المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفحات من الذاكرة .... الكويت أيام زمان على لسان ثلاثة من الرواة



ياولداه
07-05-2017, 11:16 PM
http://alqabas.com/wp-content/uploads/2017/06/1-611.jpg

بر الوالدين

محرر القبس الإلكتروني 29 يونيو، 2017


جاسم عباس |

تحدث عبدالعزيز ملك (أبو سعود) عن الرعيل الأول، وهم الحكماء في التشاور والتصرف والتعاون في ما بينهم.

قال أتذكر جدي ووالدي وكبار السن من الجيران والأهل، كان عملهم تخليص كل عمل وحركة من الشوائب، كثيرها وقليلها، وكان الواحد منهم يؤدي عمله للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، من دون قصد شيء آخر، وإذا عمل لا يفكر بكثرة العمل، ولكن أصوبهم عملاً هو هدفه.

التقيت أبو سعود في ديوانه بالرميثية، وقال: إنهم كانوا سمحاء لم يفرقوا بين هذا وذاك، وإذا دخل أي أحد فكلهم سواسية، وأتذكر يوماً عندما دخل أحد باعة الملابس والأقمشة من المتجولين ليرحب به، وقال أحد الكبار في حينه: رحبوا به ولا تزاحموه، كل يأخذ رزقه على أرضه أو خارجها، فهناك من يحصل العلم في الخارج، وهناك من يتاجر أيضاً في الهند والسند، هكذا كانوا، وإذا حصل أحدهم على خير يسمى نفسه «مستغني راضي» ويقول الغني: «إن الله جعل الفقر أمانة عند خلقه».

لا تسأل

أضاف: الأولون حياتهم «جامع السعادات» من أي رف أو ركن تأخذ، تجد الأخلاق والكرم والشهامة والإيثار، كتبهم عملية لا نظرية، ومؤلفاتهم سير الحياة، هكذا كان الآباء والأجداد، ظاهرهم باطنهم، وباطنهم ظاهرهم، وكانوا يقولون قبل السؤال عليك بالطاعة والإيثار وبإصلاح نفسك قبل إصلاح غيرك، «فإن السراج الذي لا يضيء قريبه، كيف يضيء بعيده؟».

ولا يجوز أن تسأل بالأسئلة المكررة من قبل لأنه سيعتبر سؤالك إذلالا لك، والأولون قالوا لنا: اليأس مما في أيدي الناس عز لك، ولا تطمع ومن طمع طبع، والسؤال للاحتياج، اتعب واسع في تحصيل ما تريده قبل السؤال، ولا تسأل ولا تتحدث بحديث تعتذر منه غداً.

وقال: تعلمنا منهم لا نسأل عن الغداء أو العشاء، كل ما يقدم نأكله: ولا نأكل إلا والكبير أمامنا ومعنا على المائدة، ولا يمكن أن نمد أيدينا على الطعام قبل الكبير، وحتى المرق (الحسا) لا نأخذه إلا عن طريق الوالد، والكبير هو الذي يوزع الإيدام (السمك – اللحم – الدجاج)، ونحن أطفال نقول «اللي جدام ياكل إيدام، واللي وراء ياكل»، وكان الأكل يوزع على المقربين والجيران، وكنا نسمع الأحاديث الشريفة منهم في كل وقت قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «لا خير فيمن لا يضيف»، فكانت الضيافة بالحضور أو توزع تلك الأرزاق الموجودة، ولا نسأل هل يكفي الطعام أم لا.

والآن للأسف لا أحد ينتظر، الأولاد يرفعون الهاتف ويتصلون بالمطاعم تصلهم الوجبة بالسيارة أو الدراجة النارية وحتى الزوجة (الأم) تأكل قبل الأب بحجة إنك تأخرت.

أضاف: أيامنا إذا دخل الوالد أو الجد كنا نقف للتحية ونقبل الرأس واليد، الآن إذا دخل كل واحد من الأولاد بيده هاتفه يلعب ويتحدث ويصرخ ويشجع، ولا يدري من دخل ومن خرج.

حديث ماجكي
وفي هذا الإطار كانت لنا جلسة خاصة مع السيد راشد ماجكي، الذي أكد أن الأولين غير ولا يوجد مثلهم الآن، قال: الأكل لا ينجب (لا يفرغ من القدر بالملاس) إلا عند وصول الوالد أو الجد ونسميه «راعي البيت»، والنجاب يحاسب إذا وضع الرز في الصحن، ولا فائض من الطعام، الآن للأسف يجهز أكثر من الحاجة والباقي يُرمى في القمامة، أيامنا الفائض يوضع في الملالة. وأتذكر دقوسنا من الصبار (تمر هندي)، أما الآن الثلاجات مليئة والخادمة تأخذ ولا تنظر إلى الصلاحية

آداب الأكل

أضاف أبو عدنان: كانت التسمية قبل الأكل «بسم الله»، وكانت النصائح من الكبير، وإذا نسينا في أول اللقمة نقول في آخرها «بسم الله أوله وآخره»، ونسمع منهم: الأكل باليمين، ولا تمد يدك إلى نواحي الصحن، تأخذ ما أمامك، وعند الأكل كلنا نخلع الأحذية، كل ما أمامك ولا تعيب الأكل ومن طبخه أو من اشتراه، ولا حديث عند الأكل إلا بعض النصائح والحكم من الكبير، وقبل الأكل وبعده اغسل يديك، وقل: الحمد لله حمداً كثيراً، وفي جلوسنا لم نتكىء على أحد الجانبين، والآن يأكلون وهم في السيارة،
أو في الدراجة الهوائية أو سيراً، كل شيء تغير، حتى إذا دعوت أحد الأشخاص يأتي ومعه من 3 ــــ 4 أشخاص، وهؤلاء من دون دعوة، وبعضهم يأتون بأولادهم.
قال: حتى شرب الماء كان غير عن الآن، كان باليمين، وكنا نشرب ونحن جلوسا، ومن الممكن الشرب قائماً مع الكراهية.

فاكهة الديار

أما الشخصية الثالثة فكانت مع مبارك دشتي «أبو حسين»، في مكتبه في سوق التمر، قال: هناك مواسم للبلح والعنب والتفاح والرمان والركي، كل نوع كنا نأكله في موسمه، وإذا انتهى الموسم لا نرى الفاكهة إلا في السنة القادمة، لا تعرف التبريد، فاكهة الديار تطيل الأعمار كلها طازجة، الآن يأتي الرقي (البطيخ) من الخارج وقشرته خضراء، وعندما تفتحه تجده أبيض اللون وطمعه غير، قديماً ركنا (بطيخنا) من مزارعنا في الصبيحية والوفرة من حلاوته تأكل الركية كلها، وجزر الفيلكاوي والطروح البصراوي يصلنا بالأبلام من البصرة في اليوم نفسه، والخضروات بأنواعها خاصة كزبرة ريحتها عطر فواح كنا نغليها بالماء كالشاي أو مع عصير الليمون، كزبرة أيامنا تحتوي على اليود علاج للصداع وطرد للغازات، وأما الرويد كانوا ينصحوننا بأكله لعلاج النظر ولإذابة الرمال والحصى، ولإدرار البول، والبقدونس كان من مزارع الدسمة والقرى الخارجية، الطب القديم أوصف بأنه ملين للبطن ويزيل المغص، ويذيب الحصى، وكنا نفرك البقدونس بأيدينا نشم رائحة طيبة، والآن تأكله مثل العلك لا يطحن، والعنب البهمشيري واللوز البحريني، وتفاح من بغداد، ولومي سحاري، أين البلح المطبوخ يسمى «سلوك»؟، وأين اللبن المجفف يسمى «جرثي»؟، وأين الطريح السمك المالح الذي يجفف؟ وأين زمان «كُراط» الشحم المذاب، كانوا يجففون العنب يسمى كشمش؟

قال أبو حسين: أنا مع والدتي عندنا كليم (بساط) واحد كنا ننام على نصفه والنصف الآخر فوقنا، وكان الصبر والإيثار سلاح الأولين.

سحتني.. إنميلي

أضاف: عندما يهطل علينا رذاذ المطر الخفيف، ثم إنميلي ينزل بكثافة، ثم يفلت أي المطر المنهمر ثم يحلب أخذ ينزل بدون توقف، سكيكنا كلها ماء المطر، وأطرافها ثلج من شدة البرودة «سحتني» كلمة تعني شدة البرد، حتى أسطح بيوتنا من الطين والجدران عليها بعض الأعشاب، ولم نكن نعرف الشماسية أو الشمسية (مظلة) إلا بعض التجار، وأما نحن كنا نضع الخيش على رؤوسنا بدلاً منها، هكذا كانوا وهكذا نحن الآن، وفي فصل الصيف نصف الحر بالغته والصنكره والسموم كنا نبحث عن «ذَرَا» ظل نحتمي به من وهج الشمس وكلما مر علينا المقتدر ومتوسطو الحال قال: هذا درويش أي عفيف الذي لا يملك مكانا في بيته فيه ظل.
وكنا نغسل الدشداشة مركين ونعرضها لأشعة الشمس حتى تنشف ثم نلبسها ثانية لأنه لايوجد غيرها عندنا، والمقتدر يلبس الشماغ والشال وبشت دربويه (زري).

السلام مؤانسة
وتحدث أيضاً بوعدنان ماجكي: لم نكن نعرف صباح الخير أو نهارك سعيد، هذه التحيات مستوردة، تعلمنا من ديننا ان سلامنا هو «السلام عليكم»، الماشي يسلم على القاعد، والقليل بالعدد يسلم على الكثير، القصد من السلام المؤانسة والإلفة والمحبة، ولا يجوز خص السلام على واحد من بين الجماعة، ويكون الرد «وعليكم السلام»، وللأسف الآن تسمع من الشباب «ليلتكم سعيدة» أين التحية والسلام؟ لماذا نقول «ازيك» و«ايش لونك؟».
وقال أبو عدنان ماجكي: أتذكر المرحوم علي النقي إذا رأى امرأة في سكة وضع يديه ووجه نحو الحائط حتى تمر وتقطع الطريق، هكذا كانوا، والرجل لا يخرج من دون غترة وعقال، ولا يخرج بملابس النوم (بيجامة)، الآن للأسف نشاهدهم بالجمعيات التعاونية، وأولادنا يدخلون الدواوين بالشورتات القصيرة.
أضاف: كنا نصطاد السمك في نقعة ابن خمسين، نسمع صوت الهاون بالقرب منا، توقفنا دقات طحن الهيل، أو القهوة، سألناه يا بوعلي ماذا عندك؟ قال: الهاون خالي ولكن أريد ان تأتوني وتسلموا عليّ، هكذا كانوا، والزعل قليل بين الزوج وزوجته لأن والدها لا يلفيها، وإذا شاهدنا الكبير قادم في سكتنا نقف ولا نلعب ونوسع له الطريق بعد ذلك نواصل اللعب، حتى فتحات الباب (الشقوق) تسكر بالمسامير حتى لا يشاهد من بداخله، الوالدة تأخذ غترة وعقال ومعطف الوالد وهو داخل البيت وتجلس بجانبه وتقول له: الله يعطيك العافية، أما الآن عمك أصمخ، لا نعرف ما السبب، هل المال أو المعلبات؟

الأسرة والعادات

– كنا مع أولاد الفريج إخواناً بالرضاعة.
– جاء أحد التجار إلى جارنا الضرير يطلب منه 300 روبية أو يرهن البيت، فقال له أحد الجيران خذ المبلغ وجاري الضرير أغلى وأبرك من الفلوس، هكذا كانوا.
– حتى صيانة بيوت الفقراء قبل موسم الأمطار من الجيران المقتدرين.
– ولم نعرف التنقيص لأحدنا ولا التباهي ولا الغيبة ولا الغمزة بالعين، ولا الإشارة، ولا النميمة التي تثير الفتنة وتورث العداوة.
– قيمنا كانت الأسرة وصلة الرحم والجوار والدولة وتنظيم العلاقات والسلوك الأخلاقي بين الأفراد والجماعات والمحبة والود والرحمة والتفاهم والتعايش، والدعوة إلى التكامل بتبادل المنافع والخدمات، وحل المشاكل على أساس التسامح والتفاهم والمصالحة، ولا نعرف العقاب.
– كان حزم الوالد مساعدة الشاب على اصلاح نفسه بنفسه.

أمنيات الآباء
– شعرنا ونحن صغار أن متابعة الوالد ورقابته لحركتنا أفادتانا وكانت النتائج طيبة.
– للأباء أمنيات كثيرة:
– أن يكون الولد أفضل منه.
– يتمنى أن يستفيد من تجاربه.
– وغضبه على الولد هو حب وليس انتقاماً.
– يتمنى الأب أن يكون ابنه صديقه ويكون صريحاً معه.
– «لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل» (قول مأثور).
– تراثنا يستحق أن نذكره ونتحدث عنه، ونعرضه أمامنا.
– تراث الآباء أصالة فكرية، فبرعوا في الحياة.
– نحن ورثنا الكم العملاق من الكنوز والعطاء للجيل الحاضر والمستقبل.
– كانت إرادتهم وحدتنا وعدم التفريق بسبب الطبقة الاجتماعية أو الفقر أو اللون.

أقوال عن الأم

– الأم ربت أولادها ورفضت كل ما يسيء أو ينقص منهم.
– لم نعرف من الأم إلا اللطف والخير والبركة.
– لا ينقصنا إلا قلوب مثل قلوبهن، وأعمال مثل أعمالهن، وعقول مثل عقولهن.
– تاريخ أبائنا مشرق، وأمهاتنا نفخر بهن لا مثيل لهن.
– عاداتنا وتقاليدنا شعارنا وهتافنا ووسيلة وغاية لنجعلها إطارا لحياتنا وسعادة قلوبنا، وغذاء أرواحنا، وأساس عملنا.

الحنين إلى الأيام الخوالي، يبقى الجامع المشترك بين الرعيل الأول ومن عاش في الكويت في عصر ما قبل النفط أو في مرحلة الاستقلال وما بعدها، في هذا اللقاء رحلة مع الذكريات ومع الماضي، نغوص في ثناياه، فنبحث وننقب عنه، مع الذين عايشوه تسجل لهم صفحات من عبق التاريخ، ففيه رسالة وعبرة للأجيال.


http://alqabas.com/412225/