المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عملية «البرق» الأمنية هل توقف نسيج الموت المـخيم على العراق؟!



جمال
06-08-2005, 10:44 PM
العملية الأمنية التي عالجت الأخطاء السابقة تفتح غطاء وعاء البارود العراقي

بغداد - د. جمال حسين

ان ننظر إلى الأمام، فالهجوم الذي قررته الحكومة العراقية ضد معاقل المسلحين والمتمردين والإرهابيين أينما وجدوا في عملية أسموها «البرق» بالبداهة ستكون أفضل من الدفاع السلبي الذي ارتضته الحكومات السابقة، لقلة استعدادها تارة، وانعدام معلوماتها الاستخبارية عن التشكيلات غير الشرعية وتردد الإرادة وضعف الإمكانات تارة أخرى.

وإن ارتاح المهاجمون للعملية السياسية والاقتصادية الجارية في العراق قبل «البرق» لكونهم يختارون الزمان والمكان لهجماتهم وجرائمهم في اغلب الأحيان، فالعملية الجارية الآن، من الناحية التعبوية والنظرية على الأقل، غيرت من تكتيك المهاجمين، وضيقت مجال مناورتهم لتحولهم من مبادرين الى طرائد ومن البادئين الى من يتلقى الصفعات يوميا.

وسعيا لمعرفة ما جرى وسيجري من مواجهة، ساحتها طول العراق وعرضه، نستعرض - ميدانيا - ما لهذه العملية من آفاق للنجاح، وما عليها من واجبات وفروض، وما الحدود الدنيا التي يمكن في نهاية المطاف عدّها ناجحة أو حسنة التدبير، مع الالتفات الحتمي لانعكاسها على حياة الناس المنسوج موتهم على رقابهم مذ تفتحت أعينهم للمرة الأولى على نهار بلا أصفاد.

تعد مناطق المحمودية واللطيفية والاسكندرية والدورة والسيدية والغزالية والعامرية واليوسفية، وشارع حيفا ومن خلفها أيدلوجيا منارات الأعظمية، أكثر المناطق البغدادية اعتراضا وسأما مما يجري في العراق بعد التاسع من أبريل معروف العام. ولهذا تحولت المناطق الثلاث المذكورة الى معاقل ومراكز حقيقية لما شاع تسميتها «مثلث الموت» حين كان العابرون منها سهوا يقتلون حسب لون البشرة وسحنة الاسم وموسيقى اللقب. تمركز فيها «طائفيون» عتاة الإجرام، مستعدون لارتكاب معاصي الحياة بكافة أشكالها، وكانت ردود الفعل الرسمية والأميركية محصورة في بضعة مداهمات يكتبها وشاة الأحياء تلك الذين علقت رؤوسهم الواحد بعد الآخر على بوابات هذه المدن.

ويعرف الناس هناك بعضهم البعض ولم يكن في الإمكان دس رتل خامس بينهم، فكانت مصدرة للموت فقط ولم تنفع معهم تسوية ولا عمليات محدودة بزمان يربكه مكان مفتوح يزيد من مناورات تخفيهم وطمس معالم أسلحتهم وذخائرهم في ملاجئ أعدوها خصيصا وحفر استلهموا مقاساتها من عبقرية «الرئيس القائد».

تكتيك جديد

ولكون المناطق مفتوحة، فهي تسمح لرصد أي عملية مداهمة تفقد عامل المفاجأة، طالما تستغرق وقتا للمسير عبر الطريق العام والدخول الصعب للمدرعات عبر الطرق الريفية. لذلك ابتكرت القوات العراقية من الجيش والشرطة بمساعدة لوجستية وتكنيكية أميركية طريقة الإنزال الذي تنفذه عادة قوات التدخل السريع على الطريقة الأميركية والتي لا تعطي الطرف المدافع أي فرصة للهرب، بالتوازي مع توافر معلومات دقيقة عن تجمعات ومعاقل المطلوبين. وأتى هذا التكتيك الجديد أُكله الذي تمثل بالقبض على الكثيرين الذين لم يتلقوا إشارات التحذير (معالجة أخرى مهمة للأخطاء الماضية بوقف كل اتصالات فضائية أو موبايلية طوال مساحة تنفيذ العملية).

وأفهمنا قائد اللواء الذي نفذ فرض الطوق على مثلث الموت هذه الخطط التي أتبعوها بخطط فرعية تلخصت في «مراقبة المنطقة على مدار الساعة باستخدام التصوير الجوي»، في تطور لافت لاستخدام القوات العراقية لهذا التكنيك الاميركي (أو بمساعدة أميركية مباشرة) لأول مرة في عمليات كان السهو فيها يعود سلبا الى الأطراف الحكومية والرسمية المهاجمة عادة.

لذلك فأن المباغتة ودقة المعلومات ووضوح الصور وارتفاع مستوى التدريب وإرادة المهاجمين المعدة فكريا بشكل حسن والتنسيق المنضبط مع القوات الأميركية، أبرز اضاءات «البرق» في مرحلته الحالية.

الخطوة الأولى

لا ينبغي في الوقت نفسه انتظار نتائج مباشرة وواضحة لعملية بدأت في 26 مايو الماضي ولم تكمل بعد يومها العاشر، لمواجهة قوى تدربت طويلا واستغلت العديد من الأخطاء ولديها قدرات مالية كافية ودعم لوجستي منقطع النظير من دول مجاورة وغير مجاورة وتنظيم صعب ومعقد ومدار جيد أرعب أميركا في بيتها.

ولم يكن منطقيا الاستعجال وتحليل ما جرى في العملية قبل انقضاء أسبوعها الأول ولمس فقراتها وبنودها وأيامها المثقلات بالدماء.

ولم يترك المعارضون والمقاومون والإرهابيون أي خيار آخر لدولة فقدت الكثير للغاية، (قد تفقد مستقبلها لو فضلت الانتظار السلبي) سوى المبادرة بالهجوم المعاكس الذي تدرك المؤسسة الأمنية والعسكرية العراقية مدى خطورة تراجعه أو تجميده لالتقاط الأنفاس، كما كانت عليه الحال في عمليات مشابهة أخرى كالمطرقة الحديدية والسوق الجديد والعقرب ومصارع الثيران وغيرها من التسميات، استغرقت في الاعتقالات العشوائية من دون وضع يدها على معاقل الإرهاب الحقيقية ومخازن السلاح والذخيرة وكانت دعائية وشرسة ضد المدنيين، أكثر منها فاعلة لالتقاط المطلوبين.

تجدر الإشارة الى أن بعض المواطنين وحتى أولئك المؤيدين للعملية الحالية اعترضوا على إطلاق تسمية عليها على الطراز الأميركي الهوليودي، كما أبدوا استغرابهم من الإعلان عنها قبل أسبوع من تنفيذها وفقدانها المباغتة متبعين بذلك الأسلوب الأميركي بالإعلان عن العمليات وحتى الحرب مسبقا قبل شروعهم بتنفيذها.

مداهمات واعتقالات

وعملية البرق هي فرض طوق امني على مدار الساعة ومداهمات مفاجئة واعتقالات بالجملة أيضا، لكنها تختلف عن سابقاتها، لكونها تعثر يوميا على مخابئ أسلحة وذخائر كثيرة جدا، تخطئ أحيانا وتصطاد أحيانا أكثر وهذا ما يميزها.

كما أن المعتقلين، خلافا لما كان يحصل، بقوا تحت إدارة تحقيقات عراقية أدرى ألف مرة من محققي المقاولات الأميركية الذين لا يستطيعون إدراك ما نسميه «الأبعاد العراقية وملامحها» التي يجيدها محققون عراقيون فقط يعرفون أسرار وشفرة وطريقة جعل المقبوض عليهم ينطقون.

ربما ثلاثة أرباع المعتقلين أبرياء ولكن نصفهم سيفيدون التحقيق بمعلومات على الأقل وعشرة في المائة منهم قد يكونوا شاركوا أو ساعدوا في العمليات، كما أكده لنا قائد اللواء المهاجم وحذر منه الرئيس جلال الطالباني عندما قال لوزيري الدفاع والداخلية ان عليهما الحذر خلال العملية كي لا تعطل الحوار مع «المسلحين»، وردد مقتدى الصدر التحذير نفسه بالقول ان عملية البرق يجب أن تستهدف «الإرهاب والجريمة» فقط، مشددا على اعتراضه أن تطول ما أسماه «التيار الإسلامي والوطني في العراق» بتلميح واضح للانتهاك الذي تعرض له رئيس الحزب الإسلامي العراقي محسن عبد الحميد على يد القوات الأميركية.

توزيع النسب في الاعتقالات، غير عادل من وجهة نظر حقوق الإنسان، لكن من يقود عملية واسعة النطاق ضد من يرهب الناس ويقتلهم يوميا، لا يستطيع حتى سماع هذه المفردة أو التوقف عندها.

فالاعتقالات الجماعية من اسلوب الدول الدكتاتورية عادة وليس دولة تبشر بالديموقراطية، لكنهم في الداخلية العراقية والدفاع، مدركون بأن مقاسات الديموقراطية الأميركية هي التي ضيعتهم وأضاعت عليهم فرصا كثيرة، عندما كانوا يقبضون على «إرهابيين» حقيقيين ويسلمونهم للأميركان، الذين يطبقون عليهم قواعد حقوقية أميركية لا تدينهم ويطلق سراحهم مجددا كما كان يحدث في الدورة الماضية التي كان الملف الأمني العراقي بالكامل بيد الأميركان الذين انتبهوا الى خطئهم ليسلموا بعض أوراقه الى العراقيين حاليا (صرح السيد مقتدى الصدر بالنص : «عندما يتم القاء القبض على ارهابيين ونقوم بتسليمهم الى قوات الاحتلال يطلق سراحهم بعد أيام وهم يلبسون الاحزمة الناسفة، كيف خرجوا لا نعلم..؟!»).

الملف الأمني

وبخصوص تسليم «الملف الأمني» للعراقيين فقد وعد ليث كبة الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية بأن «القوات الأجنبية بدأت بتسليم المسؤوليات الأمنية الى القوات العراقية في مناطق مختلفة»، مؤكدا على أن القوات الأجنبية «ستختفي من المدن خلال الأسابيع المقبلة ». وإذا حصل هذا المطلب الذي طالما نادت به الحكومات العراقية السابقة، فإنه سيعد خطوة مهمة لتسليم الملف الصعب الى العراقيين وسيزيل بعض المخاطر التي يسببها تجوال هذه القوات في شوارع المدن العراقية، ناهيك عن الارتياح النفسي الذي سيريح المواطن الذي تستفزه رؤية قوات أجنبية في مدنه.

خيار وطني

وجود الشرطة في الشارع يريح المدنيين الأبرياء (ليس كل المدنيين أبرياء في العراق !). فالبلد تعرض الى تفجير 150 سيارة مفخخة منذ تسلم الحكومة الجديدة مهامها وهذه حصيلة مخيفة، لاسيما أن معظم تلك الهجمات كانت تستهدف المسالمين.

لذلك فإن هذه المعطيات تؤكد على أن خنق ولجم الإرهاب «خيار وطني» المستفيد الأول منه هم المواطنون العاديون الذين تقع مسؤولية حمايتهم على من ارتضى لنفسه قيادة هذا البلد في الظروف البالغة الصعوبة الراهنة.

تراجع الموت

فرض الطوق الأمني والمراقبة الدائمة على بغداد في غضون عملية البرق قلل من العمليات الإرهابية بشكل لمسته عيون وآذان العراقيين، كما ساعد في مكافحة حالات السرقة والتسليب وأبعد اللصوص وقطاع الطرق من ساحة المعركة لكونهم يستخدمون أساليب الإرهابيين نفسها، وقد يكونون قد جمدوا نشاطهم الإجرامي في الوقت الحاضر، وفي كل الأحوال جاء ذلك لمصلحة الأمن الشخصي للعراقي، فمثلا، كانت 2 - 8 سيارات مفخخة تهدر أرواح المدنيين يوميا في الأيام الأولى لتسلم الحكومة الجديدة مهامها، فيما تستطيع سيارة كل يومين في تنفيذ عمليات أغلبها بائس من وجهة النظر العسكرية.

كما أن فاعلية مفارز التفتيش ونقاط الحراسة في مداخل بغداد ومخارجها وعند الساحات والطرق السريعة، أعاقت وصول السيارات الملغومة الى العاصمة. أضف الى ذلك نجاح القوات العراقية في غضون هذه العملية بالقبض على بعض الرؤوس المدبرة لهذه العمليات، وشبكة تمويلها، والمناطق التي اعتادت على ممارسة النشاط فيها، واشتراك مخابرات الأحزاب في تحريك المواطنين وتشجيعهم على إبداء معلومات وكشف أوكار المجموعات المسلحة.

غزوة الزرقاوي

من جهته، أعلن تنظيم القاعدة في العراق وزعيمه الذي «يتقلب بنعم الله الوافرة» بين «اخوته وأهله في بلاد الرافدين»، بأنه بدأ ما أسماه «غزوة عبد الرحمن البصري» (لا نعرف من يكون هذا الشخص الذي وصفوه بالشيخ الجليل) لمجابهة «عملية البرق» وتحديدا في بغداد. لكن بغداد تمضي أيامها الراهنة بهدوء جيد، ولم تتعرض لأي غزوات، بل تشير الدلائل الى أن تحركات هذا التنظيم تنحسر يوما بعد آخر بعد أن ضيقت القوات العراقية الخناق عليها مما دفعها الى نقل غزواتها الى شمال غرب العراق، حيث تتواجد أغلب عناصرها ومسالك المتسللين الأجانب.