المتمرد
06-20-2003, 11:26 AM
حديث العشرة المبشرة:
وهو واحد من تلك الأحاديث التي صنعت لأجل نشر الغبار على الحقيقة! فهذا الحديث الذي راج رواجا عجيبا ليس له إلا طريقان: أحدهما
ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف، والآخر إلى سعيد بن زيد، وكلاهما من بين العشرة!
أما الطريق الأول: فهو محصور بعبد الرحمن بن حميد، عن أبيه حميد ابن عبد الرحمن الزهري، عن عبد الرحمن بن عوف . مسند أحمد 1: 193،دار الفكر –بيروت, الترمذي 5: 647،تحقيق احمد محمد شاكر-دار احياء التراث العربي-بيروت., مصابيح السنة 4: 179.تحقيق الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ومحمد سليم سمارة وجمال حمدي الذهبي-دار المعرفة-الطبعه الاولى-1307هـ,.
وهذا إسناد باطل لأن حميد بن عبد الرحمن الزهري لم ير عبد الرحمن بن عوف، ولم يدركه! إذ إن عبد الرحمن بن عوف قد توفي سنة 32 هـ سير أعلام النبلاء 1: 92.مؤسسة الرسالة-بيروت-الطبعة الثالثة-1405هـ
، وإن حميد ابن عبد الرحمن الزهري قد توفي سنة 105 هـ عن عمر 73 سنة، فيكون قد ولد سنة 32، وهي سنة وفاة عبد الرحمن بن عوف!
وعلى رواية أنه توفي سنة 95 عن مثل هذا العمر، فعليه يكون قد بلغ العاشرة من عمره سنة وفاة عبد الرحمن بن عوف، وهذه أيضا لا تسعف الأمر، لأن عمرا كهذا لا يرشحه لهذه الرواية، فكيف أصبح - بعمره هذا - الراوي الأوحد؟
أضف إلى ذلك أن أهل التصانيف في علم الرجال قد حكموا بأن روايته عن عثمان بن عفان منقطعة، وأن روايته عن علي عليه السلام مرسلة، هذا وإن عثمان قد توفي بعد عبد الرحمن بثلاث سنين، وعاش علي بن أبي طالب بعده ثماني سنين. وأحصى ابن حجر من حدث عنهم حميد الزهري من الصحابة، وليس فيهم عبد الرحمن بن! أنظر ترجمته في تهذيب التهذيب 3: 45.دار احياء التراث العربي-الطبعة الاولى-مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند-حيدر آباد الدكن-1325هـ. هذا هو إسنادهم الأول.
وأما الإسناد الثاني: فقد روي مرة من طريق عبد الله بن ظالم المازني عن سعيد بن زيد.
وعبد الله بن ظالم المازني هذا قال فيه ابن حجر: لينة البخاري.تهذيب التهذيب 1: 424 / 394. دار احياء التراث العربي-الطبعة الاولى-مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند-حيدر آباد الدكن-1325هـ.
وفي تاريخ البخاري الكبير، قال: ليس له حديث إلا هذا - عشرة في الجنة - وبحسب أصحابي القتل! التاريخ الكبير 5: 124 / 368.دار الكتب العلمية بيروت.
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: قال البخاري: عبد الله بن ظالم، عن سعيد بن زيد، عن النبي (ص): ولا يصح. الضعفاء الكبير 2: 267 / 827.لأبي حعفر العقيلي-تحقيق د.عبد المعطي أمين قلعجي-دار الكتب العلمية-بيروت-الطبعة الاولى-1407هـ.
ورواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأخنس عن سعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن الأخنس قال عنه ابن حجر: مستور. تهذيب التهذيب 1: 472 / 858. وعد السرخسي المستور مع الفاسق والكافر والمعتوه وصاحب الهوى، وقال: قد نص محمد بن الحسن الشيباني على أن خبره كخبر الفاسق. أصول السرخسي 1: 370.
ومرة عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه، عن سعيد بن زيد . الترمذي 5: 648. تحقيق احمد محمد شاكر-دار احياء التراث العربي-بيروت.
وفيها جميعا مع ما تقدم:
1 - أنها لم تعرف إلا في عهد معاوية، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثين سنة! فأين كانوا عنها، والجو يلائم نشرها، بل كانوا في حاجة لمثلها آنذاك في مواضع عديدة؟
والشاهد على ظهورها أيام معاوية صدر الرواية نفسها، ففي بعضها: لما قدم فلان الكوفة أقام فلانا خطيبا، فأخذ بيدي سعيد بن زيد، فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم - وذلك حين سمعه يسب عليا عليه السلام - فأشهد على التسعة أنهم في الجنة فعدهم - قلت: ومن العاشر؟
فتلكأ هنيئة، ثم قال: أنا. وجاء في رواية أخرى، أنه كان في المسجد - في الكوفة - فذكر رجل عليا فقام سعيد بن زيد، الحديث.
هكذا إذن ظهرت هذه الروايات هنا لأول مرة ولم يسمع بها أحد من قبل!
2 - اضطرابها: فقد جاء في أكثرها ذكر النبي وتسعة معه ليس فيهم أبو عبيدة، وذكر في بعضها أبو عبيدة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم!
وفي بعضها عبد الله بن مسعود بدلا من أبي عبيدة .الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة 2: 318.الطبعة الاولى(1328هـ)-دار احياء التراث العربي.
3 - أن أيا من طريقها لم يذكره الشيخان: البخاري، ومسلم، ولو وجد أحدهما إليهما سبيلا يعتد به لأثبتها في مسنده، ولأعاد ذكرها في شتى الأبواب.
4 - أن الرواية لم تتوقف عند العشرة، بل تعدت إلى أحد عشر، فمن هو الحادي عشر؟
لو سئلت عن هذا لتبادر إلى ذهنك اسم: أبي ذر، أو عمار بن ياسر، أو ذي الشهادتين، أو حمزة بن عبد المطلب، أو جعفر الطيار، أو معاذ بن جبل أو رجل من هذه المراتب، ولكن الحقيقة غير هذه. فلندع الرواية تتكلم، لتكشف بنفسها عن هويتها:
ذكر المحب الطبري - في الرياض النضرة - فصلا في وصف كل واحد من العشرة يصفه حميدة، وساق الحديث، وذكر لكل واحد صفته إلى أن قال:
" ولكل نبي صاحب سر، وصاحب سري: معاوية بن أبي سفيان، فمن أحبهم فقد نجا، ومن أبغضهم فقد هلك " . الرياض النضرة 1: 36.للمحب الطبري-دار الكتب العلمية-بيروت.
فهل يستدعي الأمر - بعد هذا - أن نقول: إن هذه الروايات ومثيلاتها هي أيضا من صنع الأمويين، وأساطيرهم الكثيرة خدمة لدولتهم التي لا تقوم إلا على مثل هذا؟!
إنها لحقيقة من أوضح الواضحات.
5 - وهذه الرواية أيضا تقطع الطريق على تلك الروايات وهي أحسن منها إسنادا:
فعن معاذ بن جبل، أنه لما حضرته الوفاة قال: التمسوا العلم عند أربعة:
عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة. الترمذي 5: 671 / 3804، مسند أحمد 5: 243، مصابيح السنة 4: 221 / 4899، المستدرك 3: 416 وصححه، ووافقه الذهبي في التلخيص، وأخرجه أيضا أهل التراجم في ترجمة عبد الله بن سلام.
وهذه الرواية صححها الحاكم والذهبي، فينبغي أن يكون عبد الله بن سلام أحد العشرة المبشرة، وعليه فلا بد من إخراج واحد أو اثنين ممن ضمتهم الروايات المتقدمة.
6 - وأشد من هذا ما روي عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لحي يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام مسند أحمد 1: 177، تهذيب تاريخ دمشق 7: 449،(هذبه ورتبة الشيخ عبد القادر بدران المتوفي سنة1346هـ -دار احياء التراث العربي-الطبعة الثالثة-1407هـ. الإصابة في تمييز الصحابة 4: 81(مطبعة السعادة-مصر-123هـ).. فكيف غاب ذلك الحديث عن سعد وهو أحد العشرة، وهو آخرهم موتا؟!
7 - وكيف يصح حديث العشرة وبعضهم قد أباح دم بعض، واستحل قتله؟ فهل كان أشد على عثمان من طلحة والزبير؟
لقد كانا هما والسيدة عائشة أكثر من يؤلب عليه، ويحرض الناس على قتله!
وكان طلحة يكتب الكتب إلى الأمصار يحثهم على القيام على عثمان،
وقد أظهر بعض كتبه أهل البصرة يوم قدم إليهم يحثهم على قتال علي عليه السلام، والطلب بثأر عثمان، فقالوا له: أتعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم.
قالوا: فما ردك على ما كنت عليه، وكنت بالأمس تكتب إلينا، تؤلبنا على قتل عثمان، وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه ؟! تاريخ الطبري 5: 179،(الطبعة الاولى) الكامل في التاريخ 3: 216،(دار صادر-1402هـ) الإمامة والسياسة: 68.(مكتبة ومطبعة مصطفى بابي الحلبي-مصر-1388هـ,.
وكان عثمان وهو محصور في بيته يقول: هذا ما أمر به طلحة، اللهم اكفني طلحة فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم علي، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا وأن يسفك دمه . الكامل في التاريخ 3: 174
وقد نكث طلحة والزبير بيعة عقداها راضيين بها، متحمسين لها! ثم انقلبا، وخرجا على إمام زمانهما! وجيشا عليه الجيوش! وقاتلاه أشد القتال! وكانا سببا في قتل الألوف من المسلمين من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله!
والغريب أن يعتذر لهذا أصحاب التاريخ فيقولون: إنهم خرجوا طلبا للإصلاح!! فهل كانت البصرة منقلبة على فتنة؟
أم أنهم استشاروا الإمام بشأن هذا الإصلاح فأذن لهم؟ لا هذا ولا ذاك!
ومما روي من أحداث الجمل: أن عليا عليه السلام قد قال لطلحة - وقد تحادثا قبل التحام الحرب -: " أيها الشيخ، اقبل النصح، وارض بالتوبة مع العار، قبل أن يكون العار والنار "! الإمامة والسياسة: 75.
وقال عليه السلام في كتاب له بعثه إلى طلحة والزبير وهما في البصرة:
" ارجعا - أيها الشيخان - عن رأيكما، فإن الآن أعظم أمركما العار، من قبل أن يجتمع العار والنار.نهج البلاغة - الكتاب رقم (54)، في شرح محمد عبدة 3: 123، صبحي الصالح: 446. العقد الفريد 5: 26.
وقبل أن يقع من ذلك كله شئ كان عمر قد أمر بقتل أصحاب الشورى جميعا إن مضت عليهم ثلاثة أيام ولم يبايعوا من بينهم خليفة!تاريخ المدينة 3: 925، الإمامة والسياسة 1: 24، تاريخ اليعقوبي 2: 16، الكامل في التاريخ 3: 67، تاريخ الطبري 5: 35، ابن أبي الحديد 1: 187.
وأصحاب الشورى الذي انتخبهم عمر هم تمام العشرة المذكورين في الحديث: عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، ولم يبق من العشرة سوى سعيد بن زيد، فكيف يأمر عمر بقتلهم جميعا وهو يشهد لهم بالجنة؟
أم كيف جهلت أم المؤمنين عائشة أن عثمان مبشر بالجنة فصرحت بأنه قد كفر، وأمرت بقتله؟! ولقد كانت أشد الناس بغضا لعلي بن أبي طالب، إلا ما قد يكون من معاوية وصاحبه!
فأعجب إذن للمحب الطبري وهو يروي حديث العشرة بإسناده المبتور إلى عائشة! الرياض النضرة 1: 35
ومن حديث عائشة أخرج أحمد في مسنده أنها قالت: سمعت رسول الله يقول: " رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا " مسند أحمد 6: 115، حلية الأولياء 1: 98. فهل هذه هي منزلة المبشر بالجنة من بين سائر الناس، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون؟
ومن العشرة المذكورين من أنزل فيه الله: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) وقد روي أنها نزلت في أبي بكر وعمر.
ومنهم من نزل فيه قوله تعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما) الأحزاب: 53.
وهو طلحة. أنظر: تفسير الرازي 25: 225، تفسير القرطبي 14: 228، فتح القدير 4: 299، معالم التنزيل للبغوي 4: 483، تفسير ابن كثير 3: 513، تفسير روح البيان 7: 216، الدر المنثور 6: 643 - 644، لباب النقول للسيوطي: 179، البحر المحيط 7: 247.
فلا قيمة إذن لما اعتذر به الآلوسي من أنه قد يكون طلحة بن عبيد الله غير هذا المشهور، وقد رد عليه أبو حيان الأندلسي وفنده وأثبت أنها في طلحة المعروف لا غير وذكر قصة في ندمه على ما قال وقد أشار لها الآلوسي أيضا إلا أنه احتج بأن طلحة قد عصمه الله! فمن أين أتته هذه العصمة التي لا يعتقدها الآلوسي حتى لسيد المرسلين؟!.
فكيف تجتمع هذه المتناقضات؟!
أما إذا أضفت حادي عشرهم - معاوية - فتلك مصيبة لا بد أن ننزه ديننا العظيم منها، فإنه يكفي في معاوية محاربته " إمام المتقين " و " سيد المسلمين " و " قائد الغر المحجلين " أنظر: المستدرك 3: 129، 138، أسد الغابة 3: 116، الترجمة من تاريخ دمشق لابن عساكر 2: 257، 486، الجامع الصغير 2: 177 / 5591، مجمع الزوائد 9: 121، ابن أبي الحديد 9: 169، الرياض النضرة 3: 138، الصواعق المحرقة: 125، وتقدم ذكر مزيد من مصادرها..
ألم يأت في الحديث الشريف: " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية... ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى مؤمنها، ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه " ؟ صحيح مسلم - الإمارة - 3: 1476 / 53، سنن النسائي 7: 92، جامع الأصول 4: 456 / 2054
ألم يأت في الحديث الشريف: " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما "صحيح مسلم - الإمارة - 3: 1480 / 61، جامع الأصول 4: 442 / 2024.
ألم يكن الصحابة هم أول المأمورين بهذا، فلماذا لم ينطبق شئ من هذا على الذين خرجوا على علي بن أبي طالب، ونكثوا عهدهم معه، وشقوا صف هذه الأمة يضربون برها وفاجرها ولا يتحاشون مؤمنا، ويعقدون بيعة بعد بيعة، والإمام الأول قائم مكانه؟!.
ألم يأت في الحديث الشريف: " من أتاكم وأمركم جمع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا من كان " صحيح مسلم - الإمارة - 3: 1479 / 59 - 60، سنن النسائي - التحريم - 7: 92، جامع الأصول 4: 442 / 2025.
؟ بلى، ولقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصيه عليه السلام بقتال ثلاث فرق، فقال الوصي عليه السلام: " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين " الإستيعاب 3: 53، أسد الغابة 4: 33، المستدرك 3: 139، 140، تاريخ بغداد 8: 340 - 341، الترجمة من تاريخ ابن عساكر 3: 200 / 1206 - 1219 من أربعة عشر طريقا عن علي وأم سلمة وأبي أيوب الأنصاري. مجمع الزوائد 6: 235 و 7: 238، كنز العمال 13: 110 / 36361، والمنتخب منه بهامش مسند أحمد 5: 437، 439، 451، وأصحاب المناقب كافة وغيرهم أيضا..
قال ابن الأثير: النكث: نقض العهد، وأراد بهم أهل وقعة الجمل لأنهم كانوا بايعوا ثم نقضوا بيعته وقاتلوه. وأراد بالقاسطين أهل الشام، وبالمارقين الخوارج النهاية - في اللغة - 5: 114، مثله في لسان العرب 2: 196 (نكث)، ومفصلا في مناقب الخوارزمي:
109 وما بعدها، والمحاسن والمساوئ: 45، وهو مما لا خلاف فيه.
فماذا بقي من رواية العشرة المبشرة إذن؟!
وهو واحد من تلك الأحاديث التي صنعت لأجل نشر الغبار على الحقيقة! فهذا الحديث الذي راج رواجا عجيبا ليس له إلا طريقان: أحدهما
ينتهي إلى عبد الرحمن بن عوف، والآخر إلى سعيد بن زيد، وكلاهما من بين العشرة!
أما الطريق الأول: فهو محصور بعبد الرحمن بن حميد، عن أبيه حميد ابن عبد الرحمن الزهري، عن عبد الرحمن بن عوف . مسند أحمد 1: 193،دار الفكر –بيروت, الترمذي 5: 647،تحقيق احمد محمد شاكر-دار احياء التراث العربي-بيروت., مصابيح السنة 4: 179.تحقيق الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي ومحمد سليم سمارة وجمال حمدي الذهبي-دار المعرفة-الطبعه الاولى-1307هـ,.
وهذا إسناد باطل لأن حميد بن عبد الرحمن الزهري لم ير عبد الرحمن بن عوف، ولم يدركه! إذ إن عبد الرحمن بن عوف قد توفي سنة 32 هـ سير أعلام النبلاء 1: 92.مؤسسة الرسالة-بيروت-الطبعة الثالثة-1405هـ
، وإن حميد ابن عبد الرحمن الزهري قد توفي سنة 105 هـ عن عمر 73 سنة، فيكون قد ولد سنة 32، وهي سنة وفاة عبد الرحمن بن عوف!
وعلى رواية أنه توفي سنة 95 عن مثل هذا العمر، فعليه يكون قد بلغ العاشرة من عمره سنة وفاة عبد الرحمن بن عوف، وهذه أيضا لا تسعف الأمر، لأن عمرا كهذا لا يرشحه لهذه الرواية، فكيف أصبح - بعمره هذا - الراوي الأوحد؟
أضف إلى ذلك أن أهل التصانيف في علم الرجال قد حكموا بأن روايته عن عثمان بن عفان منقطعة، وأن روايته عن علي عليه السلام مرسلة، هذا وإن عثمان قد توفي بعد عبد الرحمن بثلاث سنين، وعاش علي بن أبي طالب بعده ثماني سنين. وأحصى ابن حجر من حدث عنهم حميد الزهري من الصحابة، وليس فيهم عبد الرحمن بن! أنظر ترجمته في تهذيب التهذيب 3: 45.دار احياء التراث العربي-الطبعة الاولى-مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند-حيدر آباد الدكن-1325هـ. هذا هو إسنادهم الأول.
وأما الإسناد الثاني: فقد روي مرة من طريق عبد الله بن ظالم المازني عن سعيد بن زيد.
وعبد الله بن ظالم المازني هذا قال فيه ابن حجر: لينة البخاري.تهذيب التهذيب 1: 424 / 394. دار احياء التراث العربي-الطبعة الاولى-مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية في الهند-حيدر آباد الدكن-1325هـ.
وفي تاريخ البخاري الكبير، قال: ليس له حديث إلا هذا - عشرة في الجنة - وبحسب أصحابي القتل! التاريخ الكبير 5: 124 / 368.دار الكتب العلمية بيروت.
وذكره العقيلي في الضعفاء، وقال: قال البخاري: عبد الله بن ظالم، عن سعيد بن زيد، عن النبي (ص): ولا يصح. الضعفاء الكبير 2: 267 / 827.لأبي حعفر العقيلي-تحقيق د.عبد المعطي أمين قلعجي-دار الكتب العلمية-بيروت-الطبعة الاولى-1407هـ.
ورواية أخرى عن عبد الرحمن بن الأخنس عن سعيد بن زيد، وعبد الرحمن بن الأخنس قال عنه ابن حجر: مستور. تهذيب التهذيب 1: 472 / 858. وعد السرخسي المستور مع الفاسق والكافر والمعتوه وصاحب الهوى، وقال: قد نص محمد بن الحسن الشيباني على أن خبره كخبر الفاسق. أصول السرخسي 1: 370.
ومرة عن عبد الرحمن بن حميد، عن أبيه، عن سعيد بن زيد . الترمذي 5: 648. تحقيق احمد محمد شاكر-دار احياء التراث العربي-بيروت.
وفيها جميعا مع ما تقدم:
1 - أنها لم تعرف إلا في عهد معاوية، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثين سنة! فأين كانوا عنها، والجو يلائم نشرها، بل كانوا في حاجة لمثلها آنذاك في مواضع عديدة؟
والشاهد على ظهورها أيام معاوية صدر الرواية نفسها، ففي بعضها: لما قدم فلان الكوفة أقام فلانا خطيبا، فأخذ بيدي سعيد بن زيد، فقال: ألا ترى إلى هذا الظالم - وذلك حين سمعه يسب عليا عليه السلام - فأشهد على التسعة أنهم في الجنة فعدهم - قلت: ومن العاشر؟
فتلكأ هنيئة، ثم قال: أنا. وجاء في رواية أخرى، أنه كان في المسجد - في الكوفة - فذكر رجل عليا فقام سعيد بن زيد، الحديث.
هكذا إذن ظهرت هذه الروايات هنا لأول مرة ولم يسمع بها أحد من قبل!
2 - اضطرابها: فقد جاء في أكثرها ذكر النبي وتسعة معه ليس فيهم أبو عبيدة، وذكر في بعضها أبو عبيدة، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم!
وفي بعضها عبد الله بن مسعود بدلا من أبي عبيدة .الإستيعاب لابن عبد البر بهامش الإصابة 2: 318.الطبعة الاولى(1328هـ)-دار احياء التراث العربي.
3 - أن أيا من طريقها لم يذكره الشيخان: البخاري، ومسلم، ولو وجد أحدهما إليهما سبيلا يعتد به لأثبتها في مسنده، ولأعاد ذكرها في شتى الأبواب.
4 - أن الرواية لم تتوقف عند العشرة، بل تعدت إلى أحد عشر، فمن هو الحادي عشر؟
لو سئلت عن هذا لتبادر إلى ذهنك اسم: أبي ذر، أو عمار بن ياسر، أو ذي الشهادتين، أو حمزة بن عبد المطلب، أو جعفر الطيار، أو معاذ بن جبل أو رجل من هذه المراتب، ولكن الحقيقة غير هذه. فلندع الرواية تتكلم، لتكشف بنفسها عن هويتها:
ذكر المحب الطبري - في الرياض النضرة - فصلا في وصف كل واحد من العشرة يصفه حميدة، وساق الحديث، وذكر لكل واحد صفته إلى أن قال:
" ولكل نبي صاحب سر، وصاحب سري: معاوية بن أبي سفيان، فمن أحبهم فقد نجا، ومن أبغضهم فقد هلك " . الرياض النضرة 1: 36.للمحب الطبري-دار الكتب العلمية-بيروت.
فهل يستدعي الأمر - بعد هذا - أن نقول: إن هذه الروايات ومثيلاتها هي أيضا من صنع الأمويين، وأساطيرهم الكثيرة خدمة لدولتهم التي لا تقوم إلا على مثل هذا؟!
إنها لحقيقة من أوضح الواضحات.
5 - وهذه الرواية أيضا تقطع الطريق على تلك الروايات وهي أحسن منها إسنادا:
فعن معاذ بن جبل، أنه لما حضرته الوفاة قال: التمسوا العلم عند أربعة:
عند عويمر أبي الدرداء، وعند سلمان، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام الذي كان يهوديا فأسلم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنه عاشر عشرة في الجنة. الترمذي 5: 671 / 3804، مسند أحمد 5: 243، مصابيح السنة 4: 221 / 4899، المستدرك 3: 416 وصححه، ووافقه الذهبي في التلخيص، وأخرجه أيضا أهل التراجم في ترجمة عبد الله بن سلام.
وهذه الرواية صححها الحاكم والذهبي، فينبغي أن يكون عبد الله بن سلام أحد العشرة المبشرة، وعليه فلا بد من إخراج واحد أو اثنين ممن ضمتهم الروايات المتقدمة.
6 - وأشد من هذا ما روي عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لحي يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام مسند أحمد 1: 177، تهذيب تاريخ دمشق 7: 449،(هذبه ورتبة الشيخ عبد القادر بدران المتوفي سنة1346هـ -دار احياء التراث العربي-الطبعة الثالثة-1407هـ. الإصابة في تمييز الصحابة 4: 81(مطبعة السعادة-مصر-123هـ).. فكيف غاب ذلك الحديث عن سعد وهو أحد العشرة، وهو آخرهم موتا؟!
7 - وكيف يصح حديث العشرة وبعضهم قد أباح دم بعض، واستحل قتله؟ فهل كان أشد على عثمان من طلحة والزبير؟
لقد كانا هما والسيدة عائشة أكثر من يؤلب عليه، ويحرض الناس على قتله!
وكان طلحة يكتب الكتب إلى الأمصار يحثهم على القيام على عثمان،
وقد أظهر بعض كتبه أهل البصرة يوم قدم إليهم يحثهم على قتال علي عليه السلام، والطلب بثأر عثمان، فقالوا له: أتعرف هذا الكتاب؟ قال: نعم.
قالوا: فما ردك على ما كنت عليه، وكنت بالأمس تكتب إلينا، تؤلبنا على قتل عثمان، وأنت اليوم تدعونا إلى الطلب بدمه ؟! تاريخ الطبري 5: 179،(الطبعة الاولى) الكامل في التاريخ 3: 216،(دار صادر-1402هـ) الإمامة والسياسة: 68.(مكتبة ومطبعة مصطفى بابي الحلبي-مصر-1388هـ,.
وكان عثمان وهو محصور في بيته يقول: هذا ما أمر به طلحة، اللهم اكفني طلحة فإنه حمل علي هؤلاء وألبهم علي، والله إني لأرجو أن يكون منها صفرا وأن يسفك دمه . الكامل في التاريخ 3: 174
وقد نكث طلحة والزبير بيعة عقداها راضيين بها، متحمسين لها! ثم انقلبا، وخرجا على إمام زمانهما! وجيشا عليه الجيوش! وقاتلاه أشد القتال! وكانا سببا في قتل الألوف من المسلمين من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله!
والغريب أن يعتذر لهذا أصحاب التاريخ فيقولون: إنهم خرجوا طلبا للإصلاح!! فهل كانت البصرة منقلبة على فتنة؟
أم أنهم استشاروا الإمام بشأن هذا الإصلاح فأذن لهم؟ لا هذا ولا ذاك!
ومما روي من أحداث الجمل: أن عليا عليه السلام قد قال لطلحة - وقد تحادثا قبل التحام الحرب -: " أيها الشيخ، اقبل النصح، وارض بالتوبة مع العار، قبل أن يكون العار والنار "! الإمامة والسياسة: 75.
وقال عليه السلام في كتاب له بعثه إلى طلحة والزبير وهما في البصرة:
" ارجعا - أيها الشيخان - عن رأيكما، فإن الآن أعظم أمركما العار، من قبل أن يجتمع العار والنار.نهج البلاغة - الكتاب رقم (54)، في شرح محمد عبدة 3: 123، صبحي الصالح: 446. العقد الفريد 5: 26.
وقبل أن يقع من ذلك كله شئ كان عمر قد أمر بقتل أصحاب الشورى جميعا إن مضت عليهم ثلاثة أيام ولم يبايعوا من بينهم خليفة!تاريخ المدينة 3: 925، الإمامة والسياسة 1: 24، تاريخ اليعقوبي 2: 16، الكامل في التاريخ 3: 67، تاريخ الطبري 5: 35، ابن أبي الحديد 1: 187.
وأصحاب الشورى الذي انتخبهم عمر هم تمام العشرة المذكورين في الحديث: عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وعلي بن أبي طالب، ولم يبق من العشرة سوى سعيد بن زيد، فكيف يأمر عمر بقتلهم جميعا وهو يشهد لهم بالجنة؟
أم كيف جهلت أم المؤمنين عائشة أن عثمان مبشر بالجنة فصرحت بأنه قد كفر، وأمرت بقتله؟! ولقد كانت أشد الناس بغضا لعلي بن أبي طالب، إلا ما قد يكون من معاوية وصاحبه!
فأعجب إذن للمحب الطبري وهو يروي حديث العشرة بإسناده المبتور إلى عائشة! الرياض النضرة 1: 35
ومن حديث عائشة أخرج أحمد في مسنده أنها قالت: سمعت رسول الله يقول: " رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حبوا " مسند أحمد 6: 115، حلية الأولياء 1: 98. فهل هذه هي منزلة المبشر بالجنة من بين سائر الناس، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون؟
ومن العشرة المذكورين من أنزل فيه الله: (لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) وقد روي أنها نزلت في أبي بكر وعمر.
ومنهم من نزل فيه قوله تعالى: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما) الأحزاب: 53.
وهو طلحة. أنظر: تفسير الرازي 25: 225، تفسير القرطبي 14: 228، فتح القدير 4: 299، معالم التنزيل للبغوي 4: 483، تفسير ابن كثير 3: 513، تفسير روح البيان 7: 216، الدر المنثور 6: 643 - 644، لباب النقول للسيوطي: 179، البحر المحيط 7: 247.
فلا قيمة إذن لما اعتذر به الآلوسي من أنه قد يكون طلحة بن عبيد الله غير هذا المشهور، وقد رد عليه أبو حيان الأندلسي وفنده وأثبت أنها في طلحة المعروف لا غير وذكر قصة في ندمه على ما قال وقد أشار لها الآلوسي أيضا إلا أنه احتج بأن طلحة قد عصمه الله! فمن أين أتته هذه العصمة التي لا يعتقدها الآلوسي حتى لسيد المرسلين؟!.
فكيف تجتمع هذه المتناقضات؟!
أما إذا أضفت حادي عشرهم - معاوية - فتلك مصيبة لا بد أن ننزه ديننا العظيم منها، فإنه يكفي في معاوية محاربته " إمام المتقين " و " سيد المسلمين " و " قائد الغر المحجلين " أنظر: المستدرك 3: 129، 138، أسد الغابة 3: 116، الترجمة من تاريخ دمشق لابن عساكر 2: 257، 486، الجامع الصغير 2: 177 / 5591، مجمع الزوائد 9: 121، ابن أبي الحديد 9: 169، الرياض النضرة 3: 138، الصواعق المحرقة: 125، وتقدم ذكر مزيد من مصادرها..
ألم يأت في الحديث الشريف: " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية... ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها، ولا يتحاشى مؤمنها، ولا يفي بعهد ذي عهدها فليس مني ولست منه " ؟ صحيح مسلم - الإمارة - 3: 1476 / 53، سنن النسائي 7: 92، جامع الأصول 4: 456 / 2054
ألم يأت في الحديث الشريف: " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما "صحيح مسلم - الإمارة - 3: 1480 / 61، جامع الأصول 4: 442 / 2024.
ألم يكن الصحابة هم أول المأمورين بهذا، فلماذا لم ينطبق شئ من هذا على الذين خرجوا على علي بن أبي طالب، ونكثوا عهدهم معه، وشقوا صف هذه الأمة يضربون برها وفاجرها ولا يتحاشون مؤمنا، ويعقدون بيعة بعد بيعة، والإمام الأول قائم مكانه؟!.
ألم يأت في الحديث الشريف: " من أتاكم وأمركم جمع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه كائنا من كان " صحيح مسلم - الإمارة - 3: 1479 / 59 - 60، سنن النسائي - التحريم - 7: 92، جامع الأصول 4: 442 / 2025.
؟ بلى، ولقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصيه عليه السلام بقتال ثلاث فرق، فقال الوصي عليه السلام: " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتال الناكثين، والقاسطين، والمارقين " الإستيعاب 3: 53، أسد الغابة 4: 33، المستدرك 3: 139، 140، تاريخ بغداد 8: 340 - 341، الترجمة من تاريخ ابن عساكر 3: 200 / 1206 - 1219 من أربعة عشر طريقا عن علي وأم سلمة وأبي أيوب الأنصاري. مجمع الزوائد 6: 235 و 7: 238، كنز العمال 13: 110 / 36361، والمنتخب منه بهامش مسند أحمد 5: 437، 439، 451، وأصحاب المناقب كافة وغيرهم أيضا..
قال ابن الأثير: النكث: نقض العهد، وأراد بهم أهل وقعة الجمل لأنهم كانوا بايعوا ثم نقضوا بيعته وقاتلوه. وأراد بالقاسطين أهل الشام، وبالمارقين الخوارج النهاية - في اللغة - 5: 114، مثله في لسان العرب 2: 196 (نكث)، ومفصلا في مناقب الخوارزمي:
109 وما بعدها، والمحاسن والمساوئ: 45، وهو مما لا خلاف فيه.
فماذا بقي من رواية العشرة المبشرة إذن؟!