مجاهدون
06-11-2005, 06:12 AM
نزع رضا شاه الحجاب بالقوة عام 1938 وأعاده الخميني بالقوة عام 1979
لندن: علي نوري زاده
طهران: مريم أميري
تتحول ايران بسرعة.. تتحول اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا، وهي في تحولاتها تستعطي على التنميط وعلى الافكار الجاهزة والمعلبة حولها. فهي قوة حيوية تتحرك بتدافع قوى داخلية وخارجية عاتية. فليست النساء والشباب وحدهم هم من يسعون الآن الى مزيد من الحرية الاجتماعية والشخصية والثقافية، بل ان في داخل المؤسسات الاساسية في البلاد ومجمع رجال الدين في قُمْ تتنوع الآراء والافكار حول مستقبل الاصلاحات في البلاد، وطريقة التعامل مع مجتمع مدني صاعد يتحرك بسرعة ويخلق استقلاله الثقافي والاجتماعي والمدني. وكما ان الاصلاحيين في البلاد ليسوا وحدة واحدة فيما يتعلق بطريقة التعامل مع الصعوبات التي يضعها امامهم المحافظون.
فإن المحافظين انفسهم ليسوا وحدة واحدة، فهناك انقسامات كبيرة بينهم. ومع اقتراب موعد الانتخابات الايرانية المقررة 17 يوينو (حزيران) الجاري تقدم «الشرق الاوسط» لقرائها خمس حلقات من داخل ايران. تتناول اوضاع النساء الايرانيات، والمشهد الثقافي وحال النشر، وأوضاع الصحافة، ومؤسسات المجتمع المدني الايرانية، والقوانين التي تحكم عمل هذه المؤسسات. كما تتناول الحلقات الاحزاب والتنظيمات السياسية، ومقاهي طهران وحدائقها التي تحولت الى وسيلة للحرية الاجتماعية والنقاش السياسي الحي. كما تتناول السينما والمسرح والموسيقى في ايران.
ورجال الدين في قُمْ وثورة الانترنت التي يقودوها، وكذلك شهادات من شابات وشبان ايرانيين حول الحياة في ايران، وطموحاتهم للمستقبل. في شتاء عام 1938، اصدر رضا شاه، مؤسس أسرة البهلوي المالكة فى ايران ووالد الشاه الراحل، قرارا تحت عنوان «رفع الحجاب» عقب زيارته لتركيا، حيث افتتن بالتحولات الليبرالية تحت قيادة مؤسس تركيا الحديثة كمال اتاتورك، فقد اثار اعجابه وتقديره لجرأته فى فرض قوانين ليبرالية على المجتمع التركي بعد سنوات قليلة من سقوط الدولة العثمانية.
وبموجب قرار «رفع الحجاب»، تم نزع التشادور (الحجاب الايراني) من على رؤوس النساء الايرانيات ولو بالقوة، وكان الوزراء والمسؤولون الكبار، فضلا عن موظفي الدولة والمعلمين، مضطرين لحضور حفلات اقيمت في مختلف انحاء ايران بمناسبة رفع الحجاب برفقة زوجاتهم وبناتهم السافرات، لاثبات ان الدولة الايرانية حديثة وعصرية، ولتوطيد دعائم الحكم وارسال رسالة واضحة الى المناوئين له من القوى الدينية واليسارية. غير ان الامر لم يكن سهلا على النساء. لذلك قامت الحكومة باستيراد الالاف من القبعات الاوروبية للنساء اللائي كن في بداية الأمر (باستثناء فئة قليلة من نساء الأسر الارستقراطية والمتحررات) قد رفضن الخروج بلا التشادور. ولمدة ست سنوات كاملة فرضت الشرطة قانون «رفع الحجاب» بقسوة وبالقوة، الى ان غادر رضا شاه ايران تحت تهديد بريطانيا وروسيا عقب دخول قواتهما العسكرية الاراضي الايرانية في ذروة الحرب العالمية الثانية.
ولم يكن موكب رضا شاه قد وصل الى اصفهان في طريقه الى الخارج، حتى عادت النساء الى وضع الحجاب، كما ان الالاف من النساء اللائي حبسن انفسهن في البيوت خلال السنوات الست الاخيرة من حكم رضا شاه، استطعن مرة اخرى الخروج الى الشارع بالملابس التي اعتدن عليها. غير ان النقاب الذي كان يدعى في ايران «بيتشيه» او «البرقع»، وارتدته بعض النساء اختفى نهائيا لاحقا، فالالاف من النساء الايرانيات اللائي دخلن المدارس الحديثة والجامعات وانخرطن في صفوف موظفي الحكومة والقطاعات التعليمية والحقوقية والطبية لم يعدن الى التشادور. ورغم ذلك فان النساء الايرانيات ظللن محرومات من ممارسة حقوقهن القانونية في التصويت والترشح في الانتخابات البرلمانية وحضانة اولادهن الصغار عند الطلاق او وفاة الزوج، حتى عام 1962، حيث اعلن الشاه ثورته البيضاء التي كان اعتبار ان النساء لهن حقوق متساوية مع الرجال، أحد البنود الاساسية لميثاقها.
وفي عام 1963 وبعد اشهر من دخول النساء البرلمان، وتوليهن مناصب وزارية ورئاسة المؤسسات الطبية والتعليمية والجامعات، اصدر آية الله الخميني وعدد من المراجع بيانات نددوا فيها بثورة الشاه البيضاء، وخاصة البنود المتعلقة بحقوق المرأة والاصلاح الزراعي (توزيع الاراضي الزراعية بين المزارعين). وقد اندلعت بعد ذلك انتفاضة 15 الجوزاء في قم، التي اسفرت عن مقتل بضع مئات من المتظاهرين واعتقال الخميني وآية الله القمي وآية الله محلاتي، وهما من الزعامات الدينية المقربة منه.
ولاحقا تم نفي الخميني الى تركيا ثم الى العراق. وكما ان رضا شاه نزع حجاب المرأة بين ليلة وضحاها، من دون اخذ رأى النساء، ولتحقيق مكاسب سياسية من وراء الخطوة، فان الثورة الايرانية عام 1979، فرضت الحجاب على النساء بين ليلة وضحاها، رغم ان اول مظاهرة معارضة للنظام، اندلعت بعد اذاعة بيان صهر الخميني، شهاب الدين اشراقي، الذي قال فيه انه يجب على النساء مراعاة لبس الحجاب الاسلامي، وذلك خلال صيف عام 1979 بعد اشهر من قيام الثورة، مما ادى الى ان يسحب اشراقي بيانه.
غير ان النظام الايراني تمكن في اقل من سنة من فرض الحجاب على النساء الايرانيات، وذلك بطرد الموظفات والعاملات اللواتى رفضن ارتداء الحجاب من المؤسسات الحكومية والجامعات والمستشفيات، واعتقال النساء السافرات في الشوارع من قبل شرطة الاداب وحبسهن. من جهة اخرى فان اعدام وزيرة التعليم في عهد الشاه، فرح روبارسا التي كانت من رائدات حركة تحرر المرأة، امام قلعة شهرنو (حي بائعات الهوى قبل الثورة)، ترك اثرا مدمرا في معنويات النساء الايرانيات الرافضات للتشادور.
وكان اصرار المحافظين على فرض الحجاب جزءا من الصراع مع الاجنحة الاكثر اعتدالا من قيادات الثورة الايرانية. كما كان رسالة الى المعارضين للثورة. ولاحقا ادى اندلاع الحرب الايرانية العراقية وانتشار الفقر في المجتمع الايراني الى ارغام النساء الايرانيات الرافضات للحجاب على ارتدائه. غير ان الحجاب لم يتسبب في ان يتركن الساحة السياسية والاجتماعية، بل زادهن عزما وسعيا لتحقيق طموحاتهن، ولو تحت ظل حكومة يعتقد احد ابرز علمائها، وهو رئيس مجلس الخبراء، ان العمود الفقري للنساء اقل طولا مما لدى الرجال وعقلهن ناقص مما يجعلهن غير مؤهلات لتولي المناصب القضائية والأمنية والسياسية في البلاد.
ورغم ذلك فان نضال النساء الايرانيات من اجل نيل حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية مصدر اعتزاز وفخر نساء ايران، فقبل عشر سنوات لم يكن باستطاعة الطالبات مواصلة دراساتهن الجامعية في مائة وتسعة عشر فرعا دراسيا في الجامعات، الان تقلص هذا الحظر الى 17 فرعا. كما ان قبول المحاميات للعمل في المحاكم، ما كان ليتحقق لولا سنوات من النضال من قبل ناشطات، مثل شيرين عبادي ومهرانكيز كار (زوجة الكاتب والصحافي المعتقل سيامك بورزند) التي سمحت السلطات بخروجها من البلاد لتلقي العلاج في الولايات المتحدة، بعد ان اكتشف خلال سجنها انها مصابة بالسرطان، اضافة الى الناشطة كيني يورفاضل المحامية البارزة، وبعض النائبات في البرلمان الايراني السابق، مثل فاطمة حقيقة جو، والهد كولائي المتحدثة باسم مرشح الاصلاحيين في الانتخابات الرئاسية مصطفى معين.
ومن الحقائق المثيرة للانتباه ان من ضمن النساء اللواتى عملن على تعزيز حقوق النساء الايرانيات، سيدات هن زوجات او بنات او شقيقات رجال من قيادات الثورة الايرانية. فزوجة الامام أية الله الخميني بتول ثقفي كانت مصرة على ان تلتحق بناتها بالجامعات والنشاط السياسي والثقافي والاجتماعي، ومن هؤلاء زهرا مصطفوي، التي تتولى حاليا مسؤوليات ثقافية وتعليمية، بعد استقالتها من رئاسة جامعة الزهراء، وفريدة التي هي ايضا منخرطة في النشاط الثقافي والتعليمي، وحفيدة الخميني زهرا اشراقي زوجة الدكتور محمد رضا خاتمي شقيق رئيس الجمهورية ونائب رئيس البرلمان السابق، الذي سيصبح نائبا لرئيس الجمهورية في حالة فوز مصطفى معين، هي من ابرز بنات اسرة الخميني. وفي مقابلة لها مع صحيفة ايطالية في العام الماضي، عبرت زهرا اشراقى عن رفضها للحجاب الاجباري وطالبت بتساوي المرأة والرجال فى الحقوق، مما اثار ضجة كبيرة لدى اوساط المحافظين وصلت لحد اساءة صحف قريبة من المرشد الاعلى للجمهورية اية الله علي خامنئي، مثل صحيفة «كيهان» اليها بصورة مباشرة.
غير انه وبلا ادنى شك تتصدر اسرة هاشمي رفسنجاني المعركة حول حقوق المرأة وضرورة مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية. فلأول مرة رافقت عفت مرعشي زوجها هاشمي رفسنجاني، حينما كان رئيسا للجمهورية في زيارة رسمية الى اندونيسيا وبدت الزيارة (السيد والسيدة الاولى) في وقتها امرا غير مألوف بين رجال الدين، مما عرض رفسنجاني لانتقادات متشددين. غير ان ابنة رفسنجاني فائزة وليست زوجته هي التي اثارت فعلا حنق المحافظين بأنشطتها العديدة وافكارها المعتدلة. وفيما انشغلت شقيقة فائزة الكبرى «فاطمة» بشؤون خيرية ومهمات ذات بعد اجتماعي وصحي، دخلت فائزة منذ بداية شبابها المعترك من باب الرياضة وصولا الى ميدان الثقافة والاعلام والسياسة.
وعقب نجاحها في انشاء لجنة رياضية خاصة للمرأة واقامة اول دورة للالعاب الاولمبية النسائية للدول الاسلامية، انشأت صحيفة «زن» او «المرأة»، وهي اول صحيفة يومية نسائية في إيران، وذلك عقب فوزها الكبير في انتخابات البرلمان الايراني السابق. وصحيفة «زن» صحيفة جريئة في طرح قضايا المرأة، والعلاقة بين الشبان والشابات، غير ان فائزة تجاوزت الخطوط الحمراء كافة بنشرها رسالة من الامبراطورة السابقة فرح بهلوي الى الشعب الايراني بمناسبة عيد النوروز، رأس السنة الفارسية، مما ادى الى توقيف صحيفتها واصدار قرار بحبسها، غير ان القرار استبدل بتغريمها ماديا اثر تدخل والدها.
ومنذ انتهاء فترة عضويتها فى البرلمان، وتعطيل صحيفتها انحصرت انشطة فائزة في اطار الرياضة النسائية، فيما ابنتها «سحر» الطالبة الجامعية ناشطة بارزة في مجال الحركات الطلابية. وخلافا لاسرة رفسنجاني فان قرينة مرشد النظام خامنئى خجست وكريماتها لم ينخرطن في الشأن العام. اما الرئيس محمد خاتمي فان زوجته زهرا صادقي (ابنة سلالة دينية وعلمية عريقة ووالدها الدكتور صادقي من ابرز الاساتذة الجامعيين والباحثين الكبار في الفلسفة والادب. ووالدتها مرضية خانوم ابنة المرجع الاعلى الراحل الامام حسين آغا القمي، وشقيقة الامام موسى الصدر الزعيم الشيعي المختفي في ليبيا) فهى متحررة العقل بحكم ولادتها ونشأتها في بيت علم، وزواجها من رجل دين مثقف وسليل عائلة دينية بارزة هو خاتمي. وقد ظلت سيدة ايران الاولى شريكة حقيقية لزوجها خلال فترة رئاسته ورافقته في بعض زياراته الخارجية، مثل سفره الرسمي الى السعودية.
أما النساء الناشطات خارج العائلات السياسية البارزة فى ايران فلا يمكن حصر عددهن. غير ان هناك اسماء باتت معروفة جدا حتى خارج حدود ايران مثل الناشطة الحقوقية شيرين عبادي، والشاعرة سيمين بهبهاني، والروائية سيمين دانشور، والصحافيات والكاتبات بروين اردلان، وفرشيت قاض، وشهلا شركت مديرة مجلة «زن»، بل ان هناك الالاف من الطالبات والطبيبات والاستاذات واصحاب المهن الحرة ممن ناضلن من اجل كسب حقوقهن الاجتماعية والسياسية.
لندن: علي نوري زاده
طهران: مريم أميري
تتحول ايران بسرعة.. تتحول اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا، وهي في تحولاتها تستعطي على التنميط وعلى الافكار الجاهزة والمعلبة حولها. فهي قوة حيوية تتحرك بتدافع قوى داخلية وخارجية عاتية. فليست النساء والشباب وحدهم هم من يسعون الآن الى مزيد من الحرية الاجتماعية والشخصية والثقافية، بل ان في داخل المؤسسات الاساسية في البلاد ومجمع رجال الدين في قُمْ تتنوع الآراء والافكار حول مستقبل الاصلاحات في البلاد، وطريقة التعامل مع مجتمع مدني صاعد يتحرك بسرعة ويخلق استقلاله الثقافي والاجتماعي والمدني. وكما ان الاصلاحيين في البلاد ليسوا وحدة واحدة فيما يتعلق بطريقة التعامل مع الصعوبات التي يضعها امامهم المحافظون.
فإن المحافظين انفسهم ليسوا وحدة واحدة، فهناك انقسامات كبيرة بينهم. ومع اقتراب موعد الانتخابات الايرانية المقررة 17 يوينو (حزيران) الجاري تقدم «الشرق الاوسط» لقرائها خمس حلقات من داخل ايران. تتناول اوضاع النساء الايرانيات، والمشهد الثقافي وحال النشر، وأوضاع الصحافة، ومؤسسات المجتمع المدني الايرانية، والقوانين التي تحكم عمل هذه المؤسسات. كما تتناول الحلقات الاحزاب والتنظيمات السياسية، ومقاهي طهران وحدائقها التي تحولت الى وسيلة للحرية الاجتماعية والنقاش السياسي الحي. كما تتناول السينما والمسرح والموسيقى في ايران.
ورجال الدين في قُمْ وثورة الانترنت التي يقودوها، وكذلك شهادات من شابات وشبان ايرانيين حول الحياة في ايران، وطموحاتهم للمستقبل. في شتاء عام 1938، اصدر رضا شاه، مؤسس أسرة البهلوي المالكة فى ايران ووالد الشاه الراحل، قرارا تحت عنوان «رفع الحجاب» عقب زيارته لتركيا، حيث افتتن بالتحولات الليبرالية تحت قيادة مؤسس تركيا الحديثة كمال اتاتورك، فقد اثار اعجابه وتقديره لجرأته فى فرض قوانين ليبرالية على المجتمع التركي بعد سنوات قليلة من سقوط الدولة العثمانية.
وبموجب قرار «رفع الحجاب»، تم نزع التشادور (الحجاب الايراني) من على رؤوس النساء الايرانيات ولو بالقوة، وكان الوزراء والمسؤولون الكبار، فضلا عن موظفي الدولة والمعلمين، مضطرين لحضور حفلات اقيمت في مختلف انحاء ايران بمناسبة رفع الحجاب برفقة زوجاتهم وبناتهم السافرات، لاثبات ان الدولة الايرانية حديثة وعصرية، ولتوطيد دعائم الحكم وارسال رسالة واضحة الى المناوئين له من القوى الدينية واليسارية. غير ان الامر لم يكن سهلا على النساء. لذلك قامت الحكومة باستيراد الالاف من القبعات الاوروبية للنساء اللائي كن في بداية الأمر (باستثناء فئة قليلة من نساء الأسر الارستقراطية والمتحررات) قد رفضن الخروج بلا التشادور. ولمدة ست سنوات كاملة فرضت الشرطة قانون «رفع الحجاب» بقسوة وبالقوة، الى ان غادر رضا شاه ايران تحت تهديد بريطانيا وروسيا عقب دخول قواتهما العسكرية الاراضي الايرانية في ذروة الحرب العالمية الثانية.
ولم يكن موكب رضا شاه قد وصل الى اصفهان في طريقه الى الخارج، حتى عادت النساء الى وضع الحجاب، كما ان الالاف من النساء اللائي حبسن انفسهن في البيوت خلال السنوات الست الاخيرة من حكم رضا شاه، استطعن مرة اخرى الخروج الى الشارع بالملابس التي اعتدن عليها. غير ان النقاب الذي كان يدعى في ايران «بيتشيه» او «البرقع»، وارتدته بعض النساء اختفى نهائيا لاحقا، فالالاف من النساء الايرانيات اللائي دخلن المدارس الحديثة والجامعات وانخرطن في صفوف موظفي الحكومة والقطاعات التعليمية والحقوقية والطبية لم يعدن الى التشادور. ورغم ذلك فان النساء الايرانيات ظللن محرومات من ممارسة حقوقهن القانونية في التصويت والترشح في الانتخابات البرلمانية وحضانة اولادهن الصغار عند الطلاق او وفاة الزوج، حتى عام 1962، حيث اعلن الشاه ثورته البيضاء التي كان اعتبار ان النساء لهن حقوق متساوية مع الرجال، أحد البنود الاساسية لميثاقها.
وفي عام 1963 وبعد اشهر من دخول النساء البرلمان، وتوليهن مناصب وزارية ورئاسة المؤسسات الطبية والتعليمية والجامعات، اصدر آية الله الخميني وعدد من المراجع بيانات نددوا فيها بثورة الشاه البيضاء، وخاصة البنود المتعلقة بحقوق المرأة والاصلاح الزراعي (توزيع الاراضي الزراعية بين المزارعين). وقد اندلعت بعد ذلك انتفاضة 15 الجوزاء في قم، التي اسفرت عن مقتل بضع مئات من المتظاهرين واعتقال الخميني وآية الله القمي وآية الله محلاتي، وهما من الزعامات الدينية المقربة منه.
ولاحقا تم نفي الخميني الى تركيا ثم الى العراق. وكما ان رضا شاه نزع حجاب المرأة بين ليلة وضحاها، من دون اخذ رأى النساء، ولتحقيق مكاسب سياسية من وراء الخطوة، فان الثورة الايرانية عام 1979، فرضت الحجاب على النساء بين ليلة وضحاها، رغم ان اول مظاهرة معارضة للنظام، اندلعت بعد اذاعة بيان صهر الخميني، شهاب الدين اشراقي، الذي قال فيه انه يجب على النساء مراعاة لبس الحجاب الاسلامي، وذلك خلال صيف عام 1979 بعد اشهر من قيام الثورة، مما ادى الى ان يسحب اشراقي بيانه.
غير ان النظام الايراني تمكن في اقل من سنة من فرض الحجاب على النساء الايرانيات، وذلك بطرد الموظفات والعاملات اللواتى رفضن ارتداء الحجاب من المؤسسات الحكومية والجامعات والمستشفيات، واعتقال النساء السافرات في الشوارع من قبل شرطة الاداب وحبسهن. من جهة اخرى فان اعدام وزيرة التعليم في عهد الشاه، فرح روبارسا التي كانت من رائدات حركة تحرر المرأة، امام قلعة شهرنو (حي بائعات الهوى قبل الثورة)، ترك اثرا مدمرا في معنويات النساء الايرانيات الرافضات للتشادور.
وكان اصرار المحافظين على فرض الحجاب جزءا من الصراع مع الاجنحة الاكثر اعتدالا من قيادات الثورة الايرانية. كما كان رسالة الى المعارضين للثورة. ولاحقا ادى اندلاع الحرب الايرانية العراقية وانتشار الفقر في المجتمع الايراني الى ارغام النساء الايرانيات الرافضات للحجاب على ارتدائه. غير ان الحجاب لم يتسبب في ان يتركن الساحة السياسية والاجتماعية، بل زادهن عزما وسعيا لتحقيق طموحاتهن، ولو تحت ظل حكومة يعتقد احد ابرز علمائها، وهو رئيس مجلس الخبراء، ان العمود الفقري للنساء اقل طولا مما لدى الرجال وعقلهن ناقص مما يجعلهن غير مؤهلات لتولي المناصب القضائية والأمنية والسياسية في البلاد.
ورغم ذلك فان نضال النساء الايرانيات من اجل نيل حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية مصدر اعتزاز وفخر نساء ايران، فقبل عشر سنوات لم يكن باستطاعة الطالبات مواصلة دراساتهن الجامعية في مائة وتسعة عشر فرعا دراسيا في الجامعات، الان تقلص هذا الحظر الى 17 فرعا. كما ان قبول المحاميات للعمل في المحاكم، ما كان ليتحقق لولا سنوات من النضال من قبل ناشطات، مثل شيرين عبادي ومهرانكيز كار (زوجة الكاتب والصحافي المعتقل سيامك بورزند) التي سمحت السلطات بخروجها من البلاد لتلقي العلاج في الولايات المتحدة، بعد ان اكتشف خلال سجنها انها مصابة بالسرطان، اضافة الى الناشطة كيني يورفاضل المحامية البارزة، وبعض النائبات في البرلمان الايراني السابق، مثل فاطمة حقيقة جو، والهد كولائي المتحدثة باسم مرشح الاصلاحيين في الانتخابات الرئاسية مصطفى معين.
ومن الحقائق المثيرة للانتباه ان من ضمن النساء اللواتى عملن على تعزيز حقوق النساء الايرانيات، سيدات هن زوجات او بنات او شقيقات رجال من قيادات الثورة الايرانية. فزوجة الامام أية الله الخميني بتول ثقفي كانت مصرة على ان تلتحق بناتها بالجامعات والنشاط السياسي والثقافي والاجتماعي، ومن هؤلاء زهرا مصطفوي، التي تتولى حاليا مسؤوليات ثقافية وتعليمية، بعد استقالتها من رئاسة جامعة الزهراء، وفريدة التي هي ايضا منخرطة في النشاط الثقافي والتعليمي، وحفيدة الخميني زهرا اشراقي زوجة الدكتور محمد رضا خاتمي شقيق رئيس الجمهورية ونائب رئيس البرلمان السابق، الذي سيصبح نائبا لرئيس الجمهورية في حالة فوز مصطفى معين، هي من ابرز بنات اسرة الخميني. وفي مقابلة لها مع صحيفة ايطالية في العام الماضي، عبرت زهرا اشراقى عن رفضها للحجاب الاجباري وطالبت بتساوي المرأة والرجال فى الحقوق، مما اثار ضجة كبيرة لدى اوساط المحافظين وصلت لحد اساءة صحف قريبة من المرشد الاعلى للجمهورية اية الله علي خامنئي، مثل صحيفة «كيهان» اليها بصورة مباشرة.
غير انه وبلا ادنى شك تتصدر اسرة هاشمي رفسنجاني المعركة حول حقوق المرأة وضرورة مشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية. فلأول مرة رافقت عفت مرعشي زوجها هاشمي رفسنجاني، حينما كان رئيسا للجمهورية في زيارة رسمية الى اندونيسيا وبدت الزيارة (السيد والسيدة الاولى) في وقتها امرا غير مألوف بين رجال الدين، مما عرض رفسنجاني لانتقادات متشددين. غير ان ابنة رفسنجاني فائزة وليست زوجته هي التي اثارت فعلا حنق المحافظين بأنشطتها العديدة وافكارها المعتدلة. وفيما انشغلت شقيقة فائزة الكبرى «فاطمة» بشؤون خيرية ومهمات ذات بعد اجتماعي وصحي، دخلت فائزة منذ بداية شبابها المعترك من باب الرياضة وصولا الى ميدان الثقافة والاعلام والسياسة.
وعقب نجاحها في انشاء لجنة رياضية خاصة للمرأة واقامة اول دورة للالعاب الاولمبية النسائية للدول الاسلامية، انشأت صحيفة «زن» او «المرأة»، وهي اول صحيفة يومية نسائية في إيران، وذلك عقب فوزها الكبير في انتخابات البرلمان الايراني السابق. وصحيفة «زن» صحيفة جريئة في طرح قضايا المرأة، والعلاقة بين الشبان والشابات، غير ان فائزة تجاوزت الخطوط الحمراء كافة بنشرها رسالة من الامبراطورة السابقة فرح بهلوي الى الشعب الايراني بمناسبة عيد النوروز، رأس السنة الفارسية، مما ادى الى توقيف صحيفتها واصدار قرار بحبسها، غير ان القرار استبدل بتغريمها ماديا اثر تدخل والدها.
ومنذ انتهاء فترة عضويتها فى البرلمان، وتعطيل صحيفتها انحصرت انشطة فائزة في اطار الرياضة النسائية، فيما ابنتها «سحر» الطالبة الجامعية ناشطة بارزة في مجال الحركات الطلابية. وخلافا لاسرة رفسنجاني فان قرينة مرشد النظام خامنئى خجست وكريماتها لم ينخرطن في الشأن العام. اما الرئيس محمد خاتمي فان زوجته زهرا صادقي (ابنة سلالة دينية وعلمية عريقة ووالدها الدكتور صادقي من ابرز الاساتذة الجامعيين والباحثين الكبار في الفلسفة والادب. ووالدتها مرضية خانوم ابنة المرجع الاعلى الراحل الامام حسين آغا القمي، وشقيقة الامام موسى الصدر الزعيم الشيعي المختفي في ليبيا) فهى متحررة العقل بحكم ولادتها ونشأتها في بيت علم، وزواجها من رجل دين مثقف وسليل عائلة دينية بارزة هو خاتمي. وقد ظلت سيدة ايران الاولى شريكة حقيقية لزوجها خلال فترة رئاسته ورافقته في بعض زياراته الخارجية، مثل سفره الرسمي الى السعودية.
أما النساء الناشطات خارج العائلات السياسية البارزة فى ايران فلا يمكن حصر عددهن. غير ان هناك اسماء باتت معروفة جدا حتى خارج حدود ايران مثل الناشطة الحقوقية شيرين عبادي، والشاعرة سيمين بهبهاني، والروائية سيمين دانشور، والصحافيات والكاتبات بروين اردلان، وفرشيت قاض، وشهلا شركت مديرة مجلة «زن»، بل ان هناك الالاف من الطالبات والطبيبات والاستاذات واصحاب المهن الحرة ممن ناضلن من اجل كسب حقوقهن الاجتماعية والسياسية.