المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معضلة أخلاقية - السيد (مقتدى الصدر) إن ثار شتموه وإن توسّط مزقوه وإن سكت أدانوه! lrhg



الدكتور عادل رضا
05-31-2005, 02:37 AM
مقال للاستاذ سمير عبيد

يوجد في العراق مثل شعبي عتيق يقول ( فلان مثل السمك مأكول مذموم).
يتباهى العراقيون أن تحتوي طاولات مائدتهم، وخصوصا عند الولائم على السمك العراقي، والذي يُطبخ بطرق شهية عديدة،
كما يعتبرون وجود السمك في الوليمة مسألة تقدير وإكرام للضيف، ولكن بنفس الوقت يتندرون على السمك ويذمون به بعد
ملأ البطون طبعا، والقضية تنطبق على سماحة حجة الإسلام والمسلمين السيد (مقتدى الصدر)، فترى العراقيون يعتبون
عليه عندما يصمت ويراقب الأحداث عن بعد، ويطالبونه أن يتكلم وينتقد ويثور، وإن تكلّم وانتقد وثار بدأوا بنقده وتجريحه من
خلال أقلامهم ومواقعهم وصحفهم المأجورة، ولو أعطينا مثلا في هذا السياق مبادرته الأخيرة حول إصلاح ذات البين بين
(هيئة علماء المسلمين) و(منظمة بدر) التابعة للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، والتي تُتهم ليس من قبل الهيئة فقط، بل
من شرائح عديدة داخل النسيج العراقي، وكاتب المقال وجه رسالة عبر وسائل الإعلام إلى سماحة السيد ( عبد العزيز
الحكيم) وذلك قبل أكثر من شهرين، شرح بها التجاوزات التي تقوم بها (منظمة بدر) وأعطى من خلالها بعض الحلول
والاقتراحات بشكل ودي، ولكن لم يسمعها السيد ولا الأخوة القادة في منظمة بدر، كون كاتب المقال لا يندرج ضمن توجهاتهم
وبرامجهم، ولكن لو كانوا فعلا يمتهنون السياسة عن دراية وعلم لأصابتهم الفرحة، وهنا نعطي مثلا سياسيا مهما عسى
يتخذوه شعارا في عملهم للمرحلة المقبلة بدلا من الوعيد والتهديد والتصعيد ضد الخصوم والعراقيين ( أبان الثورة البلشفية
في روسيا طلب القائد الشيوعي ــ لينين ــ من رفاقه أن يطلع على ما تكتبه الصحافة، فجاءوا بصحافتهم فجمعها وحرقها
وقال لهم: أريد ما يكتبه الخصوم عنا، كي نعرف أخطائنا ونسدد خططنا) ونحن على يقين سوف يقول بعضهم إننا لا نقتدي
بالكافرين والملحدين، ونكاد نسمعها من أفواههم الآن!.

ولو نظرنا إلى منظمة بدر وهيئة علماء المسلمين فنجدهما تشكيلان مهمان داخل العراق، وعينتان موجودتان على الأرض،
لذا لابد من التعامل معهما، وإن كانت هناك تحفظات اتجاه المنظمة أو الهيئة، لأن التشكيلان داخل العراق، وعلى تماس مع
الشارع والموطن العراقي، وبالتالي أي احتقان أو صِدام بينهما ــ لا سامح الله ــ سيؤدي إلى كارثة وسابقة أخلاقية ووطنية
وتاريخية في العراق، ومن ثم أي احتكاك وصِدام بينهما هي أمنية منتظرة من قبل أعداء العراق والشعب العراقي،
وخصوصا بعض الأنظمة المجاورة للعراق قبل قوات الاحتلال البغيضة، وبنظرنا ونظر شرفاء العراق إن من يصعّد بهذا
العتب أو الجفاء نحو الصِدام هو عدو العراق والله والدين والعراقيين، وهو العدو لمستقبل الأجيال العراقية، ونحن نعلم ومن
خلال أبجديات ديننا وأخلاقنا ومجتمعنا (إن الفتنة أشد من القتل) ومن يظن إنه سيسلم عندما تبدأ الحرب الأهلية، أو الصِدام
السياسي، أو المليشياتي فهو واهم ولا يفقه شيئا في علم السياسة والمجتمع، فالفتنة لن تستثني أحدا خصوصا عندما يشتعل
فتيلها، بل ستحرق الجميع، ولن تميز بين الشيعي والسني، والعربي والكردي، والمسلم والمسيحي، والغني والفقير
وغيرهم، ولن تقف عند خيمة أو قصر بل ستلتهم نيرانها جميع الخيام والأحصنة، وحينها تكون الخسارة من حصة الجميع،
وأعظمها خسارة الوطن.

لذا لا يجوز إحراق الوطن وإنه من المحرمات، ولا يجوز إزهاق أرواح المواطنين من أجل حزب أو حركة أو منظمة أو
شخص فإنها من المحرمات أيضا، فيجب أن يكون الشعار ( المصلحة الوطنية ونبذ الطائفية)، ويجب أن يُحاسب جميع الذين
يصعدون بالمواقف ومن جميع الأطراف.

لذا فعندما تحرك سماحة السيد ( مقتدى الصدر) وأعلن موقفه الوطني المشرّف، والذي سيكتب عنه التاريخ بأحرف من نور،
ويضاف إلى مواقفه الوطنية الشجاعة اتجاه الاحتلال والقوات الغازية، جاء موقفه نتيجة شعور وطني وأخلاقي للأسف
الشديد غاب عن الكثيرين الذين هم الآن في دوائر الاحتلال، وحل محل هذا الشعور لدى هؤلاء الاستحواذ والسلطة والتشبث
بالمناصب ونسيان المسؤوليات الوطنية والأخلاقية.

فمبادرة السيد ( مقتدى الصدر) أعطته وزنا وطنيا إضافيا، وأعطته كاريزما قيادية جديدة، فالقائد أو المسئول ليس بالهندام،
أو بالخدود المليئة بالمساحيق، أوبالبدلات الإنجليزية والأميركية الملائمة لربطات العنق الباريسية، بل من خلال المواقف
وخصوصا في الأوقات الحرجة، وهذا ليس بجديد على السيد مقتدى الصدر، كونه نهل الشعور الوطني والشعور بالمسؤولية
من بيت نضح وينضح بالعروبة والوحدة، والإخاء الإسلامي والإنساني، وبالفكر النيّر ،حيث عمه المفكر الخالد الشهيد آية
الله العظمى السيد محمد باقر الصدر، ووالده الشجاع والموحد الشهيد آية الله العظمى السيد محمد محمد صادق الصدر
رحمهم الله.

لذا فالغيض والحقد والكلام الناقص الذي نراه ونقرأه على بعض المواقع الألكترونية والموجهة ضد شخص ومبادرة السيد
مقتدى الصدر، ماهو إلا حسد وحقد وفشل، لأن هؤلاء وأسيادهم فارغون، والفارغ لن يعطي شيئا، خصوصا عندما يكون
المنهل الذي نهل منه هؤلاء تنقصه العروبة والأصالة والإخاء، فأسيادهم لا يجيدون صنع الملاحم الوطنية وهذا مصدر
حقدهم على سماحة السيد مقتدى، كونه لا يمكن أن يعيش بلا ملاحم وطنية وأخلاقية وآخائية، لأنه تربى على ذلك (ومن شبّ
على شيء شاب عليه).

لذا فما يدور على الأرض في العراق فعلا هو معضلة أخلاقية ووطنية، حيث هناك انقساما شنيعا في مسألة الأخلاق والنظرة
للوطن والشعب، حيث تبلورت حالة صراع بين مدرستين وهما المدرسة الوطنية التي تؤمن بعراق حر و موحد يُحكم من قبل
العراقيين، ومدرسة تؤمن بالاحتلال وتقسيم الوطن والاتكال على الأجنبي بكل شيء، ولا ندري كيف تكون نهاية المعركة
بينهما، ولكن لو نظرنا إلى تاريخ الشعوب في العالم، فلن نلحظ هناك نصرا واحدا للمدرسة التي تؤمن بالاحتلال والاتكال
على الأجنبي رغم استحواذها على الغنائم والمنافع، بل النصر دوما لصالح المدرسة التي تؤمن بالوطن والمواطن وترفض
المحتل والاحتلال.

ولو عدنا لصلب الموضوع فلابد من التصفيق إلى السيد مقتدى الصدر على مبادرته الكريمة، ولابد من تشجيع جميع
الأطراف، لأن الحوار هو سيد الأحكام في وضع ملتهب قد ينزلق بأي لحظة نحو الهاوية ويحرق الجميع، وللضرورة نذكّر أن
السيد مقتدى الصدر كان صادقا ومنفذا لبنود اتفاق وطني تم عقده بين هيئة علماء المسلمين والتيار الصدري، ومعهم التيار
القومي، وبعض التيارات العشائرية، إضافة للمنظمات التي باركت ذلك الاتفاق والذي تم قبل ثلاثة أشهر تقريبا، والذي هو
بمثابة وثيقة شرف وطنية، حيث تم الاتفاق عليها أثناء مراسيم المأتم الذي أقيم على روح الشهيد أبن شقيق أو شقيق
الشيخ حارث الضاري، عندما تم اغتياله قبل أكثر من ثلاثة أشهر تقريبا، والذي نص على الوقوف معا من أجل عدم انزلاق
العراق في الحرب الطائفية أو الحزبية أو الأهلية، والعمل على إيقاف المخططات التي تريد ذلك، وعدم الإنجرار لحروب
داخلية طاحنة تكون بين العراقيين، بل المعركة يجب أن تكون ضد الاحتلال والمحتل فقط،.

لذا فلتكن هذه المبادرة نواة للعمل الجماعي ضد المحتل، وتكون بادرة طيبة كي يصحح الباقون مواقفهم ويكونوا مع الوطن
والمواطن وقبل فوات الأوان!.


كاتب عراقي


28.5.2005


samiroff@hotmail.com



جميع الحقوق محفوظة للممهدون. نت

Copyright © mumehhidon.net
All rights reserved 2005