سلسبيل
06-15-2005, 04:31 PM
د. رشيد الخيُّون
بعد محاولة اغتيال السلطان صلاح الدين الأيوبي السنة 571هـ قضى انتحاريو قلعة «ألموت»، وهم الحشاشون أو النزاريون، قرناً من الزمن يموهون شخوصهم بثوب امرأة أو هيئة شحاذ أو درويش أو صوفي يأمن الناس جانبه. يتحينون الفرصة المناسبة لغرز خناجرهم في مقاتل من أجساد ضحاياهم، أصحاب خناجر أرقوا مضاجع الآمنين ونشروا الرعب في المدن والقرى. لا تعرف لهم مطلباً غير ابتغاء الجنة بمرضاة أمرائهم. قادهم الوهم إلى الأمل بتسيير العالم على مذهب قلعة قصيّة من قلاع قزوين أو بإرادة مشيخة بين جبال إفغانستان.
عجزوا ولم تعجز الدول عن مقاتلتهم، فبعد كل عملية اغتيال يحنون بها خناجرهم يحصد منهم الألف والألفان. أفل نجمهم منذ ألف عام، وعادوا بعدها من جديد بأدوات قتل فتاكة، فالخنجر أصبح مادة هائلة الانفجار. وإن اكتفوا قديماً بقتل السلطان والوزير وقائد الجيش لا يشفي غليلهم اليوم غير تدمير محلات مأهولة بالأطفال والنساء والشيوخ تدميراً كاملاً. هذا المقال قد لا يجيب على أسئلة ولا يفسر أحداثاً بقدر ما هو استذكار تاريخي لمرحلة فزع ورعب طالت الشرق والغرب في القرون الوسطى. كان هدف الأمراء بسط السلطان وعقيدة الموت بينما هدف الأتباع، المغسولة أدمغتهم، دخول الجنة سباحةً ببحور من الدماء.
ربما كان أول انتحاري خارجي أدعى شراء الجنة هو عبد الرحمن بن ملجم، عندما قدم على قتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب. إن قتل خليفة المسلمين في محراب الصلاة وبحضور أولاده ورعيته لا يعني غير عمل انتحاري، فليس هناك أي احتمال لنجاة القاتل، والانتحاري هو مَنْ لا يرجو النجاة. قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عند القصاص من قاتل عمه: «دعوني حتى أشفي منه، فقطع يديه ورجليه، وأحمى له مسماراً حتى صار جمرة كحله به (سمل عينه)، فقال: سبحان الذي خلق الإنسان! إنك لتكحل عمّك بملمول مضاض»(المسعودي، مروج الذهب 3 ص 134). ورغم اعتقاد الخوارج بالقتل السري إلا أن أتباع الأخنس بن قيس منهم حرموا الاغتيال المعروف قديماً بالبيات.
وما كادت تخفت حركة الخوارج، التي اشتدت في العصر الأموي وردحاً من العصر العباسي، حتى ظهرت حركة انتحارية اضطرت الأمراء والوزراء والقضاة إلى لبس الزرد (الدرع) تحت الثياب، وهو وقايةً من خناجر الانتحاريين. عرفت بعدة أسماء الأبرز بينها الباطنية أوالفداوية (السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، 4ص323، ابن تغري، النجوم الزاهرة 6 ص27). غير أن الفدائي عادة يكون صاحب قضية وقد لا يحصر هدفه بالجنة، أما الانتحاري فهو صاحب عقيدة قتل مغلوب بفكرة الفوز بالجنة، وقلنا لا يرجو النجاة ولا يحاذر الموت. يقيناً أن تفجير النفس في متجر أو باص أو طائرة لن يحقق عودة السلف وسيادة الشريعة كما يدعي ويموه أصحاب عقيدة القتل مجازرهم.
أبرز التسميات الشائعة في الغرب والشرق لهذه الجماعة هي الحشاشون (Assassin). فحسب رحالة ومؤرخين أوروبيين عرفوا بذلك نسبة لتعاطي الحشيش بفرض من زعيمهم ابن الصبَّاح. غير أن كتب التاريخ الإسلامي لا تفيد بشيء عن أصل التسمية، ولا عن المخدر المقصود أو علاقة قاطني قلعة «ألموت» به.
بطبيعة الحال، أن ما ذهب إليه المؤرخ حسن الأمين في «الإسماعيليون والمغول» من القول بنسبة التسمية إلى الحشائش، أي الأدوية لا الحشيش المخدر، كان جديراً بالاهتمام. لكن ماذا عن النسبة إلى الحُشاشة بمعنى «بقية الروح في المريض أو الجريح»، فربما لتمرس هؤلاء على الاغتيال وشهرتهم فيه ارتبط اسمهم بالحشاشة حتى ذاع صيتهم بالحشاشين، أو نسبة إلى عملية حش الرقاب لكثرة القتل؟ على أية حال، نستطيع مجازاً القول إنهم يدمنون تعاطي المخدر، لكن ليس بالضرورة أن يكون مادة حشيش أو شونيز أو أي مادة أخرى فطالما خدرت ومسخت عقولهم وغرست فيهم شهوة القتل غرساً.
فسّر ابن الجوزي اندفاع الحشاشين إلى الموت بسبب غبائهم، واستحواذ ابن الصبَّاح عليهم بمواد تبسط أدمغتهم، وفسرها الرحالة ماركو بولو في تقريره حولهم بنيل الجنة. قال واصفاً جنتهم المزعومة، وهي تقع في وادٍ مغلق: «حديقة فيحاء، أكبر وأجمل حديقة يمكن أن تقع عليها العين، وملأها بكل أنواع الفواكه، وأقام فيها قصوراً ومقصورات من أروع ما يمكن تخيله، وجميعها مغطاة برسوم فاتنة، ومموهة بالذهب، وجعل فيها جداول تفيض بالخمر واللبن والعسل، وأقام على خدمة الحديقة فاتنات من أجمل نساء العالم يُجدْن العزف على مختلف الآلآت الموسيقية، ويغنّين بأصوات رخيمة، ويؤدّين رقصات تخلب الألباب»(لويس، الحشاشون، ص(20ـ21). تبدو القصة من اختلاق مخيلة ماركو، وربما سمعها من حشاش أو قريب منهم تحدث إليه عن الجنة المعهودة، ثم ركب الوصف على وادٍ ارتفعت فوقه قلعة «ألموت». إن ما يضعف معلومة ماركو هو حلول الشتاء ببرده القارس في بطن الوادي لمدة سبعة أشهر من العام، حتى يحوله إلى أرض غير ذي زرع (حسب معاينة المستشرق الروسي إيفانوف والمؤرخ حسن الأمين)، فكيف يكون فردوساً عامراً ؟
إن تلقين المنضمين إلى تنظيم النزاريين، وهم حسب ابن الجوزي ُينتقون من الجُهلاء، بمفاهيم الشهادة وشراء الجنة والتبسط في الحديث عن نعمائها الدائمة هَيَّأهم للقيام بالعمل الانتحاري بدون وجل. ينقل ابن الجوزي صورة من صور هيمنة أمير الانتحاريين على أتباعه، وتمكنه من غسل أدمغتهم: قال لجماعة من أصحابه أمام رسول ملك شاه السلجوقي إليه: «أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة، فمَنْ ينهض لها ؟ فأشرأبَّ كل واحد منهم لذلك، وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم، فأومأ إلى شاب منهم، فقال له: أقتل نفسك. فجذب سكينة وضرب بها غلصمته فخرَّ ميتاً، وقال لآخر: أرم نفسك من القلعة. فألقى نفسه فتمزَّق، ثم ألتفت إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفاً هذا حدُّ طاعتهم لي، وهذا هو الجواب» (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 7 ص 64). هذا ما نراه اليوم، فما أن تصدر فتوى القتل أو التفجير لا يفكر المرشح لتنفيذها إلا بالجنة ونعيمها الدائم، بعد الهيمنة الكاملة على دماغه وإفراغه من أي عقلانية.
أسفر خلع وقتل نزار بن المستنصر بالله الفاطمي (ت488هـ) من ولاية العهد لصالح أخيه المستعلي بالله (ت495هـ)، عن حركة أرهبت وأفزعت، طالت الفاطميين بالقاهرة والعباسيين ببغداد والسلاجقة بإيران. فكانت أول عملية اغتيال مارسها النزاريون هي قتل وزير السلاجقة نظام المُلْك (السنة 485هـ). قال صاحب حلب أبو الفداء: «لما كان عاشر رمضان من هذه السنة بعد الإفطار، وهم بالقرب من نهاوند، وقد انصرف نظام المُلْك إلى خيمة حرمه وثب عليه صبي ديلمي في صورة مستعطٍ، وضرب نظام المُلْك بسكين، فقضى عليه، وأدرك أصحاب نظام المُلْك ذلك الصبي فقتلوه، وحصل للعسكر بسبب مقتله شوشة، فركب السلطان وسكن العسكر، وكان نظام المُلْك قد كبر، لأن مولده ثمان وأربعمائة، وكان قتله بتدبير من السلطان ملكشاه »(المختصر في أخبار البشر، 2 ص 202).
كأي تنظيم سري يمارس العنف يقتل مَنْ أطلع على خبره ولم ينتم إليه. قتل بهذه الجريرة النزاريون مؤذناً من أهل ساوة، عرفوه بأمرهم ثم امتنع من الدخول معهم. قيل لما ألقي القبض على المتهم، وكان نجاراً، أمر نظام المُلْك قتله بالمؤذن، فقالوا: «قتلتم منا نجاراً وقتلنا به نظام المُلْك» (المنتظم 17 ص 63).
اعتادوا عند تنفيذ عملياتهم إخفاء حالهم بانتحال هيئة الصوفية وانتظار المطلوب بين صفوف المصلين، أو ارتداء ثياب النساء والمُكدين والدراويش، أو تقديم أنفسهم كطالبي حاجات وعابري سبيل، أو العمل داخل القصور تحت أسماء مستعارة حتى تحين فرصة الانقضاض على الضحية. يعترضون ضحيتهم وهو بين حرسه وشرطته وربما داخل ثكنة الجيش برسالة استرحام أو برسالة من صديق يتوسط بقضاء حاجة حاملها، ولما يقترب من المطلوب يباغتونه بالخناجر في مقتل من جسده. ولا يترددون في التضحية ببعضهم إن اقتضى الأمر.
* باحث عراقي
بعد محاولة اغتيال السلطان صلاح الدين الأيوبي السنة 571هـ قضى انتحاريو قلعة «ألموت»، وهم الحشاشون أو النزاريون، قرناً من الزمن يموهون شخوصهم بثوب امرأة أو هيئة شحاذ أو درويش أو صوفي يأمن الناس جانبه. يتحينون الفرصة المناسبة لغرز خناجرهم في مقاتل من أجساد ضحاياهم، أصحاب خناجر أرقوا مضاجع الآمنين ونشروا الرعب في المدن والقرى. لا تعرف لهم مطلباً غير ابتغاء الجنة بمرضاة أمرائهم. قادهم الوهم إلى الأمل بتسيير العالم على مذهب قلعة قصيّة من قلاع قزوين أو بإرادة مشيخة بين جبال إفغانستان.
عجزوا ولم تعجز الدول عن مقاتلتهم، فبعد كل عملية اغتيال يحنون بها خناجرهم يحصد منهم الألف والألفان. أفل نجمهم منذ ألف عام، وعادوا بعدها من جديد بأدوات قتل فتاكة، فالخنجر أصبح مادة هائلة الانفجار. وإن اكتفوا قديماً بقتل السلطان والوزير وقائد الجيش لا يشفي غليلهم اليوم غير تدمير محلات مأهولة بالأطفال والنساء والشيوخ تدميراً كاملاً. هذا المقال قد لا يجيب على أسئلة ولا يفسر أحداثاً بقدر ما هو استذكار تاريخي لمرحلة فزع ورعب طالت الشرق والغرب في القرون الوسطى. كان هدف الأمراء بسط السلطان وعقيدة الموت بينما هدف الأتباع، المغسولة أدمغتهم، دخول الجنة سباحةً ببحور من الدماء.
ربما كان أول انتحاري خارجي أدعى شراء الجنة هو عبد الرحمن بن ملجم، عندما قدم على قتل الخليفة الرابع علي بن أبي طالب. إن قتل خليفة المسلمين في محراب الصلاة وبحضور أولاده ورعيته لا يعني غير عمل انتحاري، فليس هناك أي احتمال لنجاة القاتل، والانتحاري هو مَنْ لا يرجو النجاة. قال عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عند القصاص من قاتل عمه: «دعوني حتى أشفي منه، فقطع يديه ورجليه، وأحمى له مسماراً حتى صار جمرة كحله به (سمل عينه)، فقال: سبحان الذي خلق الإنسان! إنك لتكحل عمّك بملمول مضاض»(المسعودي، مروج الذهب 3 ص 134). ورغم اعتقاد الخوارج بالقتل السري إلا أن أتباع الأخنس بن قيس منهم حرموا الاغتيال المعروف قديماً بالبيات.
وما كادت تخفت حركة الخوارج، التي اشتدت في العصر الأموي وردحاً من العصر العباسي، حتى ظهرت حركة انتحارية اضطرت الأمراء والوزراء والقضاة إلى لبس الزرد (الدرع) تحت الثياب، وهو وقايةً من خناجر الانتحاريين. عرفت بعدة أسماء الأبرز بينها الباطنية أوالفداوية (السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، 4ص323، ابن تغري، النجوم الزاهرة 6 ص27). غير أن الفدائي عادة يكون صاحب قضية وقد لا يحصر هدفه بالجنة، أما الانتحاري فهو صاحب عقيدة قتل مغلوب بفكرة الفوز بالجنة، وقلنا لا يرجو النجاة ولا يحاذر الموت. يقيناً أن تفجير النفس في متجر أو باص أو طائرة لن يحقق عودة السلف وسيادة الشريعة كما يدعي ويموه أصحاب عقيدة القتل مجازرهم.
أبرز التسميات الشائعة في الغرب والشرق لهذه الجماعة هي الحشاشون (Assassin). فحسب رحالة ومؤرخين أوروبيين عرفوا بذلك نسبة لتعاطي الحشيش بفرض من زعيمهم ابن الصبَّاح. غير أن كتب التاريخ الإسلامي لا تفيد بشيء عن أصل التسمية، ولا عن المخدر المقصود أو علاقة قاطني قلعة «ألموت» به.
بطبيعة الحال، أن ما ذهب إليه المؤرخ حسن الأمين في «الإسماعيليون والمغول» من القول بنسبة التسمية إلى الحشائش، أي الأدوية لا الحشيش المخدر، كان جديراً بالاهتمام. لكن ماذا عن النسبة إلى الحُشاشة بمعنى «بقية الروح في المريض أو الجريح»، فربما لتمرس هؤلاء على الاغتيال وشهرتهم فيه ارتبط اسمهم بالحشاشة حتى ذاع صيتهم بالحشاشين، أو نسبة إلى عملية حش الرقاب لكثرة القتل؟ على أية حال، نستطيع مجازاً القول إنهم يدمنون تعاطي المخدر، لكن ليس بالضرورة أن يكون مادة حشيش أو شونيز أو أي مادة أخرى فطالما خدرت ومسخت عقولهم وغرست فيهم شهوة القتل غرساً.
فسّر ابن الجوزي اندفاع الحشاشين إلى الموت بسبب غبائهم، واستحواذ ابن الصبَّاح عليهم بمواد تبسط أدمغتهم، وفسرها الرحالة ماركو بولو في تقريره حولهم بنيل الجنة. قال واصفاً جنتهم المزعومة، وهي تقع في وادٍ مغلق: «حديقة فيحاء، أكبر وأجمل حديقة يمكن أن تقع عليها العين، وملأها بكل أنواع الفواكه، وأقام فيها قصوراً ومقصورات من أروع ما يمكن تخيله، وجميعها مغطاة برسوم فاتنة، ومموهة بالذهب، وجعل فيها جداول تفيض بالخمر واللبن والعسل، وأقام على خدمة الحديقة فاتنات من أجمل نساء العالم يُجدْن العزف على مختلف الآلآت الموسيقية، ويغنّين بأصوات رخيمة، ويؤدّين رقصات تخلب الألباب»(لويس، الحشاشون، ص(20ـ21). تبدو القصة من اختلاق مخيلة ماركو، وربما سمعها من حشاش أو قريب منهم تحدث إليه عن الجنة المعهودة، ثم ركب الوصف على وادٍ ارتفعت فوقه قلعة «ألموت». إن ما يضعف معلومة ماركو هو حلول الشتاء ببرده القارس في بطن الوادي لمدة سبعة أشهر من العام، حتى يحوله إلى أرض غير ذي زرع (حسب معاينة المستشرق الروسي إيفانوف والمؤرخ حسن الأمين)، فكيف يكون فردوساً عامراً ؟
إن تلقين المنضمين إلى تنظيم النزاريين، وهم حسب ابن الجوزي ُينتقون من الجُهلاء، بمفاهيم الشهادة وشراء الجنة والتبسط في الحديث عن نعمائها الدائمة هَيَّأهم للقيام بالعمل الانتحاري بدون وجل. ينقل ابن الجوزي صورة من صور هيمنة أمير الانتحاريين على أتباعه، وتمكنه من غسل أدمغتهم: قال لجماعة من أصحابه أمام رسول ملك شاه السلجوقي إليه: «أريد أن أنفذكم إلى مولاكم في قضاء حاجة، فمَنْ ينهض لها ؟ فأشرأبَّ كل واحد منهم لذلك، وظن رسول السلطان أنها رسالة يحملها إياهم، فأومأ إلى شاب منهم، فقال له: أقتل نفسك. فجذب سكينة وضرب بها غلصمته فخرَّ ميتاً، وقال لآخر: أرم نفسك من القلعة. فألقى نفسه فتمزَّق، ثم ألتفت إلى رسول السلطان فقال: أخبره أن عندي من هؤلاء عشرين ألفاً هذا حدُّ طاعتهم لي، وهذا هو الجواب» (المنتظم في تاريخ الملوك والأمم 7 ص 64). هذا ما نراه اليوم، فما أن تصدر فتوى القتل أو التفجير لا يفكر المرشح لتنفيذها إلا بالجنة ونعيمها الدائم، بعد الهيمنة الكاملة على دماغه وإفراغه من أي عقلانية.
أسفر خلع وقتل نزار بن المستنصر بالله الفاطمي (ت488هـ) من ولاية العهد لصالح أخيه المستعلي بالله (ت495هـ)، عن حركة أرهبت وأفزعت، طالت الفاطميين بالقاهرة والعباسيين ببغداد والسلاجقة بإيران. فكانت أول عملية اغتيال مارسها النزاريون هي قتل وزير السلاجقة نظام المُلْك (السنة 485هـ). قال صاحب حلب أبو الفداء: «لما كان عاشر رمضان من هذه السنة بعد الإفطار، وهم بالقرب من نهاوند، وقد انصرف نظام المُلْك إلى خيمة حرمه وثب عليه صبي ديلمي في صورة مستعطٍ، وضرب نظام المُلْك بسكين، فقضى عليه، وأدرك أصحاب نظام المُلْك ذلك الصبي فقتلوه، وحصل للعسكر بسبب مقتله شوشة، فركب السلطان وسكن العسكر، وكان نظام المُلْك قد كبر، لأن مولده ثمان وأربعمائة، وكان قتله بتدبير من السلطان ملكشاه »(المختصر في أخبار البشر، 2 ص 202).
كأي تنظيم سري يمارس العنف يقتل مَنْ أطلع على خبره ولم ينتم إليه. قتل بهذه الجريرة النزاريون مؤذناً من أهل ساوة، عرفوه بأمرهم ثم امتنع من الدخول معهم. قيل لما ألقي القبض على المتهم، وكان نجاراً، أمر نظام المُلْك قتله بالمؤذن، فقالوا: «قتلتم منا نجاراً وقتلنا به نظام المُلْك» (المنتظم 17 ص 63).
اعتادوا عند تنفيذ عملياتهم إخفاء حالهم بانتحال هيئة الصوفية وانتظار المطلوب بين صفوف المصلين، أو ارتداء ثياب النساء والمُكدين والدراويش، أو تقديم أنفسهم كطالبي حاجات وعابري سبيل، أو العمل داخل القصور تحت أسماء مستعارة حتى تحين فرصة الانقضاض على الضحية. يعترضون ضحيتهم وهو بين حرسه وشرطته وربما داخل ثكنة الجيش برسالة استرحام أو برسالة من صديق يتوسط بقضاء حاجة حاملها، ولما يقترب من المطلوب يباغتونه بالخناجر في مقتل من جسده. ولا يترددون في التضحية ببعضهم إن اقتضى الأمر.
* باحث عراقي