المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مــن يقـــاتــل مـن فــي الــعــــراق؟ ......د. جمال حسين



جليل
06-09-2005, 09:40 AM
محاولة لفض تشابك أغصان شجرة العائلة الأمنية العراقية

بغداد ـ د. جمال حسين

«صدقوا أو لا تصدقوا فلدينا الآن في العراق أكثر من 160 ألف عنصر مدرب في الجيش والشرطة».
علا التصفيق ما إن قال الرئيس جورج بوش عبارته هذه، سعيدا، آمنا، مطمئنا، لا يخشى في هذا الإحسان لومة لائم.

فعلا، يوجد في العراق 162 ألف شخص «مدرب» التحق 71 ألفا منهم في الجيش و75 ألفا ارتدوا بزات الشرطة و15 ألفا رموهم بعيدا ليحرسوا الحدود و 19 ألفا تفرقوا ما بين الأجهزة الأمنية المختلفة (عدا المخابرات).

ولكن هل تدرب هؤلاء فأحسنوا تدريبهم وهل جهزوهم فأكملوا تجهيزهم وهل أعدوهم وأشبعوا حاجاتهم، أم أن الأمر مجرد زيادة في العدد وأكوام بشرية مخلوطة الأقوام والأعمار تحولت بلمسة واحدة من على موائد الأحزاب المالكة للميليشيات غيرت فيها بضاعة الحانوت ولون الزي وشعار البيريه؟!

في هذا الإمعان المستبين بجميع المعطيات اللازمة، سنحاول التنقيب والتمحيص لفض تشابك أغصان «شجرة العائلة» للتشكيلات والقوى الأمنية العراقية ومعرفة صناديق بريدها وملفات رواتبها وصرامتها ولمن تتبع وبأيّ سخـّرت ومن عليها وصي، بخمرها وأوراقها وشجرتها الرقطاء وشظايا أحلامها وقرميد أهدافها الذي أمـّنها الكوخ العراقي على عرضه وماله وصوره وتاريخه ورنين مستقبله.


حارب النظام العراقي العالم متسلحا بسبعة فيالق فيها 1008 افواج عدا 10 قوى أمنية مختلفة وفرق الحرس الجمهوري وجيوش شبه وهمية كالقدس والشعبي وفدائيي صدام، بحيث يصل العدد (النظري) للأفواج المسلحة الى نحو 2000 فوج مدربة بشكل نسبي، فمنها المحترف ومنها من يؤخذ على حين غرة من مجموعة صبيان المارينز.

وبعد أن تناثرت هذه القوة العسكرية، تمكنت الولايات المتحدة في غضون سنتين وبمساعدة أكثر من 40 دولة من إعداد 70 فوجا عاملا 6 منها فقط للإسناد والدعم، تلقي على عاتقها الآن خوض «المعركة التاريخية» ضد الإرهاب المحلي والدولي.

لقد أمعن اللصوص كثيرا في أحياء بغدادية مكتظة بالسكان كالغزالية والدورة والشرطة والبياع والعامرية والفرات والجهاد وشارع الربيع وحتى من كانت مرموقة كالأميرات والحارثية والمنصور. وتحكموا في الشوارع والأسواق، فيما كانت المجموعات المسلحة ترسم «مثلث الموت» وتبطش بالناس وتزهق الأرواح في الطرق السريعة والدولية وما بين المدن كشارع الموت الذي يمر باللطيفية وشوارع موت أخرى كذلك الذي يربط جسر الجهاد بحي الفرات وشارع المطار المحاذي لحي الحسين وشارع الموصل لغاية منطقة العامل.

ينحر الصحافيون المحليون مباشرة على قارعة الطريق، فيما يختطف الأجانب بغية الحصول على الفدية أو يقتلون فيما بعد، ويتكرر الأمر يوميا بالنسبة للسائقين العرب والأجانب وعناصر الشرطة والحرس الوطني ومسؤولي الخطوط الخلفية في الدولة والعاملين في المؤسسات والمنشآت الخدمية كالكهرباء والماء والهاتف بهدف شل الحياة وإظهار عجز الحكومة وغيرها من جرائم عادية ومنظمة لا تتوقف عند حد وليس لطبيعة جرائمها نهاية، ناهيك عن تلك التي تشعل يوميا نيران الفتنة الطائفية وما يتعرض له علماء المسلمين من الطائفتين وعلماء العلوم وأساتذة الجامعة والأطباء والسياسيون والنواب والضباط حتى المتقاعدون منهم.

خطط الشرطة

بنيت الشرطة العراقية الحديثة بمساعدة مؤسستين تدريبيتين هما كلية الشرطة في بغداد و المركز التدريبي الدولي في الأردن. وخطط المعنيون لأن يكون هذا الجهاز تخصصيا يشمل المتطوعين فقط، على أن تكون مهامه الأساسية «تعرضية». وقسمت الى شرطة محلية تمارس مهامها التقليدية وشرطة النجدة وشرطة مكافحة الإجرام المنظم والأدلة الجنائية والمرور والاستخباراتية.

جرائم وتحقيق

هناك الجرائم التي تحدث سهوا وتلك التي تقع لأسباب شخصية أوعشائرية والخطف الذي لم يكن وليد الدولة العراقية الراهنة بل ازدهر أوقات الحصار والسرقة والسطو المسلح والتسليب والابتزاز. وكان عتاة المجرمين الذين أطلق سراحهم من السجون قبل الحرب وخلالها المسؤولين المباشرين عن هذه الجرائم التي لا يمكن جدولتها ضمن «ملف الإرهاب» وهي من اختصاص الشرطة المباشر.

ومع ذلك تجد قوات الشرطة نفسها بمواجهة الإرهابيين الذين كانت معظم عملياتهم تستهدفهم، بالرغم من ان واجبهم الرئيسي هو «خدمة الشعب» وتوفير الأمن. لذلك ازدوجت المهام لدى الشرطة وتعقدت وتجاوزت حدود الدروس التي تلقوها في المراكز التدريبية المذكورة لغاية مجابهتهم تنظيمات مدربة جيدا مثل «القاعدة». وهنا تبرز مسألة إمكان الشرطة المحلية ومدى استعدادها الفني والتقني والمعلوماتي والتسليحي وغيرها، وعندها يسهل اكتشاف النقص الذي يعاني منه هذا الجهاز في الحياة الأمنية العراقية.

القضاء والشرطة

تعد هذه العلاقة حساسة وغاية في الخطورة في دولة بدأت تحترم القانون. فالمساءلات التي تجري عبر الفضائيات لعصابات الإجرام والإرهاب لا تعدو، من وجهة النظر القانونية، كونها «استنطاقا» وليست «تحقيقا» الذي تعتبر من عناصره الرئيسية الشهود والإثباتات المادية وتأييد الاعترافات من غير ضغط بدني ونفسي.

وحين تتوافر هذه العناصر يأتي دور القضاء ليطبق القانون. فهل الذي يحصل في دوائر الشرطة والتحقيق هو الآلية التي تمهد للقضاء إطلاق الأحكام بثقة مدعومة بجميع مستلزمات التحقيق؟

كماشة الشرطة

إن الصراع الذي تشهده الداخلية العراقية بين ميليشيات الأحزاب (غير الشرعية طبعا من وجهة دولة القانون) والشرطة وأجهزة امن الدولة يتضح من خلال أزمة طرد 2500 شرطي في كركوك. وهذا الأمر موجود من البصرة حتى الموصل.

ففي أشهر «الفراغ الأمني» الأولى اتخذ القائمون على أمور العراق في مجلس الحكم قرارا أطعموا بموجبه أفراد ميليشيات أحزابهم ومنحوهم «الشرعية» والملابس «الميري» وأهم من كل ذلك استحواذهم على السلطة من خلال دخول عناصرهم المسلحة في سلك الشرطة والجيش.

هنا برز الصراع بين طموحات ولي الأمر (الحزب) وخطط الدولة وما بين مناهج الحركة وأولويات «خدمة الشعب» والحفاظ على أمنه. وسيستمر هذا الصراع حتى يكف السياسيون العراقيون عن الأباطيل التي يعيشون منها وهو غد نراه بعيدا.

مصدر للرزق

لقد دفعت الحاجة وقمع البطالة وألم الفاقة النسبة العظمى من فتيان البلاد للتطوع في سلك الشرطة بعد أن تعبوا وملوا من الوقوف في «المساطر» بانتظار العمل بأجرة يومية، فيما فضل قدماء هذا الجهاز العودة للخدمة فيه بعد أن عجزوا عن العثور على عمل آخر وصعوبة ترك عمرهم وسنوات خدمتهم الطويلة تذهب سدى.

هؤلاء من يتهمهم الإرهابيون بالتجسس والعمالة لأميركا ويقتلون يوميا حتى ضاعت إحصائيات دقيقة وكاملة لعدد عناصر الشرطة الذين لقوا حتفهم بسبب العمليات التي استهدفتهم، ناهيك عن الأوراق التحذيرية التي تلصق يوميا على أبواب دورهم بقتلهم أو خطف أبنائهم وما يترتب ذلك من ضغط نفسي عليهم وعلى عائلاتهم.

يمنحون للشرطي الآن 220 ألف دينار كمرتب شهري (حوالي 150 دولارا)، ويعاني اغلبهم من حالة خوف على عائلاتهم في حال مصرعهم، حيث ينقطع راتب الشرطي حال وفاته (لا ينبغي أن يستمر الحال هكذا بدون سن قوانين لتقاعد الشرطة وخاصة الذين يفقدون حياتهم أثناء تأدية الواجب وكل ما قالوه لنا ان المخاطبات بين الوزارات بخصوص شهداء الشرطة تأخذ وقتا لمرورها بسلسلة من المراجع والإدارات وفي كل الأحوال تبقى حقوقهم مضمونة).

يتحدث الشرطة العراقيون فيما بينهم عن زملائهم الذين وهبوا حياتهم للدفاع عن البلاد وكيف انتظرت أراملهم وأطفالهم رواتب التقاعد لأشهر وكيف عانوا في ظل غياب كامل عمن يهتم بهم وبمصالح أيتامهم وعدم وجود مؤسسة واحدة تعنى بأحوال العسكريين القتلى في العرا.ق

أهداف سهلة

يتجول عناصر الشرطة بدوريات مكشوفة وأغلبهم لا يمتلك سترات واقية ولا سيارات مدرعة وتسليحهم ضعيف وبسيط يعتمد على البنادق الآلية فقط، بينما يواجهون لصوصا وإرهابيين يمتلكون أسلحة أفضل. فمثلا، حاصرت مجموعة مسلحة مركز شرطة الشعب ثلاثة أيام دون أن تصلهم مساعدات من الداخلية ولم ينقذهم سوى القوات الأميركية التي وصلت بعد أن نفدت ذخيرتهم وقتل نصفهم (حدث أمر مماثل في مركز الرشيد والمحمودية).

ويطرح هذا الحادث السؤال الملحق به: كيف تستطيع الشرطة حماية الناس ولا تستطيع حماية نفسها؟

للإنصاف، لا يوجد عراقي واحد يحمل الشرطة أكثر مما تحتمل. فهؤلاء يؤدون واجبهم بشكل شجاع وروحهم المعنوية عالية ويتصدون للمجرمين بأنواعهم حسب إمكاناتهم لذلك راح الكثير منهم ضحايا المجابهات غير المتكافئة (لغاية أبريل 2005 سقط 1388 شرطيا في بغداد وحدها) ، في وقت يستطيع فيه أي مجرم الحصول على أسلحة أفضل مما تتزود به الشرطة من أسواق السلاح المحلية المزدهرة.

تحتاج هذه المشكلة الى إعادة نظر في التجهيز والتسليح والتحصينات والتشكيلات والتعبئة ودعم من الجيش وقوات الطوارئ وتنسيق أعلى مع القوات المتعددة الجنسية التي تجوب الشوارع في أحيان كثيرة بدون هدف محدد.

كما يعاني جهاز الشرطة من اختراق للمجرمين العاديين الذين تطوعوا وقبلوا فيه وكذلك خرق كبير من التشكيلات المسلحة والإرهابية في ظل غياب آلية دقيقة لقبول الأفراد في هذا السلك الحيوي.

تمييز سلبي

ولا نعرف السبب في التمييز الذي يعاني منه عناصر الشرطة حيث يفضلون عليهم الحرس الوطني الذي يفضلون عليه قوات المغاوير أو التدخل السريع الذي يفضلون عليهم ألوية الذئب وأسد الصحراء وغيرها.

يدفعون للحرس الوطني ثلاثة أضعاف ما يتلقاه الشرطة من مرتبات ويتصاعد الراتب حسب التمييز المذكور أعلاه، علما بأن الوقائع أثبتت ان هؤلاء جميعا يتعرضون للخطورة نفسها، ولعل الشرطة غير المحصنين جيدا يتعرضون لمخاطر أكثر لقربهم من الناس وعدم تمركزهم في قواعد عسكرية كالجيش والمغاوير.

الحرس الوطني

يبدو أن كل نظام يأتي للعراق يسمي ما يشاء. فبعد سقوط الملكية ظهرت ما أسموها «المقاومة الشعبية» والبعثيون الذين جاءوا في 1963 اطلقوا على قواتهم «الحرس القومي» وفي عام 1968 قالوا إن اسمه «الجيش الشعبي» وظهر الى جانبه «الحرس الجمهوري« وقوات كثيرة أخرى. والنظام الجديد في العراق يسمي قواته «الحرس الوطني» التي أدمجوها مؤخرا بالجيش وهي تابعة لوزارة الدفاع.

هذه القوات، تنظيما وتسليحا وتدريبا وإعدادا وتمويلا أفضل من الشرطة بكثير، واكتسبت خبرة جيدة بعد خوضها العديد من «المعارك». واجبها الرئيسي الحفاظ على الأمن الوطني من أي «عدوان خارجي»، لذلك انحصرت مهامها الحالية بالتصدي للإرهاب لكونه «عدوانا خارجيا يهدد الأمن الوطني» أيضا.

عاد إليه منضما حسب الصنوف الجديدة في الجيش الكثير من ضباط الجيش العراق المنحل وأغلب الذين يترأسون وحدات الجيش العراقي الحالي من ضباط الجيش القديم (لم يقبل أي ضابط في الجيش المنحل من رتبة عميد فما فوق).

ويطمحون في نهاية العام الى تشكيل تسع فرق من الجيش وبالرغم من أن العديد من عناصر الجيش استقالوا نتيجة الضغوط وخاصة في الموصل وتكريت والرمادي، فإن أعداد المتطوعين الجدد فاقت أولئك الذين تركوا الخدمة بإرادتهم.

سلاح الأعداء

يبقى تسليح الجيش خفيفا مع بعض المدرعات (حاليا كتيبة مدرعة واحدة) وبلا صنوف المدفعية ومقاومة الطائرات والقوات الخاصة والهندسة العسكرية والقوة الجوية. ويبدو ان هاجس الإرهاب أثر على التسليح وتوزيع الصنوف، فأغلب تدريباته تنحصر في حرب المدن وعمليات العصابات وحماية أنابيب النفط.

والغريب أن الجيش لا يزال يتمسك في تسليحه على مدرسة أوروبا الشرقية، بالرغم من خوضه عمليات مشتركة مع القوات الأميركية التي تشرف على تدريبه، وربما كان عامل الوقت، ما جعل الاميركيين يدربون العراقيين على أسلحة أعدائهم السابقين في اوروبا الشرقية لكون عناصر الجيش القديم متدربة عليها ولا تحتاج الى تدريب إضافي وربما هناك سبب إضافي تدعم فيه الولايات المتحدة سوق الأسلحة لدى حلفائها المشتركين معها في العراق كرومانيا وبولندا وأوكرانيا وبلغاريا وقد تكون هناك أسباب أخرى.

قفزة نوعية

ويتطور أداء «الحرس الوطني» أو الجيش العراقي كثيرا، فمثلا عندما خاضت القوات العراقية معارك الفلوجة الأولى جنبا الى جنب مع القوات الأميركية تبخرت «الكتيبة 36» ذائعة الصيت وتلاشت مثلها الكتيبة 202 عندما دخلت عمليات سامراء.

ونعتقد أن التطور اللافت في أداء الحرس الوطني بدأت ملامحه تظهر منذ أوقات معارك النجف في أغسطس 2004 وتوجته الآن في الغارات الناجحة في غضون «عملية البرق» التي أبرزت تحسنا كثيرا في تنفيذها لمهامها، فضلا عن جودة تجهيزها ووضوح فعالية التدريب الذي تلقته.

رقم الأحلام

والتخطيط الاستراتيجي الأميركي يشير الى أنهم في واشنطن يطمحون في إعداد 250 ألف فرد في الجيش العراقي من المتطوعين والمحترفين فقط، لكي يستقر تعداد الجيش عند هذا الرقم الذي وصلوا لغاية اليوم الى ثلثه فحسب.

ويبدو أنهم يعانون من مشاكل الوقت والمال وإعاقات الإرهاب ولا يوجد من يستطيع التأكيد على تاريخ محدد لكي يكملوا فيه تجهيز وإعداد ربع مليون جندي عراقي محترف يستطيع شخص مثل الجنرال الأميركي ديفيد بتراوس المسؤول عن إعداد القوات العراقية وصف متاعبه بالقول إن ما يجريه الآن من عملية تشبه إصلاح وترميم طائرة أثناء تحليقها في الجو!.

ولعل هذا «الرقم الحالم» يتأرجح مع «الموعد الخيالي» الذي يصر الساسة الأميركيون على حلوله «عاجلا أم آجلا» حين يبدأ الحديث الشاق عن انسحاب القوات الأميركية والأجنبية ليحل الربع مليون المنتظر محلهم. ولا يخفى ما يحمله هذا الرقم من أمل كبير لدى العراقيين

المخابرات المستقلة

لا يستطيع أي مسؤول في العراق الإجابة عن السؤال: لمن تتبع المخابرات؟!

فلا هي تابعة لرئيس الجمهورية ولا رئاسة الوزراء ولا أي وزارة أو مؤسسة عراقية . ولا تمول من وزارة المالية العراقية ولا تدخل مصروفاتها ضمن موازنة الدولة ولا أحد في الدولة برمتها يعرف عنصرا واحدا يعمل فيها عدا رئيس اللواء محمد الشهواني.

بالطبع، أهل المخابرات في العراق لا يعملون مجانا ولابد من وجود أحد يدفع لهم، وهذا معروف ولا يحتاج الأمر الى توضيح. وفي الوقت نفسه، كيف يمكن تصور دولة «ذات سيادة» مخابراتها الوطنية تتبع لدولة أجنبية؟.