سيد مرحوم
06-18-2003, 05:59 AM
---------------------------------------------------------------------
البيـان الخـتامي
إعـتذار :
في بدء البحث ، نعتذر للإخوة القُرّاء عن إقحامهم بموضوعات تبدو غير مهمّة للساحة الثقافية والسياسية المعاصرة ، ولا تتعلّق بشؤونها وأحداثها الساخنة التي نمر بها ، لكن لا بدّ من القول بأنّ التراث وطريقة معالجته والفكر الديني وأسلوب قراءته وبالتالي : الفقه ومنهج التعامل معه وبه له صلة مباشرة بحياتنا اليومية ومواقفنا المختلفة ، مهما كانت اتجاهاتنا دينية أو علمانية ، وذلك لأن قطاعات كبيرة من مجتمعنا ترجع في أُصولها ومنطلقاتها وخط سيرها إليه ، كما إنّ ا لانسان مهما أراد التجرد والتحرر لا يمكن له بحال أن ينفك عن ماضيه ولا أن ينفلت عن خلفياته الثقافية والاجتماعية .
وبالتالي فإنّنا قد نشهد صراعات سياسية ذات خلفيات ثقافية ، والعكس أيضاً صحيح فقد نتعرّض لمشاكل ثقافية تعلّقت بها السياسة واستترت من خلفها المصالح .
الأمر الآخر : أنّ الخطأ والصواب العادي لدى كل انسان ، ولدى كل خط أو جماعة من بني البشر الذين نتعامل معهم أمر ممكن وقد تكون له آثار سيِّئة قلّت أم كثرت ولكنها على أي حال قابلة للمعالجة والتصحيح ، ولكنّ الأخطاء المنهجية ذات أبعاد كبيرة وآثار خطيرة قد تصعب معالجتها أو قد تكلف الكثير ، خصوصاً الاتجاهات الدينية المتطرفة أو المتعصبة ، فإنّها قد تدخلنا في حروب أهلية أو تس تنزف طاقاتنا في صراعات وهمية ، وأنت تجد عالمنا الاسلامي ممزقاً ، وتجد الكثير من البلاد فريسة الطائفية التي يذهب ضحاياها الآلاف من الناس ، كما هو الحال في سائر البلاد من شرق آسيا إلى غرب أفريقيا الاسلامية ، ومن أبرز مظاهرها القريبة ما يحدث في الهند وباكستان وأفغانستان ، وغيرها .
إن وراء كل تصرف خاطئ أو خط متطرف أفكاراً ورؤى توجه تلك الاتجاهات وتبررها وتزودها بأيدولوجية وأهداف ، فَمَن يعتقد بكفر الآخرين يبرِّر قتلهم ، ومَن يعتقد بضلال البعض يخلق الأعذار لتحطيمهم وإسقاطهم ، مصلحة الاسلام ، أو مصلحة الأُمّة ، أو المصلحة الوطنية عناوين كبيرة وفضفاضة تسع الكثير من المواقف والمزيد من التصرفات ... وهكذا .
ومن أخطر المناهج ، تلك القائمة على اعتقاد العصمة في الذات والتمثيل للحق المطلق وبالتالي إلغاء الآخر واستحلال التصرف لإزالته من الوجود لأ نّه يمثل الباطل والضلال .
لأن هذا المنهج سواء كان من جهة دينية أو دنيوية ، ومن أطراف اسلامية أو علمانية يقوم أساساً على إلغاء الآخرين ولا يمكنه التعايش ضمن مجتمع متعدد الطيف ومختلف الألوان ، ولا نجد مجتمعاً في عالمنا اليوم يخلو من هذا التعدد والتنوع .
وبالتالي فإن هذا المنهج يؤدي شئنا أم أبينا إلى الاستبداد ومصادرة الحرّيات ، وينتهي من حيث يريد أصحابه أو لا يريدون إلى خلق الأزمات وصناعة الصراعات .
ومعالجة تلك المسألة ، تارة تكون بمناقشة المصاديق وتصحيح الرؤى المقطعية لتجاوز الأزمة ، فإنّ أكثر الناس يهتمون بالمصاديق أكثر من المفاهيم ، ولا محيص من الوقوف عند جزئيات الأُمور ، والتي قد تكون عند عموم الناس أكثر أهميّة من غيرها .
وتارة تكون المعالجة بتصحيح المفاهيم الكلّية ، بل بتقويم الرؤى والمنطلقات ، وبالتالي بيان خطأ هذا المنهج ، أو تلك الطريقة من التعامل مع التراث ، وبيان الخلل في بناء الاعتقاد وتكوين المواقف على أساسها .
وهنا معالجة أخرى وهي أهم وأكثر حسّاسية وأعمق غوراً ، وهي السعي لإرساء قبول التعددية في سائر المسائل ، والغاء الاستبداد السياسي والثقافي ، وإحلال فكرة «التعايش السلمي» محل فكرة إلغاء الآخر ... وتلك المعالجة هي الحل الأساس لكثير من مشكلاتنا ، فلا يمنع فيها من تعدد الأفكار والمشارب والرؤى ... بل الايدولوجيات ، ولا ضرر في الاختلاف إن لم يكن في ذلك رحمة ، فكلُّ يعمل على شاكلته وكل حزب بما لديهم فرحون ، ولكنهم جميعاً يتفقون على مبادئ أساسية تضمن التعايش السلمي وتؤسس للتعددية ، وتفتح آفاق الحوار والنقد البنّاء ، في نفس الوقت الذي تنظم فيه طريقة إدارة المجتمع التضامنية واتباع رأي الأكثرية دون هضم حقوق الآخرين .
وحتى نصل إلى تلك المرحلة وكمقدمة لها ، لا بدّ من إثبات وجود التعددية في داخل الجماعات الايدولوجية ، سواء منها الدينية أو غيرها ، ولا بدّ من تأكيد دور الاجتهاد في البحث العلمي ، وبالتالي فلا محيص من زعزعة أطر الإطلاق والشمولية والتشكيك بمقولات «أنا الحق» وغيري الباطل ، والسعي نحو إثبات وجود النسبية في المقولات البشرية ، ومن ثمّ فتح المجال للبحث والنقد في الاستفادات والاجتهادات والاستنتاجات والاستنباطات من النصوص والتراث ، والتفكيك بين النص الإلهي الذي لا يشوبه الشك ولا يعتريه النقص والخطأ ، وبين الفهم البشري الملازم للخطأ والمقترن بالرأي ، وبالتالي المتعدد في زاوية النظر والمختلف في نتيجة البحث .
ولا يعد ذلك عيباً أو خللاً ، بل لعلّه سرّاً من أسرار الشريعة الخالدة التي ضمن استمرار وجودها مع تغير الأزمان ، وامتداد تطورها وازدهارها بموازات نمو الحضارة البشرية وتقدّمها .
ولمّا كان أصحاب المناهج المطلقة يرون ـ عادة ـ أ نّهم الحق وأن فهمهم الصواب دون غيره ، فإن ذلك يؤدي بصورة وأخرى إلى تخطئة الآخرين ولا ضير في ذلك ، ولكنّه أحياناً يقترن بتكفير وتشهير الغير واتهام رؤاهم بالضلال ، رغم أن هذه الأفكار كانت موجودة عبر التاريخ كنتاج للاجتهاد الحي والوجود النشط للفكر الانساني في ظل المجتمعات الاسلامية .
ولمّا كان كثيراً من الناس يقلّدون ، والناس أعداء ما جهلوا ، فإنّنا نجد آثار تلك الأفهام المتشددة والمناهج المتطرفة في المجتمع تتسع وتأخذ أشكالاً وأبعاداً سياسية واجتماعية ، لا علمية وفكرية ، وبالتالي قد تجد الانشقاق في الأُمّة ، بل في البيت الواحد ، وإن من المضحك المبكي أن بعض الأزواج قد انفصل بعضهم عن بعض لأنّ الزوج يقلِّد المجتهد الفلاني والزوجة تقلِّد غيره ، وهو ما حدث عندنا في الخليج ويعلمه كثير من الناس .
فإذا كانت تلك الأفكار «المغالية» وتلك المناهج «المتطرفة» تفرّق بين المرء وأهله ، فكيف بسائر الناس وفيهم مَن فيهم ، حتى بلغ الأمر إلى أن يشتم بعضهم بعضاً ، بل إلى أن يتعاون البعض مع أجهزة المخابرات وشاية بالبعض الآخر تحت عنوان «المصلحة الاسلامية» ، فقدموا لهم المعلومات ، وأضافوا إليها المبالغات والمخاطرات ، وقامت تلك الأجهزة بإخراج بعض العلماء والمثقفين ، وتنفّس البعض الآخر الصعداء لأنّ الأجواء قد صفت لهم ، فهم لا يطيقون رأياً آخر ، ولا يتحملون صوتاً معارضاً ولو كان ضعيفاً .
ولم يخلو العالم يوماً من الاختلاف ، قال تعالى : (ولو شاء ربّك لجعل الناس أُمّةً واحدة ولا يزالون مختلفين إلاّ مَنْ رحِمَ ربّك ولذلك خلقهم ... ) (هود / 118 ـ 119) ، إلاّ أن للاختلاف العلمي والخلاف الثقافي مجالاته ، وبعض مجالاته تخصصية تحتاج إلى أن تبحث في المعاهد ومراكز البحث أو في حلقات الدرس أو جلسات الحوار من المهتمين والمختصين بها ، ولكنّ الذي جرى أنّ البعض استغل طيبة الناس وبساطة بعضهم فبادر إلى إنزال الآراء العلمية والاجتهادات الثقافية إلى سوق ال مزايدة والتشهير ، فعاد العلماء «ضلالاً» وظهر المفكرون «منحرفين» في عيون البعض ممّن لا يعرفون تمييز المباحث ولم يسمعوا أو يعلموا بوجود تعدّد الرؤى والاختلاف .
وبين عشية وضحاها نجد مَن يخرج علينا باتهام أعلام الفكر وأرباب الاجتهاد ومفاخر الدين بالانحراف والضلال ، وغدونا نواجه أشكالاً من الاستبداد وأجواءً من تفتيش العقائد تذكرنا بالعصور الوسطى ، مع أنّ الاسلام قام على تعظيم العلم وإجلال العقل والدعوة إلى التفكر والانطلاق نحو الآفاق ، وكانت من آثاره إبداعات العالم الاسلامي في شتّى العلوم .
كما إن من خصائص مدرسة أهل البيت (ع) الفريدة وثمرات طريقتهم الرفيعة دعوتهم إلى إعمال الفكر وفتح باب الاجتهاد . فكان تأسيس الكثير من العلوم الاسلامية على يد الإمام علي (ع) وكان الإمام الصادق (ع) مرجع أرباب الفكر وملجأ أئمة العلم .
وكان دأب العلماء الربانيين وسنّة المفكرين المحققين في هذه المدرسة : تحرير الفكر ونفي الغلو ومواجهة التحجر والجمود في الجمود على ظواهر الألفاظ أو التمسك بأخبار الآحاد ، ودخلوا من أجل ذلك في صراع مرير مع السلطات الظالمة التي كانت تواجه العلماء وتمنع الحرّيات ، وقدّموا في هذا الطريق أغلى التضحيات وواجهوا أقسى الاتهامات والافتراءات .
وهذا دأب علماء مدرسة أهل البيت (ع) وأساطين العلماء وأرباب التفسير فهم يجتهدون ويختلفون وينتقدون الآراء ويحررون المطالب دون استعمال سيف القمع والتكفير أو سلطان الاتهام والتشهير ، وما نشهده اليوم من البعض ـ في القرن الحادي والعشرين ـ لأمر عجيب .
نعم ، لقد واجه الثائرون والمفكرون والمبدعون والمجددون مَن لم يستسلموا لواقع ألفوه ، ولم يستكينوا ويضعفوا عن مواجهة الظلم ، الاستبداد و ...
نعم ، واجه هؤلاء أقسى وأشدّ الاتهامات ، عبر التاريخ وفي عموم الحضارات وسائر الأديان ، ألم يتهم عيسى (ع) بالانحراف عن دين بني إسرائيل !! ألم يتهم النبي محمد (ص) بتسفيه عقائد الآباء !! ألم يتهم في تاريخنا المعاصر الإمام الخميني (قده) بالإلحاد لأ نّه كان يدرس الفلسفة !! ألم يمنع العلاّمة الطباطبائي من التدريس وبقى حبيس بيته لسنين طوال !! ألم يتهم أتباع الإمام الخميني (قده) بالماركسية حيناً وبالوهابية أخرى !! وأخيراً يأتي البعض ليتهم مفخرة الفكر ومعجزة العصر السيِّد محمد باقر الصدر بالانحراف والالتقاط !!!
تلك سنّة تاريخية ، ولكن العجيب أن يعيد التاريخ صفحات غابرة ، وإن كان الزمن لا يتوقف عند ذي وذاك ممّن اختاروا العيش بعقلية الزمن الماضي أو التفكير بمنهجية التعصب والتطرف ، سواء كانوا هؤلاء من حُكّام الدنيا أو أعلام الدين ، وتلك أيضاً سنّة من سنن الله تعالى ، الذي جعل للانسان عينين لا تنظران إلى الخلف ووهب له عقلاً حيّاً ومتجدداً يتحرّك إلى الأمام باستمرار ، ويتطلّع إلى الآفاق على الدوام .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
------------------------------------------------------------------------------------
هذا موضوع قيم للاستاذ / حسن احمد علي حول اراء وفتاوي التبريزي التضليلية في سماحة اية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله) ومن ايده من العلماء والمؤمنين حفظهم الله تعالى0
----------------------------------------------------------------------
----------------------------------------------------------------------
الموضوع سلسلة في حلقات مترابطة لذلك من الافضل التواصل معه وقرائته بكل اجزائه00
الحلقة الاولى : هل نقد المراجع بموضوعية تقييم مشروع او تسقيط ممنوع؟
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=408
الحلقة الثانية : الشيخ التبريزي واركان الاعتقاد المبتدعة
[http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=419
الحلقة الثالثة : مع الشيخ التبريزي في ارائه وفتاواه ( اسس الولاية والاعتقاد)
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=437
الحلقة الرابعة : مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه / بدعة التكفير على اساس التاريخ
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=463
الحلقة الخامسة : مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه (5) شهادة الزهراء (ع) و دليله في ادانة مخالفيه
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=481
الحلقة السادسة : مع التبريزي في آرائه وفتاواه (6 ) الجزء الثاني من مناقشة مسالة شهادة الزهراء(ع)
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=495
الحلقة السابعة: مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه (7)/ مناقشة المنهج الذي قامت عليه فتاويه التضليلية
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=508
الحلقة الثامنة : مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه (8)/ حذاري يا شيخ من مؤامرات «الحواريين» )
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=533
----------------------------------------------------------------------
البيـان الخـتامي
إعـتذار :
في بدء البحث ، نعتذر للإخوة القُرّاء عن إقحامهم بموضوعات تبدو غير مهمّة للساحة الثقافية والسياسية المعاصرة ، ولا تتعلّق بشؤونها وأحداثها الساخنة التي نمر بها ، لكن لا بدّ من القول بأنّ التراث وطريقة معالجته والفكر الديني وأسلوب قراءته وبالتالي : الفقه ومنهج التعامل معه وبه له صلة مباشرة بحياتنا اليومية ومواقفنا المختلفة ، مهما كانت اتجاهاتنا دينية أو علمانية ، وذلك لأن قطاعات كبيرة من مجتمعنا ترجع في أُصولها ومنطلقاتها وخط سيرها إليه ، كما إنّ ا لانسان مهما أراد التجرد والتحرر لا يمكن له بحال أن ينفك عن ماضيه ولا أن ينفلت عن خلفياته الثقافية والاجتماعية .
وبالتالي فإنّنا قد نشهد صراعات سياسية ذات خلفيات ثقافية ، والعكس أيضاً صحيح فقد نتعرّض لمشاكل ثقافية تعلّقت بها السياسة واستترت من خلفها المصالح .
الأمر الآخر : أنّ الخطأ والصواب العادي لدى كل انسان ، ولدى كل خط أو جماعة من بني البشر الذين نتعامل معهم أمر ممكن وقد تكون له آثار سيِّئة قلّت أم كثرت ولكنها على أي حال قابلة للمعالجة والتصحيح ، ولكنّ الأخطاء المنهجية ذات أبعاد كبيرة وآثار خطيرة قد تصعب معالجتها أو قد تكلف الكثير ، خصوصاً الاتجاهات الدينية المتطرفة أو المتعصبة ، فإنّها قد تدخلنا في حروب أهلية أو تس تنزف طاقاتنا في صراعات وهمية ، وأنت تجد عالمنا الاسلامي ممزقاً ، وتجد الكثير من البلاد فريسة الطائفية التي يذهب ضحاياها الآلاف من الناس ، كما هو الحال في سائر البلاد من شرق آسيا إلى غرب أفريقيا الاسلامية ، ومن أبرز مظاهرها القريبة ما يحدث في الهند وباكستان وأفغانستان ، وغيرها .
إن وراء كل تصرف خاطئ أو خط متطرف أفكاراً ورؤى توجه تلك الاتجاهات وتبررها وتزودها بأيدولوجية وأهداف ، فَمَن يعتقد بكفر الآخرين يبرِّر قتلهم ، ومَن يعتقد بضلال البعض يخلق الأعذار لتحطيمهم وإسقاطهم ، مصلحة الاسلام ، أو مصلحة الأُمّة ، أو المصلحة الوطنية عناوين كبيرة وفضفاضة تسع الكثير من المواقف والمزيد من التصرفات ... وهكذا .
ومن أخطر المناهج ، تلك القائمة على اعتقاد العصمة في الذات والتمثيل للحق المطلق وبالتالي إلغاء الآخر واستحلال التصرف لإزالته من الوجود لأ نّه يمثل الباطل والضلال .
لأن هذا المنهج سواء كان من جهة دينية أو دنيوية ، ومن أطراف اسلامية أو علمانية يقوم أساساً على إلغاء الآخرين ولا يمكنه التعايش ضمن مجتمع متعدد الطيف ومختلف الألوان ، ولا نجد مجتمعاً في عالمنا اليوم يخلو من هذا التعدد والتنوع .
وبالتالي فإن هذا المنهج يؤدي شئنا أم أبينا إلى الاستبداد ومصادرة الحرّيات ، وينتهي من حيث يريد أصحابه أو لا يريدون إلى خلق الأزمات وصناعة الصراعات .
ومعالجة تلك المسألة ، تارة تكون بمناقشة المصاديق وتصحيح الرؤى المقطعية لتجاوز الأزمة ، فإنّ أكثر الناس يهتمون بالمصاديق أكثر من المفاهيم ، ولا محيص من الوقوف عند جزئيات الأُمور ، والتي قد تكون عند عموم الناس أكثر أهميّة من غيرها .
وتارة تكون المعالجة بتصحيح المفاهيم الكلّية ، بل بتقويم الرؤى والمنطلقات ، وبالتالي بيان خطأ هذا المنهج ، أو تلك الطريقة من التعامل مع التراث ، وبيان الخلل في بناء الاعتقاد وتكوين المواقف على أساسها .
وهنا معالجة أخرى وهي أهم وأكثر حسّاسية وأعمق غوراً ، وهي السعي لإرساء قبول التعددية في سائر المسائل ، والغاء الاستبداد السياسي والثقافي ، وإحلال فكرة «التعايش السلمي» محل فكرة إلغاء الآخر ... وتلك المعالجة هي الحل الأساس لكثير من مشكلاتنا ، فلا يمنع فيها من تعدد الأفكار والمشارب والرؤى ... بل الايدولوجيات ، ولا ضرر في الاختلاف إن لم يكن في ذلك رحمة ، فكلُّ يعمل على شاكلته وكل حزب بما لديهم فرحون ، ولكنهم جميعاً يتفقون على مبادئ أساسية تضمن التعايش السلمي وتؤسس للتعددية ، وتفتح آفاق الحوار والنقد البنّاء ، في نفس الوقت الذي تنظم فيه طريقة إدارة المجتمع التضامنية واتباع رأي الأكثرية دون هضم حقوق الآخرين .
وحتى نصل إلى تلك المرحلة وكمقدمة لها ، لا بدّ من إثبات وجود التعددية في داخل الجماعات الايدولوجية ، سواء منها الدينية أو غيرها ، ولا بدّ من تأكيد دور الاجتهاد في البحث العلمي ، وبالتالي فلا محيص من زعزعة أطر الإطلاق والشمولية والتشكيك بمقولات «أنا الحق» وغيري الباطل ، والسعي نحو إثبات وجود النسبية في المقولات البشرية ، ومن ثمّ فتح المجال للبحث والنقد في الاستفادات والاجتهادات والاستنتاجات والاستنباطات من النصوص والتراث ، والتفكيك بين النص الإلهي الذي لا يشوبه الشك ولا يعتريه النقص والخطأ ، وبين الفهم البشري الملازم للخطأ والمقترن بالرأي ، وبالتالي المتعدد في زاوية النظر والمختلف في نتيجة البحث .
ولا يعد ذلك عيباً أو خللاً ، بل لعلّه سرّاً من أسرار الشريعة الخالدة التي ضمن استمرار وجودها مع تغير الأزمان ، وامتداد تطورها وازدهارها بموازات نمو الحضارة البشرية وتقدّمها .
ولمّا كان أصحاب المناهج المطلقة يرون ـ عادة ـ أ نّهم الحق وأن فهمهم الصواب دون غيره ، فإن ذلك يؤدي بصورة وأخرى إلى تخطئة الآخرين ولا ضير في ذلك ، ولكنّه أحياناً يقترن بتكفير وتشهير الغير واتهام رؤاهم بالضلال ، رغم أن هذه الأفكار كانت موجودة عبر التاريخ كنتاج للاجتهاد الحي والوجود النشط للفكر الانساني في ظل المجتمعات الاسلامية .
ولمّا كان كثيراً من الناس يقلّدون ، والناس أعداء ما جهلوا ، فإنّنا نجد آثار تلك الأفهام المتشددة والمناهج المتطرفة في المجتمع تتسع وتأخذ أشكالاً وأبعاداً سياسية واجتماعية ، لا علمية وفكرية ، وبالتالي قد تجد الانشقاق في الأُمّة ، بل في البيت الواحد ، وإن من المضحك المبكي أن بعض الأزواج قد انفصل بعضهم عن بعض لأنّ الزوج يقلِّد المجتهد الفلاني والزوجة تقلِّد غيره ، وهو ما حدث عندنا في الخليج ويعلمه كثير من الناس .
فإذا كانت تلك الأفكار «المغالية» وتلك المناهج «المتطرفة» تفرّق بين المرء وأهله ، فكيف بسائر الناس وفيهم مَن فيهم ، حتى بلغ الأمر إلى أن يشتم بعضهم بعضاً ، بل إلى أن يتعاون البعض مع أجهزة المخابرات وشاية بالبعض الآخر تحت عنوان «المصلحة الاسلامية» ، فقدموا لهم المعلومات ، وأضافوا إليها المبالغات والمخاطرات ، وقامت تلك الأجهزة بإخراج بعض العلماء والمثقفين ، وتنفّس البعض الآخر الصعداء لأنّ الأجواء قد صفت لهم ، فهم لا يطيقون رأياً آخر ، ولا يتحملون صوتاً معارضاً ولو كان ضعيفاً .
ولم يخلو العالم يوماً من الاختلاف ، قال تعالى : (ولو شاء ربّك لجعل الناس أُمّةً واحدة ولا يزالون مختلفين إلاّ مَنْ رحِمَ ربّك ولذلك خلقهم ... ) (هود / 118 ـ 119) ، إلاّ أن للاختلاف العلمي والخلاف الثقافي مجالاته ، وبعض مجالاته تخصصية تحتاج إلى أن تبحث في المعاهد ومراكز البحث أو في حلقات الدرس أو جلسات الحوار من المهتمين والمختصين بها ، ولكنّ الذي جرى أنّ البعض استغل طيبة الناس وبساطة بعضهم فبادر إلى إنزال الآراء العلمية والاجتهادات الثقافية إلى سوق ال مزايدة والتشهير ، فعاد العلماء «ضلالاً» وظهر المفكرون «منحرفين» في عيون البعض ممّن لا يعرفون تمييز المباحث ولم يسمعوا أو يعلموا بوجود تعدّد الرؤى والاختلاف .
وبين عشية وضحاها نجد مَن يخرج علينا باتهام أعلام الفكر وأرباب الاجتهاد ومفاخر الدين بالانحراف والضلال ، وغدونا نواجه أشكالاً من الاستبداد وأجواءً من تفتيش العقائد تذكرنا بالعصور الوسطى ، مع أنّ الاسلام قام على تعظيم العلم وإجلال العقل والدعوة إلى التفكر والانطلاق نحو الآفاق ، وكانت من آثاره إبداعات العالم الاسلامي في شتّى العلوم .
كما إن من خصائص مدرسة أهل البيت (ع) الفريدة وثمرات طريقتهم الرفيعة دعوتهم إلى إعمال الفكر وفتح باب الاجتهاد . فكان تأسيس الكثير من العلوم الاسلامية على يد الإمام علي (ع) وكان الإمام الصادق (ع) مرجع أرباب الفكر وملجأ أئمة العلم .
وكان دأب العلماء الربانيين وسنّة المفكرين المحققين في هذه المدرسة : تحرير الفكر ونفي الغلو ومواجهة التحجر والجمود في الجمود على ظواهر الألفاظ أو التمسك بأخبار الآحاد ، ودخلوا من أجل ذلك في صراع مرير مع السلطات الظالمة التي كانت تواجه العلماء وتمنع الحرّيات ، وقدّموا في هذا الطريق أغلى التضحيات وواجهوا أقسى الاتهامات والافتراءات .
وهذا دأب علماء مدرسة أهل البيت (ع) وأساطين العلماء وأرباب التفسير فهم يجتهدون ويختلفون وينتقدون الآراء ويحررون المطالب دون استعمال سيف القمع والتكفير أو سلطان الاتهام والتشهير ، وما نشهده اليوم من البعض ـ في القرن الحادي والعشرين ـ لأمر عجيب .
نعم ، لقد واجه الثائرون والمفكرون والمبدعون والمجددون مَن لم يستسلموا لواقع ألفوه ، ولم يستكينوا ويضعفوا عن مواجهة الظلم ، الاستبداد و ...
نعم ، واجه هؤلاء أقسى وأشدّ الاتهامات ، عبر التاريخ وفي عموم الحضارات وسائر الأديان ، ألم يتهم عيسى (ع) بالانحراف عن دين بني إسرائيل !! ألم يتهم النبي محمد (ص) بتسفيه عقائد الآباء !! ألم يتهم في تاريخنا المعاصر الإمام الخميني (قده) بالإلحاد لأ نّه كان يدرس الفلسفة !! ألم يمنع العلاّمة الطباطبائي من التدريس وبقى حبيس بيته لسنين طوال !! ألم يتهم أتباع الإمام الخميني (قده) بالماركسية حيناً وبالوهابية أخرى !! وأخيراً يأتي البعض ليتهم مفخرة الفكر ومعجزة العصر السيِّد محمد باقر الصدر بالانحراف والالتقاط !!!
تلك سنّة تاريخية ، ولكن العجيب أن يعيد التاريخ صفحات غابرة ، وإن كان الزمن لا يتوقف عند ذي وذاك ممّن اختاروا العيش بعقلية الزمن الماضي أو التفكير بمنهجية التعصب والتطرف ، سواء كانوا هؤلاء من حُكّام الدنيا أو أعلام الدين ، وتلك أيضاً سنّة من سنن الله تعالى ، الذي جعل للانسان عينين لا تنظران إلى الخلف ووهب له عقلاً حيّاً ومتجدداً يتحرّك إلى الأمام باستمرار ، ويتطلّع إلى الآفاق على الدوام .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين
------------------------------------------------------------------------------------
هذا موضوع قيم للاستاذ / حسن احمد علي حول اراء وفتاوي التبريزي التضليلية في سماحة اية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (دام ظله) ومن ايده من العلماء والمؤمنين حفظهم الله تعالى0
----------------------------------------------------------------------
----------------------------------------------------------------------
الموضوع سلسلة في حلقات مترابطة لذلك من الافضل التواصل معه وقرائته بكل اجزائه00
الحلقة الاولى : هل نقد المراجع بموضوعية تقييم مشروع او تسقيط ممنوع؟
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=408
الحلقة الثانية : الشيخ التبريزي واركان الاعتقاد المبتدعة
[http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=419
الحلقة الثالثة : مع الشيخ التبريزي في ارائه وفتاواه ( اسس الولاية والاعتقاد)
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=437
الحلقة الرابعة : مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه / بدعة التكفير على اساس التاريخ
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=463
الحلقة الخامسة : مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه (5) شهادة الزهراء (ع) و دليله في ادانة مخالفيه
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=481
الحلقة السادسة : مع التبريزي في آرائه وفتاواه (6 ) الجزء الثاني من مناقشة مسالة شهادة الزهراء(ع)
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=495
الحلقة السابعة: مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه (7)/ مناقشة المنهج الذي قامت عليه فتاويه التضليلية
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=508
الحلقة الثامنة : مع الشيخ التبريزي في آرائه وفتاواه (8)/ حذاري يا شيخ من مؤامرات «الحواريين» )
http://www.manaar.com/vb/showthread.php?t=533
----------------------------------------------------------------------