عباس الابيض
08-04-2018, 07:06 AM
02.08.2018
https://pbs.twimg.com/media/DWowsvhWAAAF4zv.jpg
قصي المعتصم
28 عاما مرت على القرار الذي اتخذه الرئيس الراحل صدام حسين بدخول القوات العراقية إلى الكويت، والذي صاحبه انقلاب شامل وتغيير في تركيبة الأوضاع السياسية في المنطقة، وربما في العالم، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والطموح الأمريكي لقيادة المنطقة والعالم بشكل منفرد.
حاولت "سبوتنيك"، إزاحة الستار عن بعض القضايا التي شابها الغموض في تلك الفترة، وربما تم تسويقها بشكل غير صحيح، فكانت المقابلة التالية مع الضابط السابق في الجيش العراقي، إبان غزو الكويت، قصي المعتصم، ليروي لنا كشاهد عيان تفاصيل ما حدث، كما عاصره على أرض الكويت…
فإلى نص الحوار:
سبوتنيك: كنت أحد ضباط الجيش العراقي عندما تم غزو الكويت… هل لك أن تروي لنا وقائع تلك اللحظات التي كانت سببا في تغيير الأوضاع السياسية في المنطقة؟
كنت بالفعل أحد الضباط الذي دخلوا الكويت، بعد دخول الحرس الجمهوري العراقي للسيطرة على الأرض، وكنت بالخط الأمامي في شهر فبراير/شباط 1991، حيث كنت قائدا لوحدة راجمات صواريخ، وشاركت بكل الحروب بالعراق وخضت المعترك السياسي والاقتصادي في البلاد، وبعد تلك الفترة استطيع القول بأن دخول الكويت كان خطا كبيرا.
سبوتنيك: تقول أن دخول الكويت كان خطأ… فلماذا شاركت به؟
نعم أقول إن دخول الكويت كان خطأ استراتيجيا قاتلا، ولا مبرر له في تلك الأوقات ولا في غيرها، نعم كانت هناك خلافات مع الكويت على الحدود عمرها 100 عام تقريبا منذ أن تم رفع العلم الكويتي وعليه شعار الدولة العثمانية في عام 1911م، قبل الإتفاق العثماني البريطاني وإلى الآن، وخلال تلك الفترة تقدمت الحدود الكويتية داخل الأراضي العراقية شيئا فشيئا وصولا إلى "خور عبد الله" في الآونة الأخيرة.
في الحقيقة أن قرار دخول الكويت بالشكل المفاجيء، الذي تم به كان بمثابة الصدمة بالنسبة لي بشكل خاص، كما أنه شكل مفاجأة أيضا بالنسبة للكثير من العراقيين، حيث كان القرار متسرعا ومفاجئا حتى بالنسبة للقيادات العسكرية، ولم يكن هناك عراقي مقتنع بهذا القرار، والذي مثل مفصلا تاريخيا في علاقات الأمة العربية فيما بينها، وكان القرار أيضا يتعارض مع فكر حزب البعث الذي كان يحكم العراق وقتها، وكان يخدم المواطنين والدولة العراقية.
لكن تلك الخطوة كانت خطأ استراتيجيا في سياسة الدولة العراقية على مدى عقود طويلة، لذا فدخول الكويت كان له بالغ الأثر على العلاقات العربية — العربية، وحتى على علاقات العراقيين فيما بينهم، علاوة على تأثيراتها المستقبلية، والتي بدأت بالحصار، الذي فرض على العراق منذ العام 1990، واستمر حتى بداية الاحتلال في العام 2003، وأوجد دخول العراق إلى الكويت أعذارا لدخول القوات الأمريكية إلى العراق والمنطقة، وبالتالي تم تدمير بلد كان يعول عليه بأن يكون قلعة لحماية أرضه وأمته العربية، ومن وجهه نظري سيبقى غزو الكويت نقطة سوداء في تاريخ العراق.
سبوتنيك: البعض يسوق الكثير من المبررات دفاعا عن القرار العراقي بدخول الكويت… ما رأيكم؟
لا مبررات لتلك الأزمة في ذلك التوقيت، الذي كان الجيش العراقي لم يسترح فيه من حرب طويلة الأمد استمرت 7 سنوات مع إيران، وكان هناك حلول عديدة لتجاوز هذه الأزمة لكن للأسف الشديد كان هناك تسرع في القرار، دفع العراقيين مقابله أغلى الأثمان.
سبوتنيك: كيف تعامل الجيش العراقي مع قوات التحالف، التي قامت بتحرير الكويت؟
بكل أمانة وصدق، وهذا الكلام يقال للمرة الأولى وربما لا يعرفه الكثيرون، وحتى الكويتيون، ومن أجل إعادة التاريخ إلى وضعه الطبيعي، إن الكويت لم يحررها التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إنما من قام بتحريرها هم أفراد الجيش العراقي، الذين رفضوا قتال القوات العربية أو القتال بشراسة حتى الاستماتة، والتي كانت ستدمر الكويت.
والدليل على ذلك أننا إلى أن خرجنا من الكويت لم تدمر بناية واحدة ولم تدمر البنى التحتية للدولة.
وفي أول يوم بدأت فيه الطائرات الأمريكية بضرب آبار النفط والمنشآت النفطية الكويتية في 17 يناير/ كانون الثاني 1991، التي تم الإدعاء بعدها بأن العراق هو من قام بتدميرها، وهذا غير صحيح.
أنا أقول لكم هذا السر، لأنني شاهد عيان عليه، فقد أرادت أمريكا تضخيم الأمور في تلك اللحظات وقطع الطريق على كل مبادرات المصالحة.
وكانت القمة العربية التي عقدت من أجل الغزو حريصة على إدانة العراق والسماح للأمم المتحدة باتخاذ إجراءات وضع العراق تحت البند السابع، وهذا كان أبلغ دليل على التخبط العربي وعدم الروية الحقيقية للحالة، التي كان يمكن حلها حتى لو تم الانتظار لفترة أطول، لكن وبكل أسف أن العرب ساهموا في عدم الحل، بل وتأجيج الصراع لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي هى المستفيد الأول والأخير من كل ما حصل.
وهناك خطأ استراتيجي قاتل آخر، عندما تجاوز الجيش العراقي الكويت، ودخل إلى الأراضي السعودية، وكان هذا مبرر لموافقة السعودية على إنزال كامل للقوات الأمريكية، بعدما أشيع أن العراق يريد السيطرة على كل الخليج العربي.
سبوتنيك: أنت تحمل القيادة السياسية في العراق المسؤولية الكاملة عن الغزو… ويرى آخرون أن الكويت تتحمل جزءا من تلك المسؤولية… ما رأيكم؟
كان للقيادة السياسية البعثية محدودية في أن الأوضاع لن تتعدى الكويت، وأيضا ما بدر من القيادات الكويتية من إصرار وعناد وأذى للعراقيين لم يكن له مبرر، وكان بإمكان القيادة الكويتية أن تكون حكيمة أكثر وتتعامل مع الموضوع بجدية وأخوية.
لكن هناك من حاول دفع الكويتيين للتشدد والتصلب في مواقفهم تجاة العراق، وللأسف حدث ما نعاني منه جميعا إلى اليوم من شرخ في جسد الأمة يستغله البعض لتنفيذ أجندات معينة.
هناك أمور دولية وظروف عالمية غير طبيعية ساهمت في تنفيذ الأجندات الأمريكية ومنها، انهيار الإتحاد السوفييتي في العام 1991، وهو الأمر الذي ساهم في عدم تدخل الروس لأنهم كانوا في أزمة شديدة وانهيار كامل، وكان ابتعاد روسيا عن التدخل يخدم مصالحها في ذلك الوقت، نظرا لارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الروسي، وهنا نلاحظ أن هناك أجندات إقليمية ودولية لعبت أدوار رئيسية أو ثانوية للاستفادة من الموقف في ذلك الوقت وتأجيجه إلى يومنا هذا.
سبوتنيك: ما هي أهم المواقف التي صادفتك، عندما دخلت مع الجيش العراقي إلى الكويت؟
أول تلك المواقف التي أود ذكرها، أنه قبل بدأ عمليات القصف الأمريكي على الكويت، كان هناك قرابة مليوني عسكري عراقي على الأراضي الكويتية، وهذا الأمر تأكيد لما ذكرته بأن الجيش العراقي هو من حرر الكويت وليس الأمريكان، وبعد انتهاء الحرب وجد 200 ألف أسير لدى التحالف، وهو ما يعني انسحاب ما يقارب مليون و800 جندي عراقي من الكويت قبل بدء المعركة النهائية، حيث كانت نسبة القدرات القتالية في بعض الوحدات ربما لا تتجاوز 5% كقدرة قتالية.
وكنا نشاهد أفواجا كثيرة من العراقيين ينسحبون ليلا عائدين لبلادهم، تعبيرا عن رفضهم للحرب، ولن أنسى أنني كنت غير قادرا على الانسحاب نظرا للعقوبات المفروضة علينا، ولم أكن مقتنعا بأن نقاتل أو ندخل في حرب مع أي فرد من ابنا الأمة، التي دافعنا عنها لسنوات طويلة، وكان هذا يؤلمني جد واستمر معي لسنوات حتى طلبت التقاعد في العام 1999، عندما رأيت أن الجيش العراقي أصبح لا يعتمد عليه، ولم يكن طموحي أن أبقى بالجيش.
سبوتنيك: لاحقت الجيش العراقي الكثير من التهم أثناء دخوله الكويت منها… النهب والسرقة والاغتصاب… ما حقيقة ذلك؟
كل تلك التهم غير صحيحة بالمرة، فقط كانت هناك حالات فردية يمكن أن تحدث في أي مكان بالعالم وفي أي جيش، وتلك الواقعة عاصرتها بنفسي، أن أحد الضباط برتبة "مقدم" ارتكب جريمة سرقة على هامش العمليات العسكرية فتم إعدامه بالكويت بأمر من الرئيس صدام حسين، وكنت اتجول بالكويت وأشاهد الحياة الطبيعية، وكان الكويتيون يحبون العراقيين، ولم يجرأ أي عراقي بالكويت على ارتكاب جرائم سرقة أو قتل أو اغتصاب، وهناك عمليات كذب وتدليس تم بموجبها دفع مليارات الدولارات من جانب العراقيين للكويت كتويضات وهى غير صحيحة، فلم نكن نتعامل سوى بالود والاحترام، والجيش العراقي لم يكن يتمنى ما حدث، وفي آخر ليلة للهجوم كنت على الحدود في منطقة "المناقيش" على الحدود من الجهراء خروجا على طريق الكويت السعودية، وكنا نشاهد الكويت مضاءة، فكانت الكهرباء والمياه والخدمات متوفرة، وقبل أربعة أيام من بدء الهجوم البري من جانب التحالف على الكويت، كان هناك اجتماع للقيادات العراقية مع مسؤولين كبار، وعلى رأسهم حسين كامل المجيدي (مؤسس الحرس الجمهوري العراقي وزوج بنت صدام حسين) والتقى القادة بنا "كآمري" وحدات، وكان سؤالنا وماذا بعد 35 يوما من القصف المستمر، من جانب التحالف بقيادة الولايات المتحدة، فقد دمرت قدرات الجيش، وهربت نسب عالية جدا من الوحدات، وكان الجميع يفكر ما هو الحل… وهل نحن ماضون في حرب لا جدوى لها… وعندما عدنا إلى وحداتنا في 21فبراير/شباط 1991، عندما عدنا إلى وحداتنا كان هناك بدء هجوم بري أمريكي باتجاه "المناقيش" في محاولة لتطويق الجيش العراقي.
دارت معركة بيننا وبين القوات المهاجمة استمرت لساعات طويلة، وأوقفنا تقدمهم وتكرر الأمر في اليوم التالي، ولم يستطيعوا الاختراق نظرا لكثافة النيران المضادة لهم، ولم نكن نعلم شيئا عن جنسية القوات المهاجمة.
واتضح فيما بعد أنه لواء أمريكي كان يحاول اختراق القطاعات، وفي تلك اللحظات كان رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز يجري مفاوضات وتفاهمات مع الجانب الروسي لإيقاف الحرب وانسحاب القوات العراقية من الكويت.
وكانت تصلنا الأخبار بقرب وقف القتال، ولكننا فوجئنا بالهجوم البري فجر 23/24 فبراير/شباط 1991، ولم تجد القوات المهاجمة دفاع مستميت عن أماكنها نظرا لانعدام الهدف والقناعات من جانب الجنود بجدوى الحرب ومشروعيتها، وهو الأمر الذي أدركته القيادة العراقية في النهاية بعد أن وصلت الأمور لحل لا يمكن التراجع عنه، وبعد التوصل لحل لسحب القوات العراقية خلال 24 ساعة من الكويت كان يمكن تنفيذ ذلك على الأرض وتجنيب القوات ماحدث.
لكن للأسف القيادة العراقية لم تتخذ القرار في وقته لتجنب الدمار والحرب الشاملة التي حدثت، وتلك الأخطاء تراكمت على الخطأ الأول بغزو الكويت في ذلك التاريخ.
ونستكمل تلك الشهادة في الجزء الثاني من الحوار
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب
https://arabic.sputniknews.com/interview/201808021034324208-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%BA%D8%B2%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA/
https://pbs.twimg.com/media/DWowsvhWAAAF4zv.jpg
قصي المعتصم
28 عاما مرت على القرار الذي اتخذه الرئيس الراحل صدام حسين بدخول القوات العراقية إلى الكويت، والذي صاحبه انقلاب شامل وتغيير في تركيبة الأوضاع السياسية في المنطقة، وربما في العالم، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والطموح الأمريكي لقيادة المنطقة والعالم بشكل منفرد.
حاولت "سبوتنيك"، إزاحة الستار عن بعض القضايا التي شابها الغموض في تلك الفترة، وربما تم تسويقها بشكل غير صحيح، فكانت المقابلة التالية مع الضابط السابق في الجيش العراقي، إبان غزو الكويت، قصي المعتصم، ليروي لنا كشاهد عيان تفاصيل ما حدث، كما عاصره على أرض الكويت…
فإلى نص الحوار:
سبوتنيك: كنت أحد ضباط الجيش العراقي عندما تم غزو الكويت… هل لك أن تروي لنا وقائع تلك اللحظات التي كانت سببا في تغيير الأوضاع السياسية في المنطقة؟
كنت بالفعل أحد الضباط الذي دخلوا الكويت، بعد دخول الحرس الجمهوري العراقي للسيطرة على الأرض، وكنت بالخط الأمامي في شهر فبراير/شباط 1991، حيث كنت قائدا لوحدة راجمات صواريخ، وشاركت بكل الحروب بالعراق وخضت المعترك السياسي والاقتصادي في البلاد، وبعد تلك الفترة استطيع القول بأن دخول الكويت كان خطا كبيرا.
سبوتنيك: تقول أن دخول الكويت كان خطأ… فلماذا شاركت به؟
نعم أقول إن دخول الكويت كان خطأ استراتيجيا قاتلا، ولا مبرر له في تلك الأوقات ولا في غيرها، نعم كانت هناك خلافات مع الكويت على الحدود عمرها 100 عام تقريبا منذ أن تم رفع العلم الكويتي وعليه شعار الدولة العثمانية في عام 1911م، قبل الإتفاق العثماني البريطاني وإلى الآن، وخلال تلك الفترة تقدمت الحدود الكويتية داخل الأراضي العراقية شيئا فشيئا وصولا إلى "خور عبد الله" في الآونة الأخيرة.
في الحقيقة أن قرار دخول الكويت بالشكل المفاجيء، الذي تم به كان بمثابة الصدمة بالنسبة لي بشكل خاص، كما أنه شكل مفاجأة أيضا بالنسبة للكثير من العراقيين، حيث كان القرار متسرعا ومفاجئا حتى بالنسبة للقيادات العسكرية، ولم يكن هناك عراقي مقتنع بهذا القرار، والذي مثل مفصلا تاريخيا في علاقات الأمة العربية فيما بينها، وكان القرار أيضا يتعارض مع فكر حزب البعث الذي كان يحكم العراق وقتها، وكان يخدم المواطنين والدولة العراقية.
لكن تلك الخطوة كانت خطأ استراتيجيا في سياسة الدولة العراقية على مدى عقود طويلة، لذا فدخول الكويت كان له بالغ الأثر على العلاقات العربية — العربية، وحتى على علاقات العراقيين فيما بينهم، علاوة على تأثيراتها المستقبلية، والتي بدأت بالحصار، الذي فرض على العراق منذ العام 1990، واستمر حتى بداية الاحتلال في العام 2003، وأوجد دخول العراق إلى الكويت أعذارا لدخول القوات الأمريكية إلى العراق والمنطقة، وبالتالي تم تدمير بلد كان يعول عليه بأن يكون قلعة لحماية أرضه وأمته العربية، ومن وجهه نظري سيبقى غزو الكويت نقطة سوداء في تاريخ العراق.
سبوتنيك: البعض يسوق الكثير من المبررات دفاعا عن القرار العراقي بدخول الكويت… ما رأيكم؟
لا مبررات لتلك الأزمة في ذلك التوقيت، الذي كان الجيش العراقي لم يسترح فيه من حرب طويلة الأمد استمرت 7 سنوات مع إيران، وكان هناك حلول عديدة لتجاوز هذه الأزمة لكن للأسف الشديد كان هناك تسرع في القرار، دفع العراقيين مقابله أغلى الأثمان.
سبوتنيك: كيف تعامل الجيش العراقي مع قوات التحالف، التي قامت بتحرير الكويت؟
بكل أمانة وصدق، وهذا الكلام يقال للمرة الأولى وربما لا يعرفه الكثيرون، وحتى الكويتيون، ومن أجل إعادة التاريخ إلى وضعه الطبيعي، إن الكويت لم يحررها التحالف بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، إنما من قام بتحريرها هم أفراد الجيش العراقي، الذين رفضوا قتال القوات العربية أو القتال بشراسة حتى الاستماتة، والتي كانت ستدمر الكويت.
والدليل على ذلك أننا إلى أن خرجنا من الكويت لم تدمر بناية واحدة ولم تدمر البنى التحتية للدولة.
وفي أول يوم بدأت فيه الطائرات الأمريكية بضرب آبار النفط والمنشآت النفطية الكويتية في 17 يناير/ كانون الثاني 1991، التي تم الإدعاء بعدها بأن العراق هو من قام بتدميرها، وهذا غير صحيح.
أنا أقول لكم هذا السر، لأنني شاهد عيان عليه، فقد أرادت أمريكا تضخيم الأمور في تلك اللحظات وقطع الطريق على كل مبادرات المصالحة.
وكانت القمة العربية التي عقدت من أجل الغزو حريصة على إدانة العراق والسماح للأمم المتحدة باتخاذ إجراءات وضع العراق تحت البند السابع، وهذا كان أبلغ دليل على التخبط العربي وعدم الروية الحقيقية للحالة، التي كان يمكن حلها حتى لو تم الانتظار لفترة أطول، لكن وبكل أسف أن العرب ساهموا في عدم الحل، بل وتأجيج الصراع لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية، والتي هى المستفيد الأول والأخير من كل ما حصل.
وهناك خطأ استراتيجي قاتل آخر، عندما تجاوز الجيش العراقي الكويت، ودخل إلى الأراضي السعودية، وكان هذا مبرر لموافقة السعودية على إنزال كامل للقوات الأمريكية، بعدما أشيع أن العراق يريد السيطرة على كل الخليج العربي.
سبوتنيك: أنت تحمل القيادة السياسية في العراق المسؤولية الكاملة عن الغزو… ويرى آخرون أن الكويت تتحمل جزءا من تلك المسؤولية… ما رأيكم؟
كان للقيادة السياسية البعثية محدودية في أن الأوضاع لن تتعدى الكويت، وأيضا ما بدر من القيادات الكويتية من إصرار وعناد وأذى للعراقيين لم يكن له مبرر، وكان بإمكان القيادة الكويتية أن تكون حكيمة أكثر وتتعامل مع الموضوع بجدية وأخوية.
لكن هناك من حاول دفع الكويتيين للتشدد والتصلب في مواقفهم تجاة العراق، وللأسف حدث ما نعاني منه جميعا إلى اليوم من شرخ في جسد الأمة يستغله البعض لتنفيذ أجندات معينة.
هناك أمور دولية وظروف عالمية غير طبيعية ساهمت في تنفيذ الأجندات الأمريكية ومنها، انهيار الإتحاد السوفييتي في العام 1991، وهو الأمر الذي ساهم في عدم تدخل الروس لأنهم كانوا في أزمة شديدة وانهيار كامل، وكان ابتعاد روسيا عن التدخل يخدم مصالحها في ذلك الوقت، نظرا لارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، وهو ما انعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الروسي، وهنا نلاحظ أن هناك أجندات إقليمية ودولية لعبت أدوار رئيسية أو ثانوية للاستفادة من الموقف في ذلك الوقت وتأجيجه إلى يومنا هذا.
سبوتنيك: ما هي أهم المواقف التي صادفتك، عندما دخلت مع الجيش العراقي إلى الكويت؟
أول تلك المواقف التي أود ذكرها، أنه قبل بدأ عمليات القصف الأمريكي على الكويت، كان هناك قرابة مليوني عسكري عراقي على الأراضي الكويتية، وهذا الأمر تأكيد لما ذكرته بأن الجيش العراقي هو من حرر الكويت وليس الأمريكان، وبعد انتهاء الحرب وجد 200 ألف أسير لدى التحالف، وهو ما يعني انسحاب ما يقارب مليون و800 جندي عراقي من الكويت قبل بدء المعركة النهائية، حيث كانت نسبة القدرات القتالية في بعض الوحدات ربما لا تتجاوز 5% كقدرة قتالية.
وكنا نشاهد أفواجا كثيرة من العراقيين ينسحبون ليلا عائدين لبلادهم، تعبيرا عن رفضهم للحرب، ولن أنسى أنني كنت غير قادرا على الانسحاب نظرا للعقوبات المفروضة علينا، ولم أكن مقتنعا بأن نقاتل أو ندخل في حرب مع أي فرد من ابنا الأمة، التي دافعنا عنها لسنوات طويلة، وكان هذا يؤلمني جد واستمر معي لسنوات حتى طلبت التقاعد في العام 1999، عندما رأيت أن الجيش العراقي أصبح لا يعتمد عليه، ولم يكن طموحي أن أبقى بالجيش.
سبوتنيك: لاحقت الجيش العراقي الكثير من التهم أثناء دخوله الكويت منها… النهب والسرقة والاغتصاب… ما حقيقة ذلك؟
كل تلك التهم غير صحيحة بالمرة، فقط كانت هناك حالات فردية يمكن أن تحدث في أي مكان بالعالم وفي أي جيش، وتلك الواقعة عاصرتها بنفسي، أن أحد الضباط برتبة "مقدم" ارتكب جريمة سرقة على هامش العمليات العسكرية فتم إعدامه بالكويت بأمر من الرئيس صدام حسين، وكنت اتجول بالكويت وأشاهد الحياة الطبيعية، وكان الكويتيون يحبون العراقيين، ولم يجرأ أي عراقي بالكويت على ارتكاب جرائم سرقة أو قتل أو اغتصاب، وهناك عمليات كذب وتدليس تم بموجبها دفع مليارات الدولارات من جانب العراقيين للكويت كتويضات وهى غير صحيحة، فلم نكن نتعامل سوى بالود والاحترام، والجيش العراقي لم يكن يتمنى ما حدث، وفي آخر ليلة للهجوم كنت على الحدود في منطقة "المناقيش" على الحدود من الجهراء خروجا على طريق الكويت السعودية، وكنا نشاهد الكويت مضاءة، فكانت الكهرباء والمياه والخدمات متوفرة، وقبل أربعة أيام من بدء الهجوم البري من جانب التحالف على الكويت، كان هناك اجتماع للقيادات العراقية مع مسؤولين كبار، وعلى رأسهم حسين كامل المجيدي (مؤسس الحرس الجمهوري العراقي وزوج بنت صدام حسين) والتقى القادة بنا "كآمري" وحدات، وكان سؤالنا وماذا بعد 35 يوما من القصف المستمر، من جانب التحالف بقيادة الولايات المتحدة، فقد دمرت قدرات الجيش، وهربت نسب عالية جدا من الوحدات، وكان الجميع يفكر ما هو الحل… وهل نحن ماضون في حرب لا جدوى لها… وعندما عدنا إلى وحداتنا في 21فبراير/شباط 1991، عندما عدنا إلى وحداتنا كان هناك بدء هجوم بري أمريكي باتجاه "المناقيش" في محاولة لتطويق الجيش العراقي.
دارت معركة بيننا وبين القوات المهاجمة استمرت لساعات طويلة، وأوقفنا تقدمهم وتكرر الأمر في اليوم التالي، ولم يستطيعوا الاختراق نظرا لكثافة النيران المضادة لهم، ولم نكن نعلم شيئا عن جنسية القوات المهاجمة.
واتضح فيما بعد أنه لواء أمريكي كان يحاول اختراق القطاعات، وفي تلك اللحظات كان رئيس الوزراء العراقي طارق عزيز يجري مفاوضات وتفاهمات مع الجانب الروسي لإيقاف الحرب وانسحاب القوات العراقية من الكويت.
وكانت تصلنا الأخبار بقرب وقف القتال، ولكننا فوجئنا بالهجوم البري فجر 23/24 فبراير/شباط 1991، ولم تجد القوات المهاجمة دفاع مستميت عن أماكنها نظرا لانعدام الهدف والقناعات من جانب الجنود بجدوى الحرب ومشروعيتها، وهو الأمر الذي أدركته القيادة العراقية في النهاية بعد أن وصلت الأمور لحل لا يمكن التراجع عنه، وبعد التوصل لحل لسحب القوات العراقية خلال 24 ساعة من الكويت كان يمكن تنفيذ ذلك على الأرض وتجنيب القوات ماحدث.
لكن للأسف القيادة العراقية لم تتخذ القرار في وقته لتجنب الدمار والحرب الشاملة التي حدثت، وتلك الأخطاء تراكمت على الخطأ الأول بغزو الكويت في ذلك التاريخ.
ونستكمل تلك الشهادة في الجزء الثاني من الحوار
أجرى الحوار/ أحمد عبد الوهاب
https://arabic.sputniknews.com/interview/201808021034324208-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D8%BA%D8%B2%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA/