لتبدلات العالم، مدركٌ لاملاءات التغيير، وواع لقدرة المجتمع على هضم مستحقات التحولات المقبلة.
ويخرج القرار من آليات خارج الصندوق الأليف الذي عاشرناه ومن تجربتنا معه نشعر بضرورة انفتاحه واتساع أفقه…
ولسنا وحدنا في التفكير عن حقبة المستقبل، أوروبا مشغولة بما يريد الرئيس الأميركي ترامب منها في الانضمام إلى تجمّع المقاطعين، مع ما يستدعي ذلك من تشريعات أوروبية، لا سيما في مجال التجارة والتحويلات والنقد، مع السعي للتضييق على أنفاس إيران المالية والنقدية لتحويلها من بلد معاكس إلى بلد متعايش وتلقينها فنون الدبلوماسية المسالمة، وإذا كانت أوروبا تعي تبعية رفض المقاطعة على اقتصادياها، فإن دولاً أخرى في آسيا، وكبرى مثل الهند والصين، أمام قسوة الاختيار؛ فالتلويح الأميركي بإغلاق أسواق أميركا يثير جدلاً لصادرات آسيا، ويستمر التواصل بين المعنيين، فجميعنا مشمولون بضرورة موقف جديد لا يتوافق مع ما اعتدنا عليه من المتوافر من داخل الصندوق.
عبدالله بشارة
https://alqabas.com/575151/
https://alqabas.com/wp-content/uploads/2017/10/%D8%B9%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87-%D8%A8%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D8%A966.jpg
أثقال الكويت القادمة
عبدالله بشارة - القبس
26 أغسطس، 2018
مع نهاية العيد السعيد، وزوال الصيف وكسله وتجولاته والبدء في استئناف حياة السياسة وتحريك الاقتصاد والتوسع الثقافي والنظر جديا في ترجمة الأحلام إلى دنيا الواقع، تجد الكويت، الدولة المدنية الهادئة في تسامحها والصابرة على ثقل تحولاتها، أمام بوابة جديدة غير مألوفة ماضياً وثقيلة حاضراً، وضرورية مستقبلاً، وكل ذلك يستدعي تسخير الطاقات وتجهيز المؤازرات السياسية والنيابية وتعبئة الجهود مع تحكيم كل عناصر التعقّل وحوارات المنطق.
في أول بوابة من بوابات العبور إلى المستقبل المريح سنواجه معارك الولايات المتحدة مع إيران، وهي المقاطعات والعقوبات، فإذا قبلنا العقوبات فستتبعها المقاطعات في جوانب مالية ومواجهات سياسية وعتابات دبلوماسية، فلن نفلت، نحن أهل الخليج من الالتحاق بالائتلاف الواسع الذي يتشكل للضغط على إيران لتتحوّل إلى دولة مدنية عادية، تتخلّى عن أحلام التغيير في البنية السياسية والاجتماعية والتاريخية لدول الخليج، وتتوقّف عن أوهام النفوذ والسيطرة في تشييد مواقع تابعة في العراق ولبنان وسوريا، واليمن.
ونهج العقوبات المقترح يتعاظم مع مرور الزمن ومع مدى تجاوب إيران، ففي بداية أغسطس، كانت الموجة الأولى وهي مبسطة قابلة للاحتواء، لكن موجة نوفمبر المقبلة تحمل أثقال المقاطعة النفطية، والمالية والتحويلات النقدية، وانتهاء التعامل الايراني بالدولار، مع حظر على التحوّلات ومنابعها في بداية مارس 2019، حيث ختام خريطة المقاطعة.
كل ذلك يتم وحالة الترابط الخليجي لا تسر ولا أمل في الأفق، وتطايرت مواقع القوة التي شيدها مجلس التعاون وتضاءلت قامته، فلم يستوعب أهل الدار إلحاح الضرورة على سلامة المجلس، وتأتي الظروف، وكل منا في طريق، ولا مجال لوحدة المواقف التي تؤمن قوة تفاوضية خليجية قد تنفع في صد قسوة الافتراق، فكل منا سينظر إلى ما لديه من آليات تتواجد في صندوق الدبلوماسية، مع أن المنتظر أن يأتي القرار من خارج الصندوق المألوف.
فالحالة المقبلة قد تمسّ البنوك الكويتية والخليجية وتحويلاتها بما في ذلك المعتاد من مدخرات الجالية الايرانية وتجار الكويت والخليج والمؤسسات التجارية التي يملكونها، مع منع تداول الدولار في التعامل مع إيران.. هذه لائحة من قائمة التوقّعات الخشنة.
كنت خلال الصيف في لندن أتحدث مع المهتمين بالشأن الكويتي عن زيارة سمو الأمير إلى الصين وحصيلتها في التحاق الاستثمار الصيني في مشروع الجزر وطريق الحرير المقبل مع التركيز على النوعية المطلوبة من التشريعات الكويتية للانسجام مع المستجدات الحياتية التي ترافق المشروعات المشتركة الضخمة التي تستحضر جاليات فنية متخصصة ثقافتها مختلفة، عاشت في نموذج مغاير من التشريعات مع أسئلة عن الهمة الكويتية لتقبل المستحدثات التي لم تألفها حياة الكويت، والمستدعية لمتطلبات مغايرة لا بد من اعتبارها عند مرور التشريع ــــ فلم يعد كافياً التحصن بالمتوارث في هوية الحياة المتوقعة في مشروع الحرير ــــ ولا بمنطق يجوز ولا يجوز، وإنما وفق مبدأ المرونة المتسامحة والتعايش مع موجات التبدلات العالمية، وأبسط مثال مواصلة منع الكتب على قاعدة التفسيرات الضيقة للشريعة.
قد ننجح في تأمين أهدافنا، لكن ذلك لن يمر إذا تعاملنا وفق نهج الاسترخاء المعروف في مشهد يدعو للحسم، وفي بيئة ستتعرض لتبادلية الاتهامات والتراشق بالعنف اللفظي مع اللجوء إلى تعبئة تجمعات دينية وعقائدية، كل ذلك لخنق المطلوب.
والواقع أن هذا المشهد لن ينحصر في الكويت، وإنما سيتسلل إلى المجتمع السعودي والدول الأخرى في الخليج، وسيجرها إلى حوارات وإلى اجتهادات قد تتفتق عن شرائح مجتمعية، تحمل مشروع التجديد والتطوير في مواكبة لما يعيشه عالم اليوم.
نحن على أبواب الخروج من فصل نحتمي فيه بضوابط المتوارث إلى مكان آخر يتحدث مع كوكب آخر، بلهجة مغايرة وبذهنية أكثر اتساعاً ونفسية أقوى انطلاقاً، لكن نجاحنا مشروط بقرار من فكر مستنير، واعٍ لتبدلات العالم، مدركٌ لاملاءات التغيير، وواع لقدرة المجتمع على هضم مستحقات التحولات المقبلة.
ويخرج القرار من آليات خارج الصندوق الأليف الذي عاشرناه ومن تجربتنا معه نشعر بضرورة انفتاحه واتساع أفقه…
ولسنا وحدنا في التفكير عن حقبة المستقبل، أوروبا مشغولة بما يريد الرئيس الأميركي ترامب منها في الانضمام إلى تجمّع المقاطعين، مع ما يستدعي ذلك من تشريعات أوروبية، لا سيما في مجال التجارة والتحويلات والنقد، مع السعي للتضييق على أنفاس إيران المالية والنقدية لتحويلها من بلد معاكس إلى بلد متعايش وتلقينها فنون الدبلوماسية المسالمة، وإذا كانت أوروبا تعي تبعية رفض المقاطعة على اقتصادياها، فإن دولاً أخرى في آسيا، وكبرى مثل الهند والصين، أمام قسوة الاختيار؛ فالتلويح الأميركي بإغلاق أسواق أميركا يثير جدلاً لصادرات آسيا، ويستمر التواصل بين المعنيين، فجميعنا مشمولون بضرورة موقف جديد لا يتوافق مع ما اعتدنا عليه من المتوافر من داخل الصندوق.
عبدالله بشارة
https://alqabas.com/575151/