المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزرقاوي ورحلة البحث عن «بطولة»



فاطمة
06-05-2005, 01:13 AM
علي السعدي - الحياة اللندنية


اصيب الزرقاوي، لم يصب. خرج من العراق، لم يخرج. رسالة من الزرقاوي عبر الإنترنت يفتي فيها بقتل المدنيين، وعلماء دين يردون عليه. مؤتمرات صحافية في اكبر دولة في العالم يرد فيها اسمه اكثر من مرة. لا بد انه وضع يداعب مخيلة الكثيرين في ان يجدوا انفسهم في وضع مشابه، لكن ما هي الصورة التي يمكن استخراجها من كل ذلك؟ هل هي حالة امة تقاوم وتنتج ابطالها، ام امة لم تجد امامها سوى الانتحار، وبالتالي لم تعد تفرز سوى انماط من «بطولات» لا يربطها شيء ببطولاتها السالفة؟ وما هو الموقع الذي يمكن ان يحتله «ابطال» من هذا النوع، وإلى اين يمكنهم الوصول؟

في استعراض سريع لمعنى المصطلح وتجلياته، نجد انه في الوقت الذي تفرد فيه الشعوب، صفحات مشرقة من تراثها وتاريخها للبطولة والأبطال من ابنائها، فإنها تضع مقاييس وشروطاً لأولئك الأبطال كي يكونوا موضع احترامها. فالبطل هو حصراً من يستطيع الإتيان بأعمال يعجز عنها الإنسان العادي. وليكون جديراً بإحلاله مثالاً. عليه ان يكون شهماً شجاعاً، صاحب مروءة ونخوة، فلا يلجأ الى الغدر او السهل من الأعمال، ولا يفتك بأعزل او عاجز.

وفي العادة يبرز دور البطل الفرد في مراحل وهن الأمة و تراجعها، يأتي ذلك كمعادل موضوعي لعجزها عن توليد بطولة جماعية. ففيما ترسل الأمم القوية ابطالها ليعبّروا عن انفسهم بطرق اخرى لا تنحصر في نطاق المآثر الحربية بالضرورة – كالتفوق في الألعاب الرياضية وغيرها – تبقي الأمم الضعيفة على صورة البطولة مقرونة بالقدرة على القتل وحسب، من دون ان تتنازل كذلك عن المواصفات الملازمة لهذه التسمية.

وقد مر العرب عبر تاريخهم بثلاث مراحل في نظرتهم الى البطولة. فقبل ظهور الإسلام كانت صورة الفارس الفرد المدافع عن شرف القبيلة والذائد عن كرامتها هي السائدة والممجدة، كون الحياة العربية بتركيبتها الاجتماعية البسيطة آنذاك لم تتح ظهور بطولات من نوع آخر. ومع مجيء الدولة الإسلامية، تغير ذلك المفهوم ليدخل من ثم في صورة مركبة اكثر تعقيداً، اذ اصبح البطل هنا، هو القائد الفذ القادر على قيادة جيوش المسلمين في عمليات كبرى، وعليه ينبغي ان يكون رحوماً صحيح الإيمان، ذكياً بارعاً ثابت الجنان قوى الحجة، وفي هذه المرحلة امتزجت معادلة الأمة البطلة بالبطل الفرد.

ومع سقوط بغداد في يد هولاكو ودخول العرب مرحلة السبات، انكفأ الزمن العربي عن انتاج الأبطال الحقيقيين. فلجأ المخيال الشعبي الى استيلاد «بطولات» متخيلة، فاصلاً كذلك بين شكلين متمايزين منها. ففيما احتفظ البطل المتخيل بكل مواصفات البطولة السابقة، انحدر «البطل» الواقعي الى مستويات متدنية لامست حدود الإجرام العادي، فأصبح من المتاح والحال هذه ان يعتلي صهوة «البطولة» كل طالب شهرة خصوصاً مع انتشار وسائل الإعلام واستعدادها الدائم للاشتغال على هذا النوع باعتبارهم يوفرون مادة اعلامية خصبة، وبإضافة عامل التمويل المالي المتعدد المصادر، والمناخ التعبوي الممهد والملائم لتحرك كهذا، وجد «كائن صغير يرأس عصابة صغيرة» – على حد تعبير احد الذين عرفوه عن كثب – يدعى احمد الخلايلة، نفسه في وضع مهيأ تماماً للسير في طريق الشهرة.

لم يكن في الرجل ما يميزه سوى طموحه الشديد للتخلص من واقعه الكئيب. فهو لم يكن متعلماً وغنياً كأسامة بن لادن، ولا يحمل شهادة تخصصية عليا كأيمن الظواهري، اذ انه بالكاد انهى المرحلة الإعدادية، ولجأ الى الواسطة، ليحصل على وظيفة حكومية متواضعة لم تكن قطعاً لترضي طموحه، وعليه شق طريقه الى «افغانستان» التي كانت ساحة مفتوحة «للجهاديين» وهناك بز في طروحاته حتى عناصر «القاعدة» انفسهم، مما اثار حفيظة بعضهم فحاولوا تصفيته.

بعد سقوط نظام «طالبان» وجد الخلايلة في العراق مأوى آخر عند حاكم كان قبلها أطلق ما سمي بـ «الحملة الإيمانية»، التي وفرت افرازاتها في ما بعد بيئة مناسبة لإقامة شبكة واسعة من العلاقات التي تتحرك ضمن مساحات كبيرة في بعض مناطق العراق، وقد عرف عن «صدام» مهارته في احتضان رجال على هذه الشاكلة لاستخدامهم ضد خصومه في الوقت المناسب، كما فعل مع صبري البنا في صراعه مع السوريين، او قيادة منظمة التحرير الفلسطينية اواخر السبعينات من القرن الماضي. وقد اثبتت الأحداث اللاحقة ان صدام كان يدرك ما يفعل عندا رفض تسليم الزرقاوي الى الأردن، إذ تبينت اهمية الخدمات التي يقدمها اليوم بعد ان تحول اسماً حركياً تستخدمه الكثير من القوى المحلية والإقليمية التي وجدت نفسها متضررة من التغيير الحاصل في العراق.

ولما لم يكن للشهرة سوى طريق واحد – الإعلام – فلا بد من القيام بعمليات ذات صدى اعلامي لافت، وهذا ما يمكن ان يتحقق بيسر عبر طبيعة اختيار اهداف عراقية يسهل الوصول إليها، لذا كانت المعادلة غاية في البساطة.

الموت الأكبر بالنسبة لشخص كالزرقاوي يتمثل في غيابه عن وسائل الإعلام، لذا فاقتصاره على مهاجمة الأهداف الأميركية في العراق لا توفر له ما يريد، فهذه الأهداف صعبة عسكرياً وقليلة الخسائر بين صفوف الأميركيين. ومع استمرار المواجهة، سيأخذ الأمر طابعاً شكلياً لا يثير الاهتمام، لذا فإن المسألة بحاجة الى خسائر هائلة في صفوف «خصم» آخر هم ابناء البلد ذاته، والمحبذ ان يكونوا من مكون مختلف طائفياً او اثنياً، فذلك ما سيسوق على انه جزء من متطلبات معركة «الأمة» ضد اعدائها، وعمليات من هذا النوع توفر كل ما هو مطلوب: التغطية الإعلامية والإرضاء الطائفي والمساندة المادية، أي كل ما ستؤدي محصلته الى شكل من «بطولة» بات الطريق إليها سهلاً، من دون اعتبار للقيم السابقة التي طالما كانت محور البطولة وجذرها.

انه وضع نموذجي لا بد سيشكل مناخاً يجتذب المزيد من المؤيدين المستعدين للانتحار، في سبيل ما ضخ في دواخلهم من تعبئة لم تترك لهم مجالاً لمجرد التفكير في صحة ما هم مقدمون عليه، ومدى تطابقه مع موروثهم في بعديه العقائدي والاجتماعي. انه الدخول في طاحونة نهمة للدماء، فكلما ازداد عدد الانتحاريين، ازداد امثال «الزرقاوي» طلباً للمزيد من الشهرة، وتزايدت بالتالي اعداد ما يسقط من ابرياء، من اندونيسيا وأوسيتيا وأوزبكستان وباكستان، مروراً بمصر وتركيا ودول الخليج وصولاً حتى مجاهل افريقيا. انها «بطولة» الكراهية المعبأة بالنوازع المنفلتة من كل قيمة وسلوك نبيل. وهكذا فبعد ان امتلأ تاريخنا تشويهاً، وحاضرنا مصادرة، جاء من يسمخ لنا صورة ما ورثناه عن معنى البطولة، ليظهرها مخلوقاً هجيناً لا يخدم هدفاً ولا ينفع قضية، فهل بتنا امة لم يعد لديها ما تقدمه للحضارة سوى نموذج من هذا النوع؟ ام ما زال في جعبتنا نوع آخر يعيد لنا بعض تاريخنا؟ ومن يا ترى سيمثل الأمة في مستقبلها: احمد زويل خيارها الحضاري، ام احمد الخلايلة بديلها الانتحاري؟

سمير
06-13-2005, 12:32 AM
هناك من يستغل التعصب الطائفي لدى الزرقاوى وامثاله لتحقيق اهداف سياسية فى العراق ، ما يجري هناك من حمامات دم على يد العصابات المتطرفة دينيا ضد الشيعة تقف خلفه قوى سياسية مخابراتية تدعم هؤلاء المتطرفين حرصا على عدم استقرار العراق ، اما هذه القوى فهي قوى البعث وبقاياه ، وتحالف البعث مع المتطرفيين الدينيين قديم منذ ايام صدام حسين .