المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : «ربيع» طهران الانتخابي! .......محمد صادق الحسيني



yasmeen
06-15-2005, 07:10 AM
محمد صادق الحسيني
الحياة
كاتب متخصص في الشؤون الايرانية.

مع كل يوم نقترب فيه من يوم الاستحقاق الانتخابي الرئاسي التاسع في ايران، نلحظ فيه توقاً شديداً لدى الناخب الايراني وتباعاً المرشح الايراني نحو ما يمكن تلخيصه بـ«الفضاء الجديد».

وهي العبارة التي باتت تتردد على لسان حتى أكثر المرشحين «تشدداً» فضلاً عن انسيابها في خطابات اكثرية الناشطين من أجل فوز مرشحهم بالانتخابات كما «المياه في مجاريها الطبيعية».

يقولون انه فضاء يجب ان «يليق بكل ايراني»، فضاء لا وجود فيه للمحسوبية والمنسوبية، فضاء يمنع تشكل «موازنات» للفساد الاقتصادي أو السياسي الذي عادة ما تجد طريقها للتشكل على هامش الاقتدار السلطوي أياً تكن ايديولوجية النظام ونيات الحاكم ومناقبيته. فضاء يفتح الباب واسعاً أمام حركة سلسة لتداول المسؤولية للنخب بكل مشاربها وأطيافها. فضاء يليق بالوطن الكبير، الوطن الأم الذي يفترض انه يضم ويحتضن في داخله كل النوى والمكونات «الأصغر» للوطن الأم الكبير من مكونات دينية أو وطنية عامة أو ثقافية أو عرقية أو فئوية أو مناطقية.

فضاء يفسح في المجال للرأي والرأي الآخر ان يتجاذبا ويتدافعا من أجل رفعة «الوطن» وتقدمه وعزته وأخذ مكانه اللائق بين الأمم وفي المعادلة الدولية شرط ان يبقى سقف كل تلك التجاذبات والتدافعات هو سقف الوطن لا سقف مستعاراً من هنا أو هناك وان يكون هذا «الوطن» بالمقابل متاحاً للجميع من دون استثناء للاحتماء والتغني والاستعانة به لنيل الحقوق بصورة متساوية لا غبن فيها لـ«صغير» لحساب «كبير» ولا لفقير لحساب غني ولا لضعيف لحساب قوي!

إنه إذاً عصر «التجديد» واعادة وصل ما انقطع بين الناخب والمنتخب يجب ان يستثمره المرشح من أجل إدراك أفضل لهموم المواطن واهتماماته وان يستثمره المواطن الناخب ليقول كلمته من دون مجاملة أو وجل.

مثل هذا الكلام يفترض به ان لا يكون خاصاً بإيران. انه الكلام الذي نسمعه اليوم في أكثر من بلد عربي واسلامي. لكن التحدي الأكبر الذي تواجهه هذه البلدان مجتمعة ومنها ايران هو: «اي فضاء جديد هذا الذي يجب ان تختار؟ هل هو الفضاء الجديد الذي يلح عليه المواطن ويطالب به منذ زمن بناءً على حاجات داخلية نابعة من تطور طبيعي للفرد والجماعة في المجتمع؟! أم هو الفضاء «الجديد» الذي تسعى الى فرضه على الناس القوى الخارجية المتحكمة بزمام المعادلة الدولية حماية لمصالحها؟ أم هو الفضاء «الجديد» الذي تتخيله وتتوهمه النخب المقطوعة الجذور عن الناس سواء كانت موالية أو معارضة للحكم في بلادها؟!

فالناس تريد بالفعل أجواء جديدة وفضاء جديداً و«هواء» جديداً على حد تعبير أحد مرشحي الرئاسة هنا في ايران، ودماء جديدة تتدفق في عروق الحركة السياسية و»المجتمع المدني» على حد سواء ولكن من النوع الذي تشارك به هي بشكل أساسي انطلاقاً من مواقع وجودها الرئيسية ومواقع نشاطها الرئيسي ككتل جماهيرية كبرى متحركة، وليس أي «فضاء» كان حتى لو كان «جديداً» لمجرد ان مجموعة نخبوية هنا أو تجمعاً حزبياً هناك تخيلوه أو توهموه في غرفهم المغلقة أو مناقشاتهم العبثية.

من يقرأ الساحة الايرانية عن قرب اليوم ويلامس حراكها السياسي يستطيع اكتشاف الكثير من «الجديد» الذي تريده الناس، منه ما هو معروف لدى عامة الناس في بلدان العالم المختلفة كما ذكرنا، لكن منه ما هو خاص ربما بإيران اكثر من غيرها. وقد يفاجأ المراقبون اذا ما اكتشفوا ان من بين هذا «الجديد» الانكفاء عن مقولة الحزب والاحزاب، وكذلك الانكفاء عن مقولة «الديموقراطية» والعمل الديموقراطي على الطريقة الغربية المتعارف عليها، خصوصاً بعد الذي رآه من مشاهد «ديموقراطية» في العراق وافغانستان والى حد ما في فلسطين ولبنان!

لقد بدأوا يبحثون عن «الجديد» بالفعل، لكنه الجديد القادم من المسجد والجامع والحسينية ورموز المجتمع الاهلي الضاربة جذورها بالأرض بعدما اكتشفوا امكان ان تكون الاحزاب مجرد واجهة لكيانات بلا جذور وقيادات سلطوية بلا جمهور.

انها أشبه بـ«يقظة» الفتى اليافع من احلام المراهقة و«العودة» إذا شئت الى سن الرشد! الراسخون بعلم التحولات الاجتماعية في ايران منذ نهضتها الدستورية في بدايات القرن الماضي مروراً بالحركة التحررية الاستقلالية وتأميم النفط ومن ثم تصدر علماء الدين لثورتها التحررية السلمية المعروفة بالثورة الاسلامية في العام 1979 وتعريجاً على الحركة الاصلاحية المتجددة في العام 1996، يكادون يقطعون بأن الناس في ايران ليست «حزبية» لا تحمل وداً لمقولة الاحزاب ومن المستبعد جداً ان تلجأ يوماً لـ«الحزب» بمفهومه الغربي الليبرالي على الأقل وسيلة للاصلاح أو التجدد فضلاً عن خشبة للخلاص أو الانقاذ!

الناس في ايران تبحث عن «ربيع» حقيقي تتنفس فيه الهواء الطلق انسجاماً مع هويتها الدينية والقومية والثقافية الاعتدالية المسالمة بعيداً عن الافراط والتفريط في السلوك والمعاملات سواء في ما بينهم أو مع «الآخر» حتى لو كان خصماً ظالماً.

الشاعر الكبير حافظ الشيرازي يكاد يلخص في بيت شعره الشهير هذا الاعتقاد السائد لدى الايرانيين عندما يقول: «سعادة الدارين في هذين البيتين/ مروءة مع الصديق ومداراة مع العدو»!

لذلك فإن كل التوقعات والتحليلات والاستطلاعات في ايران تفيد بأن الناس تبحث عن فضاء جديد حقاً وربيع طازج ونقي وأصيل حقاً ليأتي به أياً كان اسم الرئيس القادم، لكنه لن يكون إلا ابناً للاعتدال والتنمية والوسطية والمروءة مع أهل الداخل كل الداخل والمداراة مع أهل الخارج كل الخارج من دون ان يفرط بأي بند من بنود وطنية الناس أو تدنيها أو يفرط في «تساهله» أو «تسامحه» مع أهل الخارج.

ثمة من «يقطع» هنا مغامراً بهذا القطع ويقول إن الرئيس المقبل القادر على سوق البلاد باتجاه هذا «الربيع» لن يكون أحداً غير رفسنجاني! هكذا يروج حواريوه ومناصروه ومحازبوه و«شبابه وشاباته» الجدد في شوارع طهران التي تمتلئ هذه الأيام بـ«مهرجاناتهم» المتميزة و«استعراضاتهم» الملفتة بالقياس مع غيرها. لكن ذلك دونه معركة أقلام انتخابية قاسية ومنافسة «شوارعية» حامية و«حرب نفسية» شديدة القسوة تقودها ضده جماعات اليمين واليسار الديني المتشدد هنا بكل أشكال المناشير والبيانات الليلية والنهارية الخفية والعلنية الى حين انجلاء الموقف في 27 من الشهر الجاري.