جون
05-28-2005, 08:07 AM
نصر المجالي من لندن
تساءل كثير من المتابعين للشأن العراقي وخفاياه من الداخل بلهجة من الاستغراب ما أقدمت على نشره صحيفة (النهار ) البيروتية ذات الاتجاه المعتدل لرسالتين قالت إنهما كانتا متبادلتين بين الرئيس العراقي السابق صدام حسين ورجل الدين العلامة الشيعي محمد باقر الصدر الذي كان أعدمه نظام صدام في إبريل (نيسان) العام 1980 بعد اشهر معدودات من قرار الحكم عليه بالإقامة الجبرية، وبعد خمسة أيام من قرار اعتقاله. وأثار نشر الرسالتين التي اعترفت الزميلة صحيفة (النهار) بأنها لم تتمكن من نشر اصل الرسالتين. وهنا ما يثير الاستغراب والتساؤل على مستويات عديدة منها عراقي داخلي ومنه ما هو خارجي.
وقالت مصادر تتابع الشأن العراقي سنيا وشيعيان، في كلام أمام (إيلاف) إن الرسالتين قد تكونا مزيفيتني، خاصة وأن الصحيفة اللبنانية لم تنشر أصلهما، وإنما اكتفت بالإشارة إلى أنها تحصلت عليهما من مصادر في مدينة النجف، حيث مقر المرجعية الشيعية العليا التي أبرز رجالها حاليا رجل الدين الشاب مقتدى الصدر نجل الأمام الراحل.
وإذ ذاك، قالت مصادر عراقية مقربه من الرئيس العراقي السابق صدام حسين، في تعليق لها أمام (إيلاف) صدام حسين "إن هذه الرسائل مزيفة، فالرجلين لم يتبادلا أية رسائل سوى ما كان معروفا من أن الصدر كان بعث برسالة استرحام إلى صدام حسين".
وتعتقد المصادر أن نص هذه الرسالة موجود في مكان ما في الخارج، وهي ليست موجودة في النجف، حيث معقل الشيعة العراقيين، ولاحظت أن رسالة الصدر التي نشرتها صحيفة (النهار) كتبت على نسق الرسائل الكلاسيكية في التراث الأدبي الديني العربي التي تغص بها الكتب القديمة المؤلفة في قرون مضت، وهي التي كان يبرع فيها المؤيدون للأي نظام قائم، وهي كانت تدس في كتب التاريخ "لتسجل حالة واقعية في الذاكرة العربية والإسلامية رغم مغالطاتها".
وكانت صحيفة (النهار) قدمت لنشر الرسالتين، بقولها "في آذار 1980، أي قبل شهر من إعدامه، تلقى السيد محمد باقر الصدر في سجنه رسالة من الرئيس صدام حسين ورد عليها. الرسالة والرد اللذان ينشران للمرة الاولى حصلت عليهما "النهار" من "مصادر نجفية" داخل العراق، ولكن دون صورة عن المستند الأصلي"، طالع نص الرسالتين في باب (جريدة الجرائد) في إيلاف.
واستكمالا للتعليق على نشر الرسالتين، قالت المصادر إن "ظروف سجن العلامة باقر الصدر لا تبيح له الاحتفاظ بالرسالة ولا بأي وثيقة مهما كانت، فكيف ممكن أن توجد رسالة من هذا النوع بعد قرار الحكم بإعدامه؟".
ونبهت المصادر إلى أن المعروف هو أن العلامة محمد باقر الصدر كان حسب معلومات ايضا لم تتأكد لا رسميا ولا من أية جهة أخرى "بعث برسالة استرحام إلى الرئيس السابق صدام حسين"، وتعتقد هذه المصادر أن نص خارج العراق، وليس في داخله سواء النجف الأشرف أو غيرها.
والمصادر التي كانت تعلق زادت في القول إن الرسالتين المنشورتين في صحيفة (النهار) تشيران إلى عدم صدقيتهما كوثائق ممكن الوثوق بهما، "لأن قارئهما يشعر بأنهما كتبتا من جانب رجلين يعيشان في القرن الثانى الهجري الوسيط"، وزادت في القول "وهذا ليس أسلوب العلامة محمد باقر الصدر، حيث هو معروف عنه حين يكتب أنه يحاكى أسلوب (نهج البلاغة) الذي الفه الإمام علي بن أبي طالب رابع الخلفاء المسلمين وابن عم الرسول محمد بن عبد الله.
وتختم المصادر تعليقها بالقول "ثم إذا كانت رسالة العلامة الراحل في حوزة أنصاره في النجف الأشرف، فلماذا لا يكشف عنها من ذي قبل، ولماذا في هذه الفترة بالذات من دون صورة حقيقية للرسالة؟". (نص السالتين : طالع جريدة الجرائد في إيلاف) .
يذكر أن ولد السيد محمد باقر الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة ، في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة ، في سنة ( 1353 هـ )، وكان والده العلامة السيد حيدر الصدر ذا منزلة عظيمة ، وقد حمل لواء التحقيق ، والتدقيق ، والفقه ، والأصول ، وكان عابداً ، زاهداً ، عالماً ، عاملاً ، ومن علماء الإسلام البارزين . وكان جده لأبيه ـ وهو السيد إسماعيل الصدر ـ زعيماً للطائفة ، ومربياً للفقهاء ، وفخراً للشيعة ، وزاهداً ، وورعاً ، ومتظلعاً بالفقه والأصول ، وأحد المراجع العِظام للشيعة في العراق .
أما والدته فهي الصالحة التقية ، بنت آية الله الشيخ عبد الحسين آل ياسين ، وهو من أعاظم علماء الشيعة ومفاخرها، وبعد وفاة والده تربَّى السيد الصدر في كَنف والدته وأخيه الأكبر ، ومنذ أوائل صِباه كانت علائم النبوغ والذكاء بادية عليه من خلال حركاته وسكناته .
ولقد تعلَّم الامام الصدر القراءة والكتابة ، وتلقَّى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية في مدينة الكاظمية المقدسة ، وهو صغير السن ، وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لِشِدَّة ذكائه ونبوغه المبكر ، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ، حيث بدأ بدراسة كتاب ( المنطق ) ، وهو في سن الحادية عشرة من عمره ، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق ، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية .
وفي بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب ( معالم الأصول ) عند أخيه السيد إسماعيل الصدر ، وكان يعترض على صاحب المعالم ، فقال له أخوه : إن هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم . وفي سنة ( 1365 هـ ) سافر الصدر من مدينة الكاظمية المقدسة إلى مدينة النجف الأشرف لإكمال دراسته، حيث تتلمذ عند شخصيَّتين بارزتين من أهل العلم والفضيلة ، وهما : آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين ، وآية الله العظمى السيد أبو القاسم ، وهناك نهى دراسته الفقهية عام ( 1379 هـ ) ، والأصولية عام ( 1378 هـ ) ، عند السيد الخوئي .
وبالرغم من أن مُدَّة دراسة السيد الصدر منذ الصبا وحتى إكمالها لم تتجاوز ( 17 أو 18 ) عاماً ، إلا أنَّها من حيث نوعية الدراسة تعدُّ فترة طويلة جداً "لأن السيد الصدر كان خلال فترة اشتغاله بالدراسة منصرفاً بكلِّه لتحصيل العلم ، فكان منذ استيقاظه من النوم مبكراً وإلى حين ساعة منامِهِ ليلاً يتابع البحث والتفكير ، حتى عند قِيامه وجُلوسه ومَشيه"ز
وبدأ السيد الصدر في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره خمس وعشرون عاماً ، فقد بدأ بتدريس الدورة الأولى في علم الأصول في الثاني عشر من شهر جمادي الآخرة ، من سنة ( 1378 هـ ) ، وأنهاها في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، من سنة ( 1391 هـ ) . كما شرع بتدريس الدورة الثانية في العشرين من رجب المرجَّب من نفس السنة ، كما بدأ بتدريس البحث الخارج في الفقه على نهج العروة الوثقى في سنة ( 1381هـ ) .
وخلال هذه المدة استطاع السيد الصدر، أن يربي طُلاباً امتازوا عن الآخرين من حيث العلم ، والأخلاق ، والثقافة العامة ، لأن تربيته لهم ليست منحصرة في الفقه والأصول ، بل إنه كان يلقي عليهم في أيام العطل والمناسبات الأخرى محاضراته في الأخلاق ، وتحليل التأريخ ، والفلسفة ، والتفسير .
وتذكر المصادر أن من بين تلامذته : 1 - آية الله السيد كاظم الحائري ، 2 - آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ، 3 - آية الله السيد محمد باقر الحكيم .
ويقول موقع الكتروني على شبكة إنترنيت إن من سِمات شخصيته تلك العاطفة الحارة ، والأحاسيس الصادقة ، والشعور الأبوي تجاه كل أبناء الأمة "فتراهُ تارةً يَلتقيك بوجه طَليقٍ ، تعلوه ابتسامة تُشعِرُك بحبٍّ كبيرٍ ، وحنان عظيم ، حتى يحسب الزائر أن السيد لا يحب غيره، وإن تحدث معه أصغى إليه باهتمام كبير ورعاية كاملة ، وكان يقول : إذا كنا لا نَسَع الناس بأموالنا ، فلماذا لا نَسَعهم بأخلاقِنا وقلوبِنا وعواطفنا ؟".
ولم يكن الصدر زاهداً في حطام الدنيا ، لأنه كان لا يملك شيئاً منها ، أو لأنه فقد أسباب الرفاهية في حياته ، فصار الزهد خياره القهري . ويقول موقع الكتروني عن حياته "بل زهد في الدنيا وهي مقبلة عليه ، وزهد في الرفاه وهو في قبضة يمينه ، وكأنه يقول : يا دنيا ُغِّري غيري، قد كان زاهداً في ملبسه ومأكله ، ولم يلبس عباءة يزيد سعرها عن خمسة دنانير آنذاك ، في الوقت الذي كانت تصله أرقى أنواع الملابس والأقمشة ممن يُحبونه ويودُّونه ، لكنه كان يأمر بتوزيعها على طلابه".
وحول العبادات، فإن السِّمَة التي تميَّز ذلك، هي الانقطاع الكامل لله تعالى ، والإخلاص والخشوع التامَّين ، فقد كان لا يصلي ولا يدعو ولا يمارس أمثال هذه العبادات إلا إذا حصل له توجه وانقطاع كاملين، وكان أسوة في الصبر ، والتحمل ، والعفو عند المقدرة ، فقد كان يتلقى ما يوجه إليه بصبر تنوء منه الجبال ، وكان يصفح عمَّن أساء إليه بروح محمَّدية .
وللسيد الصدر، حسب مواقع الكترونية تحيي ذكراه، مواقف مشرِّفة كثيرة ضد النظام العراقي السابق منها:
ـ الموقف الأول : في عام ( 1969 م ) ، وفي إطار عدائها للإسلام ، حاولت زُمرة البعث الحاقدة على الإسلام والمسلمين توجيه ضربة قاتلة لمرجعية آية العظمى السيد محسن الحكيم ، من خلال توجيه تهمة التجسّس لنجله العلامة السيد مهدي الحكيم ، الذي كان يمثِّل مفصلاً مهماً لتحرك المرجعية ونشاطها، فكان له موقفا في دعم المرجعية الكبرى من جانب ، وفضح السلطة المجرمة من جانب آخر "فأخذ ينسِّق مع السيد الحكيم لإقامة اجتماع جماهيري حاشد ، ويعبِّر عن مستوى تغلغل المرجعية الدينية ، وامتدادها في أوساط الأمة ، وقوتها وقدرتها الشعبية". حيث حصل الاجتماع في الصحن الشريف لمرقد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وكان حاشداً ومهيباً ، ضمَّ كل طبقات المجتمع العراقي وأصنافه، ولم يقف دعمه عند هذا الحد ، بل سافر إلى لبنان ليقودَ حملة إعلامية مكثَّفة دفاعاً عن المرجعية، وقام بإلقاء خطاب استنكرَ فيه ما يجري على المرجعية في العراق ، وأصدر كثيراً من الملصقات الجدارية التي أُلصقت في مواضع مختلفة من العاصمة بيروت .
ـ الموقف الثاني : في صباح اليوم الذي قرَّر الإمام الراحل السيد الخميني مغادرة العراق إلى الكويت ، قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، قرر السيد الصدر الذهاب إلى بيت الإمام لتوديعه ، بالرغم من الرقابة المكثَّفة التي فرضتها سلطات الأمن المجرمة على منزله، وفي الصباح ذهب لزيارته ، ولكن للأسف كان الخميني ، قد غادر قبل وصوله بوقت قليل .
ـ الموقف الثالث : بعد حادثة اغتيال مرتضى المطهري في إيران على أيدي القوات المضادَّة للثورة الإسلامية في إيران ، قرر االصدر إقامة مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة ، وذلك لأنه كان من رجال الثورة ومنظريها ، وكان من الواجب تكريم هذه الشخصية الكبيرة .
ـ الموقف الرابع : ومن مواقف الفداء والتضحية ما حدث خلال فترة الحصار والإقامة الجبرية أيام انتصار الثورة الإسلامية في إيران ( 1399 هـ ـ 1979 م ) إجابته على كل البرقيات التي قد أُرسلت له من إيران ، ومنها برقية الإمام الخميني "علماً أن جميع تلك الرسائل والبرقيات لم تصله باليد ، لأن النظام العراقي كان قد احتجزها ، لكن السيد الشهيد كان يجيب عليها بعد سماعها من إذاعة إيران / القسم العربي".
ـ الموقف الخامس : تصدى السيد الشهيد إلى الإفتاء بحرمة الانتماء لحزب البعث ، حتى لو كان الانتماء صورياً،
وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد ، فكان هو الأمر الذي قاد إلى إعدامه.
مؤلفات الصدر
يذكر أن الصدر العديد من الكتب القَيِّمة ، في مختلف حقول المعرفة ، وكان لها دور بارز في انتشار الفكر الإسلامي على الساحة الإسلامية، وهي الآتية:
1 - فَدَك في التاريخ .
2 - دروس في علم الأصول ، ثلاث أجزاء .
3 - بحث حول المهدي ( عليه السلام ) .
4 - نشأة التشيع والشيعة .
5 - نظرة عامَّة في العبادات .
6 - فلسفتُنا .
7 - اقتصادُنا .
8 - الأُسُس المنطقية للاستقراء .
9 - رسالة في علم المنطق .
10 - غاية الفِكر في علم الأصول .
11 - المدرسة الإسلامية .
12 - المعالم الجديدة للأصول .
13 - البنك اللاربوي في الإسلام .
14 - بحوث في شرح العروة الوثقى .
15 - موجز أحكام الحج .
16 - الفتاوى الواضحة .
17 - بحث فلسفي مقارن بين الفلسفة القديمة والفلسفة الجديدة .
18 - بحث حول الولاية .
19 - تعليقة على ( منهاج الصالحين ) للسيد محسن الحكيم .
20 - تعليقة على ( بُلغة الراغبين ) للشيخ محمد رضا آل ياسين .
21 - المدرسة القرآنية ، مجموعة المحاضرات .
22 - الإسلام يقود الحياة .
وفي الختام تروي مصادر شيعية في النجف كيفية إعدامه بالقول ": بعد أن أمضى السيد لشهيد الصدر ( قدس سره ) عشرة أشهر في الإقامة الجبرية ، تمَّ اعتقاله في التاسع عشر من شهر جمادي الأولى ، من سنة ( 1400 هـ ) ، الموافق 5 / 4 / 1980 م . وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال الأخير استشهدَ السيد الصدر ( قدس سره ) بنحوٍ فَجيع ، مع أخته العلوية الطاهرة بِنتُ الهُدى، وفي مساء يوم 9 / 4 / 1980 م ، وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً ، قطعت السلطة البعثية التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف .
وفي ظلام الليل الدامس تسلَّلت مجموعة من قوَّات الأمن إلى دار السيد محمد الصدر ، وطلبوا منه الحضور معهم إلى بناية محافظة مدينة النجف الأشرف، فكان بانتظاره هناك المجرم مدير أمن مدينة النجف الأشرف ، فقال له : هذه جنازة الصدر وأخته ، قد تمَّ إعدامهما ، وطلب منه أن يذهب معهم لدفنهما.
وختاما، قالت المصادر "فأمرَ مدير الأمن الجلاوزة بفتح التابوت ، فشاهد السيد الصدر مضرَّجاً بدمائه ، آثار التعذيب على كل مكان من وجهه ، وكذلك كانت بنت الهدى، وتمَّ دفنهما في مقبرة وادي السلام ، المجاورة لمرقد الإمام علي ( عليه السلام ) في مدينة النجف الأشرف ".
تساءل كثير من المتابعين للشأن العراقي وخفاياه من الداخل بلهجة من الاستغراب ما أقدمت على نشره صحيفة (النهار ) البيروتية ذات الاتجاه المعتدل لرسالتين قالت إنهما كانتا متبادلتين بين الرئيس العراقي السابق صدام حسين ورجل الدين العلامة الشيعي محمد باقر الصدر الذي كان أعدمه نظام صدام في إبريل (نيسان) العام 1980 بعد اشهر معدودات من قرار الحكم عليه بالإقامة الجبرية، وبعد خمسة أيام من قرار اعتقاله. وأثار نشر الرسالتين التي اعترفت الزميلة صحيفة (النهار) بأنها لم تتمكن من نشر اصل الرسالتين. وهنا ما يثير الاستغراب والتساؤل على مستويات عديدة منها عراقي داخلي ومنه ما هو خارجي.
وقالت مصادر تتابع الشأن العراقي سنيا وشيعيان، في كلام أمام (إيلاف) إن الرسالتين قد تكونا مزيفيتني، خاصة وأن الصحيفة اللبنانية لم تنشر أصلهما، وإنما اكتفت بالإشارة إلى أنها تحصلت عليهما من مصادر في مدينة النجف، حيث مقر المرجعية الشيعية العليا التي أبرز رجالها حاليا رجل الدين الشاب مقتدى الصدر نجل الأمام الراحل.
وإذ ذاك، قالت مصادر عراقية مقربه من الرئيس العراقي السابق صدام حسين، في تعليق لها أمام (إيلاف) صدام حسين "إن هذه الرسائل مزيفة، فالرجلين لم يتبادلا أية رسائل سوى ما كان معروفا من أن الصدر كان بعث برسالة استرحام إلى صدام حسين".
وتعتقد المصادر أن نص هذه الرسالة موجود في مكان ما في الخارج، وهي ليست موجودة في النجف، حيث معقل الشيعة العراقيين، ولاحظت أن رسالة الصدر التي نشرتها صحيفة (النهار) كتبت على نسق الرسائل الكلاسيكية في التراث الأدبي الديني العربي التي تغص بها الكتب القديمة المؤلفة في قرون مضت، وهي التي كان يبرع فيها المؤيدون للأي نظام قائم، وهي كانت تدس في كتب التاريخ "لتسجل حالة واقعية في الذاكرة العربية والإسلامية رغم مغالطاتها".
وكانت صحيفة (النهار) قدمت لنشر الرسالتين، بقولها "في آذار 1980، أي قبل شهر من إعدامه، تلقى السيد محمد باقر الصدر في سجنه رسالة من الرئيس صدام حسين ورد عليها. الرسالة والرد اللذان ينشران للمرة الاولى حصلت عليهما "النهار" من "مصادر نجفية" داخل العراق، ولكن دون صورة عن المستند الأصلي"، طالع نص الرسالتين في باب (جريدة الجرائد) في إيلاف.
واستكمالا للتعليق على نشر الرسالتين، قالت المصادر إن "ظروف سجن العلامة باقر الصدر لا تبيح له الاحتفاظ بالرسالة ولا بأي وثيقة مهما كانت، فكيف ممكن أن توجد رسالة من هذا النوع بعد قرار الحكم بإعدامه؟".
ونبهت المصادر إلى أن المعروف هو أن العلامة محمد باقر الصدر كان حسب معلومات ايضا لم تتأكد لا رسميا ولا من أية جهة أخرى "بعث برسالة استرحام إلى الرئيس السابق صدام حسين"، وتعتقد هذه المصادر أن نص خارج العراق، وليس في داخله سواء النجف الأشرف أو غيرها.
والمصادر التي كانت تعلق زادت في القول إن الرسالتين المنشورتين في صحيفة (النهار) تشيران إلى عدم صدقيتهما كوثائق ممكن الوثوق بهما، "لأن قارئهما يشعر بأنهما كتبتا من جانب رجلين يعيشان في القرن الثانى الهجري الوسيط"، وزادت في القول "وهذا ليس أسلوب العلامة محمد باقر الصدر، حيث هو معروف عنه حين يكتب أنه يحاكى أسلوب (نهج البلاغة) الذي الفه الإمام علي بن أبي طالب رابع الخلفاء المسلمين وابن عم الرسول محمد بن عبد الله.
وتختم المصادر تعليقها بالقول "ثم إذا كانت رسالة العلامة الراحل في حوزة أنصاره في النجف الأشرف، فلماذا لا يكشف عنها من ذي قبل، ولماذا في هذه الفترة بالذات من دون صورة حقيقية للرسالة؟". (نص السالتين : طالع جريدة الجرائد في إيلاف) .
يذكر أن ولد السيد محمد باقر الصدر في مدينة الكاظمية المقدسة ، في الخامس والعشرين من شهر ذي القعدة ، في سنة ( 1353 هـ )، وكان والده العلامة السيد حيدر الصدر ذا منزلة عظيمة ، وقد حمل لواء التحقيق ، والتدقيق ، والفقه ، والأصول ، وكان عابداً ، زاهداً ، عالماً ، عاملاً ، ومن علماء الإسلام البارزين . وكان جده لأبيه ـ وهو السيد إسماعيل الصدر ـ زعيماً للطائفة ، ومربياً للفقهاء ، وفخراً للشيعة ، وزاهداً ، وورعاً ، ومتظلعاً بالفقه والأصول ، وأحد المراجع العِظام للشيعة في العراق .
أما والدته فهي الصالحة التقية ، بنت آية الله الشيخ عبد الحسين آل ياسين ، وهو من أعاظم علماء الشيعة ومفاخرها، وبعد وفاة والده تربَّى السيد الصدر في كَنف والدته وأخيه الأكبر ، ومنذ أوائل صِباه كانت علائم النبوغ والذكاء بادية عليه من خلال حركاته وسكناته .
ولقد تعلَّم الامام الصدر القراءة والكتابة ، وتلقَّى جانباً من الدراسة في مدارس منتدى النشر الابتدائية في مدينة الكاظمية المقدسة ، وهو صغير السن ، وكان موضع إعجاب الأساتذة والطلاب لِشِدَّة ذكائه ونبوغه المبكر ، ولهذا درس أكثر كتب السطوح العالية دون أستاذ، حيث بدأ بدراسة كتاب ( المنطق ) ، وهو في سن الحادية عشرة من عمره ، وفي نفس الفترة كتب رسالة في المنطق ، وكانت له بعض الإشكالات على الكتب المنطقية .
وفي بداية الثانية عشرة من عمره بدأ بدراسة كتاب ( معالم الأصول ) عند أخيه السيد إسماعيل الصدر ، وكان يعترض على صاحب المعالم ، فقال له أخوه : إن هذه الاعتراضات هي نفسها التي اعترض بها صاحب كفاية الأصول على صاحب المعالم . وفي سنة ( 1365 هـ ) سافر الصدر من مدينة الكاظمية المقدسة إلى مدينة النجف الأشرف لإكمال دراسته، حيث تتلمذ عند شخصيَّتين بارزتين من أهل العلم والفضيلة ، وهما : آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين ، وآية الله العظمى السيد أبو القاسم ، وهناك نهى دراسته الفقهية عام ( 1379 هـ ) ، والأصولية عام ( 1378 هـ ) ، عند السيد الخوئي .
وبالرغم من أن مُدَّة دراسة السيد الصدر منذ الصبا وحتى إكمالها لم تتجاوز ( 17 أو 18 ) عاماً ، إلا أنَّها من حيث نوعية الدراسة تعدُّ فترة طويلة جداً "لأن السيد الصدر كان خلال فترة اشتغاله بالدراسة منصرفاً بكلِّه لتحصيل العلم ، فكان منذ استيقاظه من النوم مبكراً وإلى حين ساعة منامِهِ ليلاً يتابع البحث والتفكير ، حتى عند قِيامه وجُلوسه ومَشيه"ز
وبدأ السيد الصدر في إلقاء دروسه ولم يتجاوز عمره خمس وعشرون عاماً ، فقد بدأ بتدريس الدورة الأولى في علم الأصول في الثاني عشر من شهر جمادي الآخرة ، من سنة ( 1378 هـ ) ، وأنهاها في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ، من سنة ( 1391 هـ ) . كما شرع بتدريس الدورة الثانية في العشرين من رجب المرجَّب من نفس السنة ، كما بدأ بتدريس البحث الخارج في الفقه على نهج العروة الوثقى في سنة ( 1381هـ ) .
وخلال هذه المدة استطاع السيد الصدر، أن يربي طُلاباً امتازوا عن الآخرين من حيث العلم ، والأخلاق ، والثقافة العامة ، لأن تربيته لهم ليست منحصرة في الفقه والأصول ، بل إنه كان يلقي عليهم في أيام العطل والمناسبات الأخرى محاضراته في الأخلاق ، وتحليل التأريخ ، والفلسفة ، والتفسير .
وتذكر المصادر أن من بين تلامذته : 1 - آية الله السيد كاظم الحائري ، 2 - آية الله السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ، 3 - آية الله السيد محمد باقر الحكيم .
ويقول موقع الكتروني على شبكة إنترنيت إن من سِمات شخصيته تلك العاطفة الحارة ، والأحاسيس الصادقة ، والشعور الأبوي تجاه كل أبناء الأمة "فتراهُ تارةً يَلتقيك بوجه طَليقٍ ، تعلوه ابتسامة تُشعِرُك بحبٍّ كبيرٍ ، وحنان عظيم ، حتى يحسب الزائر أن السيد لا يحب غيره، وإن تحدث معه أصغى إليه باهتمام كبير ورعاية كاملة ، وكان يقول : إذا كنا لا نَسَع الناس بأموالنا ، فلماذا لا نَسَعهم بأخلاقِنا وقلوبِنا وعواطفنا ؟".
ولم يكن الصدر زاهداً في حطام الدنيا ، لأنه كان لا يملك شيئاً منها ، أو لأنه فقد أسباب الرفاهية في حياته ، فصار الزهد خياره القهري . ويقول موقع الكتروني عن حياته "بل زهد في الدنيا وهي مقبلة عليه ، وزهد في الرفاه وهو في قبضة يمينه ، وكأنه يقول : يا دنيا ُغِّري غيري، قد كان زاهداً في ملبسه ومأكله ، ولم يلبس عباءة يزيد سعرها عن خمسة دنانير آنذاك ، في الوقت الذي كانت تصله أرقى أنواع الملابس والأقمشة ممن يُحبونه ويودُّونه ، لكنه كان يأمر بتوزيعها على طلابه".
وحول العبادات، فإن السِّمَة التي تميَّز ذلك، هي الانقطاع الكامل لله تعالى ، والإخلاص والخشوع التامَّين ، فقد كان لا يصلي ولا يدعو ولا يمارس أمثال هذه العبادات إلا إذا حصل له توجه وانقطاع كاملين، وكان أسوة في الصبر ، والتحمل ، والعفو عند المقدرة ، فقد كان يتلقى ما يوجه إليه بصبر تنوء منه الجبال ، وكان يصفح عمَّن أساء إليه بروح محمَّدية .
وللسيد الصدر، حسب مواقع الكترونية تحيي ذكراه، مواقف مشرِّفة كثيرة ضد النظام العراقي السابق منها:
ـ الموقف الأول : في عام ( 1969 م ) ، وفي إطار عدائها للإسلام ، حاولت زُمرة البعث الحاقدة على الإسلام والمسلمين توجيه ضربة قاتلة لمرجعية آية العظمى السيد محسن الحكيم ، من خلال توجيه تهمة التجسّس لنجله العلامة السيد مهدي الحكيم ، الذي كان يمثِّل مفصلاً مهماً لتحرك المرجعية ونشاطها، فكان له موقفا في دعم المرجعية الكبرى من جانب ، وفضح السلطة المجرمة من جانب آخر "فأخذ ينسِّق مع السيد الحكيم لإقامة اجتماع جماهيري حاشد ، ويعبِّر عن مستوى تغلغل المرجعية الدينية ، وامتدادها في أوساط الأمة ، وقوتها وقدرتها الشعبية". حيث حصل الاجتماع في الصحن الشريف لمرقد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وكان حاشداً ومهيباً ، ضمَّ كل طبقات المجتمع العراقي وأصنافه، ولم يقف دعمه عند هذا الحد ، بل سافر إلى لبنان ليقودَ حملة إعلامية مكثَّفة دفاعاً عن المرجعية، وقام بإلقاء خطاب استنكرَ فيه ما يجري على المرجعية في العراق ، وأصدر كثيراً من الملصقات الجدارية التي أُلصقت في مواضع مختلفة من العاصمة بيروت .
ـ الموقف الثاني : في صباح اليوم الذي قرَّر الإمام الراحل السيد الخميني مغادرة العراق إلى الكويت ، قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، قرر السيد الصدر الذهاب إلى بيت الإمام لتوديعه ، بالرغم من الرقابة المكثَّفة التي فرضتها سلطات الأمن المجرمة على منزله، وفي الصباح ذهب لزيارته ، ولكن للأسف كان الخميني ، قد غادر قبل وصوله بوقت قليل .
ـ الموقف الثالث : بعد حادثة اغتيال مرتضى المطهري في إيران على أيدي القوات المضادَّة للثورة الإسلامية في إيران ، قرر االصدر إقامة مجلس الفاتحة على روحه الطاهرة ، وذلك لأنه كان من رجال الثورة ومنظريها ، وكان من الواجب تكريم هذه الشخصية الكبيرة .
ـ الموقف الرابع : ومن مواقف الفداء والتضحية ما حدث خلال فترة الحصار والإقامة الجبرية أيام انتصار الثورة الإسلامية في إيران ( 1399 هـ ـ 1979 م ) إجابته على كل البرقيات التي قد أُرسلت له من إيران ، ومنها برقية الإمام الخميني "علماً أن جميع تلك الرسائل والبرقيات لم تصله باليد ، لأن النظام العراقي كان قد احتجزها ، لكن السيد الشهيد كان يجيب عليها بعد سماعها من إذاعة إيران / القسم العربي".
ـ الموقف الخامس : تصدى السيد الشهيد إلى الإفتاء بحرمة الانتماء لحزب البعث ، حتى لو كان الانتماء صورياً،
وأعلن ذلك على رؤوس الأشهاد ، فكان هو الأمر الذي قاد إلى إعدامه.
مؤلفات الصدر
يذكر أن الصدر العديد من الكتب القَيِّمة ، في مختلف حقول المعرفة ، وكان لها دور بارز في انتشار الفكر الإسلامي على الساحة الإسلامية، وهي الآتية:
1 - فَدَك في التاريخ .
2 - دروس في علم الأصول ، ثلاث أجزاء .
3 - بحث حول المهدي ( عليه السلام ) .
4 - نشأة التشيع والشيعة .
5 - نظرة عامَّة في العبادات .
6 - فلسفتُنا .
7 - اقتصادُنا .
8 - الأُسُس المنطقية للاستقراء .
9 - رسالة في علم المنطق .
10 - غاية الفِكر في علم الأصول .
11 - المدرسة الإسلامية .
12 - المعالم الجديدة للأصول .
13 - البنك اللاربوي في الإسلام .
14 - بحوث في شرح العروة الوثقى .
15 - موجز أحكام الحج .
16 - الفتاوى الواضحة .
17 - بحث فلسفي مقارن بين الفلسفة القديمة والفلسفة الجديدة .
18 - بحث حول الولاية .
19 - تعليقة على ( منهاج الصالحين ) للسيد محسن الحكيم .
20 - تعليقة على ( بُلغة الراغبين ) للشيخ محمد رضا آل ياسين .
21 - المدرسة القرآنية ، مجموعة المحاضرات .
22 - الإسلام يقود الحياة .
وفي الختام تروي مصادر شيعية في النجف كيفية إعدامه بالقول ": بعد أن أمضى السيد لشهيد الصدر ( قدس سره ) عشرة أشهر في الإقامة الجبرية ، تمَّ اعتقاله في التاسع عشر من شهر جمادي الأولى ، من سنة ( 1400 هـ ) ، الموافق 5 / 4 / 1980 م . وبعد ثلاثة أيام من الاعتقال الأخير استشهدَ السيد الصدر ( قدس سره ) بنحوٍ فَجيع ، مع أخته العلوية الطاهرة بِنتُ الهُدى، وفي مساء يوم 9 / 4 / 1980 م ، وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً ، قطعت السلطة البعثية التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف .
وفي ظلام الليل الدامس تسلَّلت مجموعة من قوَّات الأمن إلى دار السيد محمد الصدر ، وطلبوا منه الحضور معهم إلى بناية محافظة مدينة النجف الأشرف، فكان بانتظاره هناك المجرم مدير أمن مدينة النجف الأشرف ، فقال له : هذه جنازة الصدر وأخته ، قد تمَّ إعدامهما ، وطلب منه أن يذهب معهم لدفنهما.
وختاما، قالت المصادر "فأمرَ مدير الأمن الجلاوزة بفتح التابوت ، فشاهد السيد الصدر مضرَّجاً بدمائه ، آثار التعذيب على كل مكان من وجهه ، وكذلك كانت بنت الهدى، وتمَّ دفنهما في مقبرة وادي السلام ، المجاورة لمرقد الإمام علي ( عليه السلام ) في مدينة النجف الأشرف ".