المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الباحث د.بيير فيتوريو مانوتشي : الإفراط في التخصص الوظيفي يؤثر سلباً على الإبداع



القمر الاول
02-16-2018, 11:30 PM
في دراسة نشرتها جامعة HEC Paris للباحث د.بيير فيتوريو مانوتشي وخصت بها «الأنباء»

الجمعة 2018/2/16 المصدر : الأنباء


http://www.alanba.com.kw/articlefiles/2018/02/812491-1.jpg?crop=(9,0,285,450)&cropxunits=298&cropyunits=450&height=500

د. بيير فيتوريو مانوتشي

من دون التحلي بالمعرفة المتخصصة تبقى الأفكار الجديدة متناثرة

المخزون الفكري الكبير يجعل من المستحيل عملياً الخروج بفكرة مبدعة

يتباين مستوى الإبداع لدى الموظفين بمرور الوقت وتبقى القدرة على توليد أفكار جديدة بالعمل مرتبطة بمدى عمق واتساع نطاق المعارف، وكذلك العوامل المرتبطة بتعقيد أو مرونة القاعدة المعرفية.

كذلك تتباين أهمية جميع تلك العوامل مع مرور الزمن، لذا فإن تعزيز الإبداع يتوقف على مواءمة المحفزات وعناصر التأثير، وذلك حسب دراسة نشرتها جامعة الدراسات العليا لإدارة الأعمال HEC Paris للباحث د.بيير فيتوريو مانوتشي.

وترصد الدراسة أداء الموظفين العاملين في قطاع أفلام الرسوم المتحركة، والتي يوضح فيها د.مانوتشي أن الأنواع المختلفة للمعرفة تسهم في تعزيز مكامن الإبداع لدى أولئك الموظفين، وذلك في مختلف مراحل حياتهم المهنية. وتسلط هذه الدراسة الضوء على دور المرونة المعرفية أو الجمود الذهني في هذا القطاع الديناميكي.

التخصص عنصر أساسي للإبداع

يوضح د.مانوتشي أن قدرة الموظفين على توليد الأفكار الجديدة والمبتكرة تتباين في مختلف مراحل حياتهم المهنية، حيث يرجع ذلك لوجود نوعين أساسيين من المعارف التي يمكنهم تطويرها أو إثراؤها بالتناوب أو حتى إهمالها بالتوازي مع مواصلة الموظفين والأفراد لتطورهم المهني.

ويتمثل النوع الأول في المعرفة المتخصصة، أما النوع الثاني فهو المعرفة المتنوعة التي تسهم في إثراء القاعدة المعرفية لأي شخص.

في الواقع، تنطوي المعرفة المتخصصة (النوع الأول) ـ رغم أنه قد تبدو غير بديهية أو متوقعة ـ على أهمية أكبر لجهة توليد الأفكار الجديدة مقارنة بالمعرفة المتنوعة (النوع الثاني).

وتبين الدراسة أن توظيف فكرة جديدة بطريقة إيجابية وبناءة يتطلب من الشخص التحلي بالمعرفة المتخصصة التي يمكن أن تشكل أداة تمييز تساعد على التمعن جيدا في كل الأفكار.

ويقول مانوتشي بهذا السياق «من دون التحلي بالمعرفة المتخصصة، تبقى الأفكار الجديدة متناثرة، وهذا ما يحدث في حالة مخزون الأفكار لدى الكتاب، إذ إن المشكلة لا تكمن في الافتقار إلى الأفكار، وإنما في وجود مخزون فكري كبير يجعل من المستحيل عمليا الخروج بفكرة جيدة أو مبدعة». وتساعد المعرفة المتخصصة الموظفين على تطوير الأفكار وسبل تطويرها بطريقة منتجة تثمر عن نتائج إيجابية بنهاية المطاف.

قد يشعر الموظفون المبتدئون بالكثير من الحماس أول الأمر، ولكنهم لا يمتلكون بالضرورة المعرفة المتعمقة التي تتيح لهم التمييز بين ما هو جديد ومبتكر، أو ببساطة استكشاف ما هو جديد بالنسبة لهم.

ويقدم د.مانوتشي شركة «بيكسار استوديوز» كمثال توضيحي حول هذا الموضوع، فهي تتعامل مع هذه المسألة عبر توصية الموظفين الجدد بالانضمام إلى دورات تثقيفية وتعليمية توضح لهم بشكل مباشر طبيعة أدوارهم في العمل.

وتساعد هذه الطريقة على تعيين الكوادر في هذه الشركة المتخصصة بالمحتوى الإبداعي ضمن مناصب تؤهلهم جيدا لبناء المعارف المتعمقة التي يحتاجون اليها من أجل المساهمة بشكل فعال في تطوير الشركة، وكلما استطاع الموظف تطوير مزيد من المعارف المتخصصة، تنامت فرص اكتسابه للقدرة على التعامل مع الجوانب المعرفية المعقدة، وهو ما سيؤثر إيجابا على الإبداع.

وفي المقابل، هناك جانب سلبي للمعرفة المتعمقة، فمع مرور الوقت، يمكن لتعمق المعارف أن يسهم في تفاقم الجمود المعرفي أو الذهني. يضيف مانوتشي حول ذلك «كلما عرفنا أشياء أو معلومات جديدة حول موضوع معين، التصق تفكيرنا واهتمامنا بذلك الموضوع.

وباختصار، نؤمن بأن التخصص هو شرط أساسي للإبداع، ولكن يجب أن نمنعه من تضييق آفاق تفكيرنا».

التنويع وسيلة مهمة لموازنة التخصص المعرفي

إن النجاح في منع المعرفة من التطور إلى كتلة غير مرنة من الأفكار يتطلب من الموظفين الاهتمام بجوانب معرفية جديدة ومتنوعة، خصوصا الموظفين الذين استطاعوا تطوير خبرات عملية متخصصة وعالية المستوى، حيث إن التركيز على مجالات تقع خارج نطاق اهتمامنا أو أنشطتنا سيساعد في الحفاظ على مرونة العمليات المعرفية والذهنية لدينا.

يقول مانوتشي: من السهل نسبيا أن نحافظ على مرونة عقولنا وتفكيرنا، كما أن المحفزات غير المباشرة، مثل حضور المؤتمرات أو قراءة المقالات، يمكن أن تسهم بشكل فعال في موازنة الجمود المعرفي.

فعلى سبيل المثال، عندما ينجح أي موظف خبير بمجال رسوم متحركة لدى شركة «بيكسار» في بلوغ مستويات رفيعة جدا من التخصص، ستحرص الشركة حينها على تشجيع الموظف للتركيز على مجالات أخرى خارج نطاق اختصاصه، وذلك عبر تحفيزه على المشاركة في دورات تعليمية تتناول مواضيع إخراج أو إنتاج الأفلام على سبيل المثال.

وسيدرك الموظف أن الباب مفتوح أمامه للاستفادة من فرص كثيرة، لاسيما أن شركة «بيكسار» تلتزم بدعم جميع فئات الاهتمام، وتنظيم دورات تعليمية تتطرق إلى مواضيع متنوعة مثل العزف على الكمان والرقص. وكما يوحي المثال المتعلقة بشركة «بيكسار» ان اختيار التوقيت المناسب ينطوي على أهمية كبيرة لتعزيز الإبداع والحفاظ عليه.

يقول مانوتشي بهذا الإطار: يستغرق الأمر ما بين 4 و5 سنوات لبناء قاعدة من المعارف المتخصصة. وخلال هذه السنوات، وجدنا أن لتلك القاعدة تأثيرا إيجابيا على إثراء مكامن الإبداع».

ووفقا لنتائج د.مانوتشي، فإن المعرفة المتخصصة تمثل نقطة الارتكاز الأساسية المطلوبة، والتي يستمر تأثيرها بعد الفترة «التكوينية» التي تمتد لخمس سنوات، ولكن القدرة على إحداث التأثير الإيجابي تتراجع بعد ذلك.

ولن يكون بوسع تلك المعارف المساهمة في تحقيق أي أثر كبير على الإبداع إلى أن يمضي الموظف مدة 30 عاما في مهنة.

وانطلاقا من هذه النقطة، إذا لم يتم اتخاذ أي خطوة لموازنة الجمود المعرفي الذي يبدأ بالتبلور على مر السنين، فإن المعرفة المتخصصة بشكل مفرط ستنطوي على تأثير سلبي سيعرقل بلاشك محاولات الإبداع.

وإن تأثيرات المعرفة واسعة النطاق ترتكز على إطار زمني مختلف، ولاشك أن الأثر الإيجابي المقابل لبناء قاعدة معرفية واسعة لن يكون كبيرا بما يكفي حتى يمضي الفرد مدة 10 سنوات من العمل في مجال اختصاصه، وهذه هي النقطة التي يبرز فيها الإفراط بالتخصص كخطر حقيقي، وهو ما يؤكد أن وجهات النظر والأفكار الجديدة ضرورية للحفاظ على مرونة وانفتاح العقول والتفكير.

«تبين الدراسة أن مدة 10 سنوات تمثل الفترة التي من المرجح أن يقوم خلالها الموظفون بمغادرة أدوارهم في الشركات التي يعملون لديها، الأمر الذي يبرهن على أن استمرار التخصص دون التركيز على تنويع المعارف سيؤثر سلبا على الإبداع والتحفيز في آن معا».

الحفاظ على الإبداع مع مرور الوقت

يقول مانوتشي: لطالما اعتقد الباحثون أن الإبداع يرتكز على مسار منحني خلال فترة اختصاص في مهنة محددة، وهذا الإبداع يبلغ ذروته في منتصف المسيرة المهنية، ولكن دراستنا تبين أن الإبداع ممكن في أي لحظة.

إذ إن القدرة على توليد الأفكار الجديدة هي مسألة توازن بين المعرفة المتخصصة والمتنوعة، ومواءمة الدرجات المتفاوتة للمرونة المعرفية والذهنية.

ولاشك أن حجم كل معرفة يتغير بمرور الزمن، ولكن لا بد من تعديل توازن كل معرفة وفقا لذلك.

يجمع الكثيرون على أن أفكار كل من المخرج وصانع الأفلام كوينتين تارنتينو، والرئيس السابق لشركة «آبل» ستيف جوبز كانت مبدعة ووليدة اللحظة.

ولكن قبل أن يشغل تارنتينو وجوبز أدوارا إبداعية رئيسية، حرصا على تطوير قاعدة معارفهما على نطاق واسع من خلال الدورات الجامعية، والاستعانة بالموجهين والمساعدين، ومشاهدة الأفلام القصيرة، وغير ذلك».