فاطمة
06-05-2005, 01:01 AM
الاهرام المصرية
زاهي حواس
زيارة إلي البحرين
قد لا يعرف البعض أن حضارة البحرين تعاصر تاريخيا فترة بناء الأهرام في مصر, حيث تم الكشف أخيرا عن حضارة عظيمة في البحرين تعرف باسم حضارة دلمون ويرجع تاريخها إلي2300 ق.م, وقد أحدث كشف هذه الحضارة دويا في عالم الآثار, حيث لم يكن معروفا غير حضارة تايلوس وأرادوس وهما الاسمان اللذان أطلقهما الاغريق علي جزيرتي المنامة والمحرق وذلك في القرن الثالث ق.م.
وقد عرف اليونانيون البحرين قبل أن يصل اليها القائد نياخوس أحد قواد الاسكندر الاكبر المقدوني. كما وصف الاغريق هذه المنطقة بأنها جزيرة تتمتع بالموانيء الطبيعية وهي زاخرة بالنخيل والأسماك. ولكن أهم مصادرها كان صيد اللؤلؤ وكان أهم مصدر من مصادر الثروة لدي البحرين قديما وحديثا. وقد اكتشف علماء الآثار مواقع أثرية مهمة تعود لهذه الفترة من تاريخ الجزيرة أضافت الكثير من الحقائق التاريخية من خلال القطع الأثرية التي وجدت في المستوطنات وفي المدائن بشكل خاص. وقد انحصرت حضارة دلمون في الجزر البحرينية الحالية بعد أن كانت تشمل شرق الجزيرة العربية وغير معروف ماهو السبب في هذا الانحصار ربما نتيجة لحروب وهجمات من القبائل البدوية علي تلك الحضارة أدي بهم إلي النزوح إلي جزر البحرين الحالية لأنها كجزيرة محاطة بالمياه تمثل دفاعا طبيعيا لأهاليها في ذلك الوقت.
وقد سميت حضارة دلمون قديما باسم حدائق عدن الاسطورية, ووصفت بالجنة في ملحمة جلجاميش. وقد ورد ذكر أرض دلمون كثيرا في الكتابات السومرية والبابلية و الآشورية علي أنها ميناء مهم بين بلاد ما بين النهرين وواد السند, خاصة أن حكام المدن السومرية قد بجلوا دلمون وسعوا إلي الحصول علي بضائعها المنقولة بواسطة سفنها. وقد سجل علي لوحة أور ـ نانش حاكم لاجاش بأن سفن دلمون كانت تجلب الأخشاب إلي مدينته, مما يدل علي انتشار تجارة هذه الحضارة وأن أهلها برعوا فيها, مما ساعد علي ازدهارها بشكل كبير في عهد الامبراطورية البابلية الجديدة عام600 ق.م. وفي عام323 ق.م وصلت سفينتان من سفن الاسكندر الاكبر إلي شواطيء البحرين بواسطة طرق تجارية أدت إلي تواجد نفوذ إغريقي قوي لدرجة ان اسم البحرين تبدل من دلمون إلي تايلوس, وفي فترة ما ضمت البحرين نحو170.000 ألف مدفن علي هيئة تلال غطت المناطق الوسطي والغربية من البلاد. وقد قدمت الاكتشافات الأثرية للمدافن التي تم اكتشافها الدليل علي وجود حضارتين متميزتين هما حضارة دلمون وتايوس بينهما200 سنة.
واسم البحرين الان هي كلمة عربية تعني حرفيا( بحران اثنان), وكان لفظ البحرين يطلق قديما علي الساحل الشرقي للجزيرة العربية الممتد من البصرة شمالا إلي عمان جنوبا بما في ذلك جزر البحرين الحالية, التي كان يطلق عليها قبل الاسلام اسم أوال و هو اسم صنم كان يعبده ابناء دائل, حيث كانوا يسكنونها مع عبد قيس. ويري الناصري أن اسم أوال هو اسم أخي عاد صاحب الجنة التي اختفت, الذي أراد ان تكون له جنة فأرشده إلي هذه الجزيرة, ولما اختفت تلك وخلدت هذه عرفت هذه الجزيرة بأرض الخلود. وكان أول من اطلق اسم أوال علي جزيرة البحرين وجري ذكرها علي لسانه هو ناصري خسرو في القرن الخامس الهجري. وقد ذكر القرآن الكريم البحرين خاصة في الآية رقم53 من سورة الفرقان بقوله تعالي( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا وقد حاول المؤرخون تفسير الآية الكريمة بأن الله سبحانه وتعالي أرسل إلينا بحرين مختلفين و متقاربين أحدهما مالح والآخر عذب ولا يختلطان بالرغم من عدم وجود حاجز بينهما. وهذا بالفعل ما ينطبق علي جزيرة البحرين لما تمتلكه من مياه عذبة تتمثل في الآبار الارتوازية التي تتدفق تلقائيا من الأرض وبين مياه البحر بحيث يستطيع البحارة الغوص إلي قاع البحر لشرب الماء العذب دون أن يختلطا.
وقد جاء ذكر دلمون في الكتابات السماوية التي تعود إلي3000 ق.م أي الفترة التي تعاصر الأسرة الأولي في مصر الفرعونية. وقد عثر علي هذه الكتابات في بلاد الرافدين في موقع إيبلا الشهيرة في شمال سوريا, وقد حاول علماء الآثار معرفة مكان دلمون التي وصفت بأرض الخلود وبأنها تقع حيث تشرق الشمس وتبعد عن بلاد الرافدين بثلاث ساعات مزدوجة. وقد أشرنا من قبل إلي أن الحفائر الأثرية قد أثبتت أن البحرين هي بلاد دلمون الشهيرة بل هي مركزها النابض بالنشاط والحيوية ففيها المستوطنات من قري ومدن تعج بحياة القصور والدور والأسواق وفيها المعابد المقدسة ومئات الآلاف من المدافن علي مختلف الأشكال والأحجام وتدل الأواني الفخارية والحجرية والأختام الدائرية علي تطور نمط الحياة وتقدم الصناعة والتجارة واتساعها حتي لعبت دلمون دور الوسيط التجاري بين حضارات وادي الرافدين ووادي السند وأنحاء الجزيرة العربية الأخري وهي كانت أهم مركز تجاري في العالم القديم, و قد أحضرت سفن دلمون الأحجار النفيسة التي تم نحتها وتحويلها إلي تماثيل للملوك والآلهة. وقد عرفنا قصصا أسطورية عن دلمون من العديد من المؤلفات والنصوص السومرية وعلي سبيل المثال نجد اسطورة الخلق التي عرفت باسم انكي أو كما يطلق عليها البعض اسم اسطورة دلمون التي تربط دلمون بنشأة العالم.
وقد اشار المؤرخ بياتريس أدندريه ـ سالفيني إلي أن هناك انشودة ثناء لهذه الأرض التي باركتها الآلهة وحبتها بوفرة من المياه العذبة وجعلتها تشتهر بكونها سوقا دولية. فأرض اللبن والعسل هي التي كان مقدرا لثرواتها ان تنقل إلي بلاد ما بين النهرين وكانوا يتغنون بها علي أنها المكان الملائم والمنشود للحياة الأبدية. ويقول أيضا سالفيني من واقع المصادر لا يبدو ان بلدا اجنبيا غيرها قد أثارت اهتماما كبيرا لدي مفكري بلاد ما بين النهرين الأقدمين. فسومر كانت تعتبر مركز العالم والمثال الأعلي للحضارة وكانت دلمون مرتبطة بهذا التأثير.
وقد ارتبطت أسطورة جلجاميش مع دلمون. حيث إن ثلثه كان آدميا والباقي إلهيا وقد كان يعتبر من اعظم ملوك بلاد النهرين وأقواهم. ونال جلجاميش شهرة في العالم القديم والحديث اكثر مما نالها هرقل. وتبدأ حكاية جلجاميش عندما بدأ حكمه بممارسة قسوة غريبة جعلت شعبه يكرهه ويطلبون الخلاص من ظلمه. ولم يجدوا أمامهم غير إله السماء آنو يتوسلون له لكي يساعدهم علي الخلاص من جبروته, ويبدو أن إله السماء رق لحال الشعب وخلق لهم منافسا لجلجاميش أطلق عليه اسم إنكدوا وجعل له قدرة جسمانية توازي دستة حيوانات متوحشة واعطاه صفة الألوهية لكي يتغلب علي جلجاميش ويخلص الشعب من ظلمه..
وقابل إنكدوا عاهرة في الغابة حولته إلي انسان عاقل وأخذته إلي المدينة لمقابلة جلجاميش.. وفي ذلك الوقت كان قد أصدر قرارا ملكيا بأن يقيم علاقة عاطفية مع كل عروس ليلة زفافها.. وحدثت الوقعة بين البطلين وبعد صراع عنيف استطاع جلجاميش أن ينتصر علي إنكدوا.. وبعد النزال أعجب جلجاميش بإنكدوا وأصبحا صديقين وقررا معا التوجه إلي العراق لكي يقتلعا أشجار الأرز لبناء بوابة مدينة أوروك التي اسسها جلجاميش.. وتقابلا مع الوحش الذي كان يحرس الغابة وتقدم إنكدوا وخلفه جلجاميش, حيث كان خائفا من المواجهة واستطاعا بمساعدة إله الشمس أن ينتصرا علي الوحش وقطعا الأشجار وأقاما أعظم بوابة للمدينة. ووقعت الإلهة عشتار في عشق جلجاميش وطلبت مطارحته في الغرام ولكنه رفض لأن كل من عشقها حاقت به لعنة السماء.. وهنا ثارت عشتار ثورة عارمة لأنه لم يخلق من رفض حبها, وطلبت من إله السماء أن يأتي بثور السماء لقتل جلجاميش وتدمير المدينة عن طريق فتح أبواب جهنم ليصحو الأموات ويدمروا أهلها.. وجاء ثور السماء إلي الأرض لكن اتحد البطلان واستطاعا أن يتغلبا عليه.. وبعد ذلك مات إنكدوا من لعنة وحش السماء. وحزن عليه جلجاميش حزنا شديدا وأطلق لحيته وعاش مبتئسا خائفا من الموت وأنه سوف يلاقي نفس مصير صديقه إنكدوا..
وطلب جلجاميش ان يقابل إله السماء لكي يحصل علي سر الأبدية ويعيش مدي الحياة و لا يناله الموت.. ورغم أن إله السماء آنو أخبره بأن هذه طبيعة البشر وكل انسان يجب أن يموت. لكنه بعد جدال وجد أنه خصة بالخلود. وفي النهاية أخبره اندوا بأنه سوف يحصل علي الأبدية إذا استطاع ان يظل مستيقظا بدون نوم ستة أيام وسبع ليال وأن هذا هو الطريق الوحيد للوصول إلي الأبدية.. وبدأ جلجاميش في تنفيذ هذه الوصية وبعد لحظة استغرق في نوم عميق لستة أيام ولكنه بعد أن استيقظ شعر بانه نام دقائق معدودة, الا ان كمية الخبز الذي صنعته زوجته الذي لا يصنع في فترة أقل من ستة أيام اثبتت له بالفعل انه نام ستة أيام واعتقد البعض أن الإله أنو هو جده الذي حكي له قصة الطوفان ويشير إلي أن أنكي أخبره بوقوع الفيضان ونصحه بعمل سفينة من سبعة طوابق ويقسم كل طابق منها إلي تسعة أقسام ويجهزها بكل ما يحتاج إليه وعند حدوث الفيضان جاء الإله علي السفينة وأنقذ الجد هو وزوجته وأصبحا إلهين بعد ذلك. وهناك صور أخري لهذه الملحمة وأقدمها باللغة السومرية يصف أحد الفصول المحورية أن جلجاميش بحث عن الملك الأسطوري زيوسودرا الذي يعتقد جلجاميش بأنه يمتلك سر الشباب الأبدي وزيوسودرا هو النموذج الأصلي الذي يقابل نوح المذكور في القرآن والانجيل.
وكان زيوسودرا ـ عندما عثر عليه جلجاميش يعيش في دلمون وقد نقلته إلي هناك الآلهة العليا بعد الطوفان العظيم, وقد تم انقاذ زيوسودرا وزوجته وعائلته وأتباعه لوحدهم ودون كل البشر من دمار الطوفان بتدخل من أنكي وعندما انحسرت مياه الطوفان قدم زيوسودرا الأضحيات الإلهية ووهبته الآلهة في المقابل الحياة الأبدية في دلمون. وتصف الملحمة مخاطر رحلة جلجاميش في بحثه عن زيوسودرا علي الشاطيء( الذي يفترض غلبا بأن يكون ساحل دلمون) بانتظار جلجاميش يخبره بأن حياة الانسان زائلة غير انه يكشف له عن سر الأرض المقدسة, أي الأرض التي تنبت زهرة الشباب الأبدي في أعماق بحرها قريبا من سواحلها. يغطس جلجاميش فرحا في البحر ويعثر علي الزهرة, ولكن من المحزن ان جلجاميش قد خدع ففي طريق عودته إلي وطنه لابسا ملابس فخمة كان قد اعطاه إياها زيوسودرا مر ببركة ماء, خلع أثوابه وغطس في الماء فأزعج أفعي كانت نائمة في قاع البركة فصعدت الأفعي إلي السطح لتشم عبير الزهرة فتملكها وتستبدل في الحال جلدها, وهي القدرة علي تغيير الجلد التي اكتسبتها كل الأفاعي حتي اليوم. يعود جلجاميش حزينا إلي مدينته مخفقا في طلبه فيواسي نفسه بأنه يستطيع علي الأقل السعي إلي حكم مدينته بالعدل وأن يذكر كراع لشعبه.
وقد جهزت هوليوود السيناريو الخاص بتصوير فيلم عن هذه الأسطورة الجميلة التي حدثت في العراق القديم والبحرين, ولكنهم قرروا تصويرها في الهند. وحرر عمرالشريف وبيتر أوتول عقود التصوير وسافرا إلي الهند ولكن لعنة جلجاميش, وليست لعنة الفراعنة, حلت عليهم ولم يتم تصوير الفيلم. أما حكاية المواقع الأثرية من معبد باربار والقلعة ومقبرة عالي أكبر مقبرة في تاريخ العالم. فهذا هو حديث مقالنا المقبل بإذن الله.
زاهي حواس
زيارة إلي البحرين
قد لا يعرف البعض أن حضارة البحرين تعاصر تاريخيا فترة بناء الأهرام في مصر, حيث تم الكشف أخيرا عن حضارة عظيمة في البحرين تعرف باسم حضارة دلمون ويرجع تاريخها إلي2300 ق.م, وقد أحدث كشف هذه الحضارة دويا في عالم الآثار, حيث لم يكن معروفا غير حضارة تايلوس وأرادوس وهما الاسمان اللذان أطلقهما الاغريق علي جزيرتي المنامة والمحرق وذلك في القرن الثالث ق.م.
وقد عرف اليونانيون البحرين قبل أن يصل اليها القائد نياخوس أحد قواد الاسكندر الاكبر المقدوني. كما وصف الاغريق هذه المنطقة بأنها جزيرة تتمتع بالموانيء الطبيعية وهي زاخرة بالنخيل والأسماك. ولكن أهم مصادرها كان صيد اللؤلؤ وكان أهم مصدر من مصادر الثروة لدي البحرين قديما وحديثا. وقد اكتشف علماء الآثار مواقع أثرية مهمة تعود لهذه الفترة من تاريخ الجزيرة أضافت الكثير من الحقائق التاريخية من خلال القطع الأثرية التي وجدت في المستوطنات وفي المدائن بشكل خاص. وقد انحصرت حضارة دلمون في الجزر البحرينية الحالية بعد أن كانت تشمل شرق الجزيرة العربية وغير معروف ماهو السبب في هذا الانحصار ربما نتيجة لحروب وهجمات من القبائل البدوية علي تلك الحضارة أدي بهم إلي النزوح إلي جزر البحرين الحالية لأنها كجزيرة محاطة بالمياه تمثل دفاعا طبيعيا لأهاليها في ذلك الوقت.
وقد سميت حضارة دلمون قديما باسم حدائق عدن الاسطورية, ووصفت بالجنة في ملحمة جلجاميش. وقد ورد ذكر أرض دلمون كثيرا في الكتابات السومرية والبابلية و الآشورية علي أنها ميناء مهم بين بلاد ما بين النهرين وواد السند, خاصة أن حكام المدن السومرية قد بجلوا دلمون وسعوا إلي الحصول علي بضائعها المنقولة بواسطة سفنها. وقد سجل علي لوحة أور ـ نانش حاكم لاجاش بأن سفن دلمون كانت تجلب الأخشاب إلي مدينته, مما يدل علي انتشار تجارة هذه الحضارة وأن أهلها برعوا فيها, مما ساعد علي ازدهارها بشكل كبير في عهد الامبراطورية البابلية الجديدة عام600 ق.م. وفي عام323 ق.م وصلت سفينتان من سفن الاسكندر الاكبر إلي شواطيء البحرين بواسطة طرق تجارية أدت إلي تواجد نفوذ إغريقي قوي لدرجة ان اسم البحرين تبدل من دلمون إلي تايلوس, وفي فترة ما ضمت البحرين نحو170.000 ألف مدفن علي هيئة تلال غطت المناطق الوسطي والغربية من البلاد. وقد قدمت الاكتشافات الأثرية للمدافن التي تم اكتشافها الدليل علي وجود حضارتين متميزتين هما حضارة دلمون وتايوس بينهما200 سنة.
واسم البحرين الان هي كلمة عربية تعني حرفيا( بحران اثنان), وكان لفظ البحرين يطلق قديما علي الساحل الشرقي للجزيرة العربية الممتد من البصرة شمالا إلي عمان جنوبا بما في ذلك جزر البحرين الحالية, التي كان يطلق عليها قبل الاسلام اسم أوال و هو اسم صنم كان يعبده ابناء دائل, حيث كانوا يسكنونها مع عبد قيس. ويري الناصري أن اسم أوال هو اسم أخي عاد صاحب الجنة التي اختفت, الذي أراد ان تكون له جنة فأرشده إلي هذه الجزيرة, ولما اختفت تلك وخلدت هذه عرفت هذه الجزيرة بأرض الخلود. وكان أول من اطلق اسم أوال علي جزيرة البحرين وجري ذكرها علي لسانه هو ناصري خسرو في القرن الخامس الهجري. وقد ذكر القرآن الكريم البحرين خاصة في الآية رقم53 من سورة الفرقان بقوله تعالي( وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا وقد حاول المؤرخون تفسير الآية الكريمة بأن الله سبحانه وتعالي أرسل إلينا بحرين مختلفين و متقاربين أحدهما مالح والآخر عذب ولا يختلطان بالرغم من عدم وجود حاجز بينهما. وهذا بالفعل ما ينطبق علي جزيرة البحرين لما تمتلكه من مياه عذبة تتمثل في الآبار الارتوازية التي تتدفق تلقائيا من الأرض وبين مياه البحر بحيث يستطيع البحارة الغوص إلي قاع البحر لشرب الماء العذب دون أن يختلطا.
وقد جاء ذكر دلمون في الكتابات السماوية التي تعود إلي3000 ق.م أي الفترة التي تعاصر الأسرة الأولي في مصر الفرعونية. وقد عثر علي هذه الكتابات في بلاد الرافدين في موقع إيبلا الشهيرة في شمال سوريا, وقد حاول علماء الآثار معرفة مكان دلمون التي وصفت بأرض الخلود وبأنها تقع حيث تشرق الشمس وتبعد عن بلاد الرافدين بثلاث ساعات مزدوجة. وقد أشرنا من قبل إلي أن الحفائر الأثرية قد أثبتت أن البحرين هي بلاد دلمون الشهيرة بل هي مركزها النابض بالنشاط والحيوية ففيها المستوطنات من قري ومدن تعج بحياة القصور والدور والأسواق وفيها المعابد المقدسة ومئات الآلاف من المدافن علي مختلف الأشكال والأحجام وتدل الأواني الفخارية والحجرية والأختام الدائرية علي تطور نمط الحياة وتقدم الصناعة والتجارة واتساعها حتي لعبت دلمون دور الوسيط التجاري بين حضارات وادي الرافدين ووادي السند وأنحاء الجزيرة العربية الأخري وهي كانت أهم مركز تجاري في العالم القديم, و قد أحضرت سفن دلمون الأحجار النفيسة التي تم نحتها وتحويلها إلي تماثيل للملوك والآلهة. وقد عرفنا قصصا أسطورية عن دلمون من العديد من المؤلفات والنصوص السومرية وعلي سبيل المثال نجد اسطورة الخلق التي عرفت باسم انكي أو كما يطلق عليها البعض اسم اسطورة دلمون التي تربط دلمون بنشأة العالم.
وقد اشار المؤرخ بياتريس أدندريه ـ سالفيني إلي أن هناك انشودة ثناء لهذه الأرض التي باركتها الآلهة وحبتها بوفرة من المياه العذبة وجعلتها تشتهر بكونها سوقا دولية. فأرض اللبن والعسل هي التي كان مقدرا لثرواتها ان تنقل إلي بلاد ما بين النهرين وكانوا يتغنون بها علي أنها المكان الملائم والمنشود للحياة الأبدية. ويقول أيضا سالفيني من واقع المصادر لا يبدو ان بلدا اجنبيا غيرها قد أثارت اهتماما كبيرا لدي مفكري بلاد ما بين النهرين الأقدمين. فسومر كانت تعتبر مركز العالم والمثال الأعلي للحضارة وكانت دلمون مرتبطة بهذا التأثير.
وقد ارتبطت أسطورة جلجاميش مع دلمون. حيث إن ثلثه كان آدميا والباقي إلهيا وقد كان يعتبر من اعظم ملوك بلاد النهرين وأقواهم. ونال جلجاميش شهرة في العالم القديم والحديث اكثر مما نالها هرقل. وتبدأ حكاية جلجاميش عندما بدأ حكمه بممارسة قسوة غريبة جعلت شعبه يكرهه ويطلبون الخلاص من ظلمه. ولم يجدوا أمامهم غير إله السماء آنو يتوسلون له لكي يساعدهم علي الخلاص من جبروته, ويبدو أن إله السماء رق لحال الشعب وخلق لهم منافسا لجلجاميش أطلق عليه اسم إنكدوا وجعل له قدرة جسمانية توازي دستة حيوانات متوحشة واعطاه صفة الألوهية لكي يتغلب علي جلجاميش ويخلص الشعب من ظلمه..
وقابل إنكدوا عاهرة في الغابة حولته إلي انسان عاقل وأخذته إلي المدينة لمقابلة جلجاميش.. وفي ذلك الوقت كان قد أصدر قرارا ملكيا بأن يقيم علاقة عاطفية مع كل عروس ليلة زفافها.. وحدثت الوقعة بين البطلين وبعد صراع عنيف استطاع جلجاميش أن ينتصر علي إنكدوا.. وبعد النزال أعجب جلجاميش بإنكدوا وأصبحا صديقين وقررا معا التوجه إلي العراق لكي يقتلعا أشجار الأرز لبناء بوابة مدينة أوروك التي اسسها جلجاميش.. وتقابلا مع الوحش الذي كان يحرس الغابة وتقدم إنكدوا وخلفه جلجاميش, حيث كان خائفا من المواجهة واستطاعا بمساعدة إله الشمس أن ينتصرا علي الوحش وقطعا الأشجار وأقاما أعظم بوابة للمدينة. ووقعت الإلهة عشتار في عشق جلجاميش وطلبت مطارحته في الغرام ولكنه رفض لأن كل من عشقها حاقت به لعنة السماء.. وهنا ثارت عشتار ثورة عارمة لأنه لم يخلق من رفض حبها, وطلبت من إله السماء أن يأتي بثور السماء لقتل جلجاميش وتدمير المدينة عن طريق فتح أبواب جهنم ليصحو الأموات ويدمروا أهلها.. وجاء ثور السماء إلي الأرض لكن اتحد البطلان واستطاعا أن يتغلبا عليه.. وبعد ذلك مات إنكدوا من لعنة وحش السماء. وحزن عليه جلجاميش حزنا شديدا وأطلق لحيته وعاش مبتئسا خائفا من الموت وأنه سوف يلاقي نفس مصير صديقه إنكدوا..
وطلب جلجاميش ان يقابل إله السماء لكي يحصل علي سر الأبدية ويعيش مدي الحياة و لا يناله الموت.. ورغم أن إله السماء آنو أخبره بأن هذه طبيعة البشر وكل انسان يجب أن يموت. لكنه بعد جدال وجد أنه خصة بالخلود. وفي النهاية أخبره اندوا بأنه سوف يحصل علي الأبدية إذا استطاع ان يظل مستيقظا بدون نوم ستة أيام وسبع ليال وأن هذا هو الطريق الوحيد للوصول إلي الأبدية.. وبدأ جلجاميش في تنفيذ هذه الوصية وبعد لحظة استغرق في نوم عميق لستة أيام ولكنه بعد أن استيقظ شعر بانه نام دقائق معدودة, الا ان كمية الخبز الذي صنعته زوجته الذي لا يصنع في فترة أقل من ستة أيام اثبتت له بالفعل انه نام ستة أيام واعتقد البعض أن الإله أنو هو جده الذي حكي له قصة الطوفان ويشير إلي أن أنكي أخبره بوقوع الفيضان ونصحه بعمل سفينة من سبعة طوابق ويقسم كل طابق منها إلي تسعة أقسام ويجهزها بكل ما يحتاج إليه وعند حدوث الفيضان جاء الإله علي السفينة وأنقذ الجد هو وزوجته وأصبحا إلهين بعد ذلك. وهناك صور أخري لهذه الملحمة وأقدمها باللغة السومرية يصف أحد الفصول المحورية أن جلجاميش بحث عن الملك الأسطوري زيوسودرا الذي يعتقد جلجاميش بأنه يمتلك سر الشباب الأبدي وزيوسودرا هو النموذج الأصلي الذي يقابل نوح المذكور في القرآن والانجيل.
وكان زيوسودرا ـ عندما عثر عليه جلجاميش يعيش في دلمون وقد نقلته إلي هناك الآلهة العليا بعد الطوفان العظيم, وقد تم انقاذ زيوسودرا وزوجته وعائلته وأتباعه لوحدهم ودون كل البشر من دمار الطوفان بتدخل من أنكي وعندما انحسرت مياه الطوفان قدم زيوسودرا الأضحيات الإلهية ووهبته الآلهة في المقابل الحياة الأبدية في دلمون. وتصف الملحمة مخاطر رحلة جلجاميش في بحثه عن زيوسودرا علي الشاطيء( الذي يفترض غلبا بأن يكون ساحل دلمون) بانتظار جلجاميش يخبره بأن حياة الانسان زائلة غير انه يكشف له عن سر الأرض المقدسة, أي الأرض التي تنبت زهرة الشباب الأبدي في أعماق بحرها قريبا من سواحلها. يغطس جلجاميش فرحا في البحر ويعثر علي الزهرة, ولكن من المحزن ان جلجاميش قد خدع ففي طريق عودته إلي وطنه لابسا ملابس فخمة كان قد اعطاه إياها زيوسودرا مر ببركة ماء, خلع أثوابه وغطس في الماء فأزعج أفعي كانت نائمة في قاع البركة فصعدت الأفعي إلي السطح لتشم عبير الزهرة فتملكها وتستبدل في الحال جلدها, وهي القدرة علي تغيير الجلد التي اكتسبتها كل الأفاعي حتي اليوم. يعود جلجاميش حزينا إلي مدينته مخفقا في طلبه فيواسي نفسه بأنه يستطيع علي الأقل السعي إلي حكم مدينته بالعدل وأن يذكر كراع لشعبه.
وقد جهزت هوليوود السيناريو الخاص بتصوير فيلم عن هذه الأسطورة الجميلة التي حدثت في العراق القديم والبحرين, ولكنهم قرروا تصويرها في الهند. وحرر عمرالشريف وبيتر أوتول عقود التصوير وسافرا إلي الهند ولكن لعنة جلجاميش, وليست لعنة الفراعنة, حلت عليهم ولم يتم تصوير الفيلم. أما حكاية المواقع الأثرية من معبد باربار والقلعة ومقبرة عالي أكبر مقبرة في تاريخ العالم. فهذا هو حديث مقالنا المقبل بإذن الله.