المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نهب متحف بغداد جريمة بحق معالم حضارة بلاد ما بين النهرين



فاطمي
05-30-2005, 05:55 AM
يلقي كتاب »نهب متحف العراق, بغداد: تركة بلاد الرافدين الضائعة« لمؤلفيه فيلبري بولك وانجيلا شوستر الضوء على تاريخ العراق الثقافي الغني لينتقل الى كشف المصير الذي آل اليه متحف العراق في ابريل عام 2003 حين كانت الفوضى تملأ بغداد بينما كانت القوات الاميركية تجتاح هذه المدينة. في تلك اللحظات علم العالم ايضاً ان المتحف كان يتعرض لعملية نهب شرسة لم يعرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية, والكتاب يوضح اهمية ما فقده المتحف ضمن سياق عملية نهب واسعة بأكثر من 10 آلاف موقع اثري مهم في العراق.

ويقدم بولك وصفاً لما حدث في ابريل 2003 مؤكداً ان بعضاً من أثمن القطع القابلة للحمل كانت محفوظة في خزائن معدنية ومع ذلك فانه حتى الأبواب الفولاذية الضخمة فتحت او نسفت ثم يضيف قائلاً: لقد علمنا ان عصابات النهب تجمعت في المبنى وبعضهم كان محترفاً ويتصرف بالتنسيق مع تجار دوليين وحتى مع ديبلوماسيين مقيمين. وآخرون ربما كانوا هواة, استخدموا المطارق والمناشير لتقطيع التماثيل العملاقة أما مافيات الآثار القديمة فقد ظهرت للوجود فجأة.

وبذلك يبدو تأكيد المؤلف مقنعاً بان هذه الجرائم الثقافية قد اقترفت من قبل مجرمين خبثاء وديبلوماسيين اجانب استفادوا من حالة الفوضى, بينما وجد بعض الفقراء انفسهم مدفوعين الى عملية النهب هذه في حالة من اليأس في حين كان الجيش الاميركي يقف متفرجاً.
ومع ان هناك رأياً يقول بان عملية الهجوم كانت بمثابة انتقام من نظام صدام لان المتحف مثل كل المؤسسات العراقية كان محسوباً من ادوات النظام يوجد رأي آخر يبرئ ساحة القوات الاميركية وهذا الرأي يقول ان المتحف الذي كان مفتوحاً للنهب بين 10 و12 أبريل, وخلال هذه الأيام جرت جميع عمليات السرقة, وهي ذاتها الأيام التي كانت فيها القوات الاميركية لاتزال مشغولة بالعمليات القتالية داخل المدينة وحول المتحف ذاته.

مراسل قناة »بي بي سي 2« الذي توجه الى المتحف خلال ساعات من وصول القوات الاميركية يقول انه كان بين من صدموا للاخبار التي ذكرت ان 170 ألف قطعة قد سرقت أو دمرت, مذكراً بان هذه الاخبار وجهت اللوم للقوات الاميركية لعدم حراسة المكان.
يقول مراسل »بي بي سي- 2« انه سبق ان زار المتحف في نوفمبر عام 2002 مما جعله يصدق ان العراق كان فعلاً مهد الحضارات وان ارض العراق كانت قبل 7000 سنة منبت واصل كل ما يمكن اعتباره من معالم الحضارة: الكتابة والرياضيات والحياة المدنية والفنون والمهن اليدوية والزراعة. ويذكر المراسل انه علم من مدير البحوث في المتحف ان الاجراءات قد اتخذت لحماية محتويات المتحف في حالة حصول حرب وان العديد من القطع الاثرية قد نقل من مكانه, لكنه يرجح انها اعيدت الى مكانها بين نوفمبر 2002 وآخر زيارة قام بها بولك الى المتحف حيث شاهدها.

لكن المراسل يؤكد انه في زيارته الثانية للمتحف توصل الى قناعة بان عملية النهب كانت من النوع الأكثر تعقيداً حيث لا وجود لمتهم محدد على الرغم من وجود الحقيقة التي تكون دائماً اولى ضحايا الصراعات في تقصياته حول الملابسات التي احاطت بعمليات النهب, يقول المراسل ان المحققين الاميركيين قالوا ان المتحف تحول الى موقع عسكري اما مدير البحوث دوني جورج فيؤكد ان هذا الكلام غير صحيح, وكل ما في الأمر ان أقبية المتحف كانت مخصصة كملجأ من الغارات الجوية.

نتيجة لذلك يتساءل مراسل بي بي سي 2 عن حقيقة ما جرى مؤكداً انه علم في زيارته الثانية ان رقم 170.000 قطعة أثرية مسروقة فيه مبالغة ثم يتساءل بعد ذلك عن سبب هذه المبالغة, مضيفاً انه قام برفقة المحققين الاميركيين وموظفين من المتحف بزيارة البنك المركزي العراقي في شارع الرشيد ليجد ان خزائن البنك الوطني ظلت سليمة ومغلقة على الرغم من قصف المبنى وقد تبين ان مجموعة ذهب نمرود الشهيرة التي تتألف من 616 قطعة كانت سليمة وفي مكان آمن.

أما في زيارته للمتحف مع فريق التحقيق فقد لاحظ مع غيره, وجود قطع مسروقة اضافة الى قطع سلاح تدل على ان المكان كان موقعاً قتالياً. ويشير الى انهم وجدوا غرف تخزين لاتزال أبوابها مقفلة اضافة الى اكوام من الحاويات تضم كنوزاً يبدو أنها لم تمس. وخلافاً لما يؤكده بولك لم يتم نسف باب أي من هذه الغرف وانها اما كانت لاتزال مقفلة أو فتحت بالمفاتيح.
في شهر يونيو تضاءل عدد القطع المفقودة الى 32 قطعة وان كان آلاف القطع الأقل قيمة ظل مفقوداً وفي الأسابيع اللاحقة تمت استعادة العديد من هذه المسروقات. دوني جورج الذي اصبح مديراً للمتحف يقول انه على الرغم من ان اللصوص وصلوا الى الصالات الرئيسية والمستودعات وسرقوا وحطموا كل ما وصلته ايديهم فان مجموع المسروقات كان نحو 15.000 قطعة ويؤكد انه بفضل الجهود الدولية تم استعادة نحو 6000 قطعة وبعضها اعيد من بلدان اخرى »اكثر من 600 قطعة من الولايات المتحدة« ويقول ان هناك قطعاً تستعاد يومياً ومع ان اكثر من 50 في المئة من المسروقات قد استعيد, فان تقديرات المتحف البريطاني تقول ان مجموع القطع المفقودة يظل نحو 15000 قطعة.

الكتاب يمثل دراسة اكاديمية لروائع حضارة بلاد ما بين النهرين كما يجسدها المتحف, لكنه في الوقت ذاته يعتبر نداء موجهاً الى اولئك الذين يختارون اسلوب الحرب المدمرة كي يدركوا كلفتها الثقافية الى جانب كلفتها البشرية.