المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لا تحرم أولادك من الضحك غداً! ........ انيس منصور



سمير
05-26-2005, 06:30 PM
انيس منصور

عزيزي المسؤول فلان..

قرأت شكواك في أحد برامج التلفزيون.. ولم تعجبني.. ولو استطعت لمددت يدي إليك على الشاشة وسددت فمك. فأنت لا تعرف المعنى الحقيقي لهذا الذي تقول. أضحكتني وأنت شديد الحزن على الذي عاناه أحد أبنائك في إحدى الرحلات. وتقول حزيناً إنه لم يجد ما يأكله. ولا وجد مكاناً ينام فيه. وهو الذي يملك شقة خاصة وسيارة ويسافر مرتين كل سنة: شتاء وصيفاً إلى أوروبا وإلى استراليا.

أنت لا تعرف ماذا سيقول ابنك عندما يكبر. سيحكي هذا الذي حدث له على أنه نكتة. على أنه من مظاهر تاريخه الجميل. وسوف يجد حكايات وروايات لأولاده وأحفاده فلا تحرمه من هذه المتعة بأن تصنع منها مأساة!

وأنا أستطيع أن أملأ هذه الصفحة بحكايات أعجب وأغرب وأعنف من حكاياتك أنت وابنك.

أذكر أننا ـ د. عبد العزيز حجازي أحد رؤساء وزراء مصر، ود. عبد المنعم البنا رئيس البنك المركزي، ود. حسن عثمان أستاذ الجغرافيا الذي ترجم الكوميديا الإلهية للشاعر دانتي، ود. مراد كامل أكبر علماء اللغات السامية، الذي يتكلم 17 لغة، واللواء عادل نجيب محافظ المنيا ـ كنا في رحلة إلى إيطاليا. ولم نجد مكاناً ننام فيه. فذهبنا إلى أحد الأديرة في نابلي. ووافقوا على المبيت يوماً واحداً بشرط فقلنا لهم: اشرطوا. فقالوا: لا سهر طويلا.

وإنما تجيئون الساعة العاشرة مساء. وإلا وجدتم أبواب الدير مغلقة. وفعلا وقفنا أمام باب الدير في الساعة الثالثة صباحاً. الباب كبير طويل عريض، صفين من الحديد أو من الخشب الذي كأنه الحديد. واستطاع اللواء نجيب أن يدفع مفتاح الباب ليسقط فوق صحيفة كان قد وضعها على الأرض، ثم سحب الصحيفة ومعها المفتاح وتسللنا إلى داخل الدير عندما أضيئت كل الأنوار، وظهر عدد من الرهبان. ولا كلمة منهم. ولا اعتذار منا مقبول. وأشاروا بأيديهم الى أن نجمع أشياءنا وأن نخرج فوراً. وخرجنا. وجلسنا أمام الباب حتى طلع النهار.. ها ها.

مرة أخرى ذهبت مع قوات الطوارئ المصرية إلى الكونغو تحت علم الأمم المتحدة بقيادة الفريق الشاذلي، وعادت بنا الطائرة الأميركية بعد إقلاعها فقد تعطل جهاز التكييف وصارت كأنها قطعة من جهنم قابلة للانفجار. وأصلحوها. وعادت فوق السحاب عندما تحولت إلى ثلاجة. فقد تعطلت أجهزة التكييف. وأصلحوها. وعادت إلى الطيران وهبطنا فوق الكونغو. ونزلنا لنجد شيوخ القبائل عراة تماماً. وهمس في أذني طبيب دنماركي وقال لي: حاول ألا تصافح أحداً فهنا أمراض الزهري والسيلان متوطنة. وخلعت الجاكيت ولبستها بالمقلوب.. أي أنني مصاب في ذراعي ولا أستطيع أن أصافح أحداً.

ونمنا ـ ولا أقول نمنا ـ لأنني لا أجد في اللغة العربية كلمة تناسب حالتي عندما استلقيت على الأرض. وقفز زملائي إلى السرير الوحيد. ولا نعرف مفتاح النور لكي نخمد الضوء حتى لا يتجمع حوله البعوض والذباب والصراصير وحشرات أخرى لا تكف عن الطنين والطيران والتساقط علينا. وخلعت الجزمة وحطمت بها المصباح الوحيد المضيء. وكانت ليلة حمراء إذا نظرت إلى عيني. سوداء إذا نظرت إلى الغرفة ليلا ونهاراً. ملتهبة إذا رأيت آثار الحشرات على الوجوه والأيدي.. ها ها.

وفي ليلة مقمرة على شاطئ وكيكي في جزر هاواي. المحيط الهادي هادئ فعلا. حرير. قطيفة. فضة والشاطئ نام كالأشجار والأمواج والبنات. ولا أعرف لماذا قررت وحدي أن أتمدد على إحدى الأشجار التي انحنت وتكسرت وتثنت كأنها راقصة، لم تكد تراني حتى تحولت أغصانها إلى حضن عريض. ولم أتردد وألقيت بنفسي في حضنها. وجاء النوم الهادئ الجميل ولما فتحت عيني وجدت الشمس قد ملأت الدنيا دفئاً في الجو وذهباً في الماء، ثم هذه المأساة. لقد وجدت الشجرة بعيدة جداً عن الشاطئ. لقد جاء المد والجزر وباعد بين الشجرة والشاطئ. وظللت في موقعي هذا ساعة. ساعتين ثلاثاً. وأنا لا أعرف السباحة. وأطلب من كل من أراه أن ينقذني. الرجال يضحكون والبنات لا يسألن فقد ظنن أنني أعاكسهن. ولو كنت على الشاطئ لفعلت. ولا أحد يصدقني. حتى جاء طفل صغير. ونزل وحده إلى الماء. واقترب واقترب. فوجدت أن الماء يصل إلى ركبته.. ياه. إن الماء هكذا ضحل. ونزلت إلى الماء إلى الشاطئ.. ها ها.

سيدي العزيز.. حكايات سوف يرويها أولادك ويضحكون. فلا تحزن عليهم. شجعهم على أن يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة فلا خوف. إنها ضحكات مؤجلة!