المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الظالم والمظلوم والعدل أبدا!



Osama
06-03-2005, 08:34 AM
أنيس منصور

عندما قتل هابيل أخاه قابيل، وقف الأب آدم يسأل. فقال القاتل: لا أعرف، وهل أنا حارس لأخي! منذ ذلك الحين وهناك قاتل وقتيل, وظالم ومظلوم. ومن ينفي عن نفسه جريمة القتل والظلم، من أيامها حتى صدام حسين. ولو نظرت إلى ما يحدث في بيتك لوجدت أنه إذا سقط طفل على الأرض, فإن أمه بسرعة تقوم وتضرب الأرض, وتدعوه إلى أن يفعل ذلك, فما المعنى؟

المعنى أن محكمة انعقدت بسرعة, وحكمت بأن الأرض هي الغلطانة ولا بد من معاقبتها فورا, ونحن لا نلتفت عادة إلى أن الخصم هو الحكم ـ الحكم هو الأم وهو الطفل أما المحكوم عليه فهو الأرض, أو هو المقعد إذا اصطدم به الطفل! وإذا كلب كسر شيئا ضربناه, مع أنه لا يعرف بالضبط ماذا حدث.

ومن أعجب المحاكمات ما حدث في فرنسا في قرية سان جوليان سنة 1545. فقد شكا الناس من انتشار السوس في حقول العنب, وفزع الناس إلى الكنيسة وطالبوها أن تتدخل وتمنع بالصلاة والدعاء هذا البلاء. بل إن الكنيسة رأت أنه ليس من العدل محاكمة السوس من دون أن يتولى أحد الدفاع عنه. ووقف محامي المجني عليه ومحامي الجاني. ولجأ محامي السوس إلى آيات في سفر (التكوين) من الكتاب المقدس تقول: ان الله خلق النبات والفاكهة لكل الكائنات, فهي طعام للإنسان والحيوان, فهذه الحشرات لم تخالف الكتاب المقدس, فإذا لم تجد الطعام الذي خلقه الله ماتت.

وبعده بأربعين عاما بدأت محاكمة الحيوانات التي اعتدت على الإنسان. فالخنزير الذي أكل إذن طفل, قطعوا له أذنه, والحصان الذي رفس صاحبه كسروا ساقه, والخنزير الذي بقر بطن طفل ضربوه ثم احرقوه.

وفي قرية اخرى في سويسرا انتشرت الفئران فلجأ الناس إلى الكنيسة فطلبت الكنيسة عددا من المحامين لتدافع عن الفئران, ولكن أمام عذاب الناس وبكائهم على ما تحطم من أدواتهم وملابسهم, أدانت المحكمة الفئران, وحكمت بحبسها في قطعة أرض خارج المدينة, فأخذ الناس يدقون الطبول لتهرب الفئران إلى الأرض التي حددتها الكنيسة!

وكثيرا ما حاكموا الموتى, أخرجوهم من قبورهم وقرأوا عليهم الحكم, ثم نفذوه حرقا كأن يكون المتهم سجينا ومات في السجن من دون محاكمة. بل أن الملك هنري الثامن استخرج جثة غريمه الراهب توماس بيكت, وحكم عليه وأحرقه! وغيرهم كثيرون غضبت عليهم الشعوب وظلموهم, فلما عرفوا الحقيقة نقلوا رفاتهم من المقابر المجهولة إلى مقابر العظماء.

وأروع أنواع المحاكمات الظالمة هي حكم الآلهة على الأبطال ـ وهي رائعة ومروعة. ربما كانت الأسباب تافهة. ولكن غلطة هؤلاء الأبطال أنهم أغضبوا الآلهة. وعبقرية الآلهة ظهرت في صور العذاب. كيف كان العذاب عجيبا فريدا. مثلا: حكموا على الفتى سيزيف أن يدفع أمامه حجرا إلى أعلى الجبل, فإذا بلغ القمة انحدر مسرعا إلى السفح ليرفعه من جديد وإلى الأبد! وحكموا على الفتى بروميثوس أن يتعرى أمام نسر يأكل كبده, وكلما أتى عليه نبت الكبد أو القلب من جديد ويتجدد العذاب إلى الأبد! وربما كانت نبوءة علمية أن الكبد يتجدد, فهو العضو الوحيد في الجسم الإنساني الذي يمكن زراعة قطعة صغيرة منه, فإذا هي تنمو وتصبح كبدا كاملة!

وحدث كثيرا أن عاقبوا الأرض التي كانت معبدا فصارت إسطبلا للخيول, وصلوا من أجلها لتعود مكانا طاهرا مرة أخرى.

وأرجو أن أكون قد أجبت القارئة نجوان آل السبيلجي (فيينا) فلا تزال المحاكمات قائمة ما دام هناك ظالم ومظلوم وسلطة تنصف المجني عليه.