المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدام يشعل حرائق الكلام في الأفلام العراقية



جليل
06-09-2005, 09:29 AM
مشهدان للرئيس العراقي السابق صدام حسين، في اولهما يضحك بثقة ممسكا سيجاره وسط رجاله، وفي الثاني يسقط تمثاله كنهاية مرحلة، وبين المشهدين مسافة تختصرها افلام عربية في حروب كلامية بين عراقيين في الداخل والخارج فرقهم الاحتلال الاميركي بدرجة لا تقل عما فعله بهم صدام.

ففي فيلم «غير صالح» وهو العمل الاول للمخرج العراقي عدي رشيد يحاول البطل ان يرسم صورة لبلاده فيكتشف ان ما فعله صدام بالعراقيين لا يختلف كثيرا عما يعانيه المواطنون على ايدي القوات الاميركية.

وحصل الفيلم الذي بلغ 67 دقيقة على جائزة خاصة من مهرجان روتردام للفيلم العربي الذي انتهت دورته الخامسة مساء الاحد الماضي تقديرا لمخرجه الذي غامر بإخراج اول فيلم روائي تم انجازه في بغداد بعد سقوط صدام.

فيلم «غير صالح» يصور بقايا جثث تخرج من تحت الركام اضافة الى رفات يصفها البطل بأنها «قبور جماعية لجنود لا يعرفون قاتلوا من، ومن اجل ماذا».

كما يستعرض نصب الحرية الشهير الذي انجزه الفنان التشكيلي العراقي الرائد جواد سليم (1919 - 1961) حيث يظهر وحده في مشاهد تبدو فيها بغداد خالية من الحياة وساحة استعراض لدبابات ومدرعات فوقها قناصة اميركيون بعد ان «نهبوا المتحف (العراقي) وحرقوا المكتبة (الوطنية)».

العراق إلى أين

ولكن الحرية التي وعد بها العراقيون تتحول الى كابوس بسبب الفوضى وافتقاد الامان، وتكون ميسون زوجة بطل الفيلم احدى الضحايا حيث تظل معتقلة في البيت في اشارة الى ان سقوط صدام ادى الى فراغ وخلل امني واجتماعي يهدد استقرار اسرة بطل الفيلم.

هذا الاضطراب كان موضوع الفيلم التسجيلي «العراق الى اين» الذي صور في سبتمبر 2003 قبل نحو 70 يوما من اعلان القبض على صدام.

ويبدأ الفيلم الذي يبلغ 22 دقيقة واخرجه العراقي المقيم بكندا باز شمعون بمشهد لفجر بغداد على صوت مؤذن يعلن «الصلاة خير من النوم» ثم تتفجر فيه طاقات الغضب على صدام والاميركيين.

فأحد العراقيين يقول ان «صدام دمر العراق، لم يترك شيئا الا خربه» ويضيف آخر ان «الرئىس الاميركي جورج بوش وفر الدولارات. بوش على رأسي» ويلخص ثالث فترة تزيد على ربع قرن قائلا ان صدام «اميركي جاءت به اميركا ثم اخرجته».

ولكن عراقيا يقول بثقة ان «صدام شريف العرب اشرف من (حكام) الخليج، اشرف زعيم عربي والرئىس الاميركي (قواد)».

اما المخرج هادي ماهود فيعود بعد 13 عاما من غربته الاختيارية في استراليا الى العراق ليصور فيلمه التسجيلي «العراق موطني» بعد سنة من سقوط بغداد فيقـوده صبـي الى دروب مجهـولة منـها مبنـى دائـرة الامن العام وفي اسفله غرف كانت مخصصة لتعذيب المواطنين.

وكان الصبي احمد يعمل نجارا للأسقف الخرسانية، ولكنه فقد مهنته بعد ان سرق لصوص معداته فصار يبيع الطلقات الرصاصية التي اصبحت بضاعة رائجة.

تغير مهنة الصبي في الفيلم الذي بلغ 52 دقيقة يتسق مع تغيرات اخرى منها تغير اسم «مدرسة 17 تموز» الى «مدرسة انكيدو» والاسم الاول يشير الى تاريخ صعود البعث الى السلطة في العراق في 17 يوليو 1968، والاسم الثاني لرفيق جلجامش صاحب الملحمة العراقية الشهيرة التي تعد من اقدم الملاحم في التاريخ وكان يبحث فيها عن عشب الخلود.

كما يسجل الفيلم على لسان مواطن يعتبر الاحتلال الاميركي لبلاده «حرب التحرير» قوله ان «صدام استطاع تخريب عقلية الانسان العراقي» مقابل مواطن آخر يصرخ «اين الحرية التي وعد بها بوش اين حقوق الانسان».

والاضطراب الذي يعانيه العراقيون تجاوز الجغرافيا في بعض الاحيان، ففي الفيلم التسجيلي «ابدا لم نفارقه» الذي اخرجه المصري احمد رشوان تتابع الكاميرا تدريبات منتخب العراق لكرة القدم في معسكر بالعاصمة الاردنية، حيث يعترف لاعب بأن حدوث انفجار في مكان قريب من بيته يسبب له ارباكا فلا يستطيع اكمال المباراة وهو مشتت الذهن.

وفي الفيلم الذي بلغ 28 دقيقة يروي مسؤولون رياضيون كيف «خرب» عدي صدام حسين الرياضة من منتصف الثمانينيات بالتوازي مع عرض ادوات التعذيب المستخدمة في عقاب كل من يخالف تعليماته من اللاعبين، اما الآن فكرة القدم «هي المتنفس الوحيد للشعب العراقي. هي الشيء الوحيد الذي يتفق عليه الشعب».

وتحولت الدورة الخامسة لمهرجان روتردام للفيلم العربي الى ما يمكن اعتباره مهرجانا للعراق والفيلم العراقي.

وقال ناقد عربي شارك في المهرجان لرويترز ان صدام «ضيع فرصة بناء دولة قوية ذات موارد ثرية، ولكنه لا يختلف الا في الدرجة عن غيره من الحكام (العرب) السابقين او الحاليين».

وفاز بالجائزة الاولى وهي «الصقر الذهبي» في مسابقة الافلام الروائىة فيلم «ذاكرة معتقلة» للمخرج المغربي جيلالي فرحاتي، ويعالج الآثار النفسية لضحايا المعتقلات في المغرب في عهد الملك السابق الحسن الثاني.

كما فاز الفيلم القطري «غير خدوني» للمخرج المصري تامر السعيد بالجائزة الثانية في مسابقة الافلام الوثائقية الطويلة، ويتناول قصص بعض المثقفين اليساريين المغاربة الذين اختطفوا في السبعينات ولم يقدموا الى المحاكمة، وقضوا في المعتقلات تسع سنوات ولا يعرفون لماذا اعتقلوا ولماذا افرج عنهم.