المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزواج العرفي في سورية



سياسى
06-04-2005, 11:28 AM
حسام شحادة من دمشق

حل لمشكلة أم تكريس لها؟

المجتمع السوري كغيره من المجتمعات العربية والإسلامية، تعتريه الكثير من المشكلات الاجتماعية والتي لم تحظى حتى الآن بالاهتمام والنقاش الذي تستحقه، الأمر الذي قد يبقي هذه المشكلات بلا حلول منطقية... فالجهات التربوية والإعلامية والثقافية اعتادت، تأجيل مناقشة مشكلات المجتمع أو تجاهلها بدوافع ومسميات مختلفة غير آبهين بحجم التطورات والتحولات المتسارعة التي راحت تؤثر عميقاً في تفكير وسلوك جيل الشباب تحديداً.. هذا الجيل الذي وجد نفسه فجأة أمام سيل من المفاهيم والقيم الوافدة في بيئة تعصف بها الأزمات في مختلف نواحي الحياة وخاصة الاقتصادية منها والتي جعلت من مسألة التفكير بالزواج ضرباً من المغامرة الخاسرة في أغلب الأحيان.

لاشك أن العويل والاندفاع لن يسعف في وضع اليد على المشكلة وفهمها بالعمق.. لهذا لابد من عقول مفتوحة يمكنها إنجاز حوار منطقي هادئ حول المشاكل التي نعاني منها.. فاليوم لم يعد بإمكان أحد أن يتنكر لوجود ظاهرة الزواج العرفي واتساع دوائرها في السنوات القليلة الماضية وعدم التصدي للظاهرة بالحوار الهادئ والعقلاني يعود في البعض منه إلى عدم الشجاعة في طرق الموضوع وإدارة النقاش حوله بعمق ودقة ممنهجة.

فطالما ظل البعض يعتبر الزواج العرفي مرفوض عرفاً، فإن دوائره سوف تزداد وتتسع بمعزل عن النقاش الحر والمفتوح، فالذي يقبله ويمارسه يبقيه سراً، ومن يرفضه لا يناقشه ويعتبره عاراً.. فيزداد حجم المشكلة ويضيع الحوار والنقاش.. وهنا يصبح مشروعاً السؤال كم هي المسائل المقبولة عرفاً والمحرمة شرعاً أو العكس؟.. علينا الحذر من الخلط ما بين الخطأ والصواب فهذا لا يبدده إلا الحوار وبصوت عال وعلنا نتمكن من تحقيق ذلك في هذه الجولة الاستطلاعية:

* الشيخ أبو بكر يقول في تعريف الزواج العرفي: إن كلمة عرفي تنسب إلى العرف، والعرف في لغة العرب هي "العلم".. والعرف اصطلاحاً هو ما تعارف عليه الناس وساروا عليه من قول أو فعل، والزواج العرفي، هو اصطلاح يطلق على عقد الزواج الغير موثق بوثيقة رسمية سواء أكان مكتوب أو غير مكتوب. والدكتور محمد عقلة يقول عن الزواج العرفي:

"يتم العقد بين الرجل والمرأة مباشرة بوجود شاهدين ودونما حاجة أن يجري بحضور المأذون الشرعي أو من يمثل القاضي أو الحالة الدينية، والزواج العرفي بهذا المعنى لا يتنافى مع الشريعة الإسلامية لأنه في الأصل عبارة عن إيجاب وقبول بين عاقدين بحضور شاهدين ولا تتوقف صحته على حضور طرف ديني مسئول أو على توثيق العقد وتسجيله".. فالزواج العرفي كامل الأركان، وهو زواج صحيح وتأخذ به المحكمة في حال ثبت.

والزواج العرفي اكتسب اسمه، كونه عرفاً اعتاده أفراد المجتمع المسلم منذ عهد الرسول (صلعم)، فالمسلمون لم يكونوا في يوم من الأيام يهتمون بتوثيق الزواج ولم يكن في هذا حرج.
علماء الاجتماع والنفس يعتبرون اللجوء إلى هذا النمط من الزواج كشكل من أشكال الهروب من الاحتياجات الغريزية لديهم وعدم وجود قنوات شرعية لتفريغ هذه الطاقة بصورة صحيحة".. ويتابع الأستاذ خالد أبو عيسى (أخصائي علم نفس): "لهذا يجب مساعدة الشباب في إيجاد أساليب الدفاع الضرورية وتثقيفهم حتى يتمكنوا من التعامل السليم مع هذه الرغبات بصورة سوية، وهنا يكمن دور الأسرة والمؤسسات التربوية والإعلامية خاصة، فثورة المعلوماتية سهلت الاحتكاك والإطلاع على ثقافات ومنظومات قيم لم تكن مألوفة في مجتمعاتنا".

*فتحي طه (خريج أدب إنكليزي) يقول في ظاهرة الزواج العرفي: "إن الاستقلال وغياب القيود الاجتماعية وعدم تحمل المسؤولية المادية قد يكون سبباً من أسباب الإقبال على الزواج العرفي وهذا الإقبال نجده عند المرأة أكثر من الرجل وبخاصة المرأة المستقلة مادياً والراغبة في حرية أكبر وطاعة أقل والتزام أقل". ويتابع، وقد يكون من أسباب الإقبال على هذا النوع من الزواج سهولة الخلع كونه خلعاً عرفياً ترد المرأة فيه ما أخذت من مهر وخلافه.

*خالدية أحمد (أدب فرنسي)، تقول: في ظل الظروف الاقتصادية التي نعيشها وفي ظل انفتاح المجتمع على قيم كثيرة وافدة يصبح هذا النمط من الزواج وسيلة ضرورية يجب أن تكون متاحة ومحمية لتفادي الكثير من الأمراض والمشكلات الاجتماعية.. وقد يكون الإقبال على هذا النمط من الزواج هو عدم رغبة الشباب في تحمل المسؤولية التي يرتبها الزواج المدني وقد يكون محاولة للعبث والتسلية من قبل البع8ض الآخر.

وعن الفارق في التكليف بين الزواج العرفي والزواج المدني، يقول المحامي عماد دبوسي: إن الفارق في التكاليف بين الزواجين ناتج بالأصل عن التعاقد الضمني بين الطرفين بعيداً عن الأصل الشرعي، ففي ظل الصيغة الحالية حيث كل طرف مستقل مادياً وربما في غالب الأحيان في مكان الإقامة والحركة بما ينطوي عليه ذلك من عدم الالتزام بالقيود والتحرر منها، فالطاعة وأنماط الأنشطة اليومية أقل بكثير.

في النهاية ورغم اعتبار البعض عدم صحة وشرعية الزواج العرفي وفي ضوء استفحال الظاهرة واتساع دوائرها لابد من الإقرار بأن الناس في حال بحث دائم عما ينفعها، والمجتمع الناضج والمتطور هو ذاك الذي يعاين أوضاعه ويدرس احتياجاته ويتناول بالحوار الصريح قضاياه ومشكلاته، فإدارة الظهر للمشكلات أو تجاهلها لن يجلب إلا المزيد من المشكلات.