المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشروعية زيارة العتبات المقدسة والقبور



JABER
06-08-2005, 09:15 AM
التوافق حياة للدين (4/12)

عبدالهادي الصالح

لقد أفتى جملة من علماء الاسلام وفقهاء الشريعة بجواز زيارة القبور وخاصة الانبياء والاولياء الصالحين، وهذا لا يمنع القول إن هناك حرم السفر وشد الرحال الى هذه القبور لا اصل الزيارة.
يقول النبي «صلى الله عليه وسلم»: «زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة» - صحيح ابن ماجة ج1 ص113 ويقول بعض العلماء في تفسير الآية الكريمة «ولا تصل على احد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره انهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون» (84/التوبة).

ان الله تعالى ينهى نبيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن مطلق الاستغفار والترحم على المنافق، سواء كان بالصلاة أو مطلق الدعاء، وينهى عن مطلق القيام على قبره، سواء كان عند الدفن أو بعده، ومفهوم ذلك هو ان هذين الامرين يجوزان للمؤمن بل وزيارة قبره والترحم عليه وقراءة القرآن الكريم على روحه.

ويستفاد من الاحاديث الشريفة التي تنهى عن زيارة القبور أنها تنهى نهيا مؤقتا لأسباب مثل: كان الاموات من المشركين وعبدة للأصنام وقد قطع الاسلام كل العلاقات مع الشرك واهله، ولذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تزهد في الدنيا وتذكرة الآخرة» - انظر ابن ماجة ج1 ص114 وصحيح الترمذي ج3 ص274، على هذا الاساس كان «صلى الله عليه وسلم» يزور قبر امه السيدة آمنة بنت وهب رضوان الله عليها: «زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله..» - انظر صحيح مسلم ج3 باب استئذان النبي ربه عز وجل في زيارة قبر امه - وانظر احاديث اخرى في صحيح ابي داود كتاب الجنائز باب زيارة القبور وصحيح مسلم ج4 كتاب الجنائز باب زيارة القبور وصحيح مسلم ج4 كتاب الجنائز باب زيارة القبور. كما اوردت الصحاح في سنن أبي داود وابن ماجة ومسلم والنسائي وغيره الكثير عن نصوص كلمات الدعاء والزيارة كان يقولها الرسول «صلى الله عليه وسلم» مثل:

«السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وانا واياكم متواعدون غدا ومواكلون، وانا ان شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الفرقد» انظر سنن النسائي ج4 ص76 - 77 وانظر غيره من الاحاديث المشابهة في سنن أبي داود ج2 ص196، وصحيح مسلم ج3 باب ما يقال عند دخول القبر، وانظر كذلك صحيح الترمذي ج4 كتاب الجنائز في زيارة القبور انه لما مات عبدالرحمن بن ابي بكر (رضي الله عنه) شقيق أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) في «الجُنْتي» حملوا جثمانه الى مكة ودفنوه فيها، ولما جاءت عائشة (رضي الله عنها) الى مكة - من المدينة (انظر كيف شدت الرحال) خرجت لزيارة قبر اخيها وانشدت بيتين من الشعر في رثائه، ويروي البخاري في صحيحه ج2 ص79 كتاب الجنائز باب زيارة القبور: عن انس انه قال: «مرَّ النبي «صلى الله عليه وسلم» بامرأة تبكي عند قبر». فقال اتقي الله واصبري. قالت: إليك عني فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: انه النبي «صلى الله عليه وسلم»! فأتت باب النبي «صلى الله عليه وسلم» فقالت: لم اعرفك! فقال «صلى الله عليه وسلم»:

انما الصبر عند الصدمة الاولى، فانظر كيف ان النبي «صلى الله عليه وسلم» لم ينه هذه المرأة عن زيارة القبر، وكذلك نجد ان السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام كانت تخرج الى زيارة قبر عمها الحمزة في كل جمعة أو اقل من ذلك - وكانت تصلي عند قبره وتبكي - انظر مستدرك الصحيحين للحاكم ج1 ص277، ويروي ابن ماجة حديث 1448 عن النبي «صلى الله عليه وسلم» انه قال: «اقرأوا» «يس» «على موتاكم».

ونجد ان القرآن الكريم يأمر المذنبين بأن يحضروا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسألوا منه ان يستغفر الله لهم لأن دعاء النبي يستجاب فيهم، فيقول عز وجل «.. ولو انهم اذا ظلموا انفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما» (النساء/64) وقد ورت الاحاديث الشريفة التي تصرح بأن الملائكة تبلغ النبي حتى سلام من يسلم عليه - انظر سنن ابي داود ج1 كتاب الحج زيارة القبور، وقد ذكر تقي الدين السبكي في كتاب «شفاء السقام» والسمهودي في كتاب «وفاء الوفا» نماذج من زيارة المسلمين لقبر رسول الله «صلى الله عليه وسلم» وتلاوة هذه الآية عند قبره الشريف ومنها رواية سفيان بن عنبر عن العتبي - وكلاهما من مشايخ الشافعي واساتذته، وعن عبدالله بن عمر (رضي الله عنهما) ان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» قال «من زار قبري وجبت له شفاعتي» وروى 25 شخصا من اشهر المحدثين والحفاظ هذا الحديث: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي» انظر السمهودي في كتابه وفاء الوفا ج4 ص.1340 وانظر في ذلك ما سطره المرحوم العلامة الاميني من 42 مصدرا من المصادر العلمية الاسلامية في كتابه الغدير ج5 في استحباب زيارة قبر النبي «صلى الله عليه وسلم».

اما حديث «لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد: مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الاقصى» فهو مختلف في صحته فضلا في معناه: فإذا كان المقصود به ألا تشد الرحال الى مسجد من المساجد الا ثلاثة مساجد فإن النهي لا يشمل شد الرحال الى زيارة المشاهد المشرفة وقبور الصالحين فهي ليست مساجد ولكن اماكن يوجد بها مراقد اولياء الله الصالحين مثل العتبات المقدسة، اما اذا كان المقصود من الحديث ألا تشد الرحال الى مكان من الامكنة الا ثلاثة مساجد فهذا يعني ان السفرات الدينية محرمة فلماذا يشد الانسان الرحال في موسم الحج الى «عرفات» و«المشعر» و«منى»، بل مطلق السفر ولو كان للعلاج أو للترفيه والسياحة البريئة كلها محرمة!!

رغم ان المصادر الشرعية كلها ترغب بالسفر سواء للجهاد في سبيل الله أو لطلب العلم أو صلة الرحم.. الخ! وعلى فرض صحة المعنى الذي ذهب اليه وهو «لا تشد الرحال الا الى ثلاثة مساجد..» فإنه لا يعني ذلك الحرمة - كما يقول بعض العلماء - بل معناه ان المساجد الاخرى لا تستحق شد الرحال اليها وتحمل المشاق لأنها لا تختلف من حيث الفضيلة مع الآخر اختلافا كبيرا اما اذا شد الرحال اليها فليس في عمله ذلك حرمة أو شرك أو بدعة أو كفر أو مخالفا للسنة الشريفة ويدل على ذلك ما رواه اصحاب الصحاح: «كان رسول الله «صلى الله عليه وسلم» يأتي مسجد قباء راكبا وماشيا فيصلي فيه ركعتين»، انظر صحيح مسلم ج4 ص127 صحيح البخاري ج2 ص76، السنن للنسائي المطبوع مع شرح السيوطي ج2 ص.37

والمعروف شرعا ان الصلاة عموما مستحبة في المسجد فكيف يكون شد الرحال اليها حراما رغم ان مقدمة المستحب - وهو الرحال هنا - مستحبة ايضا!
- وفي قصة اصحاب الكهف كان قول المؤمنين الموحدين في شأن مدفنهم «لنتخذن عليهم مسجدا» أي اتخاذ مدفنهم مسجدا انما كان من اجل اداء الفرائض، فهذا المكان صار ذا كرامة وشرف بسبب احتضانه لأجساد مجموعة من عباد الله الصالحين، والقرآن الكريم يذكر ذلك دون أي رد أو نقد بل بسكوت تام، ولو كان عملهم هذا خلافا للشريعة أو باطلا لما سكت القرآن الكريم بل ردّ عليهم شأنه دائما في المعتقدات الباطلة، ولنتذكر ان القرآن الكريم موجه الى المسلمين والناس اجمعين.

ونؤكد مرة اخرى ان مقام ابراهيم عليه السلام انما وجبت الصلاة خلفه لفضيلة وكرامة هذا المكان ولذلك ترى ملايين المسلمين يتخذون من مقام ابراهيم مكانا للصلاة والدعاء.. واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى.. ألا يمكن ان نستنتج من ذلك حكما عاما مفاده ان الصلاة عند مراقد اولياء الله الصالحين افضل من الاماكن الاخرى!

ولو راجعنا احاديث المعراج لوجدنا النبي «صلى الله عليه وسلم» في رحلة المعراج نزل في «المدينة» و«طور سيناء» و«بيت لحم» وصلى فيها فقال له جبرائيل: يا رسول الله اتعلم اين صليت؟ انك صليت في «طيبة» واليها مهاجرتك، وصليت في «طور سيناء» حيث كلم الله موسى تكليما، وصليت في «بيت لحم» حيث ولد عيسى. انظر في ذلك الخصائص الكبرى لعبدالرحمن السيوطي.

لقد جعل الله لموضع اقدام «هاجر» أم اسماعيل بن الخليل عليهم السلام محلا للعبادة فأوجب على الحجاج ان يسعوا كما سعت هاجر بين جبلي الصفا والمروة فتحملت المتاعب في سبيل الله فلماذا لا يكون قبر النبي «صلى الله عليه وسلم» وقبر اولياء الله الصالحين من آله الطاهرين واصحابه الميامين محلا للزيارة والدعاء وهم الذين تحملوا المتاعب والمصائب والمكاره من اجل اصلاح الامة.

اما حديث «لعن اليهود والنصارى اتخذوا قبور انبيائهم مساجد» - على فرض صحة هذا الحديث - هو انهم كانوا يعبدون انبياءهم ويسجدون على قبورهم أو يجعلون قبورهم قبلة لهم.
وكلا الامرين مخالف للشريعة الاسلامية ومن يقل ذلك على المسلمين اليوم فهو كاذب!

وعلى كل حال فإن ما ذهب اليه الكاتب العسعوسي في حرمة وشرك وبدعة ليس محل اجماع عند كافة علماء المذاهب الاربعة من اهل السنة وقد اورد الوجيه الكويتي المعروف السيد يوسف السيد هاشم الرفاعي في كتابه «ادلة اهل السنة والجماعة المسمى «الرد المحكم المنيع» فند فيه اقوال الكاتب وأشباهه في حرمة قصد المعالم المباركة والتبرك بآثار الصالحين والتوسل بهم ودلل على انها ليست بشرك ولا بدعة، مما يعني انه حتى اهل السنة - على الاقل - مختلفون في ذلك فكيف يمكن تكفير المسلمين واتهامهم بالشرك في امور ليست محل اجماع واتفاق كافة المسلمين أليس في ذلك تطرف وعصبية لرؤية واحدة لتصادر اجتهادات وآراء شرعية اخرى!