المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جبر الخواطر ... أسامة غريب



ياولداه
12-27-2017, 07:24 AM
http://media.almasryalyoum.com/editor/Ossama3'areeb.jpg


أسامة غريب - المصري اليوم

تعودت منذ سنوات أن أتلقى نماذج من كتابات بعض شباب الكتّاب الذين يُحسنون الظن بى ويرغبون فى معرفة رأيى فى أعمالهم. وبرغم الامتنان الذى أشعر به نتيجة وثوق هؤلاء الشباب بى ورغبتهم فى أن ينالوا اعترافى، إلا أن هذه الثقة تضعنى فى حرج حقيقى يعود إلى أمرين: الأول أننى لم أعد أملك الوقت الذى أنفقه فى قراءة أعمال غير مضمونة النتائج، والثانى أن التجارب علمتنى أن أقل القليل مما يحمله لى البريد من محاولات فى الكتابة هو ما يصلح للنشر، وقد لا يدرى هؤلاء أن إضاعة الوقت فى عمل ضعيف له تأثير سيئ جداً على مزاجى وحالتى النفسية، إذ أعاف القراءة لفترة وأظل شاعراً بخوف مع كل كتاب جديد خشية أن ينكد علىّ ويغضبنى!.

ولعل حساسيتى الزائدة فى هذا الموضوع سببها أننى أفزع من أن الشباب الذين يحلمون بأن توضع أسماؤهم مع كبار الأدباء والشعراء لا يجيد معظمهم القراءة والكتابة والإملاء، بمعنى أن مستواهم العلمى والثقافى يقف عند السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية، أما معارفهم التى حصلوها فقد جمعوها من حياتهم الضيقة ومن برامج التليفزيون!.

ومع هذا فإننى أعترف بأن صدمة الشباب فيمن يصارحهم بالحقيقة كثيراً ما كانت تستند إلى بعض الأسباب المنطقية، ذلك أنهم يرون أعمالاً لا تفترق عما يكتبونه منشورة بالصحف والمجلات طول الوقت، ويرون روايات وقصصاً تصدر لمن يماثلونهم فى المستوى وبعضها يحقق مبيعات جيدة، لذلك فهم يتصورون أن من لجأوا إليه طلباً للرأى إما لا يفهم العمل، أو لعله يغار منهم ويخشى المنافسة!. ولعل الضحالة والخفة والاستسهال التى صارت طابع العصر تتحمل جانباً من الذنب بعدما تأثر جيل الشباب بالهراء الذى يقرأونه ويتصورون أنه المثل الأعلى لفن المقال والقصة والرواية والقصيدة، ثم يأخذون فى تقليده وهم يعتقدون أن هذا هو المستوى الطبيعى للموهوبين!.

على أى الأحوال لم أعد أصارح أحداً برأيى الحقيقى فى العمل الذى يرسله لى إلا إذا وجدت صاحبه يمتلك أدوات جيدة تؤهله ليكون كاتباً، وهؤلاء لا يظهرون إلا على فترات متباعدة.. أما الغالبية العظمى من الذين يكتبون دون أن يكون أحدهم قد قرأ كتاباً فى حياته فهؤلاء أصبحوا يحظون منى بمديح لم يحصل عليه المتنبى لا فى حياته ولا بعد وفاته، ذلك أننى أدركت بعدما عركنى الزمن أن الحياة لا تستأهل أن نُغضب الناس بدعوى حرصنا عليهم، وفهمت كذلك أن الذى يطلب رأيك فى عمله لا يفعل ذلك لأجل أن تنكّد عليه وتنكأ جراحه وتصدمه برأيك الحقيقى، وإنما يقدم عمله لك لأنه يحبك ويتعشم فيك ويحتاج منك لمسة مودّة، يحتاج أن تمنحه أملاً يعينه على متاعب حياته وأن تطيّب خاطره بكلمات لن تكلفك شيئاً بينما تعنى له الكثير. إنى واثق أن أحداً من هؤلاء لن يكون كاتباً فى يوم من الأيام، لكنه لن ينسى لك ذوقك ورقتك وحُسن صنيعك.. وفى النهاية فإن جبر الخواطر هو عمل جليل لا يحتاج سوى أن تنحاز لإنسانيتك وتنحى الصدق المؤلم جانباً!.

http://www.almasryalyoum.com/news/details/1237017