المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدام حسين ...... تحليل لغوي



المهدى
06-04-2005, 09:45 AM
ثلاث دراسات حول الرئيس المخلوع تلقي الضوء على مخاوفه وتسلطه وقسوته


واشنطن: محمد علي صالح

قارن وولتر واينتروب، استاذ علم الصحة العقلية في جامعة ماريلاند الاميركية، بين تصريحات للرئيس العراقي المخلوع صدام حسين وتصريحات رؤساء اميركيين، وخلص بعد ان حلل هذه التصريحات باستخدام منهجي تحليل المضمون والتحليل النفسي الى ان صدام «كان يرى نفسه العراق وكان يرى العراق نفسه». اختار واينتروب عشوائيا ردود صدام على اسئلة صحافيين خلال مقابلات صحافية بعد غزو الكويت 1990، وقبل غزو العراق 2003. واختار، عشوائيا ايضا، ردود رؤساء اميركيين على اسئلة صحافية مماثلة، ومن بين هؤلاء الرؤساء تيودور ايزنهاور، وجون كنيدي، وليندون جونسون، وريتشارد نيكسون، وبيل كلينتون. وأوضحت المقارنة ان صدام استعمل كلمة «أنا» اقل من الرؤساء الاميركيين، واستعمل كلمة «نحن» اكثر منهم. وقالت الدراسة ان هذا يدل على الآتي:
اولا، تعظيم صدام لنفسه. ثانيا، عدم الفصل بين نفسه وحكومته. ثالثا، عدم الفصل بين نفسه والعراق.

في الجانب الآخر، فضل الرؤساء الاميركيون استعمال عبارات مثل «حكومتي» و «ادارتي» و«الولايات المتحدة» وبالتالي وضعوا «خطا فصلا» بين شخصياتهم وبين مناصبهم.

* سؤال وجواب

* وأوضحت المقارنة كذلك ان صدام استعمل عبارات حادة ومباشرة اكثر من الرؤساء الاميركيين، مثلا عندما رد على سؤال دان راثر، مذيع اخبار تلفزيون «سي بي اس» في مقابلة بعد غزو الكويت، «لماذا غزوت دولة صغيرة، ومجاورة، لم تهدد العراق؟» ورد صدام «هل تعرف ان حكام تلك الدولة، التي تقول انها صغيرة، أشرار ؟ انت مواطن اميركي، ولهذا يجب ان تحترم وطنيتك، وتقول الحقيقة». وقال البحث ان رد صدام يدل على الآتي: اولا، رد على السؤال بسؤال، مما يوضح انه لم يكن مستعدا للسؤال، او لم يتوقعه، ووجد نفسه في موقف المدافع، وقرر ان يكون الهجوم على الصحافي الاميركي افضل انواع الدفاع. ثانيا، شكك في وطنية الصحافي الاميركي. ثالثا، لم يجب على السؤال اجابة مباشرة عن غزو دولة مجاورة لم تهدد العراق.

* صدام وغورباتشوف

* وأوضح تحليل مضمون تصريحات صدام انه «اراد السيطرة على ما يقول، حتى لا يفلت منه زمام الحديث، وتحاشى الا يقع في فخ نصبه له السؤال، وتعمد ان يوضح انه يسيطر على الموقف، واثبت انه يتصرف بدون ان يفكر كثيرا قبل ان يتخذ قرارا، واثر مزاجه الحاد على كلامه». وقال التحليل ان استعمال صدام لكلمة «نحن» اكثر من استعمال الرؤساء الاميركيين لها يشبه استعمال قادة شيوعيين لها، لأن هؤلاء يعتقدون انهم «اكثر من مسؤوليين حكوميين»، وأنهم يمثلون شعوبهم او يمثلون دولهم. وشملت الدراسة بعض تصريحات ميخائيل غورباتشوف، امين عام الحزب الشيوعي الروسي (قبل ان يعلن حل الحزب ونهاية الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات)، ولاحظت الدراسة ان غورباتشوف كان اقل استعمالا لكلمة «نحن» من قادة شيوعيين قبله، وان هذا ربما كان دليلا على انه بات يعتقد ان الحزب الشيوعي لا يمثل الشعب حصراً، وانه آن الاوان لإعطاء الناس حرية التنظيم والتعبير عما تعتقد. ولاحظت الدراسة المبالغة في الاوصاف التي استعملها صدام مثل «عدوكم ظالم وعنيد وغادر». كما لاحظت ميل صدام الى الكلام المباشر مثل "قررت الغاء هذا القانون»، بدلا عن كلام الرؤساء الاميركيين غير المباشر مثل «ادارتي ستبحت عن بديل لهذا القانون»، مشيرة الى ان هذا يدل على ان صدام شرس ومشاكس و«فتوة».

ولهذا كان رد فعل تصريحاته سلبيا وسط الاميركيين لأنهم ـ كما قال كاتب الدراسة ـ «حسب تجربتي الخاصة وحسب ابحاثي العلمية النفسية، وجدت ان الشعب الاميركي لا يرتاح للشخص الذي يبدو متأكدا مما يقول، ناهيك من الشخص الذي يقول انه متأكد مما يقول». وأضاف ان «الناس في المجتمعات الديمقراطية لا يقدرون على تحمل الحديث المباشر والفظ والخشن. واي مرشح يستعمل كلمات مباشرة وصارمة ضد مرشح منافس لا يستطيع الفوز في الانتخابات». وضرب مثالا بالصحافي الاميركي اليميني، باتريك بيوكانان، الذي ترشح للرئاسة عن الحزب الجمهوري 1996 وسقط. وقال ان واحدا من اسباب سقوطه هو «عباراته المباشرة»، مثل استعماله لوصف «الحرب الثقافية» اشارة الى زيادة المهاجرين من دول العالم الثالث في اميركا.

* مقابلات صدام

* واتفق مع نتائج هذا البحث بحث نفسي آخر اجراه ديفيد ونتر، استاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة ولسلي في ولاية الينوي، الذي قال ان صدام «اعتبر ان الوصول الى الحكم، والبقاء فيه، والمحافظة عليه، اهم من انجازاته بعد الوصول الى الحكم». واعتمد البحث على تحليل عشر مقابلات صحافية اجراها صحافيون غير عراقيين مع صدام، قبل وبعد غزو الكويت، (منها مقابلة مع «الشرق الاوسط» في 1989). وقارن البحث بين هذه المقابلات ومقابلات صحافية مع الرئيس بيل كلنتون، اعتمادا على نوعية العبارات في المقابلات: هل هي عبارات عن الاهداف، او عبارات عن الانجازات. ووجدت الدراسة ان تصريحات كلينتون تركز على «انجازاته» وان تصريحات صدام تركز على «اهدافه». وقال البحث ان «هدف البقاء في الحكم يأتي في مقدمة اهداف صدام حسين، ولهذا لم يكن يرى غضاضة في تحدي الذين يعارضونه، وفي تحدي الرأي العام العالمي، مثلما حصل عندما رفض اخراج قواته من الكويت». وقال البحث ان «الابحاث العلمية اثبتت ان الشخص الذي لا هدف له سوى السيطرة والسلطة والحكم يميل اكثر من غيره نحو المغامرات والمخاطرات، ويخلط بين امكانياته هو وامكانيات الظروف المحيطة به، وبالتالي، يبالغ في تقييم فرص نجاحه، وفرص الفوز على هذه الظروف».

* مستشارون

* وذكر ونتر ان نفس المقارنة بين كلينتون وصدام يمكن ان تطبق على مساعدي الاثنين. ووجد البحث ان مساعدي كلينتون مالوا اكثر نحو الانجازات، وشعروا بمضايقات عندما لم تتحقق اهدافهم، ويمكن الاشارة هنا الى فنسنت فوستر، صديق كلينتون ومستشاره الذي انتحر 1993، وترك مذكرة انتقد فيها هجوم الاعلام عليه، ما فسر بأنه احساس بالفشل لعدم قدرته على تحقيق اهدافه خلال عمله.

وفي الجانب الآخر، وصف البحث وزراء ومساعدي ومستشاري صدام بأنهم «متملقون لا يقولون الحقيقة لرؤسائهم»، وقال ان هذا كان من عوامل الفشل لأن «الحقيقة تقود الى الابتكار، والابتكار يقود الى النجاح، وهذا يقود الى ابتكار جديد. لكن التملق يحجب الحقيقة». ولاحظ البحث ان صدام اعتمد على تعيين نسبة كبيرة من مساعديه من عائلته (آل المجيد) او من قبيلته (تكريت)، وان هؤلاء اعتبروا صدام ليس فقط ممثلا للعائلة وللقبيلة، ولكن ايضا لكل العراق، وان كل ما يؤذي صدام يؤذي العائلة والقبيلة والعراق. وقارن البحث بين كلينتون وصدام في مجالين: اولا، حوَّل كلينتون كثيرا من «اهدافه» الى «انجازات» خلال السنوات الاولى له في البيت الابيض، وكان كل نجاح يقود الى آخر. لكن، لأن هدف صدام كان البقاء في الحكم، «اصبحت انجازاته ونجاحاته هي القضاء على الذين يعارضونه او يعادونه».

وبينما كانت فلسفة كلينتون (وفلسفة كل نظام ديمقراطي) هي ان الوصول للحكم وسيلة لتطوير البلاد، كانت فلسفة صدام (وفلسفة كل نظام دكتاتوري) هي ان الوصول الى الحكم خير وسيلة للمحافظة عليه. ثانيا، ضمان بقاء كلينتون في البيت الابيض لاربع سنوات (ثم اربع سنوات اخرى بعد فوزه للمرة الثانية) ساعده على الاحساس بالاستقرار النفسي. لكن العكس حصل بالنسبة لصدام، لأن بقاءه في الحكم لم يكن محددا، ولا مضمونا، ولهذا تغلب عليه القلق، والخوف من فقدان السلطة. وبينما دفع الاستقرار النفسي كلينتون الى الامام (حتى ظهرت فضيحة علاقته الجنسية مع مونيكا لونسكي)، جر القلق النفسي صدام الى الوراء.

* استغلال الوطنية

* وأوضح بحث آخر اجرته مارغريت هيرمان، استاذة علم النفس والعلوم السياسية في جامعة اوهايو ستيت ، أن صدام حسين استغل الشعارات الوطنية ليس لدفع العراقيين لخدمة وطنهم، ولكن لحماية حكمه. واعتمد البحث، في الوصول الى هذه النتيجة، على عبارات وردت في اجابات صدام في ستين مقابلة صحافية معه، وقارنها مع عبارات مماثلة في مقابلات صحافية مع 86 رئيس دولة من مختلف انحاء العالم.

وحقق صدام، في خانة الوطنية (اي تكرار عبارات وشعارات وطنية) سبعين نقطة، بالمقارنة مع اربعين نقطة لباقي حكام العالم. وقال البحث انه «كلما ارتفعت درجة الحماس الوطني، يتوتر الحاكم والوطن، ويقرب هذا التوتر بين الجانبين، حتى يصبح الحاكم وكأنه الوطن ويصبح الوطن وكأنه الحاكم. ويعتبر الحاكم ان كل تهديد للوطن تهديد له». واضاف البحث ان المغالاة في الوطنية «تقود الحاكم ووطنه الى تقسيم الآخرين الى اعداء واصدقاء، والى (معنا) و (ضدنا)». وفي حالات كثيرة يلقي هذا الحاكم اللوم على الاعداء اذا تعرض وطنه، او تعرض هو، الى خطر او أذى».