مجاهدون
05-30-2005, 12:16 AM
:
القبس تفتح الملف الملغوم وتنبش المسكوت عنه (1 ـ 2)
تحقيق: نورة ناصر
«أنا أمانة.. ماني مهانة»..
لا تبدو مثل هذه العبارة البسيطة، التي بدأت تنتشر عبر اعلانات في شوارع البلاد، وتتوزع في الاماكن العامة غير جرس انذار يعلن للجميع عن العنف والاضطهاد اللذين يعاني الاطفال مختلف اشكالهما على يد ذويهم.
بل ان هذه العبارة، وهي تفضح قضية في غاية الخطورة تكتم عليها المجتمع كثيرا، تفتح ملفا ملغوما بالاسئلة الحارقة والمسيلة للدموع.. وهل هناك اب يعذب فلذات اكباده؟ وهل توجد ام تضطهد من حملته في بطنها تسعة اشهر وتحملت الآلام حتى قدَّ منها وخرج إلى الحياة؟ وماذا عن التمييز بين الابناء والبنات في البيت الواحد؟ ايقتصر العنف ضد الاطفال على البيت ام انهم يعانونه في المدرسة والشارع وغيرهما من مؤسسات المجتمع ايضا؟ وما هذا العنف؟ وما انواعه؟ وكيف يحدث؟ ولماذا؟ ومتى؟ وما اثره في نفوس هؤلاء الصغار وفي صحتهم العامة وفي صحة المجتمع مستقبلا؟
«القبس» تفتح هذا الملف الملغوم وتطرح الاسئلة المسكوت عنها في هذا التحقيق.
تقر اماني محمود بأن العنف المنزلي يمارس ضمن الاسرة الواحدة من قبل الاب او من يمثل سلطته في غيابه (الأم، الأخ الأكبر) وتقول:
ـ لا يوجد قانون او عرف اجتماعي يمنع الاب من ممارسة الضرب او اي شكل من اشكال العنف الجسدي في اطار ما يدعيه من تربية للطفل او تقويم لاخلاقه.
انا اعرف عددا لا بأس به من الآباء يجلدون اولادهم باحزمتهم الجلدية مثلا، او يضربونهم بشراسة تترك آثارا لا تخفى على اجسادهم، بل تظهر جروحا مختلفة لا تندمل.
ان ضرب الاطفال المبرح ما زال شائعا، وبكثرة حتى ضمن الاسر المتعلمة المثقفة، وهناك عنف يمارس حتى من الامهات في مجتمعنا، ومن الشهيرات بحبهن وتعلقهن بأولادهن فمن الشائع ضرب الامهات لاولادهن ضربا مبرحا، قد يترك اثره على اجسادهم، وذلك على مبدأ «العصا لمن عصى»، وهناك نوع من العنف النفسي الذي يمارس على الاطفال كالشتم والسب والتقريع، ناهيك عن الحبس في مكان مغلق، كالحمام مثلا لساعات طويلة، او في غرفة صغيرة بلا اضاءة، او غير ذلك من اساليب التعذيب، التي تضاهي احيانا ما يبتدعه عقل مجرم.
عنف البنات أكثر
لكن سهام جاسم محمد تؤكد ان العنف الذي يمارس في المنزل يكون اكثر على البنات وتقول:
ـ إذا ضبطت البنت وهي تحادث صبيا او شابا، فالعقاب مباح بكل اشكاله، وقد يصل حدود القتل.
وهناك عنف من نوع آخر يمارسه الاهل على اولادهم، بتقرير مستقبلهم، واجبارهم على العمل او الدراسة حسب ما يخططه الاهل لهم من دون مراعاة لرغبات الطفل او امكاناته او مواهبه.
تعذيب نفسي
ويكشف خالد ابراهيم عن ان هناك من الآباء من يضطهدون ابناءهم بالكلام الجارح، ويقول:
ـ يعاير بعض الأهل أبناءهم بفشلهم الدراسي ويحسسونهم بأنهم فاشلون في الدراسة والحياة وان اقرانهم افضل منهم، ثم يضطهدون اولادهم بالحرمان من المصروف ومن الخروج مما يترك اثره السلبي في نفوسهم، فيكرهون المنزل والمدرسة بل يكرهون الحياة، ويشعرون بالاحباط ويكونون عرضة للانحراف مستقبلا، والانقياد لفئة توهمهم بالحنان ويقل ولاؤهم لأسرتهم.
ويتابع ابراهيم حديثه قائلا:
ـ كلما فقد الابناء الحنان ابتعدوا عن اسرتهم، وربما يكونون عاقين عند الكبر واكثر ابتعادا عن اسرهم بعد زواجهم، حيث يعوضون الحب الذي فقدوه في اولادهم، ولا يشعرون بأنهم بحاجة الى والديهم، وان الشريك هو الاهم في حياتهم.
الضرب المبرح كتربية
ويرى سالم حسن ان كثيرا من الآباء يتبعون اسلوب الضرب المبرح في تربية ابنائهم. ويضيف قائلا:
ـ انه الاسهل، اما اسلوب الحوار والنقاش والاقناع فيحتاج مزيدا من الوقت والجهد. ومن هنا فقد يفضل الكثيرون اسلوب الضرب الذي لا يأتي بنتيجة، بل على العكس قد يأتي بنتائج سلبية. ويكون الانصياع للأوامر من باب الخوف وليس من باب الاحترام، وعندما يكبر الطفل يعاند والديه ولا يستطيع الآباء التحكم في تصرفات ابنائهم في مرحلة الشباب لأنهم كبروا، ولا يمكن ضرب الشاب في سن العشرين، فلو تعود الطفل على أسلوب الحوار فسوف يتفهم الامور في سن الشباب ويكون شابا ناضجا مطيعا فاهما واعيا.
العنف في المدرسة
ومن انواع العنف ضد الطفل ما يحدث في المدرسة، حيث يتعرض الطفل للضرب والسب والشتم في مؤسسة تربوية. يقول الطفل ابراهيم عماد:
ـ أشعر بالخجل عندما تضربني المعلمة، فهي تضربني بكفها على وجهي، واحيانا تشد اذني وتضرب زملائي في الفصل بالعصا، وتتلفظ بألفاظ مثل «يا بلوة» و«الله ياخذكم» و«يا حمار»، وعندما اعود الى المنزل اخبر والدتي بالامر وحينما تراجع مديرة المدرسة ويصل الامر الى المعلمة فإنها تنتقم مني وتنقص من درجات الشفهي لذلك عندما تضربني مرة اخرى لا اخبر والدتي حتى لا تحقد المعلمة علي.
ان جميع المعلمات يضربوننا، من معلمة العربي فالرياضيات والدين والالعاب والعلوم وحتى معلمة الرسم.. وفي اليوم الواحد يمكن ان اضرب اربع مرات من جميع المعلمات او بعضهن.
وتقول ولية امر الطفل ابراهيم:
ـ ان المعلم الذي يستخدم الضرب في التعامل مع طلابه فاشل، لا يصل الى قلب طلابه، فلو أحب الطلاب او التلاميذ معلمهم فإنهم لا يفكرون في ازعاجه بل على العكس يحاولون دائما الاستماع الى كلامه، بل ويحبون مادته ويتفوقون فيها، وانا لا احترم المعلم الذي يسير بالعصا ليهدد تلاميذه كأنه راعي غنم لاننا في وزارة فيها التربية قبل التعليم.
ان واجب المعلم لا يقتصر على تعليم ابنائنا بل يساهم بأسلوب مباشر او غير مباشر في تربيتهم، وغرس المفاهيم في نفوسهم ومن اهمها الحب، كحب المعلم وحب المدرسة وحب العلم.
ألفاظ سوقية
وينتقد جمال حمد المعلمين الذين يتلفظون بألفاظ سوقية في صرح تعليمي تربوي قائلا:
ـ من يتلفظون بألفاظ لا تتفق والصرح التربوي التعليمي، انما هم معلمون يجعلون من مهنتهم الشريفة مهنة للتنفيس، حيث يصب المعلم مشاكله في المنزل على التلاميذ والطلاب، معتقدا ان هذه الوسيلة قد تردع المشاغبين او انها وسيلة لترويضهم.
على المعلم ان يتصف بالحلم وبالاعصاب الباردة الهادئة، والضبط الانفعالي، وثمة مجموعة كبيرة من المعلمين لا يستخدمون الضرب على الاطلاق، ويحظون بحب كبير واحترام من الطلاب.
ان قدرة المعلم على السيطرة وامساكه بزمام الموقف التعليمي يغنيانه عن الضرب الذي يعد وسيلة رديئة سواء في تعديل السلوك الاخلاقي او التحصيلي.
قانون منع الضرب
تحظر وزارة التربية الضرب في المدارس واصدرت قانونا يمنع ضرب المعلمين للتلاميذ، وتقول عائشة الصالح مديرة مدرسة السيد بدر رجب الرفاعي:
ـ ان مدارس الكويت تحترم هذا القانون، وتحرص ادارة كل مدرسة على عدم مخالفة عبر عمل اجتماعات مستمرة مع المشرفين لتأكيد ضرورة الالتزام باللوائح التربوية ومن اهمها منع ضرب المعلمين والمعلمات التلاميذ وان خالف المعلم او المعلمة القانون يحال الى التحقيق.
وعن سبل التعامل مع التلاميذ المشاغبين او المتعثرين ذكرت الصالح ان ادارة المدرسة تقوم باستدعاء ولي الامر وتخبره بتقصير الابن وبمواطن العنف حتى يحدث التعاون ما بين المدرسة والمنزل.
الضرب كالـ «بنادول»
بينما تؤكد الاخصائية النفسية نادية المحورفي ان الضرب هو الوسيلة السهلة التي تؤتي نتائج سريعة لمعاقبة الطالب المشاغب او المتعثر وتستدرك قائلة:
ـ لكنه ليس الا مهدئا، او مسكنا مثل حبة «البنادول»، فعند زوال الم الضرب يعود الطالب مجددا الى السلوك غير المرغوب فيه.
ان من اهم الآثار المترتبة على الضرب اهتزاز شخصية الطالب وفقدانه الثقة بنفسه، وبفكره الابداعي ومهارته، الى جانب عدوانيته وبروز سلوك الضدية لديه، كما يصبح لديه سلوكا غير مرغوب فيه كسمة من سمات شخصيته.
وتقترح المحور في عدة بدائل للضرب منها:
1- حرمان الطالب من اشياء يحبها او يرغب في القيام بها مثل الرياضة او الفسحة او الرحلة.
2- تكليف الطالب المشاغب بأعمال تخص الفصل لإشعاره بقيمته والرفع من شخصيته.
3- محاولة المعلم تعليم الطالب السلوك المرغوب فيه ومكافأته عليه وشكر ولي امره.
4- اشعار ولي الامر كتابيا واستخدام لوحات الشرف للطلبة المثاليين.
5- اسلوب تجاهل المعلم للطالب، وعدم اشراكه في الانشطة.
مجرمون ولا عقاب
ولا يزال العنف مستمراً ضد الأطفال بسبب السكوت عنه والتقاعس عن اتخاذ اجراء حياله، فقد وجدت منظمة مراقبة حقوق الإنسان في حالات تعرض الاطفال للانتهاكات البدنية ان مرتكبي هذه الانتهاكات يفلتون من العقاب في كل الاحوال تقريباً. فالمدرسون الذين اعتدوا جنسياً على تلاميذهم او احدثوا اصابات بهم مازالوا في مواقعهم بمهنة التدريس.
وضباط الشرطة الذين عذبوا اطفالاً امام الشهود مازالوا في الخدمة، والعاملون في الملاجئ الذين يعرضون الأطفال لمستويات مروعة من القسوة والاهمال لم يتحملوا عواقب ما جنوه، بل حتى المسؤولون عن وفاة اي طفل نادراً ما تقام ضدهم اي دعوى قضائية، وإذا اقيمت فقلما تنتهي بإدانتهم. أما مجرمو الحرب الذين يجندون الاطفال او يغتصبونهم او يقتلونهم فيبقون مطلقي السراح.
وهناك اسباب عديدة تكمن وراء الإفلات من العقاب في هذا الصدد، منها ان الاطفال ليس امامهم الا سبل محدودة للابلاغ عن العنف الذي يمارس ضدهم، خصوصاً اولئك الاشد عرضة للانتهاكات، وقد يحجمون عن الكشف عما لقوه خوفا من التعرض للانتقام، كما ان الشكاوى التي تأتي من الاطفال كثيراً ما لا تؤخذ على محمل الجد لكونها مقدمة من اطفال.
وعندما يبلغ الأطفال عن الانتهاكات أو عند الكشف عنها فنادراً ما يحقق مع مرتكبيها، أو تحرك الدعوى الجنائية ضدهم، وقد يكون اصحاب المراكز المسؤولة عن اتخاذ اجراءات في هذا الصدد ضالعين في تلك الانتهاكات، ومن ثم غير مستعدين لتأديب زملائهم أو مقاضاتهم أو يخشون عواقب الدعاية السلبية التي تترتب على ذلك، كما ان الكبار الذين يشهدون الانتهاكات التي يرتكبها زملاؤهم ويحاولون الابلاغ عنها ربما يفصلون من عملهم لأنهم جهروا بما شهدوه.
وتنص اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها كل دول العالم تقريباً، على الزام الحكومات بحماية الاطفال من كل اشكال العنف المادي والمعنوي. الا ان الملايين ما زالوا يعانون من العنف والايذاء، وكثيراً ما يُنظر الى أعمال العنف في هذا الصدد على انها حوادث مؤسفة، ولكنها فردية منعزلة وليست ظاهرة عالمية تستدعي ردود فعل دولية متضافرة.
(يتبع)
__________________________________________________ ___________*
العنف يولد العقد
يوضح سمير الناصر مراقب الخدمات النفسية والاجتماعية ان العنف ضد الاطفال من المظاهر الاجتماعية الخطيرة التي يجب السيطرة عليها نظرا إلى عواقبها التي لا تؤثر في مستقبل الطفل فقط، بل في مسار المجتمع بكامله. ويقول الناصر: العنف ضد الاطفال يولد الكثير من العقد والرواسب في نفوسهم ويولد لديهم شعورا باطنيا بالاحباطات غير الطبيعية مثل الكره والغضب والاحتقار وعدم الجدوى وعدم الجدية والمعاداة والانتقام من المجتمع، وللاسف ان مثل هذه المشاعر قد تتفاعل وتتعقد اكثر في المستقبل وان لم تعالج اولا بأول. ومن هنا كان وجود الاخصائية الاجتماعية في المدارس على مختلف انواعها عاملا مهما يجب مراجعتها للاستفادة القصوى منها ضمن برامج عملية واضحة تحدد المسؤوليات في هذا الشأن.
ان مظاهر العنف ضد الاطفال متعددة ومتنوعة من جهة الى اخرى، ومن فئة عمرية الى اخرى ايضا، كما انها تختلف في اجناس واعمار ومهن مرتكبيها. ولكن الواضح ان بعض افراد هيئات التعليم وبعض افراد الاقرباء والجيران وبعض المجهولين قد يرتكبون العنف ضد الاطفال باشكاله المتعددة المنظورة وغير المنظورة ايضا، ومهما كانت صورة هذا العنف فهي تؤدي في النهاية الى ما لا يحمد عقباه على مستقبل الطفل والمجتمع بكامله نتيجة ذلك الخلل في سلوك بعض الافراد نحو الاطفال.
__________________________________________________ ___________*
العنف ضد الأطفال يزيدهم عدوانية
أطلق أطباء المان تحذيرات قوية من خطورة ممارسة العنف على الاطفال. وأكد مصدر طبي مختص ان 80% من الاطفال الذين يتعرضون للمعاملة السيئة سيتصرفون مستقبلاً بشكل سيئ مع أطفالهم ايضاً. وقدرت الرابطة المهنية لاطباء الاطفال والناشئة في المانيا نسبة الاطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة والامتهان بما يتراوح بين 5 الى 10%.
وفي المقابل حذرت الشرطة الالمانية من تنامي ظاهرة جريمة الاطفال والناشئة في البلاد. وأوضحت ان المعدلات العمرية لمرتكبي الجرائم تستوعب نسبة متزايدة من الاطفال، كما لاحظت ان نسبة تعرض الاطفال للجرائم والعنف تميل الى الازدياد بشكل مطرد هي الأخرى.
__________________________________________________ ___________*
تقرير منظمة
«مراقبة حقوق الإنسان»
اصدرت منظمة مراقبة حقوق الانسان تقريرا اوضحت فيه ان ظاهرة العنف ضد الاطفال ظاهرة مشينة تنتشر على مستوى العالم، وصارت رعبا محبوسا في طي الصدور، اذ يستخدم العنف بغل وبسوء قصد سافر ضد اضعف افراد المجتمع واعجزهم عن حماية انفسهم، وهم الاطفال في المدارس والملاجئ والشوارع ومناطق الحرب والمعتقلات والمصانع.
وقد قامت منظمة مراقبة حقوق الانسان بالتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان التي يكابدها الاطفال، فوجدت نمطا مطردا يبعث على الانزعاج. ففي جميع مناطق العالم يتعرض الاطفال في كل جانب تقريبا من جوانب حياتهم للعنف المفرط الذي يأتي في اغلب الاحيان من جانب الافراد المسؤولين عن حمايتهم والحفاظ على سلامتهم.
فكثيراً ما يتعرض الاطفال للعنف على أيدي رجال الشرطة او غيرهم من المسؤولين عن تنفيذ القانون. ويمثل اطفال الشوارع بصفة خاصة هدفا سهلاً للايذاء بسبب فقرهم وصغر سنهم وجهلهم بحقوقهم في أغلب الأحوال، وعدم وجود الكبار الذين يمكن ان يقصدوهم طلباً للعون فيتعرضون للضرب على أيدي الشرطة، وهكذا يتعرض اطفال الشوارع الذين ينظر اليهم على انهم متشردون او مجرمون للتعذيب والتشويه والتهديد بالقتل.
وكثيراً ما تحتجز الشرطة الاطفال بلا موجب قانوني، ثم تخضعهم للاستجواب والتعذيب بصورة وحشية بغرض انتزاع الاعترافات او المعلومات منهم.
وعندما يودع الاطفال في مؤسسات الاحداث او الاصلاحيات الجنائية فإنهم كثيراً ما يتعرضون لسوء المعاملة والايذاء.
مدارس للتعذيب
أما في المدارس التي يفترض بها رعاية نمو الطفل، فقد يصبح العنف جزءاً معتاداً من تجربة الطفل في المدرسة. ففي كثير من البلدان لا يزال العقاب البدني مسموحاً به كأسلوب لغرض الانضباط في المدارس، حيث يتعرض الاطفال للضرب بالعصي والصفع والجلد، مما يلحق بهم الكدمات والجروح، ويذيقهم الهوان والمذلة، بل ويؤدي في بعض الأحيان الى اصابات خطيرة او الى الوفاة، وقد تتعرض الفتيات بصفة خاصة لخطر العنف الجنسي من جانب المدرسين أو الطلبة الذكور.
وكثيرا ما يضطر الاطفال العاملون الى ان يكدحوا ساعات طويلة للقيام بأعمال مضنية في ظروف شاقة مؤذية، ويمثل الايذاء البدني بالنسبة الى كثير منهم سمة مألوفة من سمات حياتهم اليومية.
وتودع مئات الآلاف ان لم يكن الملايين من الاطفال الذين تيتموا او تخلى عنهم ذووهم في الملاجئ وغيرها من المؤسسات غير العقابية، وبينما يعتمد هؤلاء الاطفال على الدولة لاعالتهم ورعايتهم، فإن الكثيرين منهم يكابدون صنوفاً مروعة بل مميتة من الايذاء والاهمال.
أطفال مجندون
وفي حالات الصراع المسلح يتعرض الاطفال بالآلاف للقتل والتشويه والاغتصاب والتعذيب كل عام، ويتعرض مئات الآلاف من الاطفال الذين يجندون لمخاطر الاصابات والعاهات والوفاة في اثناء القتال، بالاضافة الى الانتهاك البدني والجنسي من جانب رفاقهم من الجنود او قوادهم.
اما الاطفال الذي يفرون من مناطق الحروب ليصبحوا في عداد اللاجئين فيواجهون المخاطر بدورهم، لأنهم يظلون معرضين للانتهاكات البدنية والعنف الجنسي والهجمات التي تقع عبر الحدود.
القبس تفتح الملف الملغوم وتنبش المسكوت عنه (1 ـ 2)
تحقيق: نورة ناصر
«أنا أمانة.. ماني مهانة»..
لا تبدو مثل هذه العبارة البسيطة، التي بدأت تنتشر عبر اعلانات في شوارع البلاد، وتتوزع في الاماكن العامة غير جرس انذار يعلن للجميع عن العنف والاضطهاد اللذين يعاني الاطفال مختلف اشكالهما على يد ذويهم.
بل ان هذه العبارة، وهي تفضح قضية في غاية الخطورة تكتم عليها المجتمع كثيرا، تفتح ملفا ملغوما بالاسئلة الحارقة والمسيلة للدموع.. وهل هناك اب يعذب فلذات اكباده؟ وهل توجد ام تضطهد من حملته في بطنها تسعة اشهر وتحملت الآلام حتى قدَّ منها وخرج إلى الحياة؟ وماذا عن التمييز بين الابناء والبنات في البيت الواحد؟ ايقتصر العنف ضد الاطفال على البيت ام انهم يعانونه في المدرسة والشارع وغيرهما من مؤسسات المجتمع ايضا؟ وما هذا العنف؟ وما انواعه؟ وكيف يحدث؟ ولماذا؟ ومتى؟ وما اثره في نفوس هؤلاء الصغار وفي صحتهم العامة وفي صحة المجتمع مستقبلا؟
«القبس» تفتح هذا الملف الملغوم وتطرح الاسئلة المسكوت عنها في هذا التحقيق.
تقر اماني محمود بأن العنف المنزلي يمارس ضمن الاسرة الواحدة من قبل الاب او من يمثل سلطته في غيابه (الأم، الأخ الأكبر) وتقول:
ـ لا يوجد قانون او عرف اجتماعي يمنع الاب من ممارسة الضرب او اي شكل من اشكال العنف الجسدي في اطار ما يدعيه من تربية للطفل او تقويم لاخلاقه.
انا اعرف عددا لا بأس به من الآباء يجلدون اولادهم باحزمتهم الجلدية مثلا، او يضربونهم بشراسة تترك آثارا لا تخفى على اجسادهم، بل تظهر جروحا مختلفة لا تندمل.
ان ضرب الاطفال المبرح ما زال شائعا، وبكثرة حتى ضمن الاسر المتعلمة المثقفة، وهناك عنف يمارس حتى من الامهات في مجتمعنا، ومن الشهيرات بحبهن وتعلقهن بأولادهن فمن الشائع ضرب الامهات لاولادهن ضربا مبرحا، قد يترك اثره على اجسادهم، وذلك على مبدأ «العصا لمن عصى»، وهناك نوع من العنف النفسي الذي يمارس على الاطفال كالشتم والسب والتقريع، ناهيك عن الحبس في مكان مغلق، كالحمام مثلا لساعات طويلة، او في غرفة صغيرة بلا اضاءة، او غير ذلك من اساليب التعذيب، التي تضاهي احيانا ما يبتدعه عقل مجرم.
عنف البنات أكثر
لكن سهام جاسم محمد تؤكد ان العنف الذي يمارس في المنزل يكون اكثر على البنات وتقول:
ـ إذا ضبطت البنت وهي تحادث صبيا او شابا، فالعقاب مباح بكل اشكاله، وقد يصل حدود القتل.
وهناك عنف من نوع آخر يمارسه الاهل على اولادهم، بتقرير مستقبلهم، واجبارهم على العمل او الدراسة حسب ما يخططه الاهل لهم من دون مراعاة لرغبات الطفل او امكاناته او مواهبه.
تعذيب نفسي
ويكشف خالد ابراهيم عن ان هناك من الآباء من يضطهدون ابناءهم بالكلام الجارح، ويقول:
ـ يعاير بعض الأهل أبناءهم بفشلهم الدراسي ويحسسونهم بأنهم فاشلون في الدراسة والحياة وان اقرانهم افضل منهم، ثم يضطهدون اولادهم بالحرمان من المصروف ومن الخروج مما يترك اثره السلبي في نفوسهم، فيكرهون المنزل والمدرسة بل يكرهون الحياة، ويشعرون بالاحباط ويكونون عرضة للانحراف مستقبلا، والانقياد لفئة توهمهم بالحنان ويقل ولاؤهم لأسرتهم.
ويتابع ابراهيم حديثه قائلا:
ـ كلما فقد الابناء الحنان ابتعدوا عن اسرتهم، وربما يكونون عاقين عند الكبر واكثر ابتعادا عن اسرهم بعد زواجهم، حيث يعوضون الحب الذي فقدوه في اولادهم، ولا يشعرون بأنهم بحاجة الى والديهم، وان الشريك هو الاهم في حياتهم.
الضرب المبرح كتربية
ويرى سالم حسن ان كثيرا من الآباء يتبعون اسلوب الضرب المبرح في تربية ابنائهم. ويضيف قائلا:
ـ انه الاسهل، اما اسلوب الحوار والنقاش والاقناع فيحتاج مزيدا من الوقت والجهد. ومن هنا فقد يفضل الكثيرون اسلوب الضرب الذي لا يأتي بنتيجة، بل على العكس قد يأتي بنتائج سلبية. ويكون الانصياع للأوامر من باب الخوف وليس من باب الاحترام، وعندما يكبر الطفل يعاند والديه ولا يستطيع الآباء التحكم في تصرفات ابنائهم في مرحلة الشباب لأنهم كبروا، ولا يمكن ضرب الشاب في سن العشرين، فلو تعود الطفل على أسلوب الحوار فسوف يتفهم الامور في سن الشباب ويكون شابا ناضجا مطيعا فاهما واعيا.
العنف في المدرسة
ومن انواع العنف ضد الطفل ما يحدث في المدرسة، حيث يتعرض الطفل للضرب والسب والشتم في مؤسسة تربوية. يقول الطفل ابراهيم عماد:
ـ أشعر بالخجل عندما تضربني المعلمة، فهي تضربني بكفها على وجهي، واحيانا تشد اذني وتضرب زملائي في الفصل بالعصا، وتتلفظ بألفاظ مثل «يا بلوة» و«الله ياخذكم» و«يا حمار»، وعندما اعود الى المنزل اخبر والدتي بالامر وحينما تراجع مديرة المدرسة ويصل الامر الى المعلمة فإنها تنتقم مني وتنقص من درجات الشفهي لذلك عندما تضربني مرة اخرى لا اخبر والدتي حتى لا تحقد المعلمة علي.
ان جميع المعلمات يضربوننا، من معلمة العربي فالرياضيات والدين والالعاب والعلوم وحتى معلمة الرسم.. وفي اليوم الواحد يمكن ان اضرب اربع مرات من جميع المعلمات او بعضهن.
وتقول ولية امر الطفل ابراهيم:
ـ ان المعلم الذي يستخدم الضرب في التعامل مع طلابه فاشل، لا يصل الى قلب طلابه، فلو أحب الطلاب او التلاميذ معلمهم فإنهم لا يفكرون في ازعاجه بل على العكس يحاولون دائما الاستماع الى كلامه، بل ويحبون مادته ويتفوقون فيها، وانا لا احترم المعلم الذي يسير بالعصا ليهدد تلاميذه كأنه راعي غنم لاننا في وزارة فيها التربية قبل التعليم.
ان واجب المعلم لا يقتصر على تعليم ابنائنا بل يساهم بأسلوب مباشر او غير مباشر في تربيتهم، وغرس المفاهيم في نفوسهم ومن اهمها الحب، كحب المعلم وحب المدرسة وحب العلم.
ألفاظ سوقية
وينتقد جمال حمد المعلمين الذين يتلفظون بألفاظ سوقية في صرح تعليمي تربوي قائلا:
ـ من يتلفظون بألفاظ لا تتفق والصرح التربوي التعليمي، انما هم معلمون يجعلون من مهنتهم الشريفة مهنة للتنفيس، حيث يصب المعلم مشاكله في المنزل على التلاميذ والطلاب، معتقدا ان هذه الوسيلة قد تردع المشاغبين او انها وسيلة لترويضهم.
على المعلم ان يتصف بالحلم وبالاعصاب الباردة الهادئة، والضبط الانفعالي، وثمة مجموعة كبيرة من المعلمين لا يستخدمون الضرب على الاطلاق، ويحظون بحب كبير واحترام من الطلاب.
ان قدرة المعلم على السيطرة وامساكه بزمام الموقف التعليمي يغنيانه عن الضرب الذي يعد وسيلة رديئة سواء في تعديل السلوك الاخلاقي او التحصيلي.
قانون منع الضرب
تحظر وزارة التربية الضرب في المدارس واصدرت قانونا يمنع ضرب المعلمين للتلاميذ، وتقول عائشة الصالح مديرة مدرسة السيد بدر رجب الرفاعي:
ـ ان مدارس الكويت تحترم هذا القانون، وتحرص ادارة كل مدرسة على عدم مخالفة عبر عمل اجتماعات مستمرة مع المشرفين لتأكيد ضرورة الالتزام باللوائح التربوية ومن اهمها منع ضرب المعلمين والمعلمات التلاميذ وان خالف المعلم او المعلمة القانون يحال الى التحقيق.
وعن سبل التعامل مع التلاميذ المشاغبين او المتعثرين ذكرت الصالح ان ادارة المدرسة تقوم باستدعاء ولي الامر وتخبره بتقصير الابن وبمواطن العنف حتى يحدث التعاون ما بين المدرسة والمنزل.
الضرب كالـ «بنادول»
بينما تؤكد الاخصائية النفسية نادية المحورفي ان الضرب هو الوسيلة السهلة التي تؤتي نتائج سريعة لمعاقبة الطالب المشاغب او المتعثر وتستدرك قائلة:
ـ لكنه ليس الا مهدئا، او مسكنا مثل حبة «البنادول»، فعند زوال الم الضرب يعود الطالب مجددا الى السلوك غير المرغوب فيه.
ان من اهم الآثار المترتبة على الضرب اهتزاز شخصية الطالب وفقدانه الثقة بنفسه، وبفكره الابداعي ومهارته، الى جانب عدوانيته وبروز سلوك الضدية لديه، كما يصبح لديه سلوكا غير مرغوب فيه كسمة من سمات شخصيته.
وتقترح المحور في عدة بدائل للضرب منها:
1- حرمان الطالب من اشياء يحبها او يرغب في القيام بها مثل الرياضة او الفسحة او الرحلة.
2- تكليف الطالب المشاغب بأعمال تخص الفصل لإشعاره بقيمته والرفع من شخصيته.
3- محاولة المعلم تعليم الطالب السلوك المرغوب فيه ومكافأته عليه وشكر ولي امره.
4- اشعار ولي الامر كتابيا واستخدام لوحات الشرف للطلبة المثاليين.
5- اسلوب تجاهل المعلم للطالب، وعدم اشراكه في الانشطة.
مجرمون ولا عقاب
ولا يزال العنف مستمراً ضد الأطفال بسبب السكوت عنه والتقاعس عن اتخاذ اجراء حياله، فقد وجدت منظمة مراقبة حقوق الإنسان في حالات تعرض الاطفال للانتهاكات البدنية ان مرتكبي هذه الانتهاكات يفلتون من العقاب في كل الاحوال تقريباً. فالمدرسون الذين اعتدوا جنسياً على تلاميذهم او احدثوا اصابات بهم مازالوا في مواقعهم بمهنة التدريس.
وضباط الشرطة الذين عذبوا اطفالاً امام الشهود مازالوا في الخدمة، والعاملون في الملاجئ الذين يعرضون الأطفال لمستويات مروعة من القسوة والاهمال لم يتحملوا عواقب ما جنوه، بل حتى المسؤولون عن وفاة اي طفل نادراً ما تقام ضدهم اي دعوى قضائية، وإذا اقيمت فقلما تنتهي بإدانتهم. أما مجرمو الحرب الذين يجندون الاطفال او يغتصبونهم او يقتلونهم فيبقون مطلقي السراح.
وهناك اسباب عديدة تكمن وراء الإفلات من العقاب في هذا الصدد، منها ان الاطفال ليس امامهم الا سبل محدودة للابلاغ عن العنف الذي يمارس ضدهم، خصوصاً اولئك الاشد عرضة للانتهاكات، وقد يحجمون عن الكشف عما لقوه خوفا من التعرض للانتقام، كما ان الشكاوى التي تأتي من الاطفال كثيراً ما لا تؤخذ على محمل الجد لكونها مقدمة من اطفال.
وعندما يبلغ الأطفال عن الانتهاكات أو عند الكشف عنها فنادراً ما يحقق مع مرتكبيها، أو تحرك الدعوى الجنائية ضدهم، وقد يكون اصحاب المراكز المسؤولة عن اتخاذ اجراءات في هذا الصدد ضالعين في تلك الانتهاكات، ومن ثم غير مستعدين لتأديب زملائهم أو مقاضاتهم أو يخشون عواقب الدعاية السلبية التي تترتب على ذلك، كما ان الكبار الذين يشهدون الانتهاكات التي يرتكبها زملاؤهم ويحاولون الابلاغ عنها ربما يفصلون من عملهم لأنهم جهروا بما شهدوه.
وتنص اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها كل دول العالم تقريباً، على الزام الحكومات بحماية الاطفال من كل اشكال العنف المادي والمعنوي. الا ان الملايين ما زالوا يعانون من العنف والايذاء، وكثيراً ما يُنظر الى أعمال العنف في هذا الصدد على انها حوادث مؤسفة، ولكنها فردية منعزلة وليست ظاهرة عالمية تستدعي ردود فعل دولية متضافرة.
(يتبع)
__________________________________________________ ___________*
العنف يولد العقد
يوضح سمير الناصر مراقب الخدمات النفسية والاجتماعية ان العنف ضد الاطفال من المظاهر الاجتماعية الخطيرة التي يجب السيطرة عليها نظرا إلى عواقبها التي لا تؤثر في مستقبل الطفل فقط، بل في مسار المجتمع بكامله. ويقول الناصر: العنف ضد الاطفال يولد الكثير من العقد والرواسب في نفوسهم ويولد لديهم شعورا باطنيا بالاحباطات غير الطبيعية مثل الكره والغضب والاحتقار وعدم الجدوى وعدم الجدية والمعاداة والانتقام من المجتمع، وللاسف ان مثل هذه المشاعر قد تتفاعل وتتعقد اكثر في المستقبل وان لم تعالج اولا بأول. ومن هنا كان وجود الاخصائية الاجتماعية في المدارس على مختلف انواعها عاملا مهما يجب مراجعتها للاستفادة القصوى منها ضمن برامج عملية واضحة تحدد المسؤوليات في هذا الشأن.
ان مظاهر العنف ضد الاطفال متعددة ومتنوعة من جهة الى اخرى، ومن فئة عمرية الى اخرى ايضا، كما انها تختلف في اجناس واعمار ومهن مرتكبيها. ولكن الواضح ان بعض افراد هيئات التعليم وبعض افراد الاقرباء والجيران وبعض المجهولين قد يرتكبون العنف ضد الاطفال باشكاله المتعددة المنظورة وغير المنظورة ايضا، ومهما كانت صورة هذا العنف فهي تؤدي في النهاية الى ما لا يحمد عقباه على مستقبل الطفل والمجتمع بكامله نتيجة ذلك الخلل في سلوك بعض الافراد نحو الاطفال.
__________________________________________________ ___________*
العنف ضد الأطفال يزيدهم عدوانية
أطلق أطباء المان تحذيرات قوية من خطورة ممارسة العنف على الاطفال. وأكد مصدر طبي مختص ان 80% من الاطفال الذين يتعرضون للمعاملة السيئة سيتصرفون مستقبلاً بشكل سيئ مع أطفالهم ايضاً. وقدرت الرابطة المهنية لاطباء الاطفال والناشئة في المانيا نسبة الاطفال الذين يتعرضون لسوء المعاملة والامتهان بما يتراوح بين 5 الى 10%.
وفي المقابل حذرت الشرطة الالمانية من تنامي ظاهرة جريمة الاطفال والناشئة في البلاد. وأوضحت ان المعدلات العمرية لمرتكبي الجرائم تستوعب نسبة متزايدة من الاطفال، كما لاحظت ان نسبة تعرض الاطفال للجرائم والعنف تميل الى الازدياد بشكل مطرد هي الأخرى.
__________________________________________________ ___________*
تقرير منظمة
«مراقبة حقوق الإنسان»
اصدرت منظمة مراقبة حقوق الانسان تقريرا اوضحت فيه ان ظاهرة العنف ضد الاطفال ظاهرة مشينة تنتشر على مستوى العالم، وصارت رعبا محبوسا في طي الصدور، اذ يستخدم العنف بغل وبسوء قصد سافر ضد اضعف افراد المجتمع واعجزهم عن حماية انفسهم، وهم الاطفال في المدارس والملاجئ والشوارع ومناطق الحرب والمعتقلات والمصانع.
وقد قامت منظمة مراقبة حقوق الانسان بالتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان التي يكابدها الاطفال، فوجدت نمطا مطردا يبعث على الانزعاج. ففي جميع مناطق العالم يتعرض الاطفال في كل جانب تقريبا من جوانب حياتهم للعنف المفرط الذي يأتي في اغلب الاحيان من جانب الافراد المسؤولين عن حمايتهم والحفاظ على سلامتهم.
فكثيراً ما يتعرض الاطفال للعنف على أيدي رجال الشرطة او غيرهم من المسؤولين عن تنفيذ القانون. ويمثل اطفال الشوارع بصفة خاصة هدفا سهلاً للايذاء بسبب فقرهم وصغر سنهم وجهلهم بحقوقهم في أغلب الأحوال، وعدم وجود الكبار الذين يمكن ان يقصدوهم طلباً للعون فيتعرضون للضرب على أيدي الشرطة، وهكذا يتعرض اطفال الشوارع الذين ينظر اليهم على انهم متشردون او مجرمون للتعذيب والتشويه والتهديد بالقتل.
وكثيراً ما تحتجز الشرطة الاطفال بلا موجب قانوني، ثم تخضعهم للاستجواب والتعذيب بصورة وحشية بغرض انتزاع الاعترافات او المعلومات منهم.
وعندما يودع الاطفال في مؤسسات الاحداث او الاصلاحيات الجنائية فإنهم كثيراً ما يتعرضون لسوء المعاملة والايذاء.
مدارس للتعذيب
أما في المدارس التي يفترض بها رعاية نمو الطفل، فقد يصبح العنف جزءاً معتاداً من تجربة الطفل في المدرسة. ففي كثير من البلدان لا يزال العقاب البدني مسموحاً به كأسلوب لغرض الانضباط في المدارس، حيث يتعرض الاطفال للضرب بالعصي والصفع والجلد، مما يلحق بهم الكدمات والجروح، ويذيقهم الهوان والمذلة، بل ويؤدي في بعض الأحيان الى اصابات خطيرة او الى الوفاة، وقد تتعرض الفتيات بصفة خاصة لخطر العنف الجنسي من جانب المدرسين أو الطلبة الذكور.
وكثيرا ما يضطر الاطفال العاملون الى ان يكدحوا ساعات طويلة للقيام بأعمال مضنية في ظروف شاقة مؤذية، ويمثل الايذاء البدني بالنسبة الى كثير منهم سمة مألوفة من سمات حياتهم اليومية.
وتودع مئات الآلاف ان لم يكن الملايين من الاطفال الذين تيتموا او تخلى عنهم ذووهم في الملاجئ وغيرها من المؤسسات غير العقابية، وبينما يعتمد هؤلاء الاطفال على الدولة لاعالتهم ورعايتهم، فإن الكثيرين منهم يكابدون صنوفاً مروعة بل مميتة من الايذاء والاهمال.
أطفال مجندون
وفي حالات الصراع المسلح يتعرض الاطفال بالآلاف للقتل والتشويه والاغتصاب والتعذيب كل عام، ويتعرض مئات الآلاف من الاطفال الذين يجندون لمخاطر الاصابات والعاهات والوفاة في اثناء القتال، بالاضافة الى الانتهاك البدني والجنسي من جانب رفاقهم من الجنود او قوادهم.
اما الاطفال الذي يفرون من مناطق الحروب ليصبحوا في عداد اللاجئين فيواجهون المخاطر بدورهم، لأنهم يظلون معرضين للانتهاكات البدنية والعنف الجنسي والهجمات التي تقع عبر الحدود.