المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوسيولوجيا الهاوية



القمر الاول
08-19-2017, 08:48 PM
http://static.addiyar.com/storage/attachments/1428/nabih_827391_large.jpg



http://static.addiyar.com/storage/authors/13780143281264291333.jpg

نبيه البرجي - الديار

19 آب 2017

هذا الذي كان يثير الهلع لدى توماس جيفرسون منذ أكثر من قرنين. الرجل الذي وضع وثيقة الاستقلال للولايات المتحدة دعا الى التخلي عن عقدة الاله الأبيض الذي انتظره الهنود الحمر، كحالة ميتولوجية ترعرعت في اللاوعي، لانقاذهم من التيه، والعزلة، والانقطاع عن الآخر.

جيفرسون الذي أعتق العبيد في مزارع ابيه الثري قال، وبحسب موسوعة كلود جوليان، انه عندما كان ينظر في عيون الزنوج، كان يرى صرخة السيد المسيح وهو معلق على الخشبة...

والآن صرخة توني موريسون، الكاتبة الزنجية التي حازت جائزة نوبل، «ها أن الاله الأبيض يظهر من جديد ليرقص الفالس فوق جثثنا».

هكذا كان تعليقها على مواقف دونالد ترامب من أحداث تشارلوتسفيل، ولم تتوقف هنا...

قالت ان ادولف هتلر بعث في البيت الأبيض. كما قتل زعيم الرايخ الثالث المانيا يقتل «النازي الآخر» اميركا.

صاحبة «العيون الأشد زرقة» لاحظت كيف أن باراك اوباما لم ينقذ الولايات المتحدة من الزلزال المالي عام 2008 فحسب، بل انقذها من الزلزال الأخلاقي حين دخل رجل اسود الى البيت الأبيض. لكن مواقف ترامب أظهرت وكأن الرجل الآتي من لاس فيغاس لا يدرك البتة اين هي نقاط الضعف ونقاط القوة في أميركا.

الباحث الأميركي سيرغي ماركيدونوف دعا الى «وقف هذا الرجل الذي اذ احترف طويلاً مراقصة الغانيات، ها هو الآن يراقص الهاوية».

في نظره ان ما حدث في تشارلوتسفيل كان يمكن ان يكون عابراً، لكن تعليقات دونالد ترامب اظهرت ان هناك اختلالاً مدوياً في البنية الفلسفية والسياسية والأخلاقية للأمبراطورية...

اذاً، الرجل لم يتسلل من ثقب الباب. من اقترعوا له فعلوا ذلك لأنه يختزل الثقافة البيضاء التي تعتبر ان الآخرين، وسواء كانوا ينتمون الى ألوان أخرى او كانوا يتحدرون من حضارات أخرى، هم الظواهر المفخخة التي حملت في لاوعيها ذلك الفيروس المريع: تفجير اميركا!

هنا نتوقف عند آراء بعض الباحثين السوسيولوجيين الذين كتبوا عن «سوسيولوجيا الهاوية». بين هؤلاء البروفسور جيمس غولد سميث الذي لاحظ ان ما حدث أخيراً لم يكن طارئاً او مفاجئاً. منذ ايام رونالد ريغان و«الامبراطورية العظمى» تعيش تحت «الأنقاض الثقافية». فوضى الهوية،

حتى ان الولايات المتحدة لم تعد تنتج مثل اولئك الكتّاب الذين يلجون الى العمق الأميركي (بالتفاعلات الفذة او الفظة) ،من جون شتاينبك الى وليم فولكنر وارنست همنغواي ونورمان مايلر.

غولدسميث لفت الى ان أزمة السوسيولوجيا الأميركية تماثل أزمة السوسيولوجيا المسيحية (الاسلامية أكثر وأكثر) .واذا كانت الأديان تعطي الأولوية المطلقة للمسار العامودي للنص، وحيث النظرة الطقوسية لله، فان المؤسسة الأميركية التي مضت بعيداً في البحث عن الحياة على الكواكب الأخرى، أغفلت كلياً التوغل في تضاريس الحياة على الأرض. الآن... انه الاله التكنولوجي!

هذا احدث تداعيات عاصفة. البيض يعتقدون ان ابناء الثقافات الملونة هم المسؤولون عن التردي. صمويل هانتنغتون، صاحب «صدام الحضارات» هو اول من تحدث عن ذلك وبمنتهى الغطرسة والانتقائية.

الاستنتاج ليس صحيحاً. الأبيض يعني التفوق. الآخرون اما كائنات من الصفيح او بقايا الهنود الحمر. فرنسيس فورد كوبولا تساءل ما اذا كان هاري ترومان بحاجة فعلاً الى القاء القنبلة النووية على هيروشيما...

الباحثون السوسيولوجيون يستغربون كلام بعض السياسيين أو الاعلاميين حول الآلية الخاصة بـ«ازالة» دونالد ترامب من البيت الأبيض. احداث تشارلوتسفيل أظهرت مدى التصدع، التصدع الكارثي، داخل المجتمع الأميركي...

استطراداً، اذا ثبتت التهم الموجهة الى الرئيس حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، واذا بقيت الفوضى على حالها، مع التفكك الدراماتيكي في المؤسسات، فان باستطاعة دونالد ترامب ان يوقظ النيران: الاله الأبيض في خطر... اميركا في خطر!

هذه كانت شعاراته أثناء الحملة الانتخابية. اذا تعرض الرجل للطرد (امبيشمانت)، وعلى غرار ما حدث لريتشارد نيكسون بسبب فضيحة ووترغيت،

فان ظاهرة تشارلوتسفيل ستنتقل الى نيويورك وواشنطن

وشيكاغو وبوسطن ولوس انجلس وسائر المدن الاخرى.

هنا السؤال الذي يزعزع المؤسسة: هل تنفجر اميركا ؟

لو رأى توماس جيفرسون دونالد ترامب، ماذا عساه كان يمكن ان يقول؟ يا الهي... اين الملائكة التي تحرس أميركا المقدسة؟!