المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من هم الجنجويد؟



yasmeen
06-13-2005, 08:34 AM
مليشيا الألفية الثالثة... اللغز!


حليمة محمد عبد الرحمن من الرياض


علي الرغم من التغطية الإعلامية الدولية التي حظي بها ملف الجنجويد، لأكثر من عامين في أروقة الأمم المتحدة، ونشرات هيومن رايتس ووتش، وغيرها من المنظمات الدولية، إلا إن الجدل حول طبيعة هذه المليشيات ما زال دائراً بين الخرطوم والمجتمع الدولي. ففي الوقت الذي يهاجم فيه العالم بشراسة الحكومة السودانية، لإعطائها الجنجويد الضوء الأخضر لإخماد التمرد في دارفور، تتمسك الخرطوم بنفي أية علاقة لها بهم.

في ظل هذا الغموض الذي يكتنف شأن هذه المليشيات، سعت جريدة "إيلاف" الالكترونية، إلي فتح الملف مرة أخري ومتابعة تطوراته، سعياً وراء فك طلاسمه.
تطلق كلمة الجنجويد علي جماعة، متفرقة وخارجة علي القانون و منبوذة اجتماعياً، تكتسب عيشها عن طريق السلب والنهب من السكان.. تستخدم الجمال والخيل في تنقلاتها وغاراتها من منطقة إلي أخري. لا تتوفر إحصائيات دقيقة حول عددها. بدأت هذه العصابات تمارس نشاطاً متقطعاً في قري الإقليم المختلفة، قبل ربع قرن. قويت شوكتها بانتشار النهب المسلح في المنطقة.

هناك تفسير آخر لكلمة جنجويد يقول إنها تعني بالعامية السودانية "جِن جاء راكب جِوَيِّد" كناية عن السرعة والخفة التي يغيرون بها ثم يختفون. و جُوَيِّد كلمة عربية فصيحة وهي تصغير لكلمة جواد، أي حصان. وارتبط اسم الجنجويد أكثر بالدابة التي تستخدمها في الإغارة.
يبدو أن استخدام الخيل والجمال، في الإقليم، ليس قاصراً علي هذه الجماعات فقط. إذ تقوم المليشيات الحكومية والقبلية، هي الاخري، كذلك، باستخدام الجمال والخيل في حلها وترحالها وذلك لتناسبها مع طبيعة المنطقة، والمهام المنوط بها تنفيذها.


جنجويد..جنجويد..!!
حامد محمد حمودة والذي وصف نفسه بأمين العلاقات الخارجية لما أطلق عليه "اتحاد دارفور العربي" في بيان نشره بصحيفة سودانايل الالكترونية، بتاريخ 8 يونيو 2005م، اتهم حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، وهما الحركتين اللتين تتزعمان النضال المسلح ضد الحكومة، بالكذب والادعاء. "ركزت حركتي(التمرد) في خطابها الإعلامي على انتهاكات مجموعات الجنجويد العربية مع علمهم التام بان أفراد الدفاع الشعبي والأمن الحكومي هم الذين يمتطون الجياد في مواجهتهم. وما يجدر ذكره أن مجموعات الدفاع الشعبي (في المنطقة) تتكون من جميع أبناء دارفور وان (د.) إبراهيم خليل قائد حركة العدل والمساواة كان هو المدير العام لمنظمة الدفاع الشعبي في جنوب دارفور ولكن مع ذلك يتبنى هذا الموقف."، كما ورد في نص البيان المنشور.

وأضاف البيان أن الحركتان تستفزان القبائل العربية لمواجهتهما حتى يتم إثبات تورط العرب في الحرب. علي الرغم من جلوس الإدارة الأهلية، كما يقول البيان، مع القادة وتأكيدها علي مبدأ التزام الحياد العربي، إلا إن التجاوزات ما زالت مستمرة تجاه قبيلتي الهبانية والزيادية. " لا زالت هناك تجاوزات تشمل سلب المواشي ليصبح الرعاة في مأزق إما ترك أموالهم المسروقة إما استعادتها عن طريق المواجهة المسلحة ليتم إثبات تورط العرب في أزمة دارفور."

حركتا تحرير السودان والعدل والمساواة، هما الحركتان اللتان ترفعان السلاح ضد الحكومة في دارفور. الحركة الأولي كانت نواتها حركة صغيرة تم قمعها بشدة عام 1990، سنتطرق لها لاحقاً. وأسس حركة العدل والمساواة، عام 2000، الإسلاميون من أبناء دارفور المنسلخين، بقيادة د. خليل إبراهيم.

لعل ما يريد البيان إيضاحه أن هناك أيادي خفية تعمل جاهدة علي عدم رتق الفتق وتوسيع دائرة الحرب. وهو ما ذهب إليه الكاتب محمد جمال عرفة الذي عزا ما حدث في دارفور إلي نتائج الأخطاء البشرية والتدخل الخارجي.
يرجح كثير من المراقبين أن السبب الرئيسي لاندلاع الحرب هو قفل خط سير الماشية، وتكوين المليشيات المقننة من دفاع شعبي وشرطة شعبية وزرائب..الخ. بدأ ذلك بتوجيه مباشر من الدكتور خليل إبراهيم الذي كان وقتها مازال حليفاً للبشير، الذي عهد إليه حينها تعمير قري دارفور التي دمرتها الحرب.

علي الرغم من أن الغرب ينظر إلي الحرب من منظور عرقي وأحادي، حيث يتهم القبائل العربية فقط، بالتخطيط لطرد القبائل الأفريقية من الإقليم، إلا إن مراسل ألبي بي سي في نيروبي بكينيا، كويرت لينديجير، له رأي مختلف.. فقد ذكر أن بعض القبائل العربية، التي لم يسمِها، رفضت مساندة الحكومة والوقوف في وجه القبائل الإفريقية. "هناك العديد من زعماء القبائل الذين رفضوا السماح لأتباعهم بالانخراط في الجنجويد حتى لا يضروا بعلاقتهم الهشة مع المزارعين الأفارقة الذين يسمحون لهم بالرعي في أراضيهم في مواسم الجفاف."

موسي هلال زعيم قبيلة المحاميد العربية في دارفور، والمتهم بقيادة فرق الجنجويد، وأحد ابرز المطلوبين علي لائحة الأمم المتحدة. نفي أن تكون له صلة بهذه المليشيات. في نفس الوقت، لم يخفِ مشاركته المليشيات الحكومية في قتال التمرد. "أنا ضدهم(أي الجنجويد) تماما وهم يعلمون ذلك. أنا أضع يدي في يد الدولة والمجتمع الدولي وإخواني من زعماء العشائر لمحاربتهم، بل أنا وحدي أحاربهم".

بدلا عن ذلك، اتهم هلال الدكتور علي الحاج السياسي الإسلامي السابق و ساعد الترابي الأيمن، والدكتور خليل إبراهيم، بتسويق الكلمة سياسياً لدي الغرب الذي يجهل بعدها الاجتماعي والثقافي.

كما كشف أن حركتي العدل والمساواة وتحرير السودان، فاوضتاه في السابق للانضمام إليهما، لكنه رفض أن يحمل السلاح ضد الدولة، مما دفعهما "لتشويه صورته" على حد زعمه، متهماً الحركتين بتنفيذ أجندة سياسية خفية لإجلاء القبائل العربية من دارفور. كما انتقد فشل الحكومات المتعاقبة في الخرطوم في تطوير دارفور التي تعاني من الصراع بين القبائل.
ورفض هلال اتهامات الولايات المتحدة له بأنه واحد من قادة الميلشيات المشاركة في الفظائع، مبيناً انه لبي دعوة الحكومة للدفاع عن أرضه وشعبه وانضم إلي قوات الدفاع الشعبي وهي قوة أمن محلية دربها الجيش. وأضاف أن وجود الأسلحة الحديثة لدي عناصر الحركتين، دفعته، مثل غيره من زعماء العشائر العرب، إلي المواجهة و الوقوف إلي جانب الحكومة. " مع ظهور الأسلحة المتطورة بيد المتمردين، اضطررنا للجوء إلى السلاح لحماية أنفسنا ومواشينا".

في اللقاء الذي أجرته معه جريدة الصحافة السودانية في مايو الماضي أكد موسي هلال أن الجنجويد جماعات ينتمي أفرادها إلي العديد من القبائل.
في نفس الإطار، احتج احمد خليل شيت زعيم القبائل العربية، علي تشبيه دفاع القبائل عن عرضها ومواشيها بتجاوزات قُطَّاع الطرق، ووضعها علي قدم المساواة معهم.
ومثله مثل هلال، اعترف شيت بمساعدة الحكومة التي قامت العام الماضي بتسليح الميليشيات والاستعانة بالقبائل العربية في سحق حركة التمرد.

إن موقف الحكومة المساند للقبائل العربية يحتاج إلي وقفة وتأمل لاستجلاء باطن الأمر. ذكر الباحث عمر الطيب في بحث له منشور في ألبي بي سي اونلاين بعنوان "الجذور التاريخية لمشكلة دارفور" إن وقوف الحكومات الوطنية، مع القبائل العربية في شمال دارفور منذ بداية الثمانينات، كان في البداية، لدواعي اقتصادية بحتة. موضحاً أن السودان تخلي عن زراعة القطن المحصول النقدي الأول، بعد تراجع أسعاره عالمياً، لصالح تصدير الماشية السودانية التي وجدت سوقاً رائجاً. لأول مرة في تاريخ السودان، تفوقت صادرات الماشية تتفوق عام 1985م علي عائدات القطن في الدخل القومي.


الصراع بين العرب والأفارقة...حقيقة أم خيال؟
في فترة العشر سنوات الأولي من حكم الرئيس السوداني عمر البشير، أي في الفترة ما بين 1989إلي 2001 اندلع نزاعين عنيفين بين الفور والعرب، وتمت المصالحة في مؤتمر عقد في الفاشر، عاصمة شمال دارفور. وكان الصراع الثاني بين المساليت والعرب في الفترة ما بين عامي 1998-2001 تم توقيع اتفاقية سلام محلية مع سلطان المساليت عاد بموجبها بعض اللاجئين من تشاد، فيما آثر البعض البقاء هناك.

كانت الطرق التقليدية أو ما اصطلح علي تسميته الإدارة الأهلية، التي قام الرئيس السابق نميري بإلغائها، شديدة الفعالية في تسوية النزاعات المحلية. جنوب السودان كان هو المنطقة الوحيدة التي لم تشهد نجاحاً كبيراً لمثل هذه الآليات، بل جاء السلام إليها محمولاً علي فوهة البندقية. وذلك نسبة لتمتعه بمميزات تجعل الحرب ذات طبيعة استنزافية للطرفين. لم ينعم السودان بالسلام خلال التسع والأربعين سنة التي تلت الاستقلال، أي في الفترة ما بين 1956-2005، سوي تسعة عشرة عاماً، بينما ابتلعت الحرب الباقي. ثلاثون عاماً كانت خصماً علي التنمية والاستقرار في السودان.

في إطار إلقاء مزيد من الضوء علي العلاقة بين السكان في المنطقة، أصدر عام 1986م، اثنان من الأساتذة بجامعة الخرطوم، هما د. سليمان علي بلدو، ود. عشاري، كتاباً بعنوان "مذبحة الضعين والرق في السودان" زعما فيه انه تمت إبادة العديد العناصر الجنوبية التي تم ترحيلها إلي منطقة الضعين، في دارفور. ينتمي المؤلفان إلي غرب السودان، مما جعل أعطي الكتاب بعداً كبيراً وجعل صدوره بمثابة علامة استفهام كبيرة لفتت الأنظار بقوة إلي هذا الإقليم النائي، والذي تنعدم فيه ابسط مظاهر التنمية، كوجود الطرق المعبدة التي تربطه بمناطق الاستهلاك.

أما طريق الإنقاذ الغربي الذي كان يفترض به ربط دارفور بالخرطوم لم ير النور، كما أن معظم مقدرات تكلفته، التي اقتطعها المواطنون من قوت يومهم، أصبحت في خبر كان. وتشير أصابع الاتهام إلي د. علي الحاج محمد، الذي كان مشرفاً علي لجنة الطريق.

استخدام الجنجويد في القضاء علي تمرد بولاد وبداية الصراع الحالي...
انعدام التنمية في دارفور، يعتبر من ابرز العوامل التي دفعت بالمهندس يحي بولاد وهو من أبناء الفور إلي التمرد علي حكومة الخرطوم، علي الرغم من تاريخه معها، كأحد ابرز أقطاب الحركة الإسلامية.

انضم بولاد عام 1990 إلى الحركة الشعبية بقيادة جون قرنق التي وفرت له ولغيره من أبناء الفور و الزغاوة التدريب العسكري فتبنوا أطروحاتها التي تطالب الخرطوم بمنح الأطراف نصيبها من السلطة والثروة والتنمية. وللمرة الأولي استخدم مصطلح "المناطق المهمشة".
بدأ الصراع بأخذ الطابع السياسي العرقي تجاه المركز. فقاد بولاد تمردا ضد الحكومة، وسجل في البداية انتصاراً علي كتيبة كاملة من الجيش في كمين ثم حاول اللجوء إلي جبل مرة، لكن الجيش الحكومي استطاع محاصرته والقضاء علي حركته بمساندة فعالة من الجنجويد. تمت محاكمة بولاد في دارفور وإعدامه.

أدى القضاء على تمرد بولاد قبل استفحاله إلى زوال الحركة مؤقتاً لتعود مرة أخري في عام 2000م تحت اسم حركة تحرير السودان، بقيادة كوادر جديدة ينتمي اغلبها إلي قبيلة الزغاوة. وفي نفس العام، تأسست حركة العدل والمساواة.

وفي ابريل من عام 2003م قامت الحركتان بشن هجمات مشتركة على مدينة الفاشر (كبرى مدن الإقليم وعاصمة ولاية شمال دارفور، حيث احتلتا مطار الفاشر ودمرتا عددا من الطائرات. فقامت الحكومة بالرد عليهما بقوة. بدأت الحركتان ترفعان شعارات المظالم السياسية والاجتماعية و التنموية والاقتصادية، والتي تطورت، لاحقا، إلي اتهام الحكومة بممارسة التطهير العرقي عبر ميليشيات الجنجويد التي استعانت بها فى قمع التمرد الأخير وما صاحب ذلك من عمليات نزوح جماعية إلي داخل الإقليم وإلى دولة تشاد المجاورة.

في الفترة التي تلت صدور كتاب "مذبحة الضعين والرق في السودان" وقبل ظهور حركتي تحرير دارفور، صدر " الكتاب الأسود" الذي تشير أصابع الاتهام إلي مسئولية الدكتور حسن الترابي في توقيت إصداره بعد إقصاء البشير الشهير له عن السلطة عام 1999م. عزف الكتاب بقوة علي العامل العرقي وعزا خلو الإقليم من التنمية إلي سيطرة العرق الشمالي، علي مجريات الأمور في السودان وتوظيف خيرات السودان علي تنمية شمال ووسط السودان علي أسس عرقية..

للأمانة والتاريخ، فقد اجتهد مؤلفو الكتاب في دعمه بالكثير من الأدلة والبراهين والإحصاءات.
المليشيات القبلية..جنجويد الحكومة..!!

ذكر لينديجير أن الاستعانة بالمليشيات القبلية تزامن مع فجر الاستقلال، عام 1956م. لذلك لم يكن غريبا أن تواصل الحكومات المتتالية الاستعانة بالمليشيات القبلية حتى عام 1986 حينما عمد السيد الصادق المهدي رئيس الوزراء السوداني السابق إلي تكوين المليشيات الشعبية في الإقليم وذلك لتقف سداً منيعاً في وجه الحرب التي تقودها الحركة الشعبية لتحرير السودان، شكلت هذه المليشيات النواة لقوات الدفاع الشعبي في عهد الرئيس عمر البشير.
ويضيف مراسل البي بي سي اونلاين، الذي أطلق علي هذه المليشيات القبلية اسم جنجويد الحكومة، إنها تشكلت علي "أيدي الأجهزة الأمنية، تحت إشراف نائب الرئيس السوداني، علي عثمان محمد طه"

كشف لينديجير أن المنطقة تعج بكل أنواع السلاح. فإلي جانب الجنجويد المحليون، هناك "الجنجويد الحكوميون" كما قال. فما كان من وزير الخارجية السوداني، إلا أن حمل بشدة علي التمرد. ففي لقاء مع العربية "نت"، قال مصطفي عثمان إسماعيل، إن "المتمردين يحاولون إلصاق اسم الجنجويد بالقوات النظامية"،

وذكرً لينديجير أن قبائل الجلول والرزيقات والمهرية يشكلون أعمدة مليشيا الجنجويد، معدداً انه يصعب التكهن بالوضع في الإقليم، خاصة وان الصراع في المنطقة اجتذب العديد من عصابات النهب المسلح التي يصعب التصدي لها في الأيام المقبلة.. وأثار المراسل جانباً آخر يتناول شكل العلاقة المستقبلي بين الجنجويد والحكومة فيما إذا حاولت هذه الأخيرة القيام بمحاولات نزع أسلحة هذه المليشيات، وما قد يترتب عليها من مواجهات بينها وحلفائها السابقين. " وهو تطور للأحداث سيصب في مصلحة حركتي التمرد." كما نوه بذلك.
ويواصل المراسل إيراد الأدلة الدامغة بتقديم الحكومة المعونة لعناصر الجنجويد، بأنها لا توفر السلاح والتدريب العسكري والسلاح فقط، وإنما تقوم المروحيات الحكومية بـ"نقل الأسلحة والمواد الغذائية بصورة منتظمة لمعسكر زعيم الجنجويد، موسى هلال، الذي يقيم حاليا في الخرطوم."


أحداث دارفور ومخطط دولة الزغاوة..ماهية العلاقة
تشير احدي المقالات التي نشرت في صحيفة سودانايل الالكترونية بتاريخ 22 سبتمبر 204م، إلي أن قبيلة الزغاوة تلعب دوراً رئيسياً في تصعيد الصراع الدامي في الإقليم. الزغاوة هي قبيلة افريقية لها جذور عرقية ممتدة مع تشاد. وتشتهر بإجادة العمل بالتجارة. سليمان ديار احد أبناء الزغاوة الذين يعملون في السعودية، قرر حسب روايته الانسلاخ عن القبيلة وكشف مخططها للانفراد بحكم السودان وذلك بصب الزيت علي نار الأحداث الجارية في إقليم دارفور. حسب رواية ديار، تسعي قبيلة الزغاوة إلي إنهاء الوجود العربي في المنطقة وإقصاء العنصر الفوراوي- نسبة إلي قبيلة الفور اكبر القبائل الزنجية و تفتيت القبائل الإفريقية الكبيرة كالمساليت والبرتي وإنهاء دور القبائل الصغيرة في الإقليم. ولكن يبدو أن القبائل العربية عرقلت مؤقتاً، ذلك المخطط. "لكن للتاريخ ظلت القبائل العربية سداً منيعاً أمام هذا التيار الجامح لاحتلال القبائل المذكورة."كما جاء في إفادات ديار.

في الواقع إن المعلومات التي أوردها سليمان تتشابك خيوطها ولا يمكن تجاوزها في ظل الأحداث المتسارعة في الإقليم. يشير ديار إلي أن قبيلته بدأت عام 1981م بنقل العنف إلي السودان في شكل جماعات النهب المسلح، مستفيدة من تدفق السلاح إلي المنطقة نتيجة الصراع التشادي الداخلي.. وأضاف ديار أن الزغاوة كان لهم حضور في كافة النزاعات التي سادت الساحة التشادية، بدءاً بالرئيس تامبلباى وعويدى و مهيدى واحمد أصيل وانتهاءاَ بإدريس دبي.

شهدت تلك الفترة تجلي مظاهر الضعف علي حكومة الرئيس السوداني السابق نميري وبداية موجة الجفاف والتصحر التي ضربت معظم أنحاء السودان وخاصة إقليمي دارفور وكردفان، مما شكل ظرفاً صالحاً للانفلات الأمني.

ورد كذلك في اعترافات ديار، أن الزغاوة استفادت استفادة قصوي من حكومة الإنقاذ. فقد أبدت القبيلة ولاءها المطلق لحكومة البشير، فشغل كثير من أبنائها المناصب العليا أمثال الدكتور خليل إبراهيم، أمين عام حركة العدل والمساواة الحالي والأستاذ شمار والأستاذ أبو بكر وآخرين. إذا استثنينا الدكتور علي الحاج محمد، الذي ينتمي إلي قبيلة أخري من قبائل الإقليم. مما وفر التدريب الجيد لكوادرها، وكذلك التمرس على العمل في مؤسسات الدولة السيادية والعسكرية والأمنية. ويضيف ديار في اعترافاته أن الزغاوة لم تألو جهداً في إظهار ولائها المطلق للحكومة "والتمسك بحبل الله المتين إلي درجة أن الحكومة أطلقت عليها لقب "القبيلة المجاهدة". فما كان من د. الترابي، إلا إن اعتمد عليها اعتماداً كلياً كافة الأوامر والنواهي بغرب السودان، فاتحاً لها بذلك كل أبواب الدولة العسكرية والاقتصادية من بنوك وشركات وخلافه. وظهرت سطوة قبيلة الزغاوة فسعي لخطب ودها كل أهل السودان."
وتعتبر فترة الوالي د. الطيب إبراهيم محمد خير من أخصب الفترات. حيث تفوقت الزغاوة من حيث العتاد الحربي علي كافة قبائل المنطقة. طبقاً لرواية ديار قام الوالي الدكتور الطيب إبراهيم محمد خير عام 1992 بتسلح القبيلة من مخازن الدولة وذلك بخطة محكمة من د. خليل إبراهيم في مؤتمر كرنوي."

وكانت الخطوة التالية هي محاولة قلب الرأي العام في المنطقة ضد القبائل العربية (مع نسبية هذه الكلمة). قام د. خليل إبراهيم والذين حول الترابي بنشر "الكتاب الأسود"، سعياً وراء تثبيت الظلم وتحريك قبائل دارفور ضد الشماليين. وفي نفس الوقت مضي العمل قدماً في تجهيز قاموس للغة الزغاوة، يتم استخدامه في المنطقة، في حال دانت الأمور لهم، أسوة بما حدث من فرض للغة البربر في الجزائر.

وفرة المعلومات الواردة في اعترافات ديار وظهور كثير من إرهاصاتها علي ارض الواقع دفعتني إلي الاستعانة برأي العديد من أبناء إقليم دارفور الذين أكدوا لي صحة المعلومات الواردة، كوجود الزعامات الزغاوية مثلاُ، علي راس حركتي تحرير السودان والعدل والمساواة. بينما لم يعد خافياً علي احد سيطرة الزغاوة علي المراكز التجارية في الهامة في قلب الخرطوم وامدرمان. وأضاف احد المصادر من أبناء المنطقة أن الزغاوة يقومون أيضا بتوفير القنوات لتصريف غنائم الجنجويد.

في إطار تسليط الضوء علي مراحل خطة القبيلة الثلاثية لتدويل الصراع، يقول ديار اسند إلي المجموعة الأولي الهجوم علي الإسلام والحضارة العربية والقيام بتكريس جل نشاطها لمخاطبة الرأي العام الأمريكي واليهودي.

أما المجموعة الثانية فقد تم تفويضها بالعمل فيما أطلق عليه "الخط الموصل إلي الأمم المتحدة" وذلك بحشد المنظمات الطوعية العالمية ومنظمات حقوق الإنسان باستخدام آلية الاغتصاب والتطهير العرقي..الخ. بينما اضطلعت المجموعة الثالثة بتحريك المخاوف بزوال النفوذ الفرنسي ومصالح ألمانيا وفرنسا فى تشاد و مالى و الكمرون وأفريقيا الوسطي.
إن التطلع إلي حكم السودان، حق مشروع لكل الإثنيات، طالما كان قائماً علي كفالة حقوق العرقيات الاخري شريطة ضمان الحق في الحياة الحرة الكريمة والآمنة والمستقرة. فقط، الآلية المستخدمة للوصول إلي تلك الغاية، هي القضية..!


مليون ونصف مشرد والبقية تأتي...!!
كان حصاد دارفور في المواجهات الدموية بين الحكومة والمتمردين، اغتيال أكثر من مائة ألف وهجرة أكثر من 1،6 مليون لاجي يقيمون في العراء تحت قسوة الطبيعة وفرار أكثر من أربعمائة ألف إلي الجارة تشاد، وتعطل الإنتاج الزراعي ونفوق الكثير من الماشية. علماً بان تعداد سكان دارفور لا يتجاوز الستة ملايين نسمة، في الوقت الذي تزيد فيه مساحة الإقليم عن 510 كم مربع، أي ما يزيد عن مساحة فرنسا.

جانب اخر يكشف حرص سكان الإقليم علي اقتناء السلاح، الذي صار أمرا لابد منه، يكشفه يشير شيت، احد شيوخ القبائل والعشائر في المنطقة. أشار شيت إلي أن هجمات المتمردين والنهب المسلح والجنجويد المتوالية منذ 1979م، هي التي دفعت كل القبائل في المنطقة لاقتناء السلاح للدفاع عن نفسها. وعلي حد زعمه فان طبيعة الحياة في القبائل العربية تقوم علي الارتحال المستمر ما بين الشمال والجنوب بحثاً عن المراعي. ويقول إنه أثناء الرحلة "نتعرض للجنجويد، الذين يبغون نهب ثروتنا. إنهم يقتلون رجالنا ويسلبون جمالنا وأغنامنا وماشيتنا". أما العدو الأكبر بالنسبة القبائل العربية في دارفور فهم المتمردون، الذين ينتمي أغلبهم إلى قبيلة الزغاوة الأفريقية. ويقول شيت "هذا العام قتل الزغاوة 32 من رجالنا وسرقوا 250 من جمالنا." ورد ذلك علي لسان شيت، أثناء اللقاء الذي أجراه مراسل البي بي سي اونلاين معه.
يقدر المراقبون عدد قوات الجنجويد الموجودة في الإقليم بحوالي الثلاثين ألفا تتفوق في عتادها علي الجيش. والنقطة الفارقة في تاريخ الجنجويد أنها أصبحت جماعات منظمة وترتدي شعار الفارس الذي يمتطي صهوة الجواد. لصالح من يتم ترفيع اللصوص إلي درجة الفرسان؟ ذلك سؤال قد تكون الإجابة عنه في الأيام القادمة مفاجئة للجميع..


الإعلام الغربي والجنجويد..
كانت بادرة طيبة من الإعلام الغربي هتك الممارسات غير الأخلاقية في حق المواطنين العزل وفضحها. كان متوقعاً أن يكون ذلك في إطار الحياد التام غير أن ذلك صار محل شك.
فجماعات حقوق الإنسان وعلي رأسها منظمة هيومن رايتس ووتش، لا تبذل جهداً كبيراً للإحاطة بإبعاد هذه القضية أو نمط الحياة المحلية. فهي غفلة منها أو عمداً، لا تفرق بين المليشيات القبلية والجنجويد ومليشيات الدفاع الشعبي. هذه الأخيرة، علي الرغم من أنها خاضت الحرب جنبا إلي جنب مع الجيش في جنوب السودان إلا أن لها إدارات مستقلة عن الجيش.

كما إن الإعلام الغربي يضع المليشيات القبلية، وهو نظام دفاعي متعارف عليه في السودان، منذ القدم، في نفس المرتبة مع اللصوص، بطريقة قد تتيح الفرصة لبعض المذنبين النجاة بأفعالهم.

كما انه قد يكون هناك مبرر للحكومة في الاستعانة بالمليشيات القبلية ورفع كفاءتها وتسليحها في سحق حركتي المقاومة في دارفور. فالجيش الذي أنهكته عشرون عاماً من الحرب في الجنوب والمناوشات المتفرقة علي جبهة الشرق، لا يتناسب عدده مع اتساع رقعة إقليمي دارفور وكردفان، ناهيك عن السودان. ففي الوقت الذي يحتاج فيه إقليم دارفور وحده إلي أكثر من 25 ألف مراقب عسكري لإعادة الأمن والاستقرار إليه، لا يتجاوز تعداد الجيش السوداني التسعين ألفا كما ذكرت ألبي بي سي، أو المائة وسبعة عشر ألفا كما ذكرت موسوعة مايكروسوفت لعام 2003.

إن السعي إلي امتلاك وتمليك الحقيقة، تجعل للوثائق التي تنشرها منظمة هيومن رايتس ووتش قيمة كبيرة بدلاً من أن تخضعها للتساؤل.
ومما يزيد الطين بلة، ان شكوى القبائل العربية بأن هناك أيادي خفية تعمل علي جرها إلي الحرب وتوريطها فيها، لا تجد أذنا صاغية من المجتمع الدولي. كأنما حُكِم عليها مسبقاً بالإدانة حتى يثبت العكس..!

في دارفور الكل متهم...قعقعة السلاح ولغة الاتهامات المتبادلة هي اللغة التي تعلو علي كل لغة سواها.

متي يدرك هؤلاء القوم إنهم فقدوا كثيراً مما لا يمكن تعويضه؟

ذلك ما تحمله الأيام القادمة في جعبتها..