المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لستُ بأفضل منه! .... بقلم أسامة غريب



بسطرمه
05-27-2017, 01:00 AM
http://media.almasryalyoum.com/editor//Ossama3'areeb.jpg

أسامة غريب - المصري اليوم


كنت أقف بالسيارة إلى جانب الطريق عندما لمحت رجلاً رثّ الهيئة يقترب من السيارات العابرة بالشارع، ثم يتراجع. فى البداية ظننته يريد أن يعبر ولا يستطيع، لكن أدهشنى أن العبور لم يكن صعباً، لأنه كان يقف بجوار مطب صناعى يُرغِم السيارات على التهدئة إلى أدنى سرعة.

بعد عدة محاولات من التقدم والتقهقر أدركت أنه متردد فى الاختيار بين السيارات، أيها يلقى بنفسه أمامها.. هو إذن من هؤلاء الذين يرمون بلاءهم على الناس. وبالفعل تشجع وارتطم بسيارة مرسيدس، توقفت صاحبتها فوراً، متحاشية صدم الرجل. كان المنظر واضحاً تماماً.. الرجل هو الذى صدم السيارة، ومع ذلك ملأ الأفق صراخاً وعلا صوته بالبكاء كأن مدرعة سحقته!.

بعد ذلك رأيت صاحبة السيارة تهرول نحوه مفزوعة، فأخذ الرجل يتوعدها بالبوليس إذا لم تنقله فوراً إلى المستشفى. عند هذا الحد نزلت من سيارتى، وأوضحت للسيدة وللناس الذين تجمعوا على الضجيج حيلة هذا النصاب، الذى ارتمى عمداً على مقدمة السيارة ليبتز المرأة ويأخذ منها قرشين. لم أكن وحدى الذى شاهد ما حدث، لكن بعض الموجودين شهدوا أيضاً بما رأوه، وأحدهم قال إن هذا الرجل محترف، وهو يأتى إلى هذا المكان كل يوم بحثاً عن زبائن جدد. انتهى الأمر- رغم انكشاف الحيلة- بأن منحته السيدة بعض المال وانطلقت فى سبيلها، ويبدو أنها آثرت البعد عن وجع الدماغ فى مواجهة شخص حرفته وجع الدماغ!

بعد أن عدت إلى سيارتى لمحتُنى أبتسم وأنا أرجع بالذاكرة إلى سنوات طويلة خلت عندما سافرنا إلى أوروبا ونحن طلبة لنعمل فى غسل الصحون وبيع الجرائد فى فترة الصيف. وقتها كان يجمع بين أصدقاء الغربة- الذين عشت بينهم فى شقق ضيقة كان يتم تأجيرها بالسرير- حلم تشاركوا فيه بدون اتفاق، وتمنى كل منهم تحقيقه من أجل أن ينقله نقلة توفر عليه شهوراً من التعب والمرمطة، وكانت لهم فى التعبير عن هذا الحلم نكات وإفيهات وحواديت لا يمَلُّون من ترديدها. هذا الحلم ببساطة هو أن يتلقى سعيد الحظ عضّة من أحد الكلاب، التى تتنزه مع أصحابها كل يوم فى الحدائق والشوارع.. عضة بسيطة لا تترتب عليها أضرار جسيمة ولا تؤدى إلى مرض حقيقى..

فقط بعض الرضوض والخدوش، وبالكثير جرح يلتئم خلال أيام، لكن تكون نتيجته أن طاقة السعد سوف تنفتح على اتساعها للحصول على تعويض معتبر يدفعه صاحب الكلب أو شركة التأمين.

وكان بعض المغامرين منّا يندفعون أحياناً ويذهبون بالحلم إلى مستوى أعلى من الإثارة والخطر بقبولهم فكرة أن تصدمهم سيارة صدمة خفيفة، يترتب عليها كسر فى الساق أو الذراع، ثم بعد الشفاء يفتحون أحضانهم لاستقبال الثروة والحياة الجديدة.

اتسعت ابتسامتى واستحالت ضحكة عريضة وأنا أقر وأعترف بأن الفعل الواطى الذى شاهدته منذ قليل من هذا المتشرد قد حلم به أصدقاء لى فى وقت من الأوقات، وأنه داعب خيالى مثلهم!.. لا يحق لى إذن أن أغضب من الرجل أو أصدر ضده أحكاماً بالإدانة، فالفرق بيننا أن الظروف ساعدتنى لتجاوز الحلم وتخطِّيه، بينما عاكسته الحياة، فتوقفت به عند هذه المرحلة، فلم يبرحها!


http://www.almasryalyoum.com/editor/details/469