مرتاح
05-31-2005, 07:06 AM
مطبوعة مصرية عمرها شهران تثير جدلا مبكرا
http://www.asharqalawsat.com/2005/05/28/images/media.301892.jpg
القاهرة: محمد أبو زيد
هناك عدة طرق للفت الأنظار إلى جريدة ما، فهي إما أن تكون جريئة وتمنع مثلا، أو أن تكون متخصصة وتجذب على الرغم من ذلك قطاعات عريضة من القراء.
«اضحك للدنيا» هو اسم أول جريدة مصرية سياسية ساخرة حققت المعادلتين فقد تم مصادرة ثاني أعدادها، بالإضافة إلى تخصصها في الكتابة السياسية الساخرة وقد صدرت أخيراً بالقاهرة، ورغم أن عمر المجلة لم يتجاوز الشهرين بعد، إلا أنها استطاعت أن تخلق لها مجالاً واسعاً، خاصة وأنها تصدر بصفحات عادية تماماً «هناك صفحة فن، وصفحة اعلام، وصفحة دين مثلا». عندما سألت عن (10 شارع محمود بدر الدين) وانا في شارع جامعة الدول العربية قال لي أحد باعة الفول «انت تريد مقر جريدة اضحك للدنيا» ليصف بعد ذلك مقرها خلف مسجد الحامدية الشاذلية رغم بعدها عنه.
ويقول رئيس تحريرها الكاتب خيري رمضان ان «اضحك للدنيا» هي أول جريدة ساخرة في هذا القرن، وكانت هناك تجربة مجلة كاريكاتير في بداية التسعينات من القرن الماضي لكنها لم تكتمل، كما كانت «مجلة»، فاضحك للدنيا هي أول جريدة ساخرة، وفكرة الجريدة تبناها مجموعة من الناشرين أصحاب دور النشر الخاصة، عادل المصري صاحب دار أطلس وهالة عمر صاحبة دار نشر هلا، وعبد اللطيف عاشور صاحب دار نشر ابن سينا كما كان شريكاً في الفكرة الكاتب الساخر يوسف معاطي.
ثمة لوحة كبيرة معلقة بجوار مكتب رئيس التحرير عليها تعليقات بقلم فلوماستير من زوار الجريدة من الفنانين والقراء، ونكات ايضا لكن خيري يقول ان الجريدة لا تقدم كتابة ساخرة. بل صحافة ساخرة، لأن الكتابة الساخرة تصلح للدوريات كما «كنت أود أن أقدم صحيفة فيها قدر من الحيوية ويرتبط بها القارئ وتقدم له أحداث الأسبوع الماضي كله، وتغطي له الأحداث التي تقع حوله، لكن بصياغة ساخرة».
خيري رمضان الذي يعمل مديرا لتحرير جريدة سياسية أخرى (الاهرام العربي)، وكاتبا سياسيا معروفا يقول انه لم يتردد في قبول رئاسة تحرير جريدة ساخرة، ويقول: أنا لست كاتباً ساخراً، وعملي كله ينحصر في الادارة، والبعض حذرني من التجربة، وبأنها ستنتقص من قدري ككاتب سياسي لكني خضت التجربة كحلم ولا أستطيع أن أنكر دور أصحاب الجريدة لأن هناك نوعا من الوعي والفهم والدعم لديهم، وهم سعداء بالتجربة، لأنهم مؤمنون بجدوى الموضوع.
ويضيف خيري «نحن نقدم السخرية في الجريدة، ليس بقصد الاضحاك، ولكن لنقد الواقع فالواقع مليء بالتناقضات التي تدعو إلى الابتسامة المريرة ينطبق عليها قول الشاعر «لا تحسبوني أرقص بينكم طرباً، فالطير يرقص مذبوحاً من الألم»، ونحن ندرك أن الناس في أشد الحاجة إلى هذا النوع من الصحافة بشدة، للتنفيس عن أنفسهم، وما يؤكد ذلك حجم الخطابات التي تأتينا من 70 ـ 100 خطاب يومياً.
الجريدة التي انتشرت بسرعة بدأت بصفحة واحدة للقراء، ولكن بعد أسبوع جعلتها صفحتين، وأصبحت تأخذ من رسائل القراء موضوعات للصفحة الأولى، وتأمل مع الوقت أن تختلط المادة التحريرية، مع رسائل القراء في الجريدة كلها في المستقبل، وأن تتحول إلى نافذة للقراء، وبعض القراء كما قال محررو الجريدة يذهبون «للاقامة» في الجريدة، وهناك قارئة جاءت من المنصورة، لتعمل معهم، والمدهش ان الجريدة يعمل بها أربعة صحافيين فقط في الجريدة، نصفهم طلبة في الجامعة، بما في ذلك سكرتير التحرير.
الكثيرون يعتبرون «اضحك للدنيا» جريدة سياسية بالأساس، هذا الرأي الذي طرحته وافقني عليه خيري بقوله: هي بالتأكيد كذلك، لأننا عندما نتحدث عن الفساد الاقتصادي، فنحن نتحدث في السياسية، عندما نتحدث عن البطالة فنحن نتحدث في السياسة، عندما نتحدث عن الشباب الذي يهاجر لأنه لا يجد ذاته هنا، عندما نتحدث عن قانون الطوارئ، عندما نتحدث عن افرازات المجتمع، عندما نتحدث عن الذين لا يستطيعون الزواج لضيق ذات اليد، عندما نتحدث عن 9 ملايين عانس (رجل وامرأة) في مصر، عندما نتحدث عن لصوص البنوك الذين ينهبون البلد ويهربون فنحن نتحدث في السياسة والسياسة في كل شيء، والشباب يتحدث لدينا ويعبر عن غضبه من السياسة، لأن المشاكل يرتكبها الساسة دائماً، ورسائل كثيرة تأتينا من القراء تطالبنا بأن نتوقف عن الكتابة عن كبار الساسة لأنهم «زهقوا» منهم، لأنهم موجودون في كل الصحف ويقولون لنا «نرجوكم ألا نقرأ في هذه الجريدة عنهم».
اما ما فاجأ الكثيرين، فهو مصادرة العدد الثاني من الجريدة التي تصدر بترخيص من لندن، لذا يجب أن يمر العدد على الرقابة قبل طباعته، ولسوء الحظ، في هذا العدد طبعت الجريدة 50 ألف نسخة بدون اذن الرقابة التي اعترضت على موضوع في الجريدة، فتمت مصادرة ما طبع، ثم اعدامه.
الموضوع المشكل كان يتحدث عن تشابه أسماء بعض الشخصيات العادية مع أسماء كبار الشخصيات في الدولة، وكان عنوانه «جمال مبارك عنده فيات 128 وكمال الشاذلي لبان» لكن الرقابة رأت أن هذا الموضوع به مساس بشخصيات الدولة فمنعته.
لكن السؤال الذي يبدو اكثر لفتا للانتباه هو كيف يختارون نكتهم، هم يعترفون بأن هذه مهمة باتت صعبة لأن الهم أصبح أكبر من السخرية، وأكبر من القدرة على النقد، وحركة الشارع تعبر عن هذا، والتعبير بالاحتجاج في المظاهرات، وحالات الاحتقان، وربما تزايد الحرية والغضب معاً مع عدم القدرة على فعل أي شيء، جعل الناس تحجم عن صناعة النكت التي كانت تأتي سخرية مما يحدث، الناس أصبحوا مثل البالونات التي تم تفريغها، حتى من النكت. لذا فهم يختارون النكت إما من القراء، أو من القراء الذين يرسلونها اليهم، وأحياناً يعقدون لجنة لفرز النكت، بحثا عن الجديد.
قامت اضحك للدنيا بطباعة بوسترات باسم الجريدة ووزعوها على السيارات، والمارة دون إشارة الى الجريدة، لكن خيري يبرر هذا قائلا: نحن طبعنا البوسترات، وعليها اسم الجريدة فقط «اضحك للدنيا» دون أي شيء آخر يخص الجريدة، دعوة للناس للضحك، لأننا نريد أن نذكر الناس دائماً أنهم يجب أن يضحكوا، ولو لاحظت اللوجو ستجد أن الشخص المرسوم مع الاسم ليس سعيداً، كأنه يريد أن يقول على أي شيء نضحك؟ وهذه هي فلسفة الجريدة، على أي شيء نضحك، والشعب طوال عمره فلسفته هي الضحك، الضحك على همه، وعلى ساسته، وعلى أحزانه، وعندما طبعنا البوسترات كنا نريد أن نعمل دعاية للضحك، وأن نروج لثقافة الضحك، وأن نستفز الناس في الشارع حتى يضحكوا. وحتى حينما اخترنا اسم الجريدة لم نسمها «اضحك» فقط، حتى لا يكون ضحكاً بالأمر، وانما قلنا اضحك للدنيا، كأنه رجاء واستعطاف أن يضحك، أي من فضلك اضحك، «والنبي اضحك» «عشان خاطرنا اضحك».
http://www.asharqalawsat.com/2005/05/28/images/media.301892.jpg
القاهرة: محمد أبو زيد
هناك عدة طرق للفت الأنظار إلى جريدة ما، فهي إما أن تكون جريئة وتمنع مثلا، أو أن تكون متخصصة وتجذب على الرغم من ذلك قطاعات عريضة من القراء.
«اضحك للدنيا» هو اسم أول جريدة مصرية سياسية ساخرة حققت المعادلتين فقد تم مصادرة ثاني أعدادها، بالإضافة إلى تخصصها في الكتابة السياسية الساخرة وقد صدرت أخيراً بالقاهرة، ورغم أن عمر المجلة لم يتجاوز الشهرين بعد، إلا أنها استطاعت أن تخلق لها مجالاً واسعاً، خاصة وأنها تصدر بصفحات عادية تماماً «هناك صفحة فن، وصفحة اعلام، وصفحة دين مثلا». عندما سألت عن (10 شارع محمود بدر الدين) وانا في شارع جامعة الدول العربية قال لي أحد باعة الفول «انت تريد مقر جريدة اضحك للدنيا» ليصف بعد ذلك مقرها خلف مسجد الحامدية الشاذلية رغم بعدها عنه.
ويقول رئيس تحريرها الكاتب خيري رمضان ان «اضحك للدنيا» هي أول جريدة ساخرة في هذا القرن، وكانت هناك تجربة مجلة كاريكاتير في بداية التسعينات من القرن الماضي لكنها لم تكتمل، كما كانت «مجلة»، فاضحك للدنيا هي أول جريدة ساخرة، وفكرة الجريدة تبناها مجموعة من الناشرين أصحاب دور النشر الخاصة، عادل المصري صاحب دار أطلس وهالة عمر صاحبة دار نشر هلا، وعبد اللطيف عاشور صاحب دار نشر ابن سينا كما كان شريكاً في الفكرة الكاتب الساخر يوسف معاطي.
ثمة لوحة كبيرة معلقة بجوار مكتب رئيس التحرير عليها تعليقات بقلم فلوماستير من زوار الجريدة من الفنانين والقراء، ونكات ايضا لكن خيري يقول ان الجريدة لا تقدم كتابة ساخرة. بل صحافة ساخرة، لأن الكتابة الساخرة تصلح للدوريات كما «كنت أود أن أقدم صحيفة فيها قدر من الحيوية ويرتبط بها القارئ وتقدم له أحداث الأسبوع الماضي كله، وتغطي له الأحداث التي تقع حوله، لكن بصياغة ساخرة».
خيري رمضان الذي يعمل مديرا لتحرير جريدة سياسية أخرى (الاهرام العربي)، وكاتبا سياسيا معروفا يقول انه لم يتردد في قبول رئاسة تحرير جريدة ساخرة، ويقول: أنا لست كاتباً ساخراً، وعملي كله ينحصر في الادارة، والبعض حذرني من التجربة، وبأنها ستنتقص من قدري ككاتب سياسي لكني خضت التجربة كحلم ولا أستطيع أن أنكر دور أصحاب الجريدة لأن هناك نوعا من الوعي والفهم والدعم لديهم، وهم سعداء بالتجربة، لأنهم مؤمنون بجدوى الموضوع.
ويضيف خيري «نحن نقدم السخرية في الجريدة، ليس بقصد الاضحاك، ولكن لنقد الواقع فالواقع مليء بالتناقضات التي تدعو إلى الابتسامة المريرة ينطبق عليها قول الشاعر «لا تحسبوني أرقص بينكم طرباً، فالطير يرقص مذبوحاً من الألم»، ونحن ندرك أن الناس في أشد الحاجة إلى هذا النوع من الصحافة بشدة، للتنفيس عن أنفسهم، وما يؤكد ذلك حجم الخطابات التي تأتينا من 70 ـ 100 خطاب يومياً.
الجريدة التي انتشرت بسرعة بدأت بصفحة واحدة للقراء، ولكن بعد أسبوع جعلتها صفحتين، وأصبحت تأخذ من رسائل القراء موضوعات للصفحة الأولى، وتأمل مع الوقت أن تختلط المادة التحريرية، مع رسائل القراء في الجريدة كلها في المستقبل، وأن تتحول إلى نافذة للقراء، وبعض القراء كما قال محررو الجريدة يذهبون «للاقامة» في الجريدة، وهناك قارئة جاءت من المنصورة، لتعمل معهم، والمدهش ان الجريدة يعمل بها أربعة صحافيين فقط في الجريدة، نصفهم طلبة في الجامعة، بما في ذلك سكرتير التحرير.
الكثيرون يعتبرون «اضحك للدنيا» جريدة سياسية بالأساس، هذا الرأي الذي طرحته وافقني عليه خيري بقوله: هي بالتأكيد كذلك، لأننا عندما نتحدث عن الفساد الاقتصادي، فنحن نتحدث في السياسية، عندما نتحدث عن البطالة فنحن نتحدث في السياسة، عندما نتحدث عن الشباب الذي يهاجر لأنه لا يجد ذاته هنا، عندما نتحدث عن قانون الطوارئ، عندما نتحدث عن افرازات المجتمع، عندما نتحدث عن الذين لا يستطيعون الزواج لضيق ذات اليد، عندما نتحدث عن 9 ملايين عانس (رجل وامرأة) في مصر، عندما نتحدث عن لصوص البنوك الذين ينهبون البلد ويهربون فنحن نتحدث في السياسة والسياسة في كل شيء، والشباب يتحدث لدينا ويعبر عن غضبه من السياسة، لأن المشاكل يرتكبها الساسة دائماً، ورسائل كثيرة تأتينا من القراء تطالبنا بأن نتوقف عن الكتابة عن كبار الساسة لأنهم «زهقوا» منهم، لأنهم موجودون في كل الصحف ويقولون لنا «نرجوكم ألا نقرأ في هذه الجريدة عنهم».
اما ما فاجأ الكثيرين، فهو مصادرة العدد الثاني من الجريدة التي تصدر بترخيص من لندن، لذا يجب أن يمر العدد على الرقابة قبل طباعته، ولسوء الحظ، في هذا العدد طبعت الجريدة 50 ألف نسخة بدون اذن الرقابة التي اعترضت على موضوع في الجريدة، فتمت مصادرة ما طبع، ثم اعدامه.
الموضوع المشكل كان يتحدث عن تشابه أسماء بعض الشخصيات العادية مع أسماء كبار الشخصيات في الدولة، وكان عنوانه «جمال مبارك عنده فيات 128 وكمال الشاذلي لبان» لكن الرقابة رأت أن هذا الموضوع به مساس بشخصيات الدولة فمنعته.
لكن السؤال الذي يبدو اكثر لفتا للانتباه هو كيف يختارون نكتهم، هم يعترفون بأن هذه مهمة باتت صعبة لأن الهم أصبح أكبر من السخرية، وأكبر من القدرة على النقد، وحركة الشارع تعبر عن هذا، والتعبير بالاحتجاج في المظاهرات، وحالات الاحتقان، وربما تزايد الحرية والغضب معاً مع عدم القدرة على فعل أي شيء، جعل الناس تحجم عن صناعة النكت التي كانت تأتي سخرية مما يحدث، الناس أصبحوا مثل البالونات التي تم تفريغها، حتى من النكت. لذا فهم يختارون النكت إما من القراء، أو من القراء الذين يرسلونها اليهم، وأحياناً يعقدون لجنة لفرز النكت، بحثا عن الجديد.
قامت اضحك للدنيا بطباعة بوسترات باسم الجريدة ووزعوها على السيارات، والمارة دون إشارة الى الجريدة، لكن خيري يبرر هذا قائلا: نحن طبعنا البوسترات، وعليها اسم الجريدة فقط «اضحك للدنيا» دون أي شيء آخر يخص الجريدة، دعوة للناس للضحك، لأننا نريد أن نذكر الناس دائماً أنهم يجب أن يضحكوا، ولو لاحظت اللوجو ستجد أن الشخص المرسوم مع الاسم ليس سعيداً، كأنه يريد أن يقول على أي شيء نضحك؟ وهذه هي فلسفة الجريدة، على أي شيء نضحك، والشعب طوال عمره فلسفته هي الضحك، الضحك على همه، وعلى ساسته، وعلى أحزانه، وعندما طبعنا البوسترات كنا نريد أن نعمل دعاية للضحك، وأن نروج لثقافة الضحك، وأن نستفز الناس في الشارع حتى يضحكوا. وحتى حينما اخترنا اسم الجريدة لم نسمها «اضحك» فقط، حتى لا يكون ضحكاً بالأمر، وانما قلنا اضحك للدنيا، كأنه رجاء واستعطاف أن يضحك، أي من فضلك اضحك، «والنبي اضحك» «عشان خاطرنا اضحك».