المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الهندوسي.. الانتحاري



دشتى
06-15-2005, 04:55 PM
الهجمات لا تقتصر على المسلمين فالهندوس أكثر واليهود أول من مارسها


واشنطن: محمد علي صالح

التطرف عابر للديانات وعابر للتاريخ وعابر للجغرافيا، ومع ان المسلمين يتهمون اكثر من غيرهم الآن بالتطرف والتورط في عمليات العنف السياسي، الا ان دراسة اميركية نشرت اخيرا اكدت بالأرقام ان الهجمات الانتحارية لا يقوم بها مسلمون فقط، وان اكثر من يقوم بها هم هندوس سري لانكا، وخاصة «نمور التاميل». وهي «منظمة علمانية ماركسية لينينية هندوسية» تسعى لاقامة وطن مستقل لعرق التاميل في سيرلانكا امام السنهاليين الذين يشكلون الاغلبية في البلاد ويسيطرون على الثروات والحكم. وأشارت الدراسة، التي اجراها روبرت بيب استاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو وأحد اشهر المتخصصين في الارهاب الانتحاري في العالم، الى ان اول هجمات انتحارية في التاريخ قام بها يهود ضد الاحتلال الروماني خلال وجودهم في فلسطين في القرن الاول لميلاد المسيح، كما أشارت الدراسة الى انتعاش «ثقافة الاستشهاد» خلال حملة الحروب الصليبية لاحتلال القدس. ايضا اشارت الى هجمات «كاميكازي» التي قام بها طيارون يابانيون ضد القوات الاميركية خلال الحرب العالمية الثانية، والى هجمات انتحارية في ايرلندا الشمالية خلال نصف القرن الماضي، وهجمات انتحارية اخرى في فيتنام وكوريا وشرق اوروبا وكلها لأسباب لها علاقة بصراع عرقي او ديني او سياسي.

وقالت الدراسة التي نشرت تحت عنوان «موت في سبيل النصر: المنطق الاستراتيجي للارهاب الانتحاري» وجمعت لأول مرة ومن كل دول العالم، الهجمات الانتحارية خلال عشرين عاما (1983 ـ 2003) وعددها 315، ان «الربط الافتراضي بين الارهاب الانتحاري والمسلمين المتطرفين خطأ، ويشجع سياسات اميركية داخلية وخارجية تؤذي كثيرا من المسلمين بدون سبب».

* الهندوس.. الأعنف

* وكشفت الدراسة ان تحليل الهجمات الانتحارية خلال فترة العشرين عاما الماضية، أوضح ان هندوس سري لانكا تفوقوا على المتطرفين المسلمين (منظمة «نمور التاميل» تريد الاستقلال للتاميل وهم اقلية هندوسية من اصل هندي، يعيشون في شمال سري لانكا، بينما تسيطر على الحكم الاغلبية السنهالية البوذية. فيما خمسة في المائة من السكان مسلمون).

وقد ارسلت «نمور التاميل» متطوعين الى معسكرات تدريب الفلسطينيين في سهل البقاع في لبنان في اواخر السبعينات، ودرست، في عناية، هجوم «حزب الله» على قاعدة قوات المارينز الاميركية في 1983. وقال متحدث باسمهم «كنا متأكدين بأننا سنحصل على استقلالنا خلال مائة سنة، ولكن تكتيك الهجوم الانتحاري سيخفض الفترة، وسيقلل ضحايا التاميل». واستعملوا التكتيك لاغتيال راجيف غاندي، رئيس وزراء الهند، ورانسنغ بريمادسا، رئيس جمهورية سري لانكا، وبعد المرتين التزمت حكومة سري لانكا بالتفاوض مع النمور، لكن المفاوضات لم تنجح، ولم تحل المشكلة.

* العامل الديني

* لكن الدراسة قالت ان انتشار ظاهرة «الهجمات الانتحارية» وسط هندوس سري لانكا ليس فقط بسبب تأثرهم بمسلمين في الشرق الاوسط، ولكن، أيضا، لان للظاهرة جذورا في الديانة الهندوسية. واعتبرت الدراسة ان الاختلاف الديني بين الاقلية الهندوسية والاغلبية البوذية عامل هام، لان الهندوس يخافون من «ذوبانهم في الاغلبية البوذية» ومن «اختفاء ارض الاجداد»، ومن «احتلال بوذي عسكري». ورغم وجود اختلافات عرقية ولغوية، تعتبر الاختلافات الدينية دافعا رئيسيا. وفي مؤتمر 1988، هاجم قائد من التاميل اليمين البوذي، وقال ان «رجال الدين البوذييين يريدون تعميم البوذية في كل سري لانكا، ويقدرون على التأثير على المواطنين العاديين مستغلين العامل الديني». واضاف ان «لولا نظرتهم المتعالية لنا، لحلت المشكلة منذ وقت طويل». ويعتمد رجال الدين البوذيون على اسطورة بأن الاله بوذا زار سري لانكا (كان اسمها سيلان) ثلاث مرات، واعلن انها ارض مقدسة، وانه صلى في جافنا، في الشمال، ولهذا اصبحت لها اهمية خاصة، رغم انها الآن ارض هندوسية. وقال ديفيد ليتل، استاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «سري لانكا: اختراع عدائي»، ان اساس المشكلة هو ان «الاغلبية السنهالية تعتبر نفسها شعب الله المختار».

* شرعية الاستشهاد

* وقال بيب ان اساتذة جامعات ومتخصصين ذهبوا الى سري لانكا لدراسة «ثفاقة الاستشهاد» وسط المقاتلين التاميل، وانهم وجدوا ان «العقيدة الاستشهادية نمت من جذور الحركة الوطنية ومن جذور الدين الهندوسي». ووجدوا ان الاستشهاد اصبح واجبا وطنيا ودينيا في نفس الوقت. ووجدوا ان الناس يزورون مقابر «الشهداء» ويضعون عليها الورود والزهور مثلما يفعلون عندما يزورون المعابد. من بين اساتذة الجامعات الذين زاروا سري لانكا لبحث ظاهرة الاستشهاد الاميركي بيتر شولك الذي عاد وكتب عن «صحوة فرق الاستشهاد»، وقال ان العامل الديني طغى على العامل الوطني «لأن الدين فيه ما ينقصهم، وهو التقاليد.» وقال ان اصل كلمة «استشهاد» في اللغة التاميلية هو «تياكام» ومعناها «الزهد في الحياة»، مثل «الزهد في الحياة بالتخلص من حياة القاتل وحياة المقتول». وشبه هؤلاء «بالشهداء» المسيحيين، الذين اشتركوا في الحروب الصليبية بعدما حصلوا من رجال الدين على صكوك الغفران بأنهم سيدخلون الجنة.

* النساء أكثر من الرجال

* ولاحظ بيب، ان نسبة المهاجمات الانتحاريات في سري لانكا اكثر منه في الشرق الاوسط، واشار الى «ذانو» التي قتلت راجيف غاندي، رئيس وزراء الهند، في 1991، عندما فجرت قنبلة كانت تحملها وهي تقدم له عقدا من الورود. وقال انها «اصبحت بطلة وسط نساء سري لانكا الهندوسيات». وبالاضافة الى العامل الديني يعتقد ان «ذانو، الفتاة الجميلة» قصدت الانتقام بعدما قام جنود هنود ارسلتهم حكومة الهند لمساعدة حكومة سري لانكا، باغتصابها وقتل اخوانها الاربعة. وقالت الدراسة ان «نمرات التاميل» اشتهرن بالقيام بهجمات انتحارية اكثر نجاحا من التي قام بها «نمور التاميل»، ويعتقد ان السبب هو تفضيل كثير من الفتيات للموت على الاغتصاب والاهانة والعبودية، ولهذا يتطوعن ليقتلن ويقتلن. هذا بالاضافة الى قلة شكوك الجنود فيهن.

وقالت الدراسة ان نسبة قليلة من هجمات التاميل الانتحارية كانت ضد القوات الهندية التي ساعدت حكومة سري لانكا لبعض الوقت (انسحبت بعد اغتيال راجيف غاندي)، وذلك بسبب «غياب اختلاف ديني بين المواطن وبين المحتل الاجنبي». ولهذا يمكن تفسير هجوم «ذانو» على رئيس وزراء الهند بأنه «استشهاد وطني لا ديني»، اي ان الموت في سبيل الوطن ربما لا يقل كثيرا عن الموت في سبيل الدين.

ووفقا للدراسة، فان المهاجم الانتحاري هو الذي «يقتل نفسه خلال عملية او محاولة لقتل آخرين»، موضحة ان الهجمات الانتحارية نوع من انواع «الارهاب التعبيري»، بمعنى ان منفذه يريد ان يثير الانتباه بأن يخطف طائر، او يفجر مكانا معينا. وان هدفه الرئيسي ليس قتل الناس بقدر ما هو لفت الانظار، اي ان «لفت انتباه الناس اهم من قتل الناس» بالنسبة له.

وبحسب الدراسة يريد «الارهاب التعبيري» تحقيق ثلاثة اهداف: اولا، تشجيع آخرين للانضمام له. ثانيا، الضغط على العدو. ثالثا، كسب عطف طرف ثالث ليضغط على العدو. وأمثلة لذلك «المتطوعون البرتقاليون» في ايرلندا الشمالية، و«جيش التحرير الوطني في كولومبيا، و«ريد بريغيدز» (الفرق الحمراء) في ايطاليا، و«بادرماينهوف» في المانيا. وبحسب الدراسة، فإن المهاجم الانتحاري يضيف الى تكتيك هذه المنظمات الارهابية، رغبته في التضحية بنفسه لزيادة الاهتمام، ولزيادة عدد الذين يريدون ان يضحوا بأنفسهم مثله، ولزيادة عدد القتلى (اثبتت الاحصائيات ان الهجمات الانتحارية تقتل اكثر من اي نوع آخر من انواع العمليات الارهابية).